الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى متى ستعيش بلادنا بالقروض والهبات؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 9 / 12
الادارة و الاقتصاد


سؤال يؤرق الكثير من المغاربة القلقين على مستقبل البلاد والعباد. وتتناسل عنه عدة أسئلة أخرى خطيرة منها: من مستفيد من تلك لقروض والهبات التي ترهن مستقبل الأجيال القادمة، سيما وأن السياسات الرسمية أقرّت، دون لف ولا دوران أن ثمار التنمية بالمغرب تستفيد منه الأقلية وأن الفقراء ظلوا يزدادون فقرا؟ وهل ثروت المغرب لم تعد كافية لسد حاجياته؟
إن الحكومات المتعاقبة ظلت ترهن سيادة البلاد لصالح صندوق النقد الدولي بفعل القروض، آخرها منح مجلس إدارة صندوق النقد الدولي للمغرب، في غشت 2014 خطا ائتمانيا بقيمة 6.2 مليار دولار وذلك كاحتياطي في مجال توفير السيولة التي يعاني منها المغرب في وقت تدهورت فيه حسابات الميزان التجاري واحتياطي العملة الصعبة. علما أن تجديد خط الاحتياط والسيولة يعني أن الاقتصاد المغربي يواجه صعوبات، ومهدد بتأثيرات انكماش الاقتصاد العالمي (الصدمات الخارجية)، وخصوصا في علاقته ببلدان أوروبا التي احتدت تبعيته إزاءها. وهذا ما يفسره تراجع احتياطي المغرب من العملة الصعبة وتراجع نسبي لعائدات المغاربة المقيمين بالخارج وتقلص مداخيل السياحة وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة. و نتيجة لتراجعات المغرب الاقتصادية، ستتدهور نسبة تغطية الصادرات للواردات. وعلى المستوى الداخلي، سيتواصل تقهقر مداخيل الدولة من جراء سياسات الانفتاح المعممة واتفاقيات التبادل الحر (تفكيك النظام الجمركي، بيع المقاولات العمومية المربحة، ترحيل الأرباح إلى الخارج)، وإجراءات التحفيز الضريبي لصالح المقاولات والثروات الكبرى، وتسديد الدين العمومي (خدمة الدين)، علاوة على نهب المال العام وتهريب الرساميل إلى الخارج.
هكذا يتم رهن مستقبل المغرب والمغاربة بتوصيات صندوق النقد الدولي "المجحفة" عوض اعتماد تنمية اقتصادية مبنية على تلبية حاجيات الأساسية للمواطنين.
كما صدق صندوق النقد الدولي في يوليوز 2014، على خط للوقاية والسيولة بقيمة 5 مليارات دولار على مدى 24 شهرا لفائدة المغرب من بينها 4,5 مليار دولار كاعتمادات قابلة للصرف انطلاقا من السنة الأولى.
هذا في وقت صارت فيه وضعية المديونية في المغرب جد حرجة باستمرار، فمثلا انتقل الدين العمومي الخارجي من 750 مليون دولار سنة 1970 إلى 17,24 مليار دولار سنة 1986، أي بزيادة بلغت 2300 في المائة في ظرف 17 سنة.
وفي يوليوز 2014 منح الاتحاد الأوربي المغرب غلافا ماليا قدره 890 مليون أورو، للفترة ما بين 2014 و2017 برسم الآلية الأوروبية للجوار والشراكة. وقيل أن هذا الغلاف المالي مخصص لتمويل الجيل الثاني من الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة، والتي تستهدف أربعة مجالات حددها المغرب والاتحاد الأوروبي، وتهم الولوج المنصف للخدمات الأساسية، ودعم الحكامة الديمقراطية، والتشغيل والنمو المستدام والاندماجي، وتنمية القدرات المؤسساتية.
ويذكر أن عدد من الجمعيات المجتمع المدني، تعتبر العلاقات الاقتصادية بين المغرب و الاتحاد الأوروبي هي رهن للسيادة الوطنية و الفلاحية و الغدائية للبلاد.
وفي مايو 2014 حصل المغرب على قرضين من البنك الدولي بقيمة 459 مليون دولار لتطوير سوق رأس المال وتمويل مشروع لتزويد القرى بالماء الصالح للشرب. فالقرض الأول بلغت قيمته 300 مليون دولار يهدف إلى تطوير سوق رأس المال وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة. أما القرض الثاني فبلغت قيمته 158.6 مليون دولار وخصص لتزويد القرى المغربية بالماء الصالح للشرب. وكان المغرب قد اقترض 4 مليارات دولار من البنك الدولي بين عامي 2014 و2017 وذلك في إطار اتفاق يقدم بموجبه البنك مليار دولار سنويا لتمويل مشاريع. كما حصل المغرب أيضا على 600 مليون دولار سنويا بموجب اتفاق سابق مع البنك للفترة بين عامي 2011 و2013 لكن الحكومة طلبت زيادة الدعم المالي المقدم من البنك.
والغريب في الأمر أن عبد الإله بنيكران، رئيس الحكومة المغربية، نفى في حوار نشره يوم الجمعة 08 غشت 2014، موقع قناة "الحرة" الأمريكية أن يكون حزبه حاكما في المغرب، وقال "نحن حزب يترأس الحكومة فقط، ورئيس الدولة المغربية هو جلالة الملك، وفي نفس الوقت هو أمير المؤمنين، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية"، مضيفا أن "الصلاحيات الأساسية للحكم في المغرب توجد بيد المؤسسة الملكية"، فهل يريد بنكيران التملص من جميع المصائب التي تلم بالمغاربة ؟
وفي مارس 2013 منح الصندوق السعودي للتنمية بموجب أربع اتفاقيات تم التوقيع عليها بالرباط، هبات بقيمة 400 مليون دولار أمريكي لتمويل عدد من المشاريع التنموية بالمغرب في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والفلاحة، والإسكان، والطرق.
وفي يونيو 2013 سلمت دولة الإمارات العربية المتحدة للمغرب قيمتها 1.250 مليار دولار أمريكي، ضمن مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لدعم المغرب.
وقد رصد مجلس دول التعاون الخليجي، في إطار شراكته الاستراتيجية مع المملكة المغربية المبرمة سنة 2011، هبات قدرها 5 مليارات دولار على مدى خمس سنوات من 2012 إلى 2016، بمساهمة كل من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وتتوخى هذه الهبات، تمويل برامج التنمية بالمغرب في العديد من القطاعات الإنتاجية والاجتماعية ذات الوقع المباشر والملموس على تحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين وإحداث فرص الشغل.
كما سبق لبلجيكا أن مدت يد العون للمغرب عندما كان نزار بركة وزير المالية.
وهذا عند توقيع اتفاقية تعاون تهم أنشطة في قطاعات فلاحية ، وبغت المنحة المالية 17 مليون أورو أي ما يعادل 191 مليون درهم. ورصدت لتمويل مشاريع فلاحية تندرج في إطار "تنمية زراعة الزعفران الحر، و زراعة النخل بمنطقة سوس ماسة درعة و كذا الدعم المؤسسي والتشغيلي لثلاث وكالات متخصصة في الأحواض الهيدروليكية.
ومنذ عام 1991 ، بلغت المساعدات الفرنسية للمغرب سنوياً مليار فرنك فرنسي، هذا المبلغ سوف يتضاعف سنة 1995 . وكانت فرنسا آنذاك هي المانح الأول للقروض للمغرب بنسبة 13 في المائة وارتفعت النسبة إلى 19 في المائة سنة 1999 ، كما أنها كانت أول جهة مانحة للبلد ضمن العلاقات الثنائية، حيث تبلغ مساعدتها للتنمية 51 في المائة من الحجم الإجمالي. وكان هناك أيضا فرع Proparco التابع للوكالة الفرنسية للتنمية له مكاتب في الدار البيضاء يتعامل مع الشركات والمصارف المغربية كمساهم في الرأسمال ومانح للقروض.

وما هذه إلا أمثلة للإستئناس... فتاريخنا مع الديون الخارجية حافل بما لا يستسيغه عقل سليم.
فمنذ أواسط سبعينات القرن الماضي، بدأ يبرز تنامي مديونيتنا الخارجية ، خصوصا وأن البنوك الغربية ارتفعت سيولتها النقدية بفعل عائداتها لذا عرضت هذه الأموال بمعدلات فائدة مغرية. وصرفت هذه الديون في إنجاز مشاريع ضخمة كالسدود والتجهيزات المائية الكبرى التي كانت تمتص أكثر من 30 بالمائة من الاستثمارات العمومية، وتدعيم مؤسسات عمومية كبرى كالمكتب الشريف للفوسفاط، والقرض العقاري والسياحي، وبنك الإنماء الاقتصادي، والقرض الفلاحي وغيرها... إنها صرفت لتطوير رأسمالية محلية، لكن على حساب الكثير من مصالح الشعب حيث ظل عرمرم من المغاربة يعيشون أوضاع البؤس والبطالة رغم أن القائمين على الأمور أثقلوا كاهل الأجيال القادمة بالدين.
وعلى حين غرة انطلقت أزمة المديونية مع بداية الثمانينات، حيث بلغت 12 مليار دولار سنة 1983 مقابل 0.9 مليار دولار في 1972. حصل المغرب على حوالي 50 مليار درهم خلال فترة 1974-1983، لكنه سدد برسم الفوائد فقط 18 مليار درهم، أي أكثر من ثلث القروض، وهذا في وقت عرف انخفاض كبير في أسعار الصادرات الأساسية ، مما نتج عنه تقلص العائدات من العملة الصعبة لتمويل الدين. وكانت النتيجة قبول برنامج التقويم الهيكلي ليعيش أغلب المغاربة – مغاربة "المغرب المحيط" وليس "مغاربة" "المغرب الجزيرة" الذين ظلوا في أحسن حال في السراء والضراء- أوضاعا كارثية. هكذا جرى خفض النفقات العمومية المخصصة للقطاعات الاجتماعية (الصحة، التعليم، التشغيل..)، وتقليص أو إلغاء دعم أسعار المواد الأساسية، وتوسيع الضغط الضريبي على الكادحين، وتعميم مرونة الشغل وعدم استقراره، وتجميد الأجور، وفتح الحدود على مصراعيها في وجه السلع الأجنبية، وخوصصة المؤسسات العمومية والخدمات العمومية... وهذا ما أدى إلى تنامي البطالة، خاصة في صفوف الشباب والنساء، وتعميق مسلسل إفقار المنتجين الصغار، والهجرة القروية، وتنامي الفقر والبؤس، واتساع دوائر التهميش ... مما دفع على قيام احتجاجات عارمة رغم القمع الوحشي الهمجي (يونيو 1981، يناير 1984، ودجنبر 1990).
وستتوقف عملية إعادة جدولة الديون مع سنة 1993، لترتفع بذلك خدمة الدين من حوالي 145 مليار درهم لفترة 1984-1992، إلى 316 مليار درهم في فترة 1993-2003. وتفوق تكاليف سداد الديون (خدمة الدين) بكثير المبالغ السنوية التي يمنحها الدائنون. ففي سنة 1999 على سبيل المثال، بلغت قروض المغرب الجديدة حوالي 15 مليار درهم، في حين بلغ مجموع تكاليف الدين 29 مليار درهم. ويبين هذا الفارق الكبير، الذي يستنزف الميزانية سنويا خصوصا على حساب ما يتعلق منها بالجانب الاجتماعي، كيف تم إثقال كاهل الشعب المغربي وأجياله القادمة بديون لم تجر على أغلب المغاربة إلا الويلات. فقد أدى المغرب لمختلف الدائنين حوالي 16 مليار درهم كمعدل سنوي خلال سنوات 1996-1999.
وظل المغرب يستند على الديون ورهن مستقبل أجياله القادمة. إن مجموع الديون الخارجية العمومية تجاوزت 25 بليون دولار، وأصبحت تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي، في حين كانت تقدر بنحو 16 بليون دولار عام 2008 قبل الأزمة الاقتصادية العالمية. ومنذ انطلاق "الربيع العربي" تزايد اعتماد اقتصادنا على القروض الخارجية لمواجهة الأزمة. واحتاجت الحكومة هذه السنة إلى اقتراض 65 بليون درهم لمواجهة عجز الموازنة وميزان المدفوعات الخارجية.
إن نهج الاعتماد على القروض الخارجية لم يجن منه أغلب المغاربة إلا الويلات، وظل هو النهج المعتمد إلى حد الآن رغم كثرة الانتقادات وحدتها، وظلت تدفع نحو تأزم الأوضاع، وتُفقر الطبقات الوسطى وتعمق التراجع في برامج الاستثمارات العمومية عبر خفضها مما يؤدي إلى تنامي عدد العاطلين.

والشعب يؤدي... وسيظل يؤدي...فقدره أن يؤدي ويؤدي فقط...
أدت الأجيال السابقة ويؤدي الجيل الحالي وستؤدي الأجيال القادمة، ولكن ماذا جنى أغلب المغاربة من هذه الديون؟
والغريب أن معظم الدول التي تعيش على المساعدات والقروض – وبلادنا ضمنها - تعرف ارتفاعا صاروخيا للأموال المهربة إلى الخارج، والتي تفوق كثيرا حجم الديون التي ترهن مستقبل الأجيال. مع ارتفاع صاروخي في حجم الضرائب التي يقال إن أثرياءنا ظلوا يتهربون من دفعها – هذا بالرغم من كل الإعفاءات التي ظلوا يستفيدون منها- أليس من أقبح صور الظلم الاجتماعي أن يؤدي صاحب "السميك" الضريبة ولا يؤديها كبار ملاكي الأراضي الفلاحية؟. أفلا يكون منع تهريب الأموال مع وضع حد للتهرب الضريبي كافيين لاستغناء عن جزء كبير من ضرورة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي الذي هو في واقع الأمر نوع من الحجز على القرار الوطني المستقل ؟
أليست هذه ديون كريهة في عرف أغلب المغاربة لأنهم لم يجنوا منها إلا الويلات؟
ومما يصعب على الكثير من المغاربة فهمه، أن هناك مشاريع ضخمة التي أطلقها المغرب والتي تمول في جزء كبير منها عن طريق المديونية وهي مشاريع قد يسري عليها المثال "ما قدوا الفيل زيدو فيلة" أو المثل القائل " آش خصك آ العريان...."..
لكن ما هي الديون الكريهة في عيون الخبراء ؟ هي الديون التي تقترضها الدولة باسم الشعب لاستخدامها في غير خدمةً الشعب ومصالحه ، وبالتالي تكون من الديون الكريهة بالنسبة للشعب. سيما إن ساهمت في تحقيق الإثراء الشخصي وخدمة مصالح فئة معينة من الشعب دون الفئات الأخرى لأسباب سياسية أو كأداة للتمييز بين أفراد الشعب أو مجازاة المقربين والمساندين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا يشتري الصينيون الذهب بقوة؟


.. أحد أبرز المباني التاريخية في كوبنهاغن.. اندلاع حريق كبير با




.. تضامنا مع غزة.. متظاهرون يغلقون جسر البوابة الذهبية بسان فرا


.. اندلاع حريق في مبنى البورصة التاريخي في الدنمارك




.. ا?سعار الذهب اليوم الثلاثاء 16 ا?بريل 2024