الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بقي من مقومات الوطن الواحد في العراق؟

سعدون الركابي

2014 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


مقومات الوطن, هي: الشعب و الأرض و المشاعر المشتركة و المصالح المشتركة, ثم الدولة و الحكومة. و السؤال هو: ماذا بقي من هذه المقومات في دولة العراق أو في جمهورية العراق؟
صحيح إن أرض و شعب العراق, هما موجودان و خالدان, و لكن ماذا بقي من دولة العراق و ماذا بقي من مشاعر الوطنية بين العراقيين و ماذا بقي من المصالح المشتركة بين مكونات الشعب العراقي التي تكوًن منها العراق في العصر الحديث؟ لقد تربيت على حب الوطن و حب العروبة منذ نعومة أظفاري, و كانت هذه الأمور من المقدسات. و لكن الواقع و الأحداث, جعلتني أكتشف, إن العروبة و الأمة العربية ما هي إلا إكذوبة كبرى و ضحك على الذقون, و لا يسع المجال للخوض في هذا الأمر الآن! و لكن المثير في الأمر, هو إنني لم أتخيل يومآ, بأنني سأشكك في يوم من الأيام يقدسية العراق الواحد و الوطن الواحد, خاصة و إنني لست طائفيآ, بل أمقت الطائفية, و أخجل من الخوض فيها..
هذا هو الشعور الوطني, و هو أحد الأعمدة الأساسية التي يرتكز عليها الوطن. و بدون الشعور الوطني, تنفك الرابطة التي تربط الأنسان بوطنه. و لكن هذا الشعور يجب أن يكون بشكل مشاعر مشتركة يتقاسمها جميع أبناء هذا الوطن, أو أبناء العراق, الوطن المعني في هذا الكلام. لأن الأنسان عندما يحب وطنه, فهو بالضرورة يحب شركاءه من أبناء هذا الوطن. و كلٌ عندما يحب وطنه, فهو بذلك يحب نفسه, و يحب عائلته. إذ إن وطن الأنسان الصغير الحقيقي, هو بيته و عائلته, و لكن هذا الوطن الصغير, لا يمكنه العيش و البقاء, دون مظلة الوطن الكبير و مظلة بقية أبناء هذا الوطن. لأنه يدرك بأن هذا الوطن بأرضه و شعبه و دولته, هو الذي يوفر له ( لإبن الوطن ), يوفر له الأمن و الأمان و مجال العمل و بحبوبة من العيش تظللها الكرامة و الحرية, بحدود معقولة لا تتعدى على مصالح الآخرين, سواء من أبناء هذا الوطن أو من قاطنيه أو من ضيوفه. و هذه هي المصالح المشتركة المرتبطة بالمشاعر الوطنية المشتركة. هذه المصالح و هذه المشاعر, يجب أن يتقاسمها جميع أبناء الوطن, بمختلف طوائفهم و قومياتهم و أديانهم و مذاهبهم. و أن لا تقتصر هذه المشاعر على الطائفة أو القومية أو الى آخره من الأنتماءات العرقية أو المذهبية, بل يجب أن تحتوي الوطن كل الوطن و أبناءه كل أبناءه. أما إذا إنكفأ الأنسان على مذهبه أو قوميته و أبتعد عن الوطن, فهذه علامة تنذر بالخطر.
ما حدث و يحدث في العراق اليوم, لم يقتصر على إندثار المشاعر الوطنية لمصلحة الطائفة أو القومية, بل إنتقل الأمر من مشاعر الوطنية و الأخوة بين أبناء الوطن, الى مشاعر الحقد و الكراهية و القتل على الهوية و الأستعانة بالأجنبي و إستضافة القتلة و المجرمين بل المتوحشين, ليقوموا هم و الفئة أو الطائفة التي إستعانت بهم و أحتضنتهم, بإرتكاب أبشع المجازر التي لا يمكن وصفها, بحق الطائفة الأخرى التي هي أختها و شريكتها في هذا الوطن, وهذه الأحداث جرت سابقآ و لا زالت تجري كل يوم و حتى هذه الساعة!!
هنا لابد من وقفة حكيمة و رادعة, من جانب الفئة المتضررة. و لابد من مراجعة مفهوم الوطن من أساسه و إعادة صياغته و بناءه من جديد. لأن مقومات الوطن الواحد لم تعد موجودة في العراق. هناك فئة مظلومة من قبل فئة أخرى و منذ عشرات السنين. و مالمجازر التي أرتكبت في مذبحة سبايكر, ما هي إلا إمتداد لمئات المجازر التي كانت ترتكب سابقآ بحق نفس هذه الفئة المظلومة, و بيد نفس الأشخاص الذين كانوا يحصدون أرواح الآلاف من الشيعة في العهود السابقة, و حسب شهادة أبرز ممثليهم. إذ ذكر مشعان الجبوري, بأن نجل السبعاوي و عشيرته ( عشيرة صدام ), كانوا يشاركون في مجازر الأعدامات بحق أبناء الشيعة الأبرياء الذين تم سوقهم بالجملة الى معتقلات صدام, و قام أزلامه و أبناء عشيرته و طائفته بحصد أرواحهم بالآلاف, تمامآ كما حصل في سبايكر و غيرها من آلاف المجازر التي تعرًض لها أبناء الطائفة التي تٌشكٍل أغلبية سكان العراق ( يشكل الشيعة حوالي 60% من أهل العراق ), منذ سنة 2003 و حتى الساعة. الشيعة لا يغدرون بضيوفهم و لا يفتحون " مضايف شيوخهم " ليغدروا فيها _ هم و شيوخهم و رجال الدين منهم _ بالعريس و عروسه و أكثر من مئة من المدعووين معهم, من الرجال و النساء و الأطفال. يقتلون الرجال و يغتصبون النساء ثم يقتلوهم أيضآ و يرمنون الجميع في نهر دجلة. ثم يلتفتون الى الأطفال, فيثقلون أجسادهم الغضة بالحجر و يرمونهم أحياءآ في النهر, ليموتوا شر ميته! لا لشيء إلا لأنهم شيعة! و عندما يشاء الله أن يفضح الهمج البربر الفاسقين الذين نفذًوا هذه الجريمة النكراء و يقعون بيد القانون و العدالة, تتدًخل عشائرهم لدفع الفدية عنهم و تخليصهم من قصاص الله و البشر , بدلآ من البراءة منهم, كما كا ن يطلب جلاوزة صدام من ذوي المعتقلين عندهم و الذين هم أبرياء حسب مفاهيم العدالة, يطلبون من أهلهم البراءة منهم و دفع ثمن الرصاصات التي إستعملوها لإغتيالهم بدون وجه حق! ماذا سنستنتج عندما تفتدي عشائر منفذي جريمة عرس الدجيل, بفدية لأنقاذهم من يد العدالة و ليس من يد عشائر الضحايا المغدورين؟؟ ماذا سنستنتج عندما يخرج الرجال من بين أهالي تكريت ببنادقهم للمشاركة مع رفاق إبن أخ صدام حسين في حصد أرواح الأسرى الأبرياء الأطفال الذين غدر بهم قادتهم في معسكر سبايكر و جردوهم من أسلحتهم الشخصية و هواتفهم, ثم إتصلوا بعصابة المجرمين و عشائرهم, لأعتراض طريق هؤلاء الصبية العزل الأبرياء, تمامأ كما حدث مع غيرهم من الشباب الشيعة في معسكرات الموصل و تكريت و كركوك, و بتنسيق مباشر بين الضباط من المكون السني و الدواعش و الأكراد. أي إن هناك مكونان من الكونات الثلاثة التي يتألف منها العراق, وقفوا مع الغزاة الدواعش مغول العصر, و غدروا بأخوتهم الشيعة الذين يطعمونهم من خيراتهم ( الشيعة يطعمون الأكراد و السنة ), بينما تزغرد البعض من نساء تكريت لحث رجالهنً على إرتكاب المجازر, كما كانت تفعل هند آكلة الأكباد و رفيقاتها مع رجالهنً الذين كانوا يقاتلون الرسول محمد ( صلى الله عليه و سلًم ). قالها أحد منهم و ليس من بين الشيعة!! كيف دخلت داعش الى مدينة كبرى كمدينة الموصل بساعات , بين زغاريد النساء و هتافات الرجال, و الذين إلتحق الكثير منهم في صفوف الدواعش, بعد أن نفًذوا مؤامرة تفكيك القوات المتواجدة في الموصل و في المدن الأخرى ذات الأغلبية السنية و التي دخلتها داعش خلال بضعة أيامٍ محاطة بحماية أهلها و ترحيبهم , بل و مشاركتهم الواسعة في صفوفها!!
و في الوقت الذي ينعم فيه أيُ من أهل المحافظات السنية, بالأمن و الأمان و الرعاية و التكريم من أهل الوسط و الجنوب, عندما يأتي بين ظهرانيهم, كتاجر أو سائق شاحنة أو مسافر أو ضيف, يقتل فورآ, أي شيعي من أهل الوسط و الجنوب, بل و لو جاء من القطب الجنوبي, إذ يكفي إنه شيعي, و يتم الغدر به و إغتياله, ما أن تطأ قدماه مكانآ يقطنه أخوتنا من المحافظات السنية!! أصبح الشيعي لا يشعر بالأمن و الأمان إلا بين أخوته الشيعة و السني لا يشعر بالأمن إلا بين أبناء طائفته, و نفس هذا الشعور يشعر به أبناء الكرد. إذآ, فالأمور أصبحت واضحة و عملية ولادة أوطان جديدة من رحم الوطن الأم بدأت تتبلور. و لابد من عملية قيصرية توقف هذه المجازر الوحشية بحق الشيعة. لا يجوز أن تفرض طائفة ( الشيعة ), على طائفة أخرى ( الأخوة السنة ), البقاء في نفس الوطن, إذا كانت الطائفة الأخرى لا تطيق العيش مع الأولى. لماذا تجيز الأعراف للأبناء من مفارقة أشقاءهم و حتى أمهاتهم و آباءهم و لا تجيز لفئة كبيرة من الناس, تجمعهم الكثير من الروابط فيما بينهم, و تتوفر لديهم كل مقومات بناء دولة و وطن خاص بهم, و كما حصل مع الكثير من شعوب الأرض, أن ينفصلوا و يبنوا وطنهم و ليتحالفوا بعد ذلك مع من يشاءون؟؟ إذا كانت الشيعة تعتبر داعش همجآ و متوحشين, و داعش تعتبر الشيعة كَفَرة و مرتدين لابد من قتلهم و قطع رؤؤسهم حسب الشريعة الأسلامية, و هناك طائفة أخرى من أبناء نفس هذا الوطن يعتبرون الدواعش ثوارآ, و يحتضنونهم و يقاتلون بجانبهم, كيف سيتعايش هؤلاء مع أإولئك؟؟ لماذا لا يترك أهل الشيعة أخوتهم السنة من محافظات الشمال الغربي العراقي أن يقرروا مصيرهم و أن يبنوا وطنهم الخاص بهم, لأنهم لا يطيقون أن يحكمهم الشيعة ( الشروكية المعدان )؟؟ و لماذا لا يترك الشيعة أخوتهم الكرد و شأنهم, خاصة و إن 98% من الأكراد صوًتوا لصالح الأنفصال و أعلان الدولة الكردية حلم كل كردي عراقي؟؟ لماذا يشعر أهل الشيعة بالمظلومية و الذلة و الخنوع, و يشعرون بأنهم ليسوا أهلآ لحكم أنفسهم بأنفسهم. لماذا لا يريدون أن يدركوا بأن الآخرين لا يريدون العيش معهم, و ما هذه المجازر و المفخخات التي لم ترحم حتى الأطفال الرضًع و الأجنة, إلا صرخة من الآخرين بوجه الشيعة, أن إتركونا و شأننا و أغربوا عنا؟؟ لماذا لا زال أغبياء الشيعة يعتقدون بأن تقسيم العراق هو خسارة بالنسبة لهم و مكسب للآخرين, بينما الواقع يقول عكس ذلك تمامآ؟؟!! الشيعة هم الذين سيكسبون الكثير. إذ إن 80% من خيرات العراق هي في أرضهم. و ستبقى لهم ليرفعوا بها الفقر و المعانات عن الأغلبية الفقيرة منهم, دون الحاجة لدفع 25% منها الى دولة كردستان المستقلة و 40% منها الى الأخوة الأعداء الذين يحتقرون الشيعة و يرفعون الدواعش الى العلى و يعتبرونهم ثوارآ!! ناهيك عن إن 80% من أدباء و شعراء و فناني العراق هم من الشيعة. و إن الشيعة هم الأغلبية في جميع المجالات في العراق. و ما على رجال الدين إلا الوقوف خلف أرادة الشعب و النظر للأنسان كقيمة سامية, لا قطيعآ من الغنم, يقودونه حيثما شاءوا و أينما شاءوا!!
المهم هو الأنسان و ليس الوطن أو الدين, فلا قيمة للوطن عندما لا يوفر ذلك الوطن لأبناءه الأمن و الأمان و الكرامة و يحفظ حياة الأنسان و يوفر له العيش الرغيد. هكذا وطن لا يستحق البقاء. كما إن الله بعث الأديان لخدمة الأنسان و لأرشاده الى سبيل الخير, و عندما يصبح الدين مصدرآ للرعب و الكراهية و الأجرام و قتل الأبرياء و إرتكاب المجازر بحق شعوبٍ بأكملها ( سمعت قبل قليل نقاشآ بين الدواعش في برنامج الأتجاه المعاكس تسجيلآ, أحدهم هو محامي أردني من الأردن مفرخة الدواعش, يصرخ لنصرة داعش و النصرة, قال بالحرف الواحد: إن ذبح و قتل الرواقض الشيعة الكفرة, هو حلالُ حسب رأي جميع كبار علماء السنة و الجماعة!! ), هكذا دين لا مكان له بين البشر, بل حتى بين الوحوش الضارية! و لابد من وقفة شجاعة لأعادة النظر في الكثير من مفاهيم الأسلام الفاسدة و الأجرامية, و التي تتناقض مع أي مفهومٍ إنسانيٍ, حتى مع مفاهيم أكلة لحوم البشر! إذ يقول هؤلاء نحن لا نأكل لحم أي إنسانٍ بريء, بل نذبح الأشرار فقط و نأكل لحومهم عقابآ لهم! إذآ أين هؤلاء من الدواعش, ثوار عشائر الموصل و تكريت و الأنبار؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابكيتني
فريد ( 2014 / 9 / 8 - 18:04 )
مقال واقعي وجرئ،. المهم الانسان اولا وليس الوطن او الدين ، وأشكرك

اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا