الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدثَ في سوريا ذاتَ حرب

حازم شحادة
كاتب سوري

2014 / 9 / 28
الادب والفن


على سرير أبيض متسخ شيئاً ما كان العجوز ممدداً بعد أن أسعفهُ مجموعة من الرجال صباحاً إلى المستشفى،،، حينَ رأتهُ الطبيبة المناوبة وحيداً ولما يأتي أحد كي يزوره تسرب إلى قلبها عطف مضاعف تجاهه فراحت تهتم به أكثر من غيره..
بالقرب من سريره وضعت مزهرية فيها العديد من الورود،، ثم بدأت تعتني بنظافته فتمسح قدميه وتبلل جسده بقطعة قماش معقمة ريثما يصحو من غيبوته التي دخلت يومها الخامس.
وبينما كانت تقيس له الضغط عصر يومه السادس في المشفى فتح العجوز عينيه ونطق ثلاثة أسماء ثم أغفا حتى المساء.
عادت الطبيبة إلى غرفته لتجده جالساً يحاول أن يدخن سيجارة طلبها من أحد الزوار،، تدخلت وأوقفته ثم عرفته بنفسها وشرحت تفاصيل ما حدث معه منذ اللحظة التي أحضروه فيها إلى هنا..
- ألا أولاد لديك او اهل أيها العم كي يأتوا لزيارتك
انحنى الكهل شابكاً يديه فوق رأسه ومع تنهيدة تهد جبلاً أجاب
- بلى لدي
ثم أخرج من جيب معطفه المهترئ المعلق خلف باب الغرفة ثلاث أوراق نعي وراح يقرأ عليها:
- الشهيد محمد.. استشهد في جنوب درعا،، الشهيد فاطر،،، استشهد في حماة،، الشهيد قيس،، استشهد في حلب،،، ثم صمت قليلاً وقال،، أمهم تبعتهم فلم تقوى بعد على الحياة،، أما أنا،،، وصمت مجدداً ثم قال.. أرجوك أيتها الطبيبة دعيني أدخن قليلاً،،،
لم تجد كلاماً يسعفها فانفجرت بكاء وعويلاً كأنها أخت الشهداء الثلاثة،،، مذ دخل هذا الرجل العجوز المشفى وحيداً شعرت بشيء نحوه وها هي تكتشف أنه أب لثلاثة شهداء من شهداء الجيش العربي السوري سقوا بدمائهم تراب محافظات ثلاث وها هو والدهم وحيداً،، مريضاً،، فقيراً يجلس على سرير متسخ في مشفى حكومي..
صارت تعتني به أكثر من قبل وتحضر له الطعام من منزلها حتى أنها اشترت له ملابس جديدة عوضاً عما كان يرتديه،،، والمزهرية التي وضعت فيها باقة من الزهر كانت تجدد لها الماء كل صباح وتحضر زهوراً جديدة،،، لكن حالة العجوز الصحية لم تتحسن قط.
ذات صباح،،، وكان الغيم يملأ الأفق دخلت الطبيبة غرفة الرجل العجوز لتطمئن عليه،،، لكنها وجدت أنه لم يستيقظ بعد،،، أزاحت الستائر ليدخل قليل من الضوء وسعلت أكثر من مرة غير أنه لم يفق،،،
اقتربت قليلاً أكثر،،، وأكثر،،، راقبت تنفسه،، لا شيء،، كان العجوز قد فارق الحياة وثمة ابتسامة غامضة على طرف شفتيه كأنها آخر كلمات شكر لهذه الطبيبة التي اعتنت به كأنها ابنته..
في الأفق كانت الشمس تشق الغيم رويداً رويداً في بحثها المستمر عن إشراق جديد..


حدث هذا في سوريا ذات حرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال


.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة




.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة