الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان

خديجة آيت عمي
(Khadija Ait Ammi)

2014 / 9 / 24
الادب والفن


بدا محمد في غيبوبة ، حين لوّّحتُ إليه من مخرج التيوب ، إذ اضطررت للقائه بحثا عنه بعد أن تاه عن الطريق .
كان واقفا تحت جسر أوفر كراوند كامدن . و ما أن أقتربت منه لأسأله إن كان هو محمد ، حتّى اهتز قائلا: "ماذا يريد مني هؤلاء ؟" ، طمأنته و أنا أبتسم أننا لا ننتمي إلى أية جهة رسمية ، و أننا هنا رهن إشارته هو لا سواه .
جلس محمد بعد أن عُرض عليه كأس ماء في مقعد فيما يشبه الزاوية ، و أخذ يتحدث في استنزاف عن قصته التي ابتدأت بالخرطوم ، إذ كان يبدو عربيا من خلال ملامح وجهه و لذلك فإنني لم أكن أتصور أنهم قادرون على ارتكاب الحماقات ضد ذويهم كذلك .
تعرّض محمد إلى جميع أنواع التعذيب وتعرض جسده بكامله إلى حروق بالسّجائر إذ لم يسلم مكان واحد من آثار العنف عليه . كان مرتعبا من كل شئ ، سألنا مرّتان إن كنا نشتغل مع السلطات ، لكن جورج أخبره أنّنا في كامل الإستقلالية عن كل ما هو حكومي ، و أننا حتى في الحالات الجنائية لن نقدم أية معلومات تخص الزبون و لو بطلب من القاضي ، دون أخذ موافقة الزبون ، و ذلك عملا بقانون حماية المعطيات الخاصة للأفراد .
بدا محمد حائرا ، إذ بعد كل ما حدث له فقد عائلته كذلك، فبعد فراره من البلاد ، ظلت السلطات تلاحق أفراد العائلة اللذين لسبب ما ، اضطر كل واحد منهم بما فيهم الأبوين و الإخوة الخمسة الهروب كل حسب وجهته و هو لا يعرف عنهم شيئا لحد الساعة .
كان محمد مرتبكا ، و كان يمسك بساقيه و كأنه يعتصر شيئا منهما و كان يقول كلماته و كأنه تحت ضغط ما ، إلى أن صرخ بصوت خافت : "إنني لا أحب الأمكنة من هذا النوع "، " لماذا؟" سأل جورج ." لأنهم قادرون على محاصرتي من الجانبين " ، آنذاك انتبهت إلى أن للمكتب بابين ، الباب الطبيعي و باب خلفي كشرفة تؤدي إلى فسحة صغيرة مسيّجة . ثم أردف محمد قائلا : " إنني لا أحتمل الأماكن المغلقة ، هل ستكون لقاأتنا القادمة في ذات المكان ؟" .
كان جو الغرفة مشحونا بآلام الرجل التي لم تكن تُحتمل ، و كان يتحرك من كرسيه ، كما لو كان يحاول خلع ذاته من ذاتها قصد الهروب ، فلقد أعرب على أنه لا يريد أي شيء سوى أن يتركه الجميع و شأنه ، و أن طاقته كلها قد أهدرت و أن لا أمل له في الحياة بعد .
حاول جورج التركيز على ما يمكن تحقيقه في قضيته التي وصلت إلى المكان المسدود ، إذ بعد مغادرته السودان، توجه محمد باتجاه إحدى بلدان الشمال ، التي اعتبرت قصته من نسج الخيال و حسب روايته ،فإن لتلك الحكومة العنصرية مصالح قوية مع الخرطوم تحول دون أخذ قضيته مأخذ الجد .
خوفا من الترحيل الذي حكم به من طرف القاضي ، لم يكن الهرب الثاني سوى الحلّ الوحيد لمحمد ، فقدم إلى بريطانيا التي يعتبرها أرقى من الأخريات ، حيث تم سجنه بإحدى مراكز الإحتجاز، إلى أن يُبثّ في هويته ، فغالبا ما يأتي المهاجرون بلا أدنى إثبات للهوية .
بعد الإفراج عنه ، طرق محمد أبواب المحامين اللذين رفضوا تمثيله فقرر تمزيق أوراقه و الهروب و عدم التبليغ عن نفسه لدى مركز الشرطة مرة كل أسبوعين ، و قرّر الإختفاء عن أنظار الجميع .
خرج محمد مبتسما شيئا ما حين أكد جورج : " سنقوم بأقصى ما يمكن القيام به للخروج معك من هذا المأزق ، سوف نجد لك محام جيد يدافع عنك ، و سوف ترى كيف أن حياتك ستتغيّر ،هذا بيتك أرجوك إتصل أو تعالى إلينا متى شئت "..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد