الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوايا الاعتزال

طالب عباس الظاهر

2014 / 9 / 4
الادب والفن


نوايا الاعتزال
طالب عباس الظاهر

أحقاً وصلت إلى نهاية المطاف، وأمده الطويل عبر هذه الأربعين عاماً المنصرمة...وربما أكثر؟ أأنا من يقرر خيار العودة بكامل وعيه وإرادته...وبلحظة أسطورية، بل أغرب ما عشته من لحظات عمري المنصرم، وأكثرها تطرقاً وتعقيداُ... و...و....! سأودع ماذا؟ نفسي...حياتي...الماضي...الحاضر، أم أنني أحاول أن أودع الأدب؟ أيستطيع أن يعتزل الكاتب فعلاً؟ أم هي محاولة مخاتلة للدخول بشكل آخر للمملكة، وارتشاف أكؤوساً مترعة بلذة الألم أو ألم اللذة...!
ما أكثر ما يضجّ في فراغ رأسي من أسئلة، وما أغربها...ولكن المهم حقاً: هل إنني سأنجح، ولو بنصف ما أطمح؟ لقد حاولت لمرات عديدة، ولكن ليس بجديّة هذه المرة، غضبت من استمرار فصول المأساة، تألمت لأنني دائما أتقهقر...متقدماً للخلف...!، تشبثت بخيوط أوهى من نسيج بيت العنكبوت، علـّها تسحبني عن ألسنة اللهب الصاعدة من احتراقاتي الذاتية، واستنجدت بقشة طافية على السطح علـّها تنقذني من فم أليم؟ حاولت الانتقام مراراً من سوء طالعي ومن... ومن...من أيّ غريم فعلي أو محتمل، فلم أجد سواي في هذه المعمعة، صرخت ولم يصمُّ الصراخ إلا أذناي و.. و.. و...!
وأخيراً تأكدت بأن الأدب هو السبب، من زاويةٍ ما، ربما حادة جداً، أو منفرجة أحياناً، ليس ذلك مهماً البتة، فأي شيءٍ سيغير من وجه الحقيقة نوع الزاوية، أو درجتها؟ إنما المهم جداً، أني أكتشف المجرم، وأضع اليد على الخيوط الخفيّة لجريمته، لأن الضحية لم تزل مضرجة بدم الهزائم والانكسارات، وبدم الغربة والإهمال ودموعهما...بل لم تزل بعمقي تتألم...مشيرة إلي بأصبع الاتهام. ..!
إذن، من الممكن جداً أن أسدل ستار النسيان، وأكتب كلمة الختام، وألقي السلام، ثم أستعرض أبطال المسرحية...المجاذيب أصحاء، والصم البكم .. يسمعون ويتكلمون، والميتون.. أحياء يرزقون ويضحكون كذلك...!
لعله من الممكن أن أبدأ من النهاية، بيد إني أتساءل: هل حقاً إن للحكاية بداية، وإن للنهاية بداية؟ أو للنهاية نهاية أصلاً؟ أم هي غلطة العمر القاتلة، وإحدى خيارات اللا عودة...أم ماذا؟!
لقد أرعبني هذا الكم الهائل من الضحايا...ملايين الكلمات،ألاف الصفحات، حشود من الأسئلة، أرعبني هذا الإصدار المستحيل على المواصلة، وهذا التيه...أربعون من الأعوام الماضيات من عمري القصير، أربعون... والحصاد البائس يتراكم، وتلُّ المأساة يعلو، وألسنة النيران تتسع، ودخان الحرائق يحتشد.
أجل.. لابد من قوةٍ ما، هي التي أمدتني بكل هذا الجنون...قوة ما - لا ريب- قد امتلكت دواعي ديمومتها، وتواطأت معي، أ فليس من حقي أن أفخر، بأن الإنسان بي له كل هذه المطاولة، وهذا العناد، لا بل... وإنه يبغي البداية من جديد، بالرغم من هذا العمر من الضحايا، وهذا الكم من الأشلاء، أ فليس من العدل إذن أن أطلب له قليلاً من ماء العرفان، وكسرة من خبز التقدير، وأزعل كثيراً حينما يصيره سوء الطالع بعوضة...! ويكافئه القدر بالإهمال، لا...ليس وهماً من أمدني بكل هذا الإصرار المستحيل على الجنون، والوهم كما أعرفه، لا يدفع ريشة، قيد أنملة إلى أيِّ من الاتجاهات الأربع، ولا حتى إلى الخلف، أم إنني اعتنقت الوهم فصار بي إعصار، إنها مسألة بناء منظم في اللاوعي، واقتفاء أثر الخرائط السرية في كينونة الإنسان...خطوط وهمية، تسحب إليها القرار غير المعلن، لكن الفرق بين الحقيقي والمزيف، فقط بكون الأول يمتلك الحيوية على الاستمرار والتطور والمقاومة، بينما الآخر يكون أقل نضجاً في سيره نحو الاضمحلال، ويناجز بعضه البعض بالنتيجة، في طريق التلاشي والنسيان.
إذن، لم تكن الأربعون سنة الماضية محض هراء...الدليل هذا الإصرار على الاستمرار، رغم الجدب والحرب، لكن ثمة سؤال أكثر خطورة من كل ما سبق، يقفز معلناً عن ذاته: يا ترى هل إنني سلكت السبل الصحيحة؟ أم إن الوهم قد زلَّ بي إلى مهاوي الخديعة، منذ أول خطوة على طريق الألف ميل؟ إنه فقط سؤال بريء، ودليل براءته إنني لا أحرَ له جواباً.
إن الإنسان مثلما هي الحضارات لا يمكن أن تسقطه أعتى التحديات الخارجية، بل ربما يكون فعلها فيه على العكس تماماً، أي تزيده تماسكاً وقوة، لكن الهزيمة تنخره ذاتياً، حينما يسكن ديدانها صميمه، ويدلـُّها إلى مكامن ضعفه، وهكذا تبدو بداية النهاية حتمية...أي بالعد التنازلي للسقوط، لكني أتساءل الآن: أحقاً إنني بعد كل هذا، أنوي التوقف والاعتزال؟ أم إنني أفتح أبواباً جديدة للاستمرار؟ لكن الذي ألمحه من خلال عتمة ضباب الذاكرة، إني فقط أطلب هدنة لا غير، ليس للانسحاب التكتيكي... وإنما للانقضاض بشراسة هذه المرة حتى الموت.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-