الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
للسفينة بحر ..
عبدالكريم الكيلاني
شاعر وروائي
(Abdulkareem Al Gilany)
2014 / 8 / 26
الادب والفن
غادرت السفينة ميناءها نحو مغامرة مجهولة، لم تردعها الأمواج العاتية التي تمنح قلب البحر نبضه.
غادرت وهي تشكو من تصدّعات وانشقاقات في بنيانها وجسدها المتهرئ بفعل الزمن.
رفعت مرساتها بعد أن أوشكت على الغرق منذ أن حطّت آخر مرة في احدى موانئ جزر الموت البعيدة عن مدن التحضّر والبلدان المتحررة المتقدمة، غادرت ميناءها وهي عازمة على الموت في عرض البحر، حيث النهايات مفتوحة والسماء غارقة في الأفق البعيد ولا أرض على مرمى البصر، هذه المرة آثرت أن تقود نفسها بنفسها بلا ربّان ولا ملاّحين ولا مسافرين، كيف لا وقد جعل منها هؤلاء خشبة منخورة لا تنفع ولا تضر بفعل التجارب البحرية والرحلات الغير محمودة العواقب منذ سنوات خلت، حتى باتت آيلة للغرق في أي لحظة، إذاً لا مناص من المغامرة هذه المرة طالما أن الهدف هو البحر نفسه، فالمغامرات السابقة ألّفت بينهما وزرعت نبتة الثقة في جسديهما فما عادت المخاوف تهيمن عليهما والألفة والتراحم أصبحت أقوى بينهما.
حين أطلقت السفينة صفارتها أيقنت بأن الرحيل سيكون بلا عودة، فالعودة في حالتها مستحيلة، والبحر لا نهاية له، لكنها كانت مصرّة على الابحار، فليالي البحر ساحرة، والنجوم في عرضه أجمل من النجوم التي كانت تراها في الميناء، فهي تسبح كل ليلة لترسم لوحة، لا يمكن أن تضاهيها جمالها في أعالي السماء.
النجوم تداعب البحر، ترقص معه كل ليلة على خرير الماء وأنغام الصمت والسكون، البحر يمسك بخصر النجمة وعلى انغام الليل يرقصان حتى الفجر، ومن حولهما الامواج الهادئة تتمايل طرباً، السفينة المتمردة الحالمة بالإبحار الى حيث لا مكان، تغفو على صفحة الماء، وهي ترمقهما بنظراتها الحانية، والبحر بدوره يبعث الدفء لجسدها المترهّل وكأنهما أحياء تدبّ فيهما روح واحدة.
نعم، للبحر أسرار ومديات وأذرع كثيرة وطويلة قد تمسح اكتاف السفينة بحنو وقد تلتفّ حول عنقها وتسحبها الى عمقه بشراسة، لكنها مغامرة والسفن ليست معصومة من الغرق لكنها تخاطر بلا خوف أو تردد، فهي لم تُصنع الا للمخاطر واكتشاف المجهول والبحث عن الحياة في هذه الارض الماكرة، ولطالما كان الربان يقودها في مسار واضح له بداية ونهاية، الا انها ابداً لم تجد اللذة في احتواء البحر لها بسبب سيطرة قبطانها عليها، آن الأوان حتى تبحث عن ذاتها وسر وجودها في المحيطات والبحار.
تدكّ الأمواج العاتية اطراف السفينة، تقذفها يميناً وشمالاً، تصفعها بنوبات مجنونة، وهي تقف بوجهها بلا ملل ولا رهبة، فالكفاح سمة كونية تتّصف بها كل اشكال الحياة في كوكبنا المبتلى بالقسوة والجبروت والأنانية والتسلط وحب الذات، انه سر الكينونة.
وبالرغم من أن السفينة ستتحطم لا محال يوماً ما لكنها لن تتخلى عن ابتسامتها وحبها لسبر أغوار المجهول، فموسيقى الحياة تطرب، وتبث روح المقاومة والتحدي في جسد التفاصيل، والرقص على اكتاف الموت تمنح البهجة جمالها، ولكل سفينة بحر .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح