الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سايكس بيكو وأخواتُها

منعم زيدان صويص

2014 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


من المفارقات العجيبة أن العرب، بالرغم من تناحرهم المستمر وفُرقتهم، مغرمون بالحديث عن الوحدة، والدعوة إليها، وتعديد محاسنها وفوائدها. لقد شهدنا عدة محاولات للوحدة، أهمها وحدة مصر وسوريا في عام 1958، ووحدة العراق والأردن في نفس السنة، التي استمرت بضعة أشهر حتى إنقلاب عبد الكريم قاسم في 14 تموز، وكان هناك محاولة لتوحيد العراق وسوريا ومصر، ولكنها بقيت محاولة. وكان معمر القذافي بطل محاولات الوحدة، وخاصة في شمال إفريقيا، ولما رأى محاولاته في توحيد العرب تتعثر، فقد ثقته بهم وقلب لهم ظهر المجن، ونقل ولاءه لإفريقيا ووحدتها وحوّل اسم طيرانه من الخطوط الجوية العربية الليبية إلى الخطوط الجوية الأفريقية. وفشلت كل محاولات العرب الوحدوية ما عدا وحدة اليمن ووحدة الإمارات في الخليج. وحدة الإمارات لا تبدو في خطر، ولكن يظهر أن اليمن سيصبح مرة أخرى يمنيْن كما كان قبل عام 1990، فليس هناك أي دليل واضح أن هذه الوحدة ستصمد. ورغم حب العرب الكبير للوحدة، لم تحاول مصر، قبل أو بعد 1952، أن تُبقي على وحدتها مع السودان.

ولم يقتصر تأييد العرب هذا على وحدتهم هُم، بل أيدوا كل وحدة في العالم الثالث، وأدان القوميون واليساريون العرب كل الحركات الإنفصالية في التارخ الحديث، فلم ينظروا بعين الرضى إلى تقسيم شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان، واللوم طبعا وقع على الإنجليز، مع أن فكرة تأسيس باكستان، ومعناها الأرض الطاهره، كانت من أفكار الشاعر المسلم الكبير محمد إقبال ونفذها لاحقا محمد علي جناح الذي أصر على إنفصال باكستان عن الهند، ويحترم الشعب الباكستاني هذين القائدين إلى حد القداسة. واستمر العرب القوميون واليساريون في إنتقادهم لباكستان، خصوصا بعد إنضمامها لحلف بغداد، إلى أن بدأ المد الديني في العالم العربي والإسلامي، فتوقفوا. والحقيقة أن إنفصال باكستان كان لمصلحة المسلمين في شبه القارة. وشجب القوميون واليساريون العرب تقسيم كوريا وفيتنام أيضا، ولا أدري ماذا سيكون موقفهم إذا قرر أهل سكوتلاندا الإنفصال عن المملكة المتحدة في الإستفتاء القادم، بعد أيام من الآن، وأُعلنت سكوتلاندا دولة مستقلة.

في 19 أيار 1916، وأثناء الحرب العالمية الأولى، عقد الإنجليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا بيكو إجتماعا سريا لتقسيم التركة العثمانية فيما بينهم، والتي سيغنمونها بعد إنتهاء الحرب، وقررت الدولتان الإمبيرياليتان أن تكون سوريا ولبنان حصة فرنسا وأن تكون فلسطين وشرق الإردن والعراق حصة الإنجليز. وكانت الشعوب العربية في ذلك الوقت في غاية الضعف والجهل رغم أن فكرة القومية العربية كانت موجودة وخاصة بعد سياسة تتريك الإمبراطورية التي تبنتها جمعية الإتحاد والترقي التركية بعد عام 1908. ويُحب الكتاب والمثقفون العرب دائما التحدث عن هذه المعاهدة واعتبارها أساس الفرقة بين العرب، ومبنية على مبدأ فرّق تسد، وأنه لولاها لكان العرب، على الأقل شرق السويس، أمة واحدة.

والآن ماذا كنا نتوقع من المنتصرين في الحرب أن يفعلوا؟ هل كان باستطاعتهم، أو من مصلحتهم، أن يتركوا الحبل على الغارب ويدَعوا الفوضى تدب في هذا الجزء المهم والإستراتيجى من العالم؟ هل كان من الممكن للشعوب في الهلال الخصيب، أو في غرب آسيا، أن يظلوا موحدين على أية حال؟

من المفيد للإنسان، عندما يفكر في علاقاته مع الآخرين، أن يضع نفسه مكانهم ويسأل نفسه: ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانهم؟ تصور أننا، الشعوب العربية، نمثل دولة عظمى إستطاعت، بالتحالف مع دول عظمى أخرى وبعد أربع سنوات من الحرب، أن تتغلب على حلف معادي بعد أن خسرت ملايين الأنفس، ناهيك عن الدمار والخراب الذي لحق بها، وتطرد العدو من مساحات شاسعة من الأراضي والبلدان الكبيرة، وتصور أن هذه الدولة العظمى لها مصالح في هذه المناطق التي إحتلتها وتريد أن تحافظ على مصالحها ومصالح حلفائها. هل من المنطق أن نتوقع من هذه الإمبراطورية، أو القوة العظمى المفترضة، أن تدعوا لإجتماع عام لممثلى الشعوب التي "حررت" من الحكم العثماني وتقول لهم: أيها الناس ها قد حررناكم من الحكم التركي المتخلف ونريدكم الآن أن تتحدوا في دوله واحدة تمتد من حدود إيران إلى البحر المتوسط؟ لا أعتقد أننا سنفعل ذلك لو كنا في مكان هؤلاء الحلفاء.

بالنسبة للجزيرة العربية، كانت بريطانيا، قبل هزيمة تركيا بعقود كثيرة، تسيطر على جنوب اليمن وعمان ومشيخات الخليج، ولم يتدخل الإنجليز في اليمن الشمالي لأنهم لم يرغبوا في ذلك، ولم يكن باستطاعتهم عمل ذلك بسهوله، فاليمن الشمالي لم يخضع في تاريخه لا للعثمانيين ولا لغيرهم أبدا، وبما أن الإنجليز يحتلون عدن ويومّنون خطوط مواصلاتهم من خلال مضيق باب المندب، لم يدخلوا عش الدبابير في الشمال وتركوه ينعم بالجهل والتأخر تحت حكم الإمام. وبلغ ذكاء الإنجليز قمته حين امتنعوا عن التدخل في الحجاز لأنهم يعرفون حساسية مسلمي العالم تجاه هذه المنطقة، ولم يتعاونوا مع الحسين بن علي، شريف مكة، بالرغم من أنه، هو وأولاده، تعاونوا معهم ضد العثمانيين، ومن المفروض أن الحسين بن علي كان بدون منافس في الحجاز. والسبب في هذا التصرف البريطاني أن هدف الشريف حسين كان إقامة دولة عربية موحدة تتألف من الجزيرة العربية كاملة والهلال الخصيب، وهذا ما لا تريده بريطانيا التي كان لها خطط أخرى، ومن ضمنها إقامة "وطن قومي لليهود" في فلسطين. ومما أزعج بريطانيا وفرنسا أن أهداف القوميين العرب إلتقت مع أهداف الهاشميين المستنيرين. كان فيصل شخصية لامعة ومثقف كبير وسياسي ودبلوماسي محنك، وكان عبد الله عضوا في البرلمان التركي، وكان كما وصفه لورنس في كتابه، أعمدة الحكمة السبعة (exceptionally well read). وعلى هذا الأساس أيد الإنجليز عبد العزيز آل سعود في الإستيلاء على الحجاز وإزاحة الهاشميين لأن الوحدة العربية لم تكن لتخطر في باله أبدا ولأنهم كانوا يعلمون أن هذا النوع من الحكم الديني مفيد لهم ولن يجرؤ أحد على إزالته أو تحدّيه.

يمكن القول أن سايكس بيكو معاهدة سيئة وهي خيانة للعرب من قبل الحلفاء، فجزء منها كان مخصص لتنفيذ وعد بلفور. هذه المعاهدة الآن جزء من الماضي، ولكن العرب لا يزالون يعتقدون انه لولا سايكس و بيكو لكان الهلال الخصيب دولة واحدة، وقد رأينا هشاشة هذا الإدعا في السنوات القليلة الماضية، فها هي العراق وسوريا على أبواب التفتيت وها هو الهلال الخصيب يتحول إلى "الهلال الشيعي."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي