الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوسل في العقلية العربية

محمد خضر خزعلي

2014 / 9 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نفهم من استاذنا وليد عبدالحي ان المنظومة المعرفية لأي مجتمع تتكون من:
1-المعلومات التي يختزنها الفرد عن الذات والاخر والكون .
2-الترابط بين مجمل تلك المعلومات ، اي العلاقة بين معلومة واخرى ، بصرف النظر عن هذه الترابطات سواء كانت صحيحة او خاطئة.
3-سلم قيمي يحدد نمط السلوك كنتيجة للعاملين السابقين.
اساس التميز بين المجتمعات لا يكون في مجمل المعلومات التي يعرفها كل مجتمع ، بل الاساس هو في طبيعة ترابط تلك المعلومات ، ويعطينا مثال رائدي الفضاء السوفيتي جاجارين والامريكي ارمسترونغ مثالا واضحا على طبيعة الترابط بين المعلومات ، حيث الاثنان لديهما نفس المعلومات تقريبا ، لكن احدهما اكد ايمانه بالله لحظة وصوله للقمر والثاني تساءل اين الله بعد دورانه حول الارض.
لأعطي مثالا صارخا على ما سبق هو ذاك الصراع بين تيارين ايمانيين اثنين ، الاول التيار المادي الالحادي ، والثاني التيار المؤمن بالله ، وكثيرا ما نرى ذاك الصراع فيما بينهما على قضية إثبات الله من عدمه ، فالتيار الأول يقول بعدم وجود إله ، والثاني يذهب لتأكيد وجوده.
في الحقيقة فإن كثيرين من أتباع المذهبين هم مؤمنون بالضرورة كما يقول الأستاذ أسامة عكنان في إحدى دراساته ، فالتيار المؤمن هو مؤمن كما يدعي بوجود الله ، لكن المشكلة في التيار الثاني الذي يقول بعدم وجود إله في حين أنه- أي تيار الماديين - يلصق على ازلية المادة صفات الله الثلاث الأساس وهي : القدم ، الدوام ، الإرادة ، تلك الصفات التي تبنى عليها باقي الصفات الأخرى....!
وهنا تبدو مشكلة هذا التيار الإلحادي أنها فقط مع مفردة "الله" ، فهو يرفضها ويسرق صفاتها ويلصقها على المادة فتغدو المادة كما الله ، وهنا يكون هذا التيار مؤمنا كما التيار الإيماني المؤمن بالله.
هذا المثال هو مثال على تيارين يختلفان في المعلومات التي لديهما ، لكنهما لا يختلفان أبدا في طبيعة الترابط بين معلوماتهما ، وبالتالي السلم القيمي المتكون من المعلومات وطبيعة الترابط فيما بينها ، مما يدلل على أن الأهم هو طريقة الترابط وطبيعتها بصرف النظر عن مجمل المعلومات التي تمتلكها ، وهنا كان لدينا فريقان لكن لديهما نفس طريقة الترابط في المعلومات مما أنتج لنا شكليا تيارين ، لكن جوهريا هما تيار واحد ، وهو تيار مؤمن بصرف النظر عن مسمى ما يؤمنون به ، أكان الله أم المادة ام إله أخر...الخ.
وهنا نرجع مرة أخرى إلى الأستاذ وليد عبدالحي ، لنرى هل أصاب التغير المنظومة المعرفية للتيار الإلحادي في البعد الميتافيزيقي للمنظومة المعرفية ؟
نستطيع القول بأن هذا التيار أي التيار الإلحادي لم يصبه أي تغير جوهري في البعد الميتافيزيقي لمنظومته المعرفية باستثناء البعد الشكلي ، فما يزال كما التيار المؤمن يذهب للإيمان بقوة خالقة ومدبرة لكن ليست هي الله بل هي المادة ، وما دمنا نهتم بالنتائج فان النتيجة واحدة، على ان طبيعة الترابط بين المعلومات لكلا التيارين متشابهة لحد التطابق ، فكلا التيارين مؤمنين ، الأول بالمادة والثاني بالله ، مع ضرورة الانتباه إلى أن التيار المادي قد ألصق صفات الله على المادة ، مما يدلل على قولنا هذا ، أي بعد التغير.
هذا وقد ذهبت إحدى الدراسات السنيمائية لدراسة 300 فيلم من مختلف أنحاء العالم ، وكانت نتائج الدراسة منصبة على كيفية حل عقدة الفيلم في عينة الدراسة السابقة وكانت نتائجها كما يلي:
1-تحل عقدة الفيلم الأمريكي باستخدام القوة غالبا ، فثقافة الكاوبوي مسيطرة إلى حد ما على المجتمع الأمريكي ، تلك الثقافة التي تعتبر القوة سمة أساسية في مجتمعها ، فالكاوبوي رمز الخير الذي سينتصر على قوة الشر.
2-تحل عقدة الفيلم الأوروبي غالبا بالقانون.
3-تحل عقدة الأفلام الشرقية غالبا بتدخل القدر لإنقاذ البطل ، ففي آخر اللحظات يتدخل القدر فينصر البياض على السواد .
هذه الدراسة تعد في أحد أوجهها تعبيرا عن المنظومة المعرفية للمجتمعات والتمايزات التي يمكن الاستدلال بها على كيفية الترابط بين المعلومات التي يختزنها هذا المجتمع أو ذاك.
لو أتينا إلى المستوى العربي الآسن ، فسوف نرى تيارات فكرية عدة ، منها الديني ومنها العلماني وغيرهما ، وهموم التيارات الفكرية المتعددة في ظاهرها هموم واحدة ، وهي تحسين الوضع العربي عموما وتحقيق كل من : النهضة ، الديمقراطية ، وحقوق المواطنة ، إلى آخر ما هنالك من أهداف نبيلة ومشروعة يطمح لها القاصي والداني .
هذه التيارات ، وعلى الرغم من الخلفيات المتعددة التي تعتمدها كأساس للعمل في تحقيق مشروعاتها ، إلا أنها متشابهة في طبيعة الخطط والخطوات والدرجات وآليات العمل لتحقيق تلك المشروعات.
والأمثلة كثيرة وقد لا تحصى ، لكني سأطرح مثالا جامعا للتيارات المختلفة في المجال السياسي.
لدينا عربيا التيار العلماني والتيار الديني الإسلامي ، كنماذج من التيارات الكبيرة في العمل السياسي ، وللوهلة الأولى يبدو أنهما يختلفان عن بعضهما البعض في طبيعة التعامل مع الأمور وتحقيق الأهداف ، لكن قد يكون الأمر على خلاف ذلك ، ولهذا سأعرض مثلا قول وموقف التيارين من بعض الأمور المعاشة حاليا :
في ما يخص موضوع الديمقراطية والحرية فالتياران الديني والعلماني يناديان بهما ، ويبدو أن كل تيار على خلاف كبير عن طبيعة أساليب وأدوات التيار الثاني لتحقيق المراد ، لكن في الحقيقة ومن ناحية الجوهر يبدو أن كلاهما متشابهان.
أ‌- التيار الديني ينطلق من شعار "الإسلام هو الحل":
يذهب الأستاذ جورج قرم للقول بأن هذا الانتشار الواسع للشعار كان ردة فعل على عدة عوامل مختلفة من سياسية الى اقتصادية الى اجتماعية لم تشهدها الدول العربية منذ نشأت التيار الديني عام 1928 عندما تأسست جماعة الاخوان المسلمين في مصر على يد حسن البنا ، حيث كان هناك أثرا بالغا لفشل عمليات التنمية والخصخصة في عقد الثمانينيات ، وتزايد تعداد السكان الذي لم ترافقه عمليات تنمية حقيقية بسبب عدة عوامل منها آليات تعامل البنك الدولي والشركات المتعددة الجنسيات ، كما أن الفشل في حل القضية الفلسطينية وما شهدته المنطقة العربية من حروب واحتلال للعراق ، كل مجمل تلك الأمور وغيرها قد أدى الى ردة فعل على سياسات الأنظمة العربية لتحقيق المأمول به من خلال رؤى جديدة تصدرتها التيارات الإسلامية لتحقيق الكرامة العربية ، وزاد نشاطها بفعل التطور التكنولوجي والمحطات الإعلامية الدينية وحصول هذه التيار على بعض الدعم المالي من بعض الدول.
حيث طرحت الحركات الإسلامية نفسها كمشروع نشط وبديل بعد عقد الثمانينات لتحقيق التنمية وتحقيق العدالة والازدهار بعد فقدان الشعوب الأمل بسياسات الأنظمة العربية ، لكن المشكلة في هذا التيار أنه يعاني من الانقسامات الكثيرة بين أجنحته ، ومن ناحية أخرى لم يقدر على تقديم نموذج تطبيقي للمسائل التي تعهد بتغيرها على أرض الواقع ، مما أبقى مسألة الحلول وتغير الواقع والتقدم مرهونة بمدى رضا الله عنا.
ب-التيار العلماني: ينطلق هذا التيار من رؤية مفادها ضرورة علمنة الفكر العربي الإسلامي لتحقيق الحرية والديمقراطية والنهوض بالدولة ، كما يطالب هذا التيار بضرورة حصر الدين في القضايا الأخلاقية والتربوية والحاجات الروحية ، ويعارض هذا التيار قيام الدولة على أساس دين رسمي واحد ، لأنه قد يحرم الأقليات من بعض العدالة والمساواة مع الأغلبية الدينية كما أنه يتعارض مع الحرية ...إلخ.
لكن العجز في علمنة الخطاب العربي الإسلامي ، وعدم قدرته على بلورة مشروع ينضوي تحته الكل ويساهم في تقديم رؤية واضحة وأهداف محددة ، أدى إلى الإبقاء على الوضع العربي الآسن واللجوء إلى التوسل.
التياران يريدان التغيير وتحقيق العدالة والمساواة والنهوض وتحقيق الديمقراطية كلٌ حسب مفهومه ، لكن الفشل في تحقيق ما يقال ويخطط له قد يكون نتيجة إلى عدم الفعل والاتفاق على الأفعال ، وربما يعود إلى ثقافة منحرفة هي ثقافة التوسل لتحقيق ما نريد.
التيارات الدينية تلجأ في خطابها كمضمون واضح إلى توسل الله , فمفهوم الله الذي لديهم يتوقعون منه وفيه كل شيء مهما كان عجزهم عن القيام بما يحقق الأهداف ومهما كانت الظروف ، في حين نرى التيار العلماني يرى في الدول الأخرى كالولايات المتحدة مثلا مساعدا سحريا كما الله لتحقيق الديمقراطية والتنمية ، وهذا ما يظهر من دعاوي المعارضات العربية للتدخل ضد الأنظمة العربية لإزاحتها أو ما يظهر من توسل بالولايات المتحدة للقضاء على داعش سواء من الأنظمة القمعية أو المعارضة على حد سواء دون أن يقوموا بأدنى جهد للقضاء على داعش فكريا ، فداعش قبل أن تكون تنظيما فهي ظاهرة معشعشة بالعقول.
وخلاصة الأمر نرى أن التوسل ثقافة ، وآلية نلجأ إليها عند العجز ، نقول الإسلام هو الحل ، وبعد الفشل المرير ندعو الله ونتوسل به بكل شيء دون أدنى تفريق بين التوكل والتواكل ، ونخترع الأدعية الزاجلة والمقفاة والموزونة علّه يستجيب لنا ، وإذا كنا علمانيين نقول بضرورة علمنة الفكر والخطاب العربي الإسلامي لتحقيق الديمقراطية، وعندما نعجز نتلقف الميكروفونات لنداء المحتل لتحقيق الديمقراطية مستلهمين المقارنة الفاسدة بين النهضة اليابانية والألمانية بعد الحرب العالمية الثانية ، وهنا نذهب للقول بأن الحرب تؤدي إلى النهضة والديمقراطية دون أدنى تفريق بين الحرب العالمية التي كانت بين دول استعمارية تحارب للمحاصصة العالمية والتي كانت كل من ألمانيا واليابان جزءا منها، وبين حروب الاحتلال التي تقوم على مص دماء وخيرات وتجهيل شعوب الدول المحتلة.
هنا لا نرى أي تغيير للمنظومة المعرفية لكل من التيارين العلماني أو الديني على الرغم من اختلاف المعلومات التي يمتلكها كلٌّ منهما ، فما زالت طبيعة الترابط بين المعلومات متشابهة ، في حين أن البعد الميتافيزيقي الذي أتينا على ذكره لم يتخلله أي تغير ، فبصرف النظر عن طبيعة شكل المعلومات للتحقيق النهضة ، فإن الترابط ما يزال متشابها بين التيارين ، ومن ناحية أخرى فإن التغير هو بالشكل لا بالجوهر ، فما زلنا نبقي على التوسل وهنا لم يتغير البعد الميتافيزيقي ، فالتوسل بالله أم بالدول أم بالأشخاص من حيث الجوهر هو واحد ويدلل على فشلنا في التنظير والتطبيق ، حيث أن المشكلة مشكلة توجه كهذا لا مشكلة الفكرة أساسا ، فهذا التوجه هو من التوجهات غير المنتجة وتعيق نمو الإنسان وتقدمه ، وتكمن المواجهة والتحدي في القدرة على الخروج من هذه العلائق الباهتة والمضرة ، وضرورة دراسة الكيفيات والظروف التي تؤدي إلى هكذا طبع أو توجه لدى الشعوب للحيلولة دونها والخروج من دوامتها ، وضرورة الخروج مما قالته اليهود لموسى: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 9 / 4 - 14:27 )
• الإلحاد مرض نفسي :
- يقول عالم الفلك (فريد هويل ) في كتابه mathematics of evolution p.130 : (في الحقيقة كيف لنظرية علمية واضحة جداً تقول أن الحياة جمعها عقل ذكي ومع ذلك فإن الشخص يتعجب ويتساءل، لماذا لا يقبلها بشكل واسع باعتبارها بديهية ‍‍‍…لكن أغلب الظن أن الأسباب نفسية أكثر منها علمية) .
- كتب العالم النفساني الشهير (كارل يونج) قائلا :- (كل مرضاي يبحثون عن نظرة دينية إلى الحياة) , راجع : (عندما دقت الساعة صقرا) لجون تيلر .

• تابع :
- الحجة الكونية على وجود الخالق Fine-tuning & Cosmological constant :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?52146-الحجة-الكونية-على-وجود-الخالق-Fine-tuning-amp-Cosmological-constant
- إنكار وجود الله يقود الى إنكار وجود العقل :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?30627-إنكار-وجود-الله-يقود-الى-إنكار-وجود-العقل
- تسعة عشر سؤال أطرحها أمام كل ملحد .. فهل مِن مُجيب ..؟؟ :
http://laelhad.com/index.php?p=2-1-222

اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل