الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة عمال مطاحن الساحل بالرباط في مواجهة المافيا الرأسمالية ودولتها

عبد الله لفناتسة

2014 / 9 / 11
الحركة العمالية والنقابية


قصة عمال مطاحن الساحل بالرباط، تلخص إلى حد بعيد، سبعين سنة من تطور الصراع الطبقي بالمغرب، أي منذ تشكل النواة الأولى للبورجوازية الصناعية المغربية في حضن الاستعمار الفرنسي، مروراً بمسلسل التراكم الرأسمالي كنتيجة للاستغلال المكثف للطبقة العاملة وللدعم المالي واللوجستيكي والإداري والقانوني الذي حظىيت وتحظى به هذه البورجوازية الطفيلية، وانتهاء بتصريف أزمتها الجديدة على حساب الطبقة العاملة والجماهير الشعبية عموما.
يعود تأسيس معمل مطاحن الساحل إلى بداية الأربعينات من القرن العشرين، وقد ساهم في بناءه عشرات أسرى الحرب الألمان الذين استعانت بهم الإدارة الاستعمارية لتشييد مجموعة من المنشآت (مصانع، قناطر،..) وللعمل في مزارع المستوطنين وعملاء فرنسا من الأعيان المغاربة.
ظل المعمل في ملكية إحدى العائلات البورجوازية اليهودية إلى بداية الستينات، حيث انتقلت ملكيته إلى عائلة برجوازية أخرى (بنجلون) التي ظلت تستغله إلى منتصف الثمانينات، قبل أن يشتريه محمد العربي المهاجر الذي كان يملك مطاحن أخرى من ضمنها مطحنة أمكالا بالبيضاء...
كما هو حال أغلب المطاحن المغربية التي تسيرها مافيا حقيقية، لا تكتفِي الباطرونا بالاستغلال المكثف للطبقة العاملة، بل تعتمد أيضا في مراكمة ثرواتها على الملايير التي تستولي عليها من الدولة عن طريق الاحتيال والتلاعب في مبالغ الدعم المخصص للدقيق. ويمكن القول بأن الأزمة الحالية بمطاحن الساحل، ابتدأت في نهاية الثمانينات حين قامت موظفة نزيهة بالمكتب الوطني للحبوب والقطاني بفضح التزوير في التصريحات الخاصة بحجم إنتاج المعمل من الدقيق المدعم. فتوقف هذا الدعم مؤقتاً. وبعد مدة قصيرة، استرجعت مطاحن الساحل "نصيبها" من الدعم العمومي بنفس أساليب التزوير والاحتيال، غير أن أصحاب المعمل لجأوٱ-;- فيما بعد إلى إجراءات احتياطية تمثلت في تهريب أموال الشركة لتمويل استثمارات أخرى (مطحنة بتمارة، مقاولة للبناء...).
في سنة 1996، دخلت على الخط إحدى المؤسسات المالية العمومية، التي أفلست الآن وضاعت معها ملايير الدراهم من المال العمومي. يتعلق الأمر بالبنك الوطني للانماء الاقتصادي الذي كانت تسيطر عليه عصابة برآسة المدعو فريد دليرو والذي حكم عليه مؤخراً بالسجن أربع سنوات نافذة. إدارة هذا البنك لم تكتف بتمكين مطاحن الساحل من قرض مليارين من السنتيمات في ظروف غامضة، بل تحولت إلى وسيط في عملية مشبوهة لبيع عقار المعمل لأحد المضاربين العقاريين حتى تتمكن من استرجاع مبلغ القرض المذكور!
ورغم أن عقد البيع لا يشمل سوى الأرض فإن المضارب العقاري المدعو محمد جمال الصايغ استصدر حكما غريبا بإفراغ المعمل من العمال ومن الآلات مع المطالبة بغرامة 30.000,00 درهم عن كل يوم تأخير. وهو حكم يتناقض مع تشريع الشغل الذي ينص على استمرارية عقود الشغل في حال بيع أو تفويت المعمل (المادة 754 من قانون الالتزامات والعقود).
ومنذ أن شعر عمال مطاحن الساحل بخطورة المناورة التي كانت تحاك ضدهم وتهدد استقرارهم في العمل، لم يبقوٱ-;- مكثوفي الأيدي وقاموٱ-;-، في إطار الاتحاد المغربي للشغل، بعدة حركات احتجاجية لإثارة انتباه الحكومة لوضعيتهم ومطالبتها بتحمل مسؤوليتها في ضمان حقوقهم. وهكذا نظموٱ-;- وقفات أمام المحكمة ووزارة العدل وأضربوٱ-;- عن الطعام لمدة أسبوع بالمقر النقابي بالرباط… ولما توقف الإنتاج بالمعمل بتاريخ 04/9/1998 اعتصموٱ-;- بداخله لمدة فاقت عشرة أشهر.
ورغم التطمينات التي تلقاها العمال من السلطة والوزارات المعنية، ورغم مضمون الرسالة الموقعة من الوزير الأول آنذاك، عبد الرحمان اليوسفي بتاريخ 30/9/1998، التي تؤكد على "اتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان استمرار نشاط الشركة وحماية حقوق العاملين وفق مقتضيات القوانين الجاري بها العمل"، فإن ذلك لم يمنع ذوي القرار الحقيقيين من استكمال مخططهم البورجوازي متعدد الأطراف. ففي الساعات الأولى من صباح يوم 14 يوليوز 2000، بينما كان العمال المعتصمين بالمعمل نياماً، تم تطويق المكان من طرف مختلف أجهزة القمع وملشيات خاصة تابعة للمضارب العقاري الصايغ بحضور المفوض القضائي وممثلي ولاية الرباط ووكيل الملك ووالي الأمن إلى غيرهم من مسؤولي السلطة والأمن. وما هي إلا لحظات حتى أُخلي المعمل من جميع العمال وزوجاتهم اللواتي كن قد التحقن بأزواجهن لمساندتهم في معركتهم. وقد تعرض العمال وعائلاتهم إلى الإعتداء والضرب والشتم وأرغمت بعض النساء إلى الخروج للشارع شبه عاريات. كما أن مليشيات الصايغ لم تنتظر مغادرة العمال للمعتصم حين شرعت في اقتلاع الآلات بعشوائية والتدمير العملي للمعمل ضدا على القانون.
ونتيجة لذلك، فقدت هذه الآلات الكثير من قيمتها ولم تعد كافية، في حالة بيعها، لتغطية كل تعويضات الطرد التعسفي المستحقة للعمال.
بعد إنهاء اعتصامهم بالقوة وتدمير المعمل فوق رؤوسهم في عز العطلة الصيفية، اعتبر عمال مطاحن الساحل بأن خسارة معركتهم تلك ناجمة عن عدم تكافؤ القوة في مواجهة عدو رأسمالي شرس مسنود بأجهزة الدولة وبالقضاء الطبقي، لكنهم لم يرفعوٱ-;- الراية البيضاء، وقرروٱ-;- مواصلة النضال بالرغم من الشروط الجديدة الصعبة.
للتذكير، تعود بداية النضال النقابي بمطاحن الساحل للفترة الاستعمارية في إطار النقابة الفرنسية الكنفدرالية العامة للشغل، قبل الالتحاق بالإتحاد المغربي للشغل بعد تأسيسه سنة 1955. هذه التجربة النضالية الطويلة أكسبت عمال مطاحن الساحل نضجا وساعدتهم على الصمود وعدم الاستسلام، حتى بعد إخراجهم من المعمل بقوة السلطة والمال وتدمير المعمل خارج القانون وبناء عمارات سكنية مكانه. وهكذا نفذوٱ-;-، منذ يوليوز 2000، عشرات الإحتجاجات بين مسيرات ووقفات وإضرابات عن الطعام واعتصامات أمام المحكمة وبمدخل وزارة العدل وولاية الرباط ، بالموازاة مع المعركة القضائية التي انتهت بإصدار أحكام ابتدائية بتاريخ 23 مارس 2002 تقضي بحقهم في تعويضات الطرد التعسفي متبوعة بالنفاذ المعجل. وهي الأحكام التي أيدتها محكمة الاستئناف بتاريخ 23 مارس 2004. وقد تخللت هذه المحاكمة عدة تطورات تفند مزاعم استقلال ونزاهة القضاء المغربي. أذكر منها واقعتين مثيرتين:
تتجلى الأولى في أن مجرى المحاكمة كان يتجه نحو إصدار الحكم تضامناً على كل من أصحاب المعمل (عائلة المهاجر) والمضارب العقاري محمد جمال الصايغ الذي استولى على العقار بالإحتيال. لكن هذا الأخير قام بمناورات مافيوزية، أدت في نهاية المطاف إلى تغيير هيئة المحكمة وبالتالي إفلاته من الحكم بأداء تعويضات الطرد التعسفي للعمال. حيث صدر الحكم ضد ورثة المهاجر وحدهم. علماً أن المالك الأصلي للمعمل محمد العربي المهاجر كان قد توفي في السجن، في إطار الحرب الطاحنة بين المافيات البورجوازية (البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، المضارب الصايغ، المضارب العلج، عائلة المهاجر...).
الواقعة الثانية تمثلت في سرقة وثيقة أصلية من ملف المحكمة أدلى بها محامي العمال تتضمن التزاما من المشغل بتشغيل العمال في المطحنة الجديدة التي شيدها بعين عتيق بالأمول المهربة من مطاحن الساحل.
واقعة أخرى تؤكد تحيز القضاء إلى جانب أصحاب المال في هذا الملف. في نهاية 1999، ذهبنا (حميد إدرحو الكاتب العام النقابي بالمعمل وكاتب هذه السطور عبد الله لفناتسة) إلى وكيل الملك بمحكمة الرباط نطلب منه تحريك محضر المخالفة الذي توصل به من مفتش الشغل حول الإغلاق اللاقانوني للمعمل. فاستغرب لطلبنا مدعيا غياب نص قانوني في الموضوع. ولما ذكرته بمضمون المرسوم الملكي المؤرخ في 14 غشت 1967 والذي تصل عقوبته إلى سنتين سجنا، قام من مكانه رافضا أن يتم سجن الباطرون على يده. علما أن جميع محاكم المغرب لاتتردد في إصدار أحكام بالجملة تقضي بسجن العمال بملفات مطبوخة.
خمس سنوات بعد إخراج العمال بالقوة من المعمل صدرت أحكام نهائية لفائدتهم (2004)، فوجدوا أنفسهم مضطرين لخوض معركة أخرى لتنفيذ هذه الأحكام على علاتها. إن المعركة الجديدة لعمال مطاحن الساحل تتجاوز منطوق الأحكام الصادرة عن محكمة الرباط وتضع الشعارات الرسمية للدولة على المحك، سواء المتعلقة ب"استقلالية" و"نزاهة" القضاء أو التي تدعي مساواة المواطنين أمام القانون. ذلك أن العمال يتساءلون عن مغزى "المساواة أمام القانون"، مادامت الدولة تعبأت بكافة أجهزتها لإخراجهم في رمشة عين من المعمل بدعوى تنفيذ حكم قضائي لفائدة المضارب العقاري الصايغ، بينما تتلكأ نفس الدولة منذ عشر سنوات في تنفيذ أحكام قضائية لفائدتهم. وقد تعاقبت على المغرب، طيلة هذ المدة، حكومات بشعارات وخطابات تتوزع بين "الاشتراكي" و"اللبرالي" ثم الإسلامي.
اختلاف الخطاب السياسي لهذه الحكومات لا ينفي اتفاقها على خدمة مصالح الطبقات السائدة وعداءها للطبقة العاملة، كما تأكد ذلك من خلال القمع المستمر للاحتجاجات السلمية لعمال مطاحن الساحل. فبعدما يئس عمال مطاحن الساحل من وعود السلطة ومصالح وزارة العدل، قرروٱ-;- الاعتصام أمام مقر المجلس الإداري للشركة ابتداء من 25 نونبر 2013. وقد استغرق هذا الاعتصام 116 يوماً واجهوٱ-;- خلالها قساوة الظروف المناخية والحرب النفسية والحصار من طرف أجهزة القمع والمخبرين، ثم قرروا نقل اعتصامهم إلى عنوان الممثل القانوني للشركة .وهناك تعرضوا للقمع الوحشي والإحتجاز والترهيب بمراكز الشرطة بدعوى حساسية مكان الإعتصام الذي يجاور القصر الملكي لمحمد السادس. بمعنى أن اعتصاما سلميا لعمال مسنين تجاوزوا السبعين من عمرهم يقلق راحة "ملك الفقراء"، ولا يزعجه قمع نفس العمال والتنكيل بهم بجوار قصره ولا تعطيل أحكام قضائية صدرت باسمه لفائدتهم !
ومنذ 02 يوليوز الماضي، نقل العمال اعتصامهم إلى مدخل وزارة العدل مرتدين الأكفان للتعبير عن إصرارهم على مواصلة المعركة إلى آخر رمق ، علماً بأن خمسة من زملائهم غادروٱ-;- الحياة في السنوات الأخيرة (وفاة أربعة وانتحار خامس) وباقي العمال مسنون وأغلبهم مصابون بأمراض مزمنة.
وزير العدل مصطفى الرميد الذي شارك في أولى مسيرات حركة 20 فبراير، ودافع من موقع المحامي عن العديد من العمال المطرودين تعسفاً وعن بعض المعتقلين السياسيين الإسلاميين، يكتفي الآن بالتوقف لقراءة لافتات عمال مطاحن الساحل المعتصمين بباب الوزارة، قبل ولوج مكتبه المريح لأداء المهمة الحقيقية المناطة به من طرف النظام القائم. ولتذهب إلى الجحيم، كل الوعود الإنتخابية بمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية و... فإسلاميو المخزن انتهوا في موقعهم الطبيعي: خدمة مصالح الرأسمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتاة تطلب أغلى كعكة للتصوير.. ورد فعل غير متو


.. الإسرائيليون يتعاملون مع الشهيد -زاهدي- أنه أحد أركان غرفة ا




.. لماذا يلوّح اتحاد الشغل في تونس بالإضراب العام في جبنيانة وا


.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة




.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة