الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيمان القبيح عندما يصبح علامة تجاريّة لترويج بضاعة السلطة

سماح هدايا

2014 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الإيمان القبيح عندما يصبح علامة تجاريّة لترويج بضاعة السلطة

...في ثقافة حقبةٍ سالفة من البشريّة، وهي تنطبق على مختلف الشعوب، أنّ الأباطرة والقياصرة لا يتخذون قرارا من دون مواففة الأساقفة أصحاب الشرعيّة الأخلاقيّة؛ فيجتمعون كلهم ويتفقون على اغتصاب حقوق الشعب وتحويله إلى قطيعٍ لشنّ الحروب عليه وبه، تحت الشعارات المقدّسة والمبجّلة.
إنّها ثقافة تسويغ مماراسات الجرائم الأولى في الحضارة الإنسانيّة، وهي العلامة العالمية للشعوب الخرفانية* التي تبارك اتفاق الأطراف المتسلطة على القتل وتمجيد القتل وشرعنته، حتى لو حمل بذور إفنائها تحت أقدام أسيادها. إنّها وقود الحرب على الآخر وعلى ذاتها عبر التاريخ وحركته.

إذاً.. لكل الأديان والأقوام رموزها التي تبارك القتل والموت العنيف، عندما تكون محكومةً بهوس السلطة والطغيان..وهي تتبلور بالتصنيف؛ حيث مراتب للأشرار، ومراتب للأخيار... أي الموت للأشرار الذين بلا أصل شريف أو معتقد نبيل... والحياة للأخيار صفوة عرقٍ ومذهب.... فتنشأ منزلةُ للبشر على الأرض تشابه منزلة الله في السماء. وحكم بالجنة والنار. وكهنوت عقائدي من مختلف العصبيات..لإقامة الباطل ومناهضة فكر الآخر وعقيدته. التاريخ يحفل بروايات كثيرة لمذابح الشعوب. ولعل أسهل تسويغٍ للذبح هو ادعاء بدائيّة الشعوب الأخرى وإرهابها، وتصنيفها بشعوب بلا تاريخ.
.
لا يقتصر استخدام اليقين وتسويغ شرعيته وهيمنته على حملة شعارات الأديان والقوميات، بل هو أداة بيد الذين يلحدون والذين يكفرون بالأديان، بيد الذين يؤمنون بالعلم والعلماء ويتعبّدون في معابد المعرفة، وبيد الأحزاب وحملة النظريات السياسية والفكريّة. ..الكل لديه يقينه وأحيانا يكون يقينا مطلقا راسخاً وسرعان ما تقع الكارثة عندما يوضع اليقين الراسخ في إطار سياسي وسلطوي شامل، طلبا للسيادة والتفوقّ، وفق أسس عصبيّة، تقصي الآخرين المخالفين وتحبسهم في أقفاص منبوذة سوداء مخصّصة "للأشرار والإرهابيين"؛ لكي تشرعن، عقائديّا، عملية إقصائهم وإبعادهم والتخلص منهم. ..أما هم فيحظون بمراتب الصالحين والنافعين.. تماما مثل حسابات الجنة والنار. وطبقات الاصطفاء والانتخاب...فبيدهم منزلة مماثلة لمنزلة الآلهة، وطبقة كهنوتيّة معصومة، تستمد شرعيتها من شرعية تفوّقها العنصري والنخبوي والعقائدي.
تكثر في وسائل الإعلام والمطبوعات برامج ومنشورات حول "التسامح ونبذ العصبية"، وبالمقابل تغصّ وسائل إعلامية أخرى بترويج العصبيات والعنف والتطرف.. لذلك لا حسم في الحرب ضد الإقصاء والآخر؛ فتسير طوائف وجماعات وأمم، في دائرة العنف واللاتسامح والحقد على الآخر، وتمارس الاعتداء حتى خوض الحرب بوحشية ..وتتجذّر، بمنافع السلطة والهيمنة، أنظمة تبارك الطغاة والباغين وتنشر القتل ، داخل بيوت السياسة والدين والإعلام بمختلف أشكالها. وتصبح المعابد الدينية والشعارات القومية والعقائدية حارسا حصينا للحرب والعدوان.
هي حرب قديمة ، ليست جديدة؛ لكنّ خوضها ضمن اطلاع تاريخي، سيفيد في فهم طبيعتها لاستيعابها. ففي الحرب السوريّة تتموضع إشكالية الانتماء والهوية داخل مأساة عقائدية متسعة، يتفاقم خطرها يوما بعد يوم، عبر صراع عصبويات؛ مذهبية، وقومية وعلمانيّة، تتطوّر لإرهاب وحشي مشرعن. عما بأنّ لا عدو أخطر من الإرهاب والترهيب تحت رباط العصبوية وسلطة الإيمان العقائدي.
منذ قرون وأمتنا تهوي في جمود وانحطاط. وواقع التمزيق متواصل. ولما جاءت الثورة كانفجار هائل ردا على ذلك التردي والسقوط، كان من تداعياتها حدوث الفوضى الشاملة وتفكيك البنى التقليدية التي أحدثتها قرون. لكنّ الاشد حدة، كما يبدو، هو فوضى الهوية وتقاتل الهويات؛ لأنّه يترافق مع ضحالة الرؤى وسذاجة الفهم، وتآكل نفسي وروحي وثقافي وأخلاقي نتيجة السقوط...والمحصّلة تشتت في الإرادات وانهيار الصورة الوطنية، وتشرذم المجتمع، واشتداد الفساد، والعجز عن خلق مستقبل وانفراج ونصر؛خصوصا، ضمن اتساع الإحساس بالنقص والعجز، مما ترك كل مجموعة تبحث عن مكانتها ومكاسبها، وسط توافقات مع قوى كبرى لاعبة في المنطقة، تموّل حراكها الفئوي، بدلاً من العمل مع الآخر جماعيّا، لما يحقق مصلحة عامة ومستقبلا وطنيّا عادلا، يشمل الجميع بالحرية والكرامة والإنصاف.
النظام السوري وداعموه، يسهمون في عملية تكوين الأقطاب العنصرية الإرهابيّة لمحاربة الشعب السوري، فنظام الأسد الذي لا يكف عن نهج القتل والتدمير واستغلال كل الممكنات لاستفراد بالسلطة والهيمنة، يرعى تشكيل العصابات والميليشيات العقائدية، ويحركها ضد بعضها، لكي تتقاتل وتضعف وتتآكل، ويبقى وحده؛ فيتعاون معها للقيام بأعمال إرهابية تصبّ في مصلحة نظامه ومصلحة الورقة الدولية الداعمة لوجوده واللاعبة بورقات الأقليات في المنطقة، لعرقلة نجاح مشروع سوري وطني، مثل:

1- الحركات والأحزاب الكردية المتطرفة؛ فهي قد استلمت منه، مع الثورة، دور قيادة منطقتها، وراحت تستحوذ عليها وتمارس إرهابها وهيمنتها على الآخر؛ فلم يعد للصراع بين العرب والأكراد مطلب حق واستعادة حرية؛ بل انقلب إلى اعتداء وطغيان وجريمة وفتنة متواصلة. التاريخ والجغرافيا ليسا قاربا لنجاة مجموعة صغيرة في خضم بحر كبير شديد التلاطم؛ فيجري استغلال مطالبهم ومطالب شعوبهم تحت مسمى الحكم الذاتي، وبتضليل مسوغات الانتماء التاريخي والجغرافي وحججها، لتحويل الأكراد من قومية ومجموعة بشريّة لها حقوقها وكرامتها، إلى كيان مصطنع، ينشأ، سياسيا، بقوة الإرهاب والبغي وعبر إبادة الآخرين.
وللاسف، فقد مارست، الحركات الكرية المتطرفة نهجا إرهابيّا ضد العرب وغيرهم من خلال عصابات كرديّة، فقامت بالقتل والسجن والاعتقال والتهجير والإبادة. كانت وماتزال قي موقع أمان من نظام الأسد. فلها في مناطقها سلطتها ونفوذها وحريتها، ضمن تنسيقها الأمني مع نظام الأسد الشبيه بها، نهجا اقصائيا متطرّفا، وسلوكا إرهابيا، يستغّل الشعب بالشعارات القوميّة. وهناك داعمون دوليون لحراكها.
2-الحركات الجهادية المتطرفة ؛ مثل تنظيم دولة العراق والشام الذي كان نظام الأسد قد سهل له الأمر، عندما لم يحاربه ولم يستهدف مقار "داعش" على الرغم من علمه بها، بل كان يقصف المدنيين السوريين من الأطفال والنساء، ويترك داعش لكي تنشيء ضعا كارثيا في أماكن نفوذها و مرورها؛ باعتقال الناشطين وإعدام الثوار والمقاتلين وارتكاب جرائم وحشية بحق المعارضين لنهجها أو هيمنتها، بالإضافة إلى استغلال موارد المجتمع الاقتصاديّة وخرقه باسم الدين، لقمع الحريات العامة والشخصية.. داعش تشبه نظام الاسد، فكراً ونهجاً وسلوكاً، ولذلك يتلاقيان ويلتقيان في بعض المصالح والأهداف. وهناك داعمون دوليون لحراك الاثنين.
كأنما السجان واحد والسفاح لا يتغيّر؛ السماء التي تمنح الشرعية هي المختلفة.. النظام يحارب الامبريالية وأمريكا والصهيونية، وهو ادّعاء، وهم يحاربون الكفر والصليبين والنصيرين باسم الإسلام وهو ادّعاء. والأحزاب الكردية الانفصالية تحارب باسم القومية الكردية وتخليص الكرد من الاضطهاد واسترجاع دولتهم سوريا إلى كرديتها؛ وهو ادّعاء أصبح خرافة. إنّها عقيدة حرب عصاباتيّة لمصالح ومكاسب ذاتية تتقاطع مع المصالح الدولية الكثيرة في المنطقة ، التي تسعىى لإبقائها ضعيفة ممزقة جاهلة مسلوبة الإرادة؛ فتدعمها بعقلية مخابراتية أكبر من حدود التنظيم والنظام والأحزاب والأكراد، لإثارة الفتنة واسثمارها ومنع أي تصالح وتوافق وتعايش حاضر ومستقبلي يحمل مشروعا حضاريا نهضويا استقلاليا. ليس هناك عقيدة. هناك استغلال للعصبيات الجاهلة وربط الجميع برحى الحرب بحيث لا يستطيع أحد الخروج من بوتقة التخندق المذهبي والقومي؛ إما دفاعا عن نفشه أمام صواريخ النظام وبطشه أو حماية لنفسه من هجوم داعش واعتداء ميليشات الأكراد.
إنّ مطالب الحرية والعدل هي مفتاح الحق والشرعيّة في الثورة السورية التي، مهما تشكّلت وتبدلت، تبقى قضية تحرر وعدالة ونهضة؛ وإلا فإن اي خروج نهائي عن هذه المطالب سيعمل على إسقاط الثورة قبل أن تحقق طموحها في حال استمر صراع الهويات والولاءات وتعدد الانتماءات وتضارب المصالح الحاد.
فما دام الإنسان إنسانا حق الآخر ولا يظلمه، ويحتفظ بمهاراته العقلية في التفكير؛ فهو إنسان صالح، ولا يهم أن يكون كرديا أو عربيا او سريانيا أو شركسيا...، مسيحيا أو مسلما، سنيا أو شيعيا... المهم التعايش والتصالح؛ فالحل التواصل مع الآخر وقبوله إنسانيا ووطنيا وشريكا في بناء الدولة. احترام الآخر المتمايز قومياً وثقافياً ودينياً. هو ضرورة لتأكيد وحدة الشعب السوري في مكوناته المختلفة التي يجري تمثيلها ضمن سياق دولة واحدة غير تحاصية. أما التاريخ فللاستنارة وليس لترويج التضليل ، تبعا لمصلحة أقليات أو للطعن بكليّة التاريخ، أو للدفاع عن صفة التقدميّة وصفة المعاصرة؛ فقد يصل الأمر للفوضى واللامنطق، ويتحوّل من نقدٍ فاعل إلى تشويه تدميري... تتكرّس فيه الفوضى والقطيعية المؤذية للإنسان وللحضارة.
* الخرفان. جمع خروف.
د. سماح هدايا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة