الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطاقة النغمية لألحان سيد درويش وعلاقتها بالطاقة التعبيرية لإيقاع الكلمات

أبو الحسن سلام

2014 / 9 / 14
الادب والفن



د.أبو الحسن سلام
نعرف أن الإبداع يكمن في قدرة المبدع على خلق طاقة تعبيرية قادرة على اختراق الحال بتخييل محال يتآلف فيه ما لا يأتلف وسيد درويش مشهود له في كل مكان حتى هذا الزمان بطاقته الإبداعية الخلاقة والمتفردة ولا حاجة للتدليل على صحة ذلك الرأي فألحانه تملأ أثير الوطن نغماً وإيقاعه له هوية مصرية لا تشوبها شائبة وأغنيات الوطن على لسان عوده الأثير تشهد برائع التعابير وهو ما جعل العقاد يتغنى بوصف سيد الموسيقى والتعبير اللحني
" لله سـيـد الـذي غـنـى لـكم زمـناً فقال العارفون مصور
وصف ابن مصر فليس يدرى سامع أصغي إليه أسامع أم مبصر "

و هو ما أجرى مداد الشعر منسابا من نبع شوقي ليهتف به :
" أيها الدرويش قم بث الهوى واشرح الحب وناج الشهداء
اضرب العود تـعد أوتـاره بالذي تهوى وتنطق ما تشاء
حرك الناى ونُـحْ في غابِهِ وتنفس في الثقوب الصـّعداء
واسـكب النبـرة في آفاقه من تباريحٍ وشـجوٍ وعـزاء
واسمُ بالأرواح وارفعها إلى عالم اللطف و أقطار الصفاء "
ألا يحق والأمر كذلك ألا يحق لبديع خيرى وهو رفيق دربه وممهد الألفاظ لرحلة إبداعه الغزير الأثير أن يسكب الدمع مهطالاً من سويداء القلب حزناً على فراق شقيق رحلة الإبداع فتخرج كلمات التأبين منه باكيه بلا دموع
" جايين يقولولى البقية في حياتك ولا فيش حياة من بعد انت يا سيد
الله يعوض مصر خير في مماتك بنيان يدوم للناس و يغنى للى شيد
ياما رثيت غيرك و خففت نوحى من حزن ألحانك و رقة شعورك
أما النهاردة يحق لى أرى روحى أرثى بلد عدمت ليالى سـرورك
الموت علينا حق بس الأكاده ما ياخدش إلا كل نابغ و ناصح
في الجنة مكتوب لك نعيم السعادة وإحنا الشقا مكتوب لنا في المسارح

ولأن الحياة سلسلة من البناء والهدم وهى ممتدة إلى مالا نهاية عبر آفاق الرأي والرأي المضاد، لذلك تتولد الآراء فتخلق القضايا التي تشتبك و يحمى وطيس عراكها وذلك من الصحة في حياة الفنون والآداب كما هو من الصحة في الحياة السياسية وفي الحياة العلمية. لذلك لا ندهش ، وليس لنا أن ندهش إذا ما ثارت قضايا الإبداع وتوالدت كلما تجددت فينا وجددتنا ذكرى عظيم موسيقانا سيد درويش ذلك أن العبقرية وحدها هي التي تثير القضايا في حياتها ، وتثور بعد رحيلها جسدا نفس القضايا وتتجدد فتتجدد المعارك الفكرية والفنية والنقدية حول دورها وإنتاجها مع كل مرة تحل فيها ذكراها. فطالما ظلت المعاناة التي عاناها مجتمعها تتجدد وتتوالد في المجتمع التالي لها فستظل مظاهر تعبيره عنها على أيامه نابضة وفاعلة في أيام المجتمعات التالية.
ومن القضايا التي استوقفتني حول فن سيد درويش قضية اختياره لكلمات أغانيه ، وليست كلمات الحوار التي تتجسد به الأحداث الدرامية للمسرحيات والأوبريتات التي ألف موسيقاها ، ذلك أن الحوار المسرحي نابع من الشخصية الدرامية ويحمل لنا جوهر ما تشعر به وجوهر ما تريد وينميها كما ينمى صراعاتها وهو تعبير عن فكرها وثقافتها ودوافعها الاجتماعية النفسية وانعكاساً لبعدها الجسمي أيضاً.
أما كلمات الأدوار الغنائية والطقاطيق والموشحات غير المقيدة بحدث درامى فهى تعبير غنائى فردى محمول على صوت المغنى مدفوعا بوجدانه ومؤطرا بخبرته الجمالية ومؤثراً بطاقته الإبداعية ، ومن ثم فهو خاضع لاختياره وقناعاته الفكرية والمزاجية إلى جانب تأثيرات الظروف البيئية المحيطة لأن المبدع الفنان مهما سما فهو جزء من مجتمعه وعصره .
على أن الخوض في تلك القضية قديم يجدد نفسه ، فلقد أثار القضية وبطريقة حادة أحد أقطاب الكلام في قطار غنائنا الرومانسى المحمول على صوت عبقرية متفردة وهو صوت أم كلثوم ذلك هو أحمد رامى الذي أخذ على اختيارات سيد درويش لكلمات الأغانى سوء المعانى وركاكة التعبير وانتفاء الصورة الشعرية في الوقت الذي سما فيه التعبير اللحني إلى أعلى مكانة ، مما يجعلنا ننظر إلى رامى في صف جوقة النقاد الذين يفصلون في تقديرهم لكل إنتاج إبداعى بين الشكل والمضمون ويجهرون برفع اللفظ عالياً تاركين المعانى على قارعة الطريق بتعبير "الجاحظ" .
ورامى على قدره لا يعدل بحكمه الذي يطرحه إذ يقول :
" إذا كان من سوء حظى أن أغنياتى لم تحظ بتلحين سيد درويش حتى يكتب لها الخلود ؛ فإنه كان من سوء حظ سيد درويش أنه لم يعثر على الشاعر أو مؤلف الأغانى الذي يمده بالمعانى والصور التي تتناسب مع مستوى موسيقاه لقد اضطر إلى تلحين كلمات و معان لا تصلح للتلحين أو الغناء ومع ذلك فقد رددتها الجماهير في حماس وفي إجماع بالغين وقد ضمها الخلود بين دفتيه" .
ومن الغريب أن يقال عن كلمات بيرم وكلمات بديع في شعر العامية أنها غير شعرية حسبما قال رامى " ليس هناك شك في أن الفضل الأول والأخير في ألحان سيد درويش إنما هو راجع إلى موسيقى سيد درويش و لا شئ غيرها لأن كلماتها - كما قلت – هى في الغالب مجموعة من الألفاظ التى لا تؤدى معنى شعرياً جميلاً " .
و من الغريب أيضاً أن يقول رامى أن تلك الأغاني قد وضعت على أصوات النكرات الغنائية: " ولأن أداءها كان في أغلب الأحيان على ألسنة مطربين ومطربات من المغمورين والمغمورات" .
ولنا أن نتساءل هل منيرة المهدية سلطانة الطرب وهل صوت صالح عبد الحي صوت مطرب مغمور ؟! وهل صوت حامد مرسى هو صوت مطرب مغمور, و هل صوت إبراهيم حموده كذلك وهل صوت حورية حسن وإسماعيل شبانه - وإن جاءت بعد ذلك - أهي أصوات مغمورة. وهل صمم سيد درويش غناءه للطرب و التطريب أم للأداء المعبر عن معاني الكلمات والمجسد للصورة ؟ وهل هناك أبلغ من ترديد الجماهير للألحان مهما كانت كلماتها ؟!
لقد كان في مقدور سيد درويش أن يختار من الشعر القديم ومن شعر حافظ وشوقى والجارم وغيرهم مادة لموسيقاه وألحانه , وهو الأزهري والمثقف , ولقد تغنى لشوقي قصيدة بالفعل, كما غنى الموشح (سبعاً وثلاثين موشحاً) غناها, لكنه كان قد حسم أمره وحدد وجهته بالغناء للشعب للحرفيين والغلابة , ولم يفكر في الصالونات , وفي آذان أصحاب الياقات والطرابيش والقبعات فبماذا تخاطب العامة و كيف يتواصل الفنان الذي يقف بثبات على أرضية الثقافة الشعبية و ينام في خندقها بعين مفتوحة ؟ كيف يتواصل مع الطبقات الشعبية ؟
إن الاختلاف الذي رأه رامى بين الناس حول نسبة نجاح أغنية من الأغنيات-على حد تعبيره- و كأنه رأى فشل الكثير مما لحن سيد درويش فيما يوحي بكلامه هذا – هل هو راجع إلى الكلمات و المعاني المنظومة أم إلى لحنها أو إلى أدائها بلسان مغنية أو مغن , " فإنه ليس هناك شك في أن الفضل الأول والأخير في ألحان سيد درويش إنما هو راجع إلى موسيقى سيد درويش ولا شئ غيرها"
إن هذا الاختلاف هو ترديد لقضية اللفظ و المعنى و لقضية المادة أو الشكل والتعبير , فالفصل بين الألفاظ والمعاني هو نفي لمصداقية التعبير , فالألفاظ لا مزية لها دون السياق , لأن السياق هو الذي يخلق المعنى أو الدلالة و القول بمزية اللحن الموسيقى مفصولاً عن الكلمات التى بنى اللحن عليها هو تجريد لطاقة الملحن الإبداعية , و عودة بفن سيد درويش إلى أسلوب الغناء التطريبى القديم الذي تأسس على التطريب و الدندنة الصوتية البعيدة كل البعد عن تجسيد المعانى و تخليق قيم جمالية ترتدى ثوب التعبير و تنحّي بعيداً ثوب التطريب والسلطنة . وتلك كانت عظمة سيد درويش أن ربط اللحن بمعانى الكلمات فلم تشذ أجروميات الصوت على المستويين الدرامى المعبر والجمالي الشعبي في اللحن عن أجرومياته ودراميته وجمالياته في الحياة الشعبية المعيشة بل تطابق سياق الكلمات الدلالى والجمالى مع السياق التعبيرى اللحنى ففرق بين ما جرى مجرى الشعر الغنائى الفردى أو الجماعى فكان تعبيره اللحنى محمولاً على صوت المغنى الفردى أو الجماعى (كما في الأناشيد) "بلادى بلادى" وما جرى مجرى الشعر الدرامى الذي يقوم على التعدد الصوتى والمجسد لصراع إرادات مشاعر بشرية حاضرة و متنامية بهدف الكشف عن تغير المصائر البشرية عبر مستويات الحوار – غالباً – والسرد أحياناً عبر تجسيد جوهر الإرادة وجوهر الشعور لدى الشخصيات الدرامية.
وفي أغاني سيد درويش الفردية (ذات الصوت الغنائى بعيداً عن الدراما) كان اللحن مصورا ومشخصاً لصفة ذاتية تخص صاحب الصوت الفردى وكان مصوراً ومشخصاً لصفة الجماعة (العربجية- السقايين- الشيالين- الصنايعية- الفلاحات- بنات البندر- الخواجات) و بذلك التصوير في فن الغناء الذي يحمل على صوت مغن واحد أو يقبل أن يؤدى بصوت الجماعة أو بصوت فرد مغن نيابة عن الجماعة أو الطائفة كانت ألحان سيد درويش معبرة عن صفة ذاتيه في الدور و معبرة عن صفة اجتماعية لطائفة أو أخرى في الطقطوقة .
على أن المنهج التعبيرى الدرامى في الطاقة النغمية و الإيقاعية لألحانه الفردية في الدور أو الأغنية الفردية والجماعية معاً في الطقطوقة هو نفسه منهجه التعبيرى الدرامى في الألحان المسرحية والأوبريتاتية التي أبدع تأليفها. ذلك أن سيد درويش كان صاحب حس درامى , اكتسبه من معاناته مع الناس في الشارع . و لنا أن نسترجع ألحان :
(يعوض الله) (يا عزيز عينى) (آهودا اللى صار) (مقلتلكش إن الكترة) (الديك بيدن كوكو كوكو) (يا حلاوة أم إسماعين) (إقرأ يا شيخ قفاعه) (بصاره براقة بصاره أشوف البخت) (إيه العبارة) (يا عشاق النبى) (الصهبجية) إلى آخره .
هذا في الغناء المحمول على صوت فردى . أما المسرح الغنائي فتوجد فيه مناطق درامية يحل فيها الغناء محل لغة الحوار الكلامي , شريطة أن تكون جزءاً من نسيج الحدث وأن يكون الموقف مدفوعاً بمشاعر قوية وحالة من السمو ونبل القصد في الصراع وعلى ما تقدم فلا مكان لقائل بأن كلمات الأغاني هي مجموعة من الألفاظ التي لا تؤدى معنى شعرياً جميلاً أو قبيحاً , لأن للشخصية المسرحية فكرها وثقافتها ومفرداتها اللغوية وحالاتها النفسية ومن هنا فإن لغة اتصالها بالعالم الخارجي تتلون وتتشكل عبر تفاعل هذه المكونات في اتساقها من حيث الشكل بما يتوافق مع الأسلوب الفني للعمل المسرحي نفسه فإذا كانت شخصيات مسرحياته التي يلحن أغانيها شخصيات شعبية أو كاريكاتورية و كانت لغة اتصالها وثقافتها ثقافة شعبية فإن طريقة تعبيرها لابد وأن تكون انعكاساً لها في الموقف الذي رسمت فيه سواء أكان التعبير كلامياً أم موسيقياً نغمياً أم غنائياً .
وهنا لابد من وقفة عند قضية تغيير بعض أبيات أو كلمات كانت في أصل النص الغنائي واستبدالها بكلمات أخرى غير تلك التى كتبها المؤلف ووضعها على لسان الشخصية أو المغنى وهو أسلوب اتبع كثيراً مع أغانى سيد درويش المسرحية وغير المسرحية دون منهج ودون تقدير لطبيعة إيقاع الفكر اللغوى وأجرومياته الصوتية وشخصية الكلمة بوصفها مادة في سياق الجملة أو التعبير اللغوى الذي وضعه الملحن - سواء أكان سيد درويش أم غيره الذي وضع له لحناً يوافق إيقاعه ويتآخى مع أجرومياته الصوتية ويجسد شخصية الكلام ويعكس مزاجيته ويزنه بميزانه .
لقد أخذ رامى - والمسئولون من بعده عن الثقافة والفنون – أخذوا على كلمات الأغانى في إبداعات سيد درويش اللحنية أنها لا تليق بآذان مستمعى أغنيات الصالون فرأوا أن "إتمخطرى و إتغندرى و إنجعصى في التختروان " وهى من أوبريت "شهر زاد" و كاتبها "بيرم التونسى" لا تليق بمسامع العصر فاستبدلوها بما يأتي :
" يا كوينى من قسمتى فين بعده ألقى الحنان" مع أن اللحن هو لحن زفة عروس "زعبلة" وهو بطل شعبي ابن بلد فأين (يا كوينى) من (إتمخطرى) والموقف موقف جمع شمل حبيبين عروسين في موكب زفافهما هل يقال (يا كوينى) أم يقال (إتمخطرى) ثم إن التعبير النغمي والإيقاع قد وضع للفظ بعينه والسياق اللحني وضع بوصفه معادلاً نغمياً وإيقاعياً للسياق اللغوي ليؤديا معاً عبر وحدة أدائية تعبيرية درامية إلى أثر درامي وجمالي في آن واحد , ليمتع قبل أن يقنع ويؤثر:
و هل تبديل : "عشان ما نعلا و نعلا و نعلا 000 لازم نطاطى نطاطى نطاطى " لتصبح : "عشان ما نعلا ونعلا ونعلا 000 لازم ندادى ندادى ندادى " هل (ندادى) أكثر إيحاء وأكثر درامية وأنسب إيقاعاً من لفظة (نطاطى) ألا يتحقق البعد الجمالى والبعد النفسي والبعد الاجتماعي بلفظة (نطاطى ) بتكرار حرف (الطاء) وهو حرف من حروف الاطباق ومن ناحية الفروق الإجتماعية وتباعد المسافات بينها أليست (الطأطأة) أكثر تعبيراً عن الخنوع و التذلل والتزلف من (المداداة) ؟ أليست لفظة (ندادى) أنسب للتعامل مع الجنس الآخر (النساء) ؟ و هل يتناسب لفظ (ندادى) مع الخط اللحنى الهابط تدريجياً من أعلى درجة يصل إليها أداء لفظة (نطاطى) اللحنى (كريشندو) إلى النزول التدريجى باللحن والإيقاع (دومينوندو) لقد وضع اللحن في خط يتصاعد تدريجياً للتعبير عن معنى الصعود الإنتهازى ثم ينحنى ليصبح تعبيراً عن معنى الهبوط المتدرج حتى الدرك الأسفل في صورة كاركاتورية . وهل تغيير لفظة " دا بأف مين اللى يألس على بنت مصر" هل يتساوى مع " دا بس مين اللى يألس على بنت مصر " صيغة السؤال في قوله "دا بأف مين" إستنكارية تهكمية تناسب إبن البلد بينما تقف صيغة السؤال في القول الذي إستبدلت به اللفظة الأولى تساؤليه بلا إستنكار ولا تهكم وهى تناسب شخصية من الطبقة الوسطى. ثم لاحظ أجروميات لغة الصوت بـين قوله ( دا بأف مين ) والقول البديل (دا بس مين ) والفرق بين التفخيم والمبالغة التى تتحقق في إرتباط حرف (الباء المفخم بالهمزة و الفاء) و (الباء و السين) المخففين والأمر نفسه ينطبق على التغيير الذي وضع للمقطع الذي أصله " ما طلع كلامه طز و فش " والمقطع المستبدل " ما طلع كلامه غش في غش " لفظة ( طز) تحمل معنى التحقير ولفظة (فش ) تحمل معنى التفاهة واللامعنى بينما لفظة (غش) فهى إتهام , والاتهام مشروع إدانة و يمكن رده , ناهيك عن دراميات الصوت ما بين (طز وفش) و(غش في غش) وجماليات التنويع في اللفظ وفي المعنى , إلى جانب إقتباس مثل شائع وشعبى . كما أن العلاقة تنتهى بين (المتكلم) و المستمع إلى كلامه وفق عبارة (طز و فش) بينما العلاقة لا تنقطع إحتمالاً بين الغشاش وضحيته . و ما فات في أمثال ذلك قد يبدو هيناً إذا وجدنا عبقرياً يغير كلمات اللحن الثورى الخالد : "قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك" و هو نشيد ثورة 1919 إلى (يا حمادة دى فطمطم بتناديك" و الغريب أن صاحب الفعلة هو (عبد الرحمن شوقى) في إستعراض (القاهرة في ألف عام) التى أخرجها الألمانى أرفين لايستر و أنتجها المسرح الغنائى بوزارة الثقافة تحت إدارة سعد أردش عام 1969 هل تستقيم هذه الكلمة السطحية لمناد وسيط بين حمادة وفطمطم مع الطاقة التعبيرية النغمية و الإيقاعية للحن الذي وضعه سيد درويش في خضم الفوران الشعبى لثورة 1919 مع (حمادة و فطمطم) و (منادى السرفيس في الموقف) الذي يشبه مذيعة الربط في التليفزيون المصرى ؟! وهل تستبدل :
" أحسن جيوش في الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعالى شوفنا
ساعة ما نلمح جيش الأعادى نهجم و لا أى شئ يحوشنا "
وهى من أوبريت شهرزاد بكلمات أخرى مثل " الأمة ملهاش حد غيرنا" ؟! وهل يكون لإسلوب التعارض اللحنى الذي وضعه سيد درويش لذلك النشيد الحماسى عندما يستبدل الإستهلال الحماسى الرائع الذي يبدأ بصيغة أفعل التفضيل (أحسن جيوش) بصيغة المبتدأ (الأمة ملهاش) فما ضرورة توظيف (البروجى) في خط نغمى معارض للخط اللحنى للنشيد ؟!
يقول حسن درويش (الكبير) ربما رداً على رأى أحمد رامى الذي يزعم فيه أن مستوى كلمات أغاني سيد درويش هابط " قد يعترض البعض على ضعف مستوى الحوار الدرامي في بعض هذه الأوبريتات وأن موضوعاتها تميل إلى السذاجة و الفطرة ... لكن لو تمعّنا في نصوص هذه الأوبريتات لاكتشفنا أن هذه السذاجة البريئة في الحوار الدرامي لهذه الروايات كانت هي المخرج الوحيد لانتزاع موافقة الرقابة الاستعمارية على هذه النصوص وما تضمنته من ألحان وأحداث مليئة بالحركة الوطنية و الدعوة الصريحة إلى تطهير البلاد من الإقطاعيين المستغلين لثرواتها وضرورة التخلص من براثن قوى الاستعمار الإنجليزي ومكائده"
ومع تقديري للأستاذ حسن درويش ، فماذا يقال عن " قوم يا مصري مصر دايما بتناديك " "طول ما نهر النيل بيجرى أنا لا أنزَلْ عمرى " " إقرأ يا شيخ قفاعه " " مادام الضانى غالى وكذلك العجالى / نفقع لنا أقتين ثلاثة من لحم الخيل " " طلع الصباح فتاح يا عليم والجيب ما فهش ولا مليم" " ياللى معاكوا المال برضه الفقير له رب كريم " " والله لو ترسى على حصيرة ولا حوجة لمرسيليا ولندن " " خسارة قرشك وحياة ولادك / على اللي ماهوش من طين بلادك " " هو احنا يعنى عشان غلابة / لبتوع قراية ولا كتابة / يهينونا فلتحيا التفانين " " بلا أمريكا بلا أوربا مفيش أحسن من بلدى " وماذا عن كلمات أغانى الحرفيين والطوائف في المسرح وغير المسرح " " مقلتلكش إن الكترة لابد يوم تغلب الشجاعة " " عايشين في بر النيل نشرب على عدادات على ملى و سنتى " " من زيت لملح ومن سكر و ترومايات لخواجة تراينتى " "قوم يا مصري"
أليست هذه الكلمات تحرض الجماهير المطحونة على السلطة في القصر وفي الإدارة الإنجليزية المحتلة لمصر ؟ أم أن كلماتها باللهجة العامية كانت تستعصي على أفهام الإنجليز وعملاء القصر ؟ هل كانت ترضيهم أغانيه التي تحث المرأة على السفور و التحرر وارتياد ميادين العمل مثلها مثل الرجل ؟ بالطبع لا .
لذا أقول لا شك أن قوة أكبر هي التي كانت وراء عدم مقدرة الرقابة الصارمة للإنجليز وللقصر على الآداب والفنون والإعلام تلك هي حالة المد الجماهيري الثوري المرهص بالعصيان المدني الذي تمخضت عنه حركة النضال الوطني لكل طوائف الشعب في طبقاته الدنيا و الوسطى والتي مهدت لثورة 1919 .
وليس أدل على أن قوة الشارع المصري على التكشير عن أنيابه للسلطات الحاكمة من محتل إنجليزي إلى قصر عميل و حكومات بليدة الأمر الذي تنزوي معه أسطورة الرقابة . أن تعرض لسيد درويش في ليلة واحدة على ستة مسارح أربعة أوبريتات وتتغنى بأدواره مغنيتين لهما صيت وصدى ففرقة زكى عكاشة تعرض له ( هدى) على مسرح حديقة الأزبكية وفرقة منيرة المهدية تعرض له ( كلها يومين ) عل مسرح دار التمثيل العربي وفرق نجيب الريحاني تعرض له ( رن ) على مسرح الإجيبسيانا وفرقة على الكسار تعرض له ( البربري في الجيش ) على مسرح الماجستيك وتغنى له نعيمة المصرية دور (أنا عشقت) في كازينو الهمبرا .
وتغنى له السيدة توحيد طقطوقة ( مظلومة ويّاك يا ابن عمى ) في كازينو ألف ليلة هل كان يمكن أن تسمح الرقابة بذلك لفنان تعتبره عدوها دون مد شعبي ضاغط ؟
كم ظلم سيد درويش في حياته فلم يرعه رائد الاقتصاد المصري ومنشيء المسرح القومي وستوديو مصر ويدعمه ليدرس الموسيقى الأوبرالية في إيطاليا وكم ظلم بعد موته من تحوير في ألحانه بحجة التوزيع الموسيقي والعصرنة آنا وبحجة مكيجة الكلمات وتذويقها في العديد من المرات وكم ظلم حتى من بعض أهله ومن بعض المتعيشين على ألحانه والذين يحق فيهم قول الشاعر العربي القديم :
" أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا