الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتصال الإنساني: مفهومه وعناصره الأساسية 4/4

حسني إبراهيم عبد العظيم

2014 / 9 / 9
الصحافة والاعلام


خامسًا: تأثير وسائل الإعلام:

تأسيسًا على تحديد مفهوم الاتصال بأنه: "من يقول ماذا لمن، كيف (بأي وسيلة) وما هو التأثير" فإن النظر في التأثير "Effect" الذى هو النتيجة والهدف من الاتصال يشكل عنصرًا من عناصر الدراسة في التحليل السوسيولوجي للاتصال، وهذا العنصر هو المحصلة النهائية لعملية الاتصال، وسوف نحلل هذا العنصر فيما يلي:

أ. مفهوم التأثير:

يقصد بالتأثير الإعلامي أن تجعل الآخرين يطيعونك أو يذعنون لك، أو ببساطة تعظيم التشابه في الفكر والسلوك بين المرسل والمستقبل، ويختلف التأثير عن التعليم والفهم واكتساب المعلومات والمعنى والتفاعل وجذب الاهتمام، لكنه قد يكون كل هذه الأشياء، وحتى الآن لا يوجد فهم كامل لعملية التأثير الإعلامي، ولا توجد نظرية تقدم تحليلاً كاملاً لتأثيرات الاتصال، ولا يزال الجدل قائمًا بين الباحثين حول تأثير الإعلام في الحياة المعاصرة. (فاطمة القليني ومحمد شومان 2004: 85).

إن التأثير إذن هو النتيجة من عملية الاتصال، فالمرسل عندما يبدأ في التخطيط للاتصال، ويقوم بهذه العملية، ويستخدم الوسائل الملاءمة التي ينقل بها إلى المتلقي فكره أو مشاعره في شكل رسالة، فإنه يتوقع العائد من هذه العملية في شكل رد فعل من المتلقي الذي استهدفه بالاتصال، وقد يكون رد الفعل إيجابيًا Positive ويعني ذلك تحقيق التأثير المقصود، وقد يكون رد الفعل سلبيًا Negative أي أن التأثيرات المطلوبة من عملية الاتصال لم تتحقق. (سعد مرزوق "د. ت" 155 - 156).

واستنادًا إلى ذلك يمكن القول إن التأثير هو المحصلة النهائية لعملية الاتصال، ويتضح ذلك في حدوث تغييرات في سلوك المتلقي نتيجة استقباله الرسالة، ومن ثم فإننا حينما نتحدث عن الاتصال الفعال أو "المؤثر" Effective فإننا نقصد الاتصال الذي ينجم عنه تغييرات في سلوك الجماهير كان يقصدها المصدر. وهناك ثلاثة أشكال من التأثيرات:

1. تغييرات في معلومات المتلقي (الجمهور).
2. تغييرات في اتجاهات المتلقي، أو سلوكه الكامن.
3. تغييرات في السلوك العلني أو الفعلي، مثل إعطاء صوته، أو شرائه منتجًا معينًا... الخ.

ب. تطور بحوث التأثير الإعلامي:

يمكن القول إن بحوث التأثير التي اعتمدت على التجريب والمناهج العلمية الأخرى لم تبدأ إلا في بداية العشرينات حيث أصبحت خطوات البحوث واستراتيجياتها وأدواتها متوفرة نتيجة التطور في العلوم الاجتماعية وخاصة علم النفس وعلم الاجتماع ففي عام 1920 صممت بحوث وقياسات وطرق إحصائية لدراسة آثار الإعلام، وقد ساد الاعتقاد بالتأثير الضخم لوسائل الإعلام على الجمهور أو ما يعرف بنظرية الرصاصة السحرية The Magic bullet theory والتي قامت على فكرتين:

الأولى: مستمدة من النظرة إلى الجمهور كحشد مكون من أفراد منعزلين أو ذرات مبعثرة لا توجد بينهم علاقات وروابط اجتماعية.
الثانية: مستمدة من النظرة إلى الطبيعة الإنسانية وتفسيرها في إطار المملكة الحيوانية تأثرًا بنظرية داروين. (فاطمة القليني ومحمد شومان 2004: 87).

فقد ظل الاعتقاد طويلاً بأن الاتصال يؤثر تأثيرًا على الأفراد كأفراد، وكان الدارسون من رجال الإعلام وعلماء الاجتماع وغيرهم يعتقدون أن مضمون الاتصال وتأثير وسائله يشبه تأثير الحقنة التي يحقن بها المريض فتحدث تأثيرها المباشر والسريع ... وكانت النظرة إلى الإنسان المتلقي، وكأنه شخص لا حول له ولا قوة، ينفذ ما يتلقاه من أوامر كأنه دمية، وساد الاعتقاد في ظل هذه النظرة بأن وسائل الاتصال الجماهيري تستطيع أن تغير الاتجاهات وتسيطر على سلوك الناس، غير أن الدراسات التي أجرى بعضها في المعمل، وأجرى البعض الآخر في الظروف الطبيعية أثبتت أن وسائل الاتصال تعمل في العادة كأداة لتدعيم الاتجاهات والأفكار أكثر مما تعمل كأداة للتغيير.

ففي نهاية العشرينات من القرن الماضي توصلت بحوث التأثير إلى اكتشافات مهمة، وبدأت المعرفة بوسائل الإعلام تزداد، وتراجع الاعتقاد بصحة نظرية الرصاصة السحرية نتيجة اتساع نطاق البحوث الإمبيريقية، واستفادت بحوث التأثير من نتائج بحوث ونظريات علم النفس وعلم الاجتماع حول السمات الشخصية والاختلافات الفردية والفئات الاجتماعية والبناء الاجتماعي وشكلت الاختلافات الفردية والفئات الاجتماعية منظورًا جديدًا لدراسة التأثير بدأ يحل محل نظرية التأثير الهائل لوسائل الإعلام (الرصاصة السحرية).

ومع الحرب العالمية الثانية ازداد الاهتمام ببحوث التأثير وخاصة استطلاعات الرأي العام، وقامت جماعات بحث متطورة للغاية أكاديمية وتجارية بتنفيذ هذا العمل. وفي أواخر الأربعينات والخمسينات، تراجعت كثيرًا نظرية الرصاصة السحرية، فالاتصال الجماهيري لم يعد طلقة في الجمهور غير المحدد، بل لم تعد هناك حاجة للقول بأن الإعلام والدعاية لا يمكن مقاومتهما، ودخلت كثير من المتغيرات في عملية تأثير وسائل الإعلام، فالمتلقى لم يعد هدفًا سلبيًا، كما أن الإعلام لم يعد نشاطًا خارقًا للعادة.

ونتيجة هذه النظرة ظهرت مفاهيم جديدة في نظريات الاتصال تصف تعامل المتلقي مع وسائل الإعلام، مثل المتلقي غير المتعاون، والمتلقي العنيد Obstinate Audience الذي تحدث عنه عالم النفس الاجتماعي "ريموند بافير" R. Baver إلى المتلقي الواثق من نفسه Self - reliant إلى المستقبل أو المتلقي النشط active، كما تحولت نظرية الاتصال من مفهوم قوة الإعلام التي لا يمكن مقاومتها، إلى مفهوم الإعلام كمصدر قوة ضمن مصادر أخرى يتفاعل معها. (القليني وشومان 2004: 88 - 89).

وهكذا مرت بحوث التأثير بتطورات عديدة سادت في كل منها أدوات بحثية ومناهج ومفاهيم ونظريات ما لبثت أن اختفت بدورها لتفسح المجال لاكتشافات ونظريات عديدة، وبذلك فقد استمرت عجلة التطور في بحوث التأثير حتى الوقت الراهن.

جـ. الأسس السيكولوجية لعملية التأثير:

قدم علم النفس العديد من النتائج حول العناصر والعوامل التي تتحكم في سلوك الإنسان، وتلعب دورًا مؤثرًا في عملية التأثير، ولما كان الاتصال هو محاولة التأثير على سلوك الإنسان، وتوجيه هذا السلوك وجهة معينة، وذلك من خلال إثارة دوافع معينة لدى الإنسان نحو سلوك معين، فإن فهم الأسس النفسية لعملية التأثير يعد عنصرًا ضروريًا ولازمًا لتحليل عملية الاتصال.

لقد توصل علماء النفس والاجتماع إلى حقيقة هامة وهي أن دراسة السلوك الإنساني ليست بالأمر الهين أو البسيط. بل هى من الأمور المعقدة، بحيث أنه لكي نفهم سلوك الإنسان، فلابد من فهم الدوافع التي تتصل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بما يحيط به، وهذه الدوافع هي أساس السلوك الإنساني، أو بمعنى أدق، فالإنسان وسلوكه وبناء شخصيته هو نتاج تفاعل تكوينه البيولوجي والنفسي الموروث مع العوامل المادية والاجتماعية التي تحيط به طوال حياته من كل جانب.

ويرى علماء النفس أن عملية التأثير في جانب كبير منها هي عملية نفسية، فلقد كشفت بحوث علم النفس أن المتلقي كإنسان، عندما تصله الفكرة التي يتلقاها في عملية الاتصال، فإنه يتلقاها بالطريقة التالية: (سعد مرزوق "د. ت" 158).

1. يستعيدها على ضوء الوعي الكامل.
2. يستعيدها على ضوء اللاشعور، أو اللاوعي أو العقل الباطن.
3. ينظر إليها من وجهة نظر التقاليد التي نشأ عليها.
4. يفحصها في ضوء المعتقدات الدينية التي يؤمن بها.
5. يقارنها بالأفكار التي يعتنقها.
6. يوائمها مع نوع الحياة التي يحياها، والسلوك الذي يسلكه.
7. يزنها من ناحية التطلعات التي يسعى إلى تحقيقها.
8. يربطها بالنواحي الإنسانية التي يتوخاها في سلوكه الخاص.

من كل ما تقدم، يتبين لنا أن الإنسان عندما يتلقى فكرة معينة لتؤثر في خصائصه العقلية والنفسية، فإنه يشرع في استيعاب وهضم هذه الفكرة واسترجاعها وفق المؤشرات النفسية السابقة. إن الإنسان مخلوق معقد يتأثر سلوكه بعوامل ظاهرة وخفية، والسلوك الإنساني يحدث نتيجة تأثيرات داخلية صادرة من داخل نفسه كإنسان، وعوامل خارجية تحيط به.

د. قادة الرأي ودورهم في تفعيل التأثير الإعلامي:

أكدت الدراسات التي أجريت على التأثير في عملية الاتصال أنه كلما زاد الطابع الشخصي للاتصال كلما زاد تأثيره، وترجع قوة تأثير الاتصال الشخصي إلى أنه اتصال أكثر مرونة في التغلب على التأثير المضاد، كما انه يكافئ الفرد على قبوله، ويشعره بالثقة في مصدر الاتصال ... ولذلك فإن تأثير الاتصال الشخصي أكثر قوة، وقد أكدت تلك النتيجة ما توصلت إليه دراسات أخرى من أن فاعلية تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية تزيد عندما تدعمها الاتصالات الشخصية المباشرة التي يقوم بها عادة الأفراد القياديون الذين يؤثرون في الجماعات التي ينتمي إليها.

إن الرسائل الإعلامية لا تؤثر على أفراد الجماهير مباشرة لكنها تؤثر من خلال أفراد قياديين ينتشرون بين مختلف الفئات الاجتماعية، وهؤلاء هم الذين يعرفون "بقادة الرأي" Opinion Leaders وهم الذين يشكلون الصيغة النهائية للرسائل الإعلامية، ويقدمونها إلى الجمهور بالطريقة التي تتمشى مع مبادئ وقيم الجماعة، وما يظن أنها آراء خاصة، ما هي إلا اتجاهات تشكلها الجماعات والشخصيات المؤثرة في الجماهير.

ويمكن تعريف قائد الرأي بأنه الرجل الذي يستطيع من خلال تفاعله (اتصاله) مع الآخرين التأثير في اتجاهاتهم وسلوكهم أكثر مما يؤثرون فيه، ويمكن أن يوصف بأنه متحدث باسم جماعته، أو بأنه ينظم آراء الجماعة، ويحظى بمكانة عالية وسلطة تأثير على اتجاهاتهم وسلوكهم، وإذا قصر في أي دور من هذه الأدوار، فلن ينظر إليه بعين الاعتبار كقائد. (فاطمة القليني ومحمد شومان 2004: 134).

إن التأثير الإعلامي أشبه بأشعة الشمس التي تسير في خطوط مستقيمة، ولكنها تعاني انكسارات مختلفة عندما تدخل في نطاق الجماعات الأولية، ويمكن أن نشبه الاتصال بالأشعة التي تمر من مرشحات ضوئية فتتلون بها، فهذه المرشحات هي "قادة الرأي" ولهذا فإننا يجب ألا نتصور أن عملية الاتصال تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الأفراد كأفراد، فالفرد يستجيب لعملية الاتصال لا بوصفه شخصية منعزلة، ولكن بوصفه عضوًا في جماعة، وفي شبكة من الجماعات الأولية والثانوية التي تؤثر تأثيرًا حاسمًا في آرائه واتجاهاته.

ويرجع الفضل في كشف أهمية قادة الرأي في الاتصال إلى "لازار سفيلد" وزملاءه أثناء دراستهم الرائدة عن الانتخابات الأمريكية عام 1940، حيث اكتشفوا أن عملية الإدلاء بالأصوات ليست عملاً فرديًا، بل تتأثر باتجاهات وآراء الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، وأن المناقشات التي تدور داخل الجماعة أكثر تأثيرًا من وسائل الإعلام على توجيهات الناخبين، وخلصوا إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورًا محدودًا في التأثير المباشر على اهتمامات وسلوك الناخبين، وأن هناك قادة للرأي داخل كل جماعة أهم ما يميزهم أنهم أكثر تعرضًا لوسائل الإعلام.

وقد سميت هذه الفكرة بنموذج الاتصال على خطوتين Two Steps Flow وفتحت المجال واسعًا حول دراسة دور قادة الرأي في تفعيل التأثير الإعلامي وتنشيطه.

ونخلص في النهاية إلى أن العناصر الخمسة المكونة لعملية الاتصال مترابطة منطقيًا وعضويًا، وتسهم في تحقيق الوظائف الأساسية للاتصال، وتعمل على تفعيل دور الاتصال والإعلام في قضايا التغير الاجتماعي والتنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة