الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهوض السياسي الجديد.. والجامعات العراقية

قاسم علوان

2005 / 8 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من النتائج الاجتماعية الجديدة المبكرة التي ظهرت بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتورية في بنيتنا الاجتماعية، وهي أنه استيقظت فيها قوى اجتماعية ذات فاعلية ملحوظة، كانت مغيبة تماما عن الساحة الاجتماعية والسياسية، طوال سنوات حكم النظام السابق. استيقظت هذه القوى فجأة بعد الاحتلال، فوجدت نفسها على شيء من القوة والنفوذ، أخلت على أثرها بالتوازن الاجتماعي القلق أصلا قبل التغيير. هذا بعد أن أبعدت قسرا كل تلك الفترة الطويلة عن كل سبل العلم والثقافة والمعرفة، والحرمان من الرقي بوعيها الذاتي والجمعي معا إلى أقل من أدنى درجة مطلوبة للعيش في مجتمع إنساني مدني يعلم فيه كل إنسان ماله من حقوق وما عليه من واجبات...!! ولم تكن هذه الفئات تملك مستوى من الوعي والمعرفة العلمية أو الواقعية يعينها على التعامل مع الحياة (الحرة الجديدة..) إن صح التعبير، التي وفرها لنا سيء الصيت والذكر (الاحتلال الأجنبي..!) سوى اللجوء الى الدين فقط..! وفي حقيقة الأمر ما في ذلك من ضير.. ولكن ليس الى ديننا الإسلامي الحنيف، القائم على مبادئ التوحيد والعدل.. وأركانه الحقيقية التي نزل بها أولا، وانتشر في جميع أنحاء الأرض، بل شكل من التديّن البسيط الذي هو أقرب الى تديّن وفهم سكان الريف البسطاء للدين..! إضافة إلى أن هذا الفهم للدين ممتزج إلى حد الالتباس بعادات وتقاليد اجتماعية عشائرية متخلفة جدا...! وكما هو معروف أصلا أن مفهومي الدين.. والتدين مفهومان منفصلان تماما، ولا علاقة بينهما أبدا، إذ أن الدين مباديء وشعائر ثابتة، والتدين طقوس وأعراف مكتسبة، وأحيانا متغيرة ولو ببطء.. بحسب الظروف البيئية والاجتماعية.. تعارفت عليها الجماعة على مر السنين والأزمان.
عندما استيقظت هذه القوى الاجتماعية في هذه الفترة القلقة من حياتنا السياسية، وجدت نفسها فئات اجتماعية واسعة جدا في المجتمع العراقي المتنوع أصلا، كما أنها تشعر في لحظة معينة بأنها قادرة على بسط نفوذها، ونشر أفكارها وعقائدها التي قمعت بعنف فيما مضى بقسوة وبدعوى (المظلومية) كما أنها تعتقد في نفسها (وفي لحظة نشوة) بأنها يمكن أن تمثل كل تنوع المجتمع العراقي.. لا جزءا متواضعا منه..!! وهذا واضح من شعاراتها التي غالبا ما تعلنها وتطرحها أو تنادي بها، أو تكتبها على الجدران المباحة للجميع، كما إنها تملك كما هائلا من السلاح والعتاد، ومن مصادر يسيرة ورخيصة، خاصة بعد سقوط النظام وترك أبواب معسكراته الكثيرة مفتوحة للجميع...! ترى فلماذا لا تشكل هذه القوى الاجتماعية الناهضة (حركتها.. أو حركاتها السياسية..!) الخاصة بها، وبمليشيات جاهزة تحت الطلب دائما..! للدفاع عن المعتقد الذي تعتقد بأنه معرضا للخطر..؟ كما لابد أن تضيف تلك القوى لتكوينها السياسي هذا (صبغتها الدينية أو التديّنية..!) أي هويتها..!! ومثلها مثل غيرها، لابد لها أن تنشر (عقائدها وفكرها وفلسفتها) ولابد لها أن تحافظ عليها جيدا أو تدافع عنها..! فهي ربما تحتاج إلى أن تفرض تلك (العقائد) فرضا بقوة السلاح إذا أقتضى الأمر وطلبت الحاجة..! إضافة إلى مساعدة بعض دول الجوار السخية، ومد يدها لهذه الاتجاهات والقوى الناهضة الجديدة..! بدعاوى مختلفة، دول الجوار العراقي الخائفة على مصيرها من الوجود الأمريكي المسلح حد الأسنان بجوارها اللصيق..!
هذه القوى الناهضة الجديدة تحتاج الى أنصار جدد مثلها مثل غيرها من القوى السياسية الأخرى، فالتفتت إلى الجامعات العراقية..! حيث العدد الهائل من الشباب (اللامنتمي) وكان قد سبقها نظامنا السابق الى ذلك الوسط، فأفرغ تلك المؤسسات العلمية والتربوية من مضمونها العلمي والتربوي والاجتماعي، وجعل منها هيكلا فارغا مهيئا فقط لفرض مراسيم طاعته، وتعبويته (الجهادية) دائما لسياسته، ولشخصية (قائده) في ذلك الوسط..! إضافة إلى الصبغة الانتهازية التي صبغت (الكوادر) العلمية لتلك المؤسسة طيلة الفترة السابقة، بحيث يستحيل الحصول على أي لقب علمي دون العمل الحزبي المخلص في صفوف الحزب الحاكم...!! بما في ذلك كتابة التقارير المؤدية للموت.. أو المشاركة في كتائب تنفيذ الأعدامات..! ألتفت هذه القوى السياسية الجديدة الناهضة الى هذه الساحة المهمة، وتحت نفس الشعار السابق وبدون أن تعلنه علنا كم كان يفعل (نكسب الشباب لنضمن المستقبل) أولت الساحة الجامعية جل اهتمامها بما فيها تلك الكوادر..! وذلك في الأيام الأولى من الاحتلال وغياب السلطة بكل أنواعها...! وذلك في الوقت نفسه الذي استيقظت فيه غرائز مخيفة لقوى الظلام والجهل واللصوصية وروح التدمير والتخريب في بعض مكونات المجتمع العراقي الهش أصلا..! وبذلك الشكل المذهل الذي رأيناه بعد سقوط التماثيل ونظامها القمعي...!!
ومع الدعوة للجامعات والمدارس ودوائر الدولة الأخرى بأن تفتح أبوابها من جديد لإعادة الحياة لها، وذلك بنية تحييد تلك القوى العمياء ونزوعها نحو التخريب المخيف والوقوف بوجهها بشكل أو بآخر. وتزامن ذلك مع هروب واختفاء القيادات البعثية الجامعية وغيرها، والتي كانت بمستويات قيادية عالية إلى خارج البلاد، أو لينسحب بعضها من الواجهة مؤقتا خوفا على سلامته الشخصية، وتركه لمنصبه القيادي شاغرا...! وخوف ووجل الصف الثاني من البعثيين من أولئك ممن تبقى في الداخل، أي الأعضاء العاملين في (المنظمات الحزبية) من هم بدرجة أقل من عضو فرقة من أولئك المنفذين...! ممن لم يشملهم قرار (اجتثاث البعث) المبكر من المواجهة، أو الاصطدام بالقوى السياسية الناهضة الجديدة، وكذلك القوى السياسية القديمة القادمة مع (الاحتلال) التي لها مع أولئك (الأعضاء) حسابات قديمة أيضا، ربما تصل إلى حد الثأر الشخصي...!!
وبعد الحصول على شيء من الطمأنينة.. ذهب بعض أولئك ممن لم تشملهم تلك الحسابات، ومن غير المشمولين بذلك القرار ممن لم يتوفر عليهم شاهد أثبات على جرائمهم...! ذهبوا وجلين في بداية الأمر خائفين، الى تلك (الانتخابات الأولية..!) التي دعت لها جهات محلية غير رسمية..! لاختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، وكذلك مدراء الدوائر الخدمية الضرورية وغيرها، وذلك لتمشية أمور تلك المؤسسات مؤقتا. فحانت لذوي الطموحات الكبيرة من أولئك الذين رحب بهم في تلك اللحظة، ولمجهولية سيرهم الشخصية من قبل الحضور..! فرصة ذهبية لا تعوض...!! هذه الفرصة كانت أشبه بالتنافس على اقتسام ما تبقى من المؤسسة القديمة التي كانوا يعملون فيها وكانوا جزءا منها..! هذا ما تحقق للذين انتموا سابقا لـ (حزب البعث) البائد خوفا أو خجلا أو تسترا على أخ أو قريب معدوم أو معتقل أو هارب خارج الوطن، أو لانعدام الشهود كما أسلفنا، وفي الحقيقة هي على الأغلب رغبة طموحة في منصب أو درجة علمية أو بعثة خارج القطر كما كان متاحا سابقا...!!
وفجأة تلبس الجميع من أولئك بلبوس الدين أو التدين والتشبه برجاله..! بعد إطلاقهم أو بالحقيقة إهمالهم للحاهم أيام الحرب القصيرة التي شهدت سقوط النظام..! وإذا بهم يدّعون الآن بأنهم كانوا جميعا مضطهدين...!! ومعارضين لذلك النظام...! وأقسموا على ذلك أغلظ الإيمان..! وذلك أمام رجال دين جدد..! وأخذوا يهتفون أمامهم بهتافات جديدة، تناظر ما كان يهتفون به أمام الرفاق بحياة الرئيس السابق..! لا بل حوّل بعضهم آيات قرآنية كريمات الى أهازيج وهتافات..! كما لم تكن هناك أية صعوبة تذكر في ذلك، فقد غيّر بعضهم الآخر مفردات الهتافات والاستعراضات البعثية السابقة، التي تدربوا عليها جيدا في ذلك الوقت، إلى ما ينسجم وحضور أولئك رجال الدين الجدد، الذين أخذوا على عاتقهم تزكية البعض من أولئك والتثنية على اندفاعهم حتى من دون أن يعرفوا سيرهم الشخصية..! ولكن بحسب لمعان خطابهم الفردي وأدائهم الآني آنذاك، وارتفاع أصواتهم، ونبرة كل منهم الدينية في ذلك الخطاب.. ولكنتها..! ومدى قربها أو صداها عند رجل الدين هذا أو ذاك، والذي دخل البلاد توا من دون أن يعرف شيئا عن الداخل وألوانه وقياساته..! سوى ترحيب الأهل وتملق المستقبلين الخائفين الذين لا يعرفهم. أو من بعض رجال الداخل، الذي ارتدى العمامة على عجل قبل لحظات، لكنه غير متأكد من موقف الآخرين منه الذين يعرفونه جيدا، فقط بعد أن تأكد من سقوط الصنم...!
وعلى هذا الأساس تم اختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، وعلى نفس المستوى تم اختيار رؤساء الأقسام فيها بعد ذلك. وكذلك دوائر الدولة ومؤسساتها الأخرى. وعندما أتت تلك المناصب ثمارها، بأن أصبحت بعد فترة قصيرة برواتب مغرية جدا، لا بل إنها تستحق القتال من اجلها..!! بحسب تعبير أحدهم عندما قال: أن تنصيبي في هذا المنصب (تنصيب ألاهي) يستحق القتال عنه (بحسب تعبيره الدقيق...!) لذا يجب عليه أن يحسن طريقة الدفاع عن ذلك المنصب جيدا...! وذلك بثلاثة طرق لا رابع لها، الأول أن ينتسب ذلك الدكتور صاحب اللقب العلمي (كذا..!) بأسرع ما يمكن الى أحد الأحزاب الإسلامية القوية، ويعلن ولائه بالكامل لها، كما أنه لا يملك أي مانع من أن يعمل مؤذنا لصلاة الفجر في احد مساجدها حتى لو كانت بعيدة عن مسكنه..! ليمسح بعض اللطخات الملوثة من سجله في ماضيه القريب..! أو لكي تحمي له ظهره وقت الشدة...! كما يمكن أن تسيّر له المظاهرات الجماهيرية، لدعم تثبيته في منصبه في تلك الجامعة أو الكلية أو المؤسسة.
والثانية أن يلبي مطالب كل الأحزاب الإسلامية القوية مجتمعة بدون أن ينتسب لأحدها، بأن يعدها كل على حدة، بأن يعمل على تعيين مريديها وأنصارها في دوائر الجامعة وكلياتها أو في المؤسسة التي يديرها، وكل حسب شهادته حتى لو كانت مزورة..! وهذا ما حصل فعلا مع أحدهم وبعلم عميد الكلية شخصيا، في أحد كليات جامعة البصرة ولكن تمت تسوية الموضوع بعد ذلك، وقبل الشخص المعني في وظيفة أدنى، وتم قبوله لاحقا في الدراسة الجامعية الأولية المسائية في نفس الكلية..! وهذا لكي يضمن ولاء تلك الأحزاب له عندما يحتاج لها، أي للوقت الذي يصدر فيه قرارا وزاريا باستبداله أو إقالته، فترفض تلك الأحزاب ذلك القرار، وتسيّر الجماهير الرافضة أيضا من أجل ذلك، وهذا ما حصل فعلا وأكثر من مرة..! وقبل ذلك كان يسمح لأن تكون الجامعة ككل، أو الكلية (أية كلية) مسرحا للنشاطات تلك الأحزاب، والتثقيف بعقائدها وسياساتها، وبرامجها التعبوية والإستراتيجية بمجملها، باقتطاع ذلك من زمن المحاضرات المخصصة للحصص الدراسية..! وكذلك الاحتفال بمناسباتها السنوية والشهرية على مدار أيام السنة الدراسية، ويسمح لها أيضا بفتح مكاتب أمنية في أروقتها..! كما أنه لابد أن يتساهل كثيرا ويتعاون الى حد النخاع مع المقاولين ومنفذي مشاريع الأعمار الذين يحملون توصيات (على إنها أمر شرعي.. ) من تلك الأحزاب ومندوبيها في الجامعة أو المؤسسة..! مشاريع الأعمار التي يجري العمل فيها حاليا بوتيرة وبنوعية مثيرة للشك والريبة..!
أما الطريقة الثالثة وهي الطريقة المستقلة..! والتي لا يتبعها إلا من كان ينتمي الى عشيرة كبيرة وقوية، ويرفض أن يخضع تماما ذلك الدكتور أو البروفيسور لتلك القوى السياسية وشروطها ومطالبها التعجيزية، اعتزازا.. ربما بشهادته أو بعشيرته فلا فرق...!! كما أنه يجامل تلك القوى السائدة ويقبل بتجاوزاتها أحيانا في حدود كليته أو مؤسسته نوعا ما، ويخضع لشروطها ومطالبها في التعيينات أو إعادة التعيين في بعض الحالات..! وذلك في الحدود التي لا تمس منصبه، فيأتي بإفراد من عشيرته القوية أو من معارفه، ليشغلهم في الحراسات التابعة للجامعة أو الكلية مثلا، ويختار الأشداء منهم لحمايته الشخصية..! بحسب مقتضيات الحاجة، وبذلك يضرب أكثر من ثلاث عصافير بحجر واحد..!! أحد تلك العصافير مثلا القضاء على البطالة وهو مطلب وطني بحد ذاته..! وبالتالي فلا غبار على وطنيته..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا