الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نعي الانسان الكاره للجهل والعنف ..

غالب العاني

2014 / 8 / 28
سيرة ذاتية



في نعي الانسان الكاره للجهل والعنف ..
محطات عشتها مع الفقيد الراحل الدكتور عزت مصطفى
الدكتور غالب العاني
هذه الكلمات بحق الشخصية الوطنية المعروفة ،الذي رحل في الـ 23 من أب الجاري في الغربة بعيداً عن وطنه الذي احبه وخدمه بصدق و اخلاص بعيداً عن مسقط رأسه ( عانه) التي اغرقها صدام لأن كما يقال : يوجد في الرأس الشرقي منها محلة باسم العوجه كان يقطنها اليهود الذين جاؤوا وسكنوا في هذه المدينة منذ السبي البابلي .. وكما يقال ايضاً فأن هذه المحلة مع اهلها انتقلت الى احدى ضواحي تكريت وكما نعلم انها مسقط رأس صدام حسين .. حيث شكلت عبئاً وهاجساً لصدام فقرر بناء سد حديثة من أجل اغراقها ومسح الذاكرة عنها ..
اثناء دراستي سنوات الابتدائية في بغداد في مدرسة السفينة/ الاعظمية كنا نتسابق للحصول على درجة نجاح جيدة كي يرسلنا اباؤنا الى عانة في الصيف لنقضي فيها عطلتنا ونسبح في نهر الفرات الخالد ونعبر الى الجزر التي تتوسط النهر ونأكل من الفاكهة الطازجة مثل المشمش والرمان والبرتقال وكذلك نستمتع بأكل التمر الطري الاشرسي والبرحي والبربن وغيرها من طيبات عانة ..
بعد ان تم اغراق عانة الاصيلة تقرر بناء عانة الجديدة التي سميت بالـ ( الريحانة) القريبة من السد..
سأتابع محطات من ذاكرتي في سنوات مختلفة كنت قريباً منه من بدء عودتي للعراق بعد استكمال دراستي الطبية في مدينة هامبورغ الالمانية في الشهر الخامس من عام 1968 ، الى بغداد .. أذ دعاني الفقيد عزت الى حفلة غذاء وتحدثنا كثيراً وأخبرته برغبتي في العمل في احدى مستشفيات العاصمة وكعادته على الفور اتصل بالتلفون بعميد كلية الطب أنذاك الدكتور تحسين معله وطلب منه تعييني في احدى المستشفيات .. وبعد ان حدد لي موعداً للقاء استكملت معاملة التعيين و بدأت العمل بمستشفى الجمهوري التي اصبحت لاحقاً مدينة الطب من بداية حزيران عام 1968 ..
وفي منتصف حزيران تم استدعاؤنا للاحتياط في الجيش وكنا ما يقارب الـ 400 طبيب وطبيب اسنان وصيدلاني ولم يكن بيننا اي بعثي.. لأن الغالبية العظمى من هؤلاء الخريجين كانوا من ايفاد ودراسات في الدول الاشتراكية ..
وعند وصول حزب البعث للسلطة من جديد في 17/30 تموز 1968 بدأوا يزجون اشباه من الاميين بين صفوف المشمولين بالاحتياط من دورتنا وأخذوا يراقبون تحركاتنا الذين اصبحوا ضباط واستحكموا بالمؤسسة العسكرية فيما بعد ..
وفي منتصف الشهر الثامن كنا 32 طبيب وطبيب اسنان وصيدلاني اول ضحايا حزب البعث في عهده الجديد !! .. حيث طلب العريف ممن يقرأ اسمه بالاصطفاف في الجانب الآخر وأتشرف بأن أكون أول من قرأ اسمه مع الاخرين .. وطلب العريف منا جمع حاجياتنا ومغادرة موقع معسكر الرشيد فوراً والذهاب الى وزارة الدفاع للاستكمال معاملة التسريح الفورية ..
غادرت الى دارنا في الأعظمية واتصلت مباشرة بالفقيد عزت بصفته وزيراً للصحة ولما قلت له مرحباً عمي بحكم قرابتي منه واحتراما له .. أجابني مندهشاً ..مو انت في الاحتياط ماذا تفعل الآن في البيت ؟!! .. إذ كان لا يعرف شيئاً عن طبيعة هذه الاجراءات وتفاجأ بها بالرغم من وجوده في قيادة السلطة وعضوية اعلى مؤسساتها .. عضو مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية .. وطلب مني التوجه الى وزارة الصحة اثناء دوامه الصباحي .. ذهبت اليه وقال لي: انت زوجتك المانية ومن الافضل ان تبقى في بغداد و انأ لا اريد ان اتجاوز القوانين والتشريعات لذلك سأوظفك في مدينة الطب قسم التخدير .. بعد سنة سأرسلك الى التخصص لتعود وتستلم مستشفى الرازي التي كان له فيها نسبة 60% مع شركاء آخرين .. وهذا الذي حدث فعلاً ..
في عام 1974 زمن الجبهة تقرر ارسال وفد طبي كبير الى جمهورية اليمن الديمقراطية وكنت ضمن هذا الوفد .. وعند مراجعة الفقيد الدكتور ابراهيم النوري رئيس الوفد آنذاك للحصول على تأشيرة جماعية للوفد فوجئ من قبل مديرية الامن بأن الدكتور غالب العاني ممنوع من السفر وكان مؤشر في أضبارته بخط احمر وعليه رفع المنع اولا ..
في الحال ذهبت لأعلم ممثل الحزب الشيوعي العراقي في لجنة بغداد للجبهة.. الذي نصحني بالاتصال بعمي عزت ليحل الموضوع ويرفع المنع .. ذهبت اليه من جديد في الوزارة وأخبرته بالذي حدث واتصل فوراً بمدير الجوازات وتمت الموافقة عل سفري ..
في عام 1976 جاء الفقيد الى داري في الأعظمية لتناول وجبة باچة التي يحبها خاصة اذا كانت مطبوخة من والدتي ام جميل .. بعد ان استكملنا الغذاء وطلب مني ان نتمشى في الحديقة .. صحبته وهو يحتضن يدي اليمنى ويسألني .. اشلون شغلك؟ .. اجبته والله شغلي كلش هوايا .. وأنا متعب ومرهق .. اعمل كما تعرف في مدينة الطب من السابعة صباحا ًحتى الثانية ظهراً .. وبعدها اذهب اما لمستشفى الرازي او الآلوسي .. وبعدها تأتي المهمات العديدة الاخرى ..( كان يعرف اني ممثل الحزب الشيوعي العراقی-;- في نقابة الاطباء) وقال لي .. غالب اريدك ان تكثر من شغلك في المستشفيات كلها .. وتقلل من شغلك في الاماكن الاخرى .. وهذه لعمري كانت دون شك اشارة واضحة بأن هناك طبخة كبيرة قريبة ضد الشيوعيين وقد اخبرت حينها على الفور قيادة الحزب متخطياً ارتباطي الحزبي بحكم خطورة القضية .. ولكن كانت مع الاسف الجبهة الوطنية والقومية التقدمية هي بيت الخراب والعائقة لتفكيرهم وشل اية مبادرة مطلوبة للتراجع فی-;- حالئ انفصام الجبهة .. وتلك الجبهة كما تعلمون كانت قد قامت منذ عام 1973 على اسس غير متكافئة بين الطرفين ..
في عام 2006 اثناء رحلتي من دمشق الى الرمادي ومن ثم بغداد .. اتصلت بالفقيد في عانه وطلب مني السفر اليه هناك وهكذا وصلته في اليوم التالي .. كان قد اقام وليمة كبيرة كعادته .. وهنا بدأنا نتحدث حول العديد من المواضيع ومنها استفساري منه : كيف كان موقفك كوزير صحة من ملاحقة الشيوعيين وما حل بهم في شباط عام 1963 وكانت اول مرة اثير هذا الموضوع الحساس معه .. فأجابني قائلاً:
ـ ارجو ان تعلم بأن وزارتي هي الوحيدة التي لم يتأذى بها اي شيوعي ولم اقبل بأذية اي موظف يعمل في مؤسساتها .. بعد ان شربنا القهوة .. ذهب للحظة ليعود وفي يده دفتر وصولات .. وبدون ان استفسر عن مضمون الوصولات بادر هو .. بالكشف عن ما فيها من دفع مبالغ موثقة كمساعدات مالية لكوادر حزب البعث ومنهم صدام حسين ايضا وذلك عام 1966ـ لغاية 1968..
في عام 2004 في زيارتي له في داره بالمنصور اخبرته بأن الرئيس جلال الطالباني يرغب في مقابلتك.. هذا ما طلبه مني احد الاخوة الاكراد في سد دوكان اثناء تواجدنا في مؤتمر الاخوة العربية الكردية الذي عقد في اربيل .. كان جوابه بالحرف الواحد .. خلي ايروح هذا ... .. لا ما اريد اشوف اي واحد منهم ..
وكان رحمه الله كريم النفس و عزيزها وطني صادق يكره الطائفية والتعصب القومي الشوفيني وكل ما له صلة بالعنف و اشكاله .. وموقفه في قضية خان النص تبرهن على صدق عراقيته ووطنيته وحرصه على ارواح الناس من العراقيين بغض النظر عن هويتهم وقد ضحى بمستقبله وكاد أن يضحي بحياته من أجل ان لا يعطي مجالا للتناحر الطائفي في العراق ..
لقد تقدم وتطور العلم والطب وكذلك الخدمات الصحية في فترة مسؤوليته لقطاع الصحة بفضل سهره على تقديم تلك الخدمات الى كل المواطنين دون تمييز وعندما اضطررت لمغادرة العراق عام 1980 مثل المئات من الكوادر العلمية والاجتماعية والسياسية قسرا ًوحصلت على عمل كطبيب مخدر في احدى المستشفيات الجامعية في هامبورغ وأقولها بفخر وصراحة ان اجهزة التخدير التي كنا نستخدمها في مدينة الطب في بغداد كانت احدث مما كان مستخدماً في مستشفيات المانيا في حينها .. والفضل كل الفضل يعود للفقيد عزت الانسان النبيل الذي يحب العلم والعلماء والوطن ويكره الجهل والعنف .. الرحمة .. كل الرحمة للفقيد عزت مصطفى ( ابو بسمة ) .. الذي ترك الكثير مما يمكن روايته والحديث عنه مستقبلاً ..

ــــــــــــــ
هامبورغ 28/8/20014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE