الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنظيم الحزب والعمل الجماهيرى

سعيد ابوطالب

2014 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


رؤية جديدة


رؤية الحركة اليسارية للعلاقة بين التنظيم والعمل الجماهيرى هى رؤية متأزمة لا تقدم ولا تؤخر على الأغلب ، فاليسار لم ينجح فى خلق مناخ عام يسارى يوما ما يساعد فى بروز قيادات عفوية متماسة نسبيا مع قيم اليسار ومبادئه ولم يستفد من لحظات المد الجماهيرى الثورى بشكل كاف ، رؤية اليسار لقضية التنظيم بها عدة مآخذ ،فهى:
نظريا:
ترصد إنقطاع العلاقة الصحية بين اليسار وحامله الإجتماعى ،وهى نقطة صحيحة، وإن لم تحدد سببا مقنعا لهذا الإنقطاع ، قد تشير إلى الهم الوطنى خلال الاربعينات والسبعينات كهم رئيسى معوق لهذا الإتصال-كأن الطبقات الشعبية غير مؤهلة لقيادة النضال الوطنى - مما يشير إلى خفتها وغياب عمقها فالملمح الوطنى شاهد من أهم شواهد الحركة الإجتماعية فى عديد من دول العالم دون أن يميع الملمح الطبقى،كما تنعكس الخفة وغياب العمق فى المرور السريع على الحلول والتوجهات فتواجهك العبارات المحفوظة :"تأسيس أشكال التنظيم المختلفة للفلاحين"،"التواصل الحى والعضوى مع الإحتجاجات الإجتماعية" وإلخ .......
الإنطباع الأول- لدى كادر يسارى - الناتج عن قراءة رؤية اليسار لقضية التنظيم هو أننا سنظل نردد مانقوله عن تنظيم الجماهير فى نقاباتها المستقلة دون جدوى أو تقدم واضح ولو قيد أنملة.
رؤيتنا يجب ان تطرح على نفسها إلقاء الضوء على مساحات ونقاط جديدة وهامة ،لتدفع العمل الحزبى دفعة قوية.
الحقيقة أننا نحتاج كمناضلين للإنتباه للرؤية الثقافية الخاصة بهذا الشعب، وتأثيراتها على شكل حركته ،وهو جهد هام ومطلوب لا يلتفت إليه الكثيرون ،هذا الشعب مازال يحتفل بالسبوع والأربعين وزيارة المقابر حتى الآن وهى عادات فرعونية حرمتها الديانتان القبطية والإسلامية ولم يعر المصرى هذا التحريم التفاتا،رصد يوسف إدريس فى إحدى قصصه إحاطة الفلاحين لمحكمة دنشواى وهم يفتحون أفواههم كالبلهاء ،وفجأة يخرجون "كما قال أحد المحامين الأجانب " شيئا طويلا من ملابسهم أسموه "العصى أو النبابيت" فى هبة مفاجئة لتحرير حامد البطل المقاوم بعد الحكم عليه بالإعدام ،وتكررت الهبة المصرية الغير متوقعة فى 9&10 يونيو ،وفى 18&19يناير ،وفى 25 يناير.
المقصود أن هذا الشعب له خصائص خاصة لايصح تنميط حركته فى أشكال محفوظة قد لا تتوافق معه .
فكثير من العمال ،المتأثرين بالأصل الفلاحى ،فضلوا طوال السبعينات وحتى بدايات التسعينات "الإضراب السلبى "، "الإمتناع عن صرف الحوافز أو المرتب" أو "الإضراب الغير معلن" مثل "تطويل وقت العمل اللازم لأداء مهمة معينة " أو "التباطؤ".
من لديه الرغبة فى قيادة الطبقات الشعبية عليه بذل جهد أكبر لفهم مفاتيحها.
الإجابة السريعة عن الحامل الإجتماعى لليسار هى "العمال والفلاحون "، وقد يضيف البعض "الطبقات الشعبية " ،وهى إجابة تحتاج لتدقيق وجهد نظرى وفكرى:بالتأكيد أن العمال والفلاحين والطبقات الشعبية هم نقيض الرأسمالية ،أو هم ضحايا النظام الرأسمالى،لكنهم قد لايكونون وحدهم ،بل قد يضاف إليهم قطاعات من البرجوازية المتوسطة أى من الرأسمالية نفسها،وهى قطاعات لم يتسع لها الوعاء الرأسمالى بل لفظها ومارس ضدها قهره وإستبداده ،فصارت أقرب للعملية الثورية"تجارب أمريكا اللاتينية"،بل ربما تبأوت القيادة فى لحظة تاريخية معينة "25 يناير"،وقتما كان الفلاحون يبورون الأرض ويبنون عليها منازلهم بعيدا عن أعين الأمن.
ماأقصده أن الحامل الإجتماعى غير محدد الهوية الطبقية ،وقد يتسع ويضيق ،وهو ليس بالضرورة وفى كل الأحوال ثابتا وليس قادرا دائما على القيام بدور ثورى حتى لو حمل فى أحشائه النقيض للسلطة الحاكمة ،يضاف لذلك غياب التحديد والنقاء الطبقى بالمجتمع المصرى وإختلاط الطبقات والتماهى الطبقى الواضح فى مصر ،فسائق التاكسى ليلا هو موظف نهارا وشتان بين الموظف والسائق.
دعوة الناس للتنظيم يفترض عند اليساريين ،أن الناس ناقصو تنظيم ،فماهو التنظيم؟ لمعرفة هل الناس منظمون أم لا؟ الحقيقة أن الناس ينتظمون بشكل إبتدائى فى أسرة وفى عمل وفى مسجد أو كنيسة وفى طابور لإنتظار الميكروباص أو المترو أو أنبوبة الغاز،و قد يتقدم هذا التنظيم ويصل إلى تنظيم داخل الأسرة فوق الحاجات المتعارف عليها للتنظيم الأسرى مثل الإهتمام الثقافى المشترك لكل أفراد الأسرة ،وفى العمل قد ينتظم الفرد فى شكل ما رسمى ،أو ليس نقابيا رسميا ولا هو الشكل المقر من قواعد تقسيم العمل ،وفى المسجد أو الكنيسة قد تتغير العلاقة من مجرد الصلاة إلى رعاية أبناء المصلين ورعاية مكان الصلاة وتطويره وهكذا.
المنطقى أنه من السهل ترقية شكل تنظيمى موجود إلى شكل أكثر رقيا.
عمليا:
تصبح المهمة الآولى للثورى هو إكتشاف الآشكال الموجودة والمشاركة فيها بغية تطويرها وترقيتها، أو خلق أشكال تنظيمية جديدة.

ماهو الشكل الذى يربط الناس؟ إتحاد الملاك.
المصنع أو الحقل.
المسجد
الكنيسة.
المقهى أو الكافيه الحديث.
المجلس المحلى.
جمعية تنمية المجتمع .
إئتلاف شباب الثورة.
الحزب.
لكى يثق الجمهور فى كادر سياسى،فواجبه ان يتواجد بشكل قوى وفعال بمنطقته ومصنعه أو قريته حيث يتواجد الناس بشكل طبيعى
على كل وحدة أساسية وضع خطة عمل جماهيرى تجيب على عدة أسئلة مقدما:
1- هل يستهدف العمل بالحى السكان من حيث هم مستهلكون ؟أم من حيث هم منتجون؟ بمعنى أصح هل لو وجد عامل بمصنع حديد عز مثلا فى حيك فهل تستهدفه من حيث هو يعانى من أكوام القمامة؟ أم من حيث هو عامل مستغل من صاحب المصنع؟ الإجابة لاتتوقف على رغبة الكادر بل تتوقف على رغبة المتلقى وإهتماماته ودرجة وعيه.
2- ماهى أهم مشاكل قاطنى المنطقة ؟ هل تم الإقتراب منها بدرجة ما من قبل السلطة بعد الثورة؟.
3- تقوم مجموعة بعمل أفلام وجرافيك حول المشاكل/المشكلة وتؤكد على أنهم كاذبون والثورة مستمرة.
4- تقوم كل فترة مناسبة بعمل مسيرة وطرق أبواب وتوزيع بيانات.
5- تقوم بإختيار الوقت المناسب لتقديم عروض كاذبون إجتماعيا.
6- تستخدم القوافل الطبية وفصول التقوية ومحو الأمية والعيادة الشعبية كمداخل للعمل السياسى والارتباط بالناس.
7- هل هناك إمكانية للعمل فى مصنع أو جامعة دون وجود كوادر حزبية بها؟
اهم مايجب الإنتباه له هو التفرقة والتمييز بين الإصلاحى والثورى ،وسيستطيع الناس التمييز بسهولة بين من يستخدمهم ومن يحترمهم.







(2)


تميز اليسار دائما بالبحث عن الحريق الثورى الدائم ، فهو يجيد المظاهرات والمسيرات والبيانات والمنشورات ، وعندما تنقشع الإنتفاضة والإنقضاضة يكتشف – متأخرا – أنه بلا جذور وهش ، مغلفا هذا الإحساس بغطاء من سب الجماهير المتخلفة التى لا تدرك مايحاك لها وتجهل مصلحتها.
إنتعاش اليسار دائما مرهون بهذا الحريق ، أما فى لحظات الإنحطاط ، فنصاب بعزلة نردها للحامل الإجتماعى متغاضين عن فشلنا فى الدخول لنسيج الطبقات الشعبية الغنى بثرائه وضحالته ، بقوته وضعفه ، وبتجلياته المتنوعة والمتناقضة.
نجاح الحزب الثورى لن يتحقق إلا بالوجود الدائم " المحدد الهدف لا الإنتهازى "وسط الناس وإن إختلفت تجليات هذا الوجود.
فى لحظات الجذر ،يجب الذهاب إلى الناس حيثما يوجدون ،عكس فترات المد التى يجيئون لنا من كل حد وصوب يبحثون عنا.
يظل الزملاء يتحدثون دوما عن بناء حزبنا لبديل ثورى والخروج من إسار التبعية للإستقطاب المدنى العلمانى المشوه ، لكننا نخبة لانتعامل إلا مع النخب .
فالعامل أو المهنى الساعى لبناء نقابة مستقلة ، هو عامل ومهنى متقدم ،وهم ليسوا أغلبية ،بل هم قلة لا يجب بالطبع إهمالها ولكنها ليست كافية لإحراز مهمتنا الأساسية.
المشاركون فى المليونيات كذلك ، لايمكن إختصار الشعب المصرى فيهم ، ولايمكن عمليا جذب عدد كاف منهم لخط الحزب لا كأعضاء ولا حتى كجمهور .
العمل الدؤوب وسط الأحياء والمصانع وسكان المقابر و المقاهى والقرى هو الرهان الأكثر صدقا ونجاحا حتى لو تحملنا ترهات الجماهير الشعبية وخزعبلاتها ، وهى الطريقة المثلى لكسر الإستقطاب الدينى العلمانى.
زيارة الوحدات الأساسية وقيادات الحزب للكنائس والمساجد فى الأعياد وتوزيع بياناتنا أمامها هو الطريق الصحيح لجذب إنتباه هؤلاء البشر إلى خطنا الرئيسى .
العمل على جميع المستويات مع الناس أثناء المد والجذر أحد الطرائق الرئيسية لإمتلاك رؤية سياسية صحيحة والإرتماء فى بحر الإنسان المصرى العادى.
أحد إنتكاسات اليسار الهامة كانت بعد إنتفاضة 18 و19 يناير 77 ، بعدها ذهب السادات إلى إسرائيل ليصرخ اليسار مولولا وسط تأييد شعبى للسلام المخادع.
صرخ اليسار كما لو كانت مصر تنحرف من إستقلال إلى تبعية والحقيقة أنها كانت تتوج تبعيتها القديمة وترسخها لاأكثر ولا أقل.
لم يتحمل اليسار هذا المنحى وقد بنى إستراتيجيته على عامود قوى إسمه العداء لإسرائيل.
وبعدها تقريبا إنهارت كل المنظمات الشيوعية تقريبا فى خلال سنوات قليلة.
لم يستطع اليساريون تطوير أدواتهم وطرق عملهم مع الطيقات الشعبية التى صفقت للسادات وبدأ معها أيضا المد الدينى المخطط ليجتث الحركة اليسارية من معقلها الرئيسى "الجامعة".
واليوم يتكرر المشهد ، فيطرح بعض زملائنا أطروحات أعلى كثيرا من وعى الناس وإتجاههم العام ومزاجهم الآنى ، فحين تتراجع الثورة لدرجة أن الجمهور يعادى رموزها يصبح الدعوة للخروج الكرنفالى فى مظاهرة ضد النظام ، " و ضد الناس بالأصح " هو ضرب من الجنوان والمراهقة وسوء التقدير.
كما يخلطون فى إبتذال واضح رؤيتهم السياسية كتنظيم سياسى بأهداف العمل النقابى ، كما لو كان الوسيط هو أداة لهم لاأكثر ولا أقل كما يحدث من بعض اليساريين فى نقابة الأطباء.


( 3)



السؤال الذى وجدت إجابته التيارات الدينية مازلنا عاجزين عن الإمساك بأول خيوطه.
هناك فارق بيننا وبينهم فهم يستخدمون الناس ونحن نحترم الناس.
يستخدمون الناس بشكل عقائدى "الجنة والنار والتكفير والتحليل " وبشكل مادى "السكر والزيت والأرز وتوزيع الزكاة التى يجمعونها من الناس فى إعالة الأسر اليتيمة " ، وعلى المستوى الأعلى يرتبط الإنتماء التنظيمى أو يوثق ويحكم "عائليا بالزواج من إبنة القيادة الأعلى "و "إجتماعيا بالعمل فى شركاتهم بدلا من البطالة".
إصطياد الفريسة يبدأ فى المسجد " كمساحة طبيعية لا تحتاج لجهد عال وإقناع " يذهب إليها الناس بشكل منتظم على الأقل مرة كل أسبوع ناهيك عن خمس مرات فى اليوم.
الموالد إحدى المناسبات الهامة التى يذهب إليها آلاف الناس كمكان طبيعى مواز للمسجد ، الناس لا تحتاج إلإقناع لتذهب إليه.
كما يذهب الناس إلى المقهى دون إحتياج لدافع غير الدافع الشخصى .
تحدثت مرة عن الدعاية للحزب ومبادئه بالموالد ،فرد زميل بأننا لا يجب إهمال الساعين إلى نقابات مستقلة والبحث عن المغيبين فى مولد السيدة والحسين.
لم أقصد طبعا ذهاب من لا يستمتع بالموالد إلى الذهاب ،بل قصدت أن من يجيد حرفيات المولد ويستمتع بها يجب ألا يترك هذه الفرصة.
ومن يفهم فى تشجيع الكرة عليه الإنضمام للألتراس .
ومن يؤمن من أعضائنا ويذهب بشكل طبيعى للمسجد والكنيسة عليه مزاحمة وعرقلة المد الدينى المحافظ والمتطرف.
إنظر إلى مقرات الحزب فى كل مكان: من يدخلها من الجمهور العادى؟.
مقرات الحزب مغلقة إلا لو تواجد بها أعضاء الحزب.
لماذا لا تفتح كعيادات شعبية وفصول محو أمية وفصول تقوية وجمعيات رعاية الأطفال العاملين بأسعار مخفضة وإقتصادية فى نفس الوقت؟.
سيدخلها كل يوم عشرات الناس إلا فى أيام الإجتماعات الحزبية أو تقسم فيكون هناك غرفة كعيادة وغرفة للإجتماع الحزبى.
تملأ جدرانها بأوراقنا وبرنامجنا ويتحدث أعضاؤنا مع البشر الآتين إلى المقر.
ستمول هذه المقرات من حصيلة مايدفعه الناس .
الزميل أحمد عبد الوهاب فتح عيادته فى السبعينات كعيادة شعبية فى الوايلى وخاض إنتخابات مجلس الشعب فى 79 فلم يوفق فقطع الناس شريط القطار لتأكدهم من التزوير ضده.
هناك فكرة أخرى بإستبدال أحد مقراتنا فى إحدى المناطق الشعبية بمقهى يقدم الشاى والقهوة والشيشة وأوراق الحزب ودعايته وحفل غنائى كل أسبوع أو مسرحية أو فيلم ويمكن إستخدام المقهى كمقر للإجتماع الحزبى .
المهم أن يجيد العضو الذى يديرها أعمال المقاهى.
مطلوب فقط ضبط العلاقات القانونية للعمل الحزبى والتجارى .
كل ما أقصده هو أننا يجب أن نفتح مجالاتنا ونوسعها ونزيدها زخما ودفئا وألا نستصغر المهمات .
المهم ألا نتعجل وألا نستخدم الناس الذين نعشقهم ونحترمهم .
المهم أن نسعى للقائهم فى أماكن أخرى غير التحرير وميادين الثورة ، وفى أوقات غير الحريق الثورى الدائم.
إن كنا نسعى للسلطة المعبرة عن الطبقات الشعبية يجب أن ننحو نحوا مختلفا .
وبعد 10 سنوات مثلا سننتظر سقوط الثمرة فى أيدينا ، وحدها بعد أن تنضج ، ستسقط ساعتها بشكل طبيعى ،أو ستحتاج هزة خفيفة أو نفخة هواء.
سعيد أبوطالب









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على