الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 6

سلام ابراهيم عطوف كبة

2014 / 9 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.

-;- ابراهيم كبة ودوره السياسي والفكري في العراق - دوره في تحقيق الاصلاح الزراعي.. خطوة اقتصادية وسياسية واصلاحية لثورة 1958
-;- الشيوعية والاصلاح الزراعي في العراق


-;- كتب الاستاذ باسم الشيخ رئيس مجلس ادارة وتحرير "دار الدستور"دراسة في 20/9/2011 تحت عنوان"ابراهيم كبة ودوره السياسي والفكري في العراق - دوره في تحقيق الاصلاح الزراعي.. خطوة اقتصادية وسياسية واصلاحية لثورة 1958"ان الانتصار الذي حققته ثورة 14 تموز بتغييرها النظام السياسي من نظام موجه لخدمة الاستعمار ومشاريعه وشركاته الاحتكارية الى نظام مستقل موجه ضد الاستعمار واحلافه ومخططاته،كان لا بد من ان يصاحبه تغيير في العلاقات الاجتماعية السابقة في الريف والمدينة،لذا فأن حل مسألة الأرض حلاً جذرياً كان المهمة الاولى من مهام الثورة الوطنية التي لا تقبل التأجيل ولأجل ذلك شرع قانون الاصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958!وعكست الأسباب الموجبة للقانون الأهداف وراء تشريعه،كان في مقدمتها تحقيق الأماني الوطنية التي جاءت من اجلها الثورة وفي طليعتها القضاء على الاقطاع وعلاقاته الانتاجية،وان تحقيق هذا الهدف في نظر حكومة الثورة يعد نقطة انطلاق للاصلاحات الاخرى بوصفه اهم اساس اقتصادي لكل تلك الاصلاحات،وهو القاعدة الأساسية التي يقوم عليها الاصلاح الاجتماعي،وعده الزعيم عبد الكريم قاسم واجباً وطنياً على كل فرد،وان مجرد التفكير بعرقلة تنفيذه هو اساءة للوطن.
اما ابراهيم كبة فعدّهُ اهم خطوة اصلاحية اجتماعية واقتصادية وسياسية قامت بها الثورة،وان تنفيذ القانون - باعتقاده- سينهي العلاقات الانتاجية الاقطاعية ويوفر القاعدة المادية اللازمة لبناء اقتصاد زراعي جديد قائم على اساس الملكية الفردية الصغيرة وعلى رعاية مصالح المنتجين الحقيقيين وهم الفلاحين،واكد ايضاً ضرورة الاسراع في تنفيذه لأنه يمس شريحة كبيرة من سكان العراق اولاً ولأنه شرط ضروري لنجاح التصنيع على اساس ان الزراعة هي المصدر الأول للمواد الأولية الصناعية والعمل الصناعي ثانياً،وان نجاح الاصلاح الزراعي هو الشرط الاول لصيانة الجمهورية وتثبيت اسسها ثالثاً،وان نجاحه ضروري لتطوير النظام الديمقراطي في العراق لكون التنظيمات الفلاحية الركن الأساس في مجموع التنظيمات الديمقراطية رابعاً،واخيراً يكون نجاحه عاملاً اساسياً في زيادة الدخل القومي وتحويل مركز الثقل في الاقتصاد العراقي من الاعتماد على تصدير النفط الى الاعتماد على الزراعة والصناعة.
وعندما تولى ابراهيم كبة وزارة الاصلاح الزراعي،اصبح مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن تنفيذ القانون،فضلاً عن كونه العضو المفوض عن الهيئة العليا ويُشرف على عملية الاستيلاء على الاراضي وادارتها وتوزيعها وفقاً للتعليمات،كما كان يرأس جلسات الهيئة العليا في حالة غياب الرئيس(رئيس الوزراء)عن اجتماعاتها.
ادرك ابراهيم كبة عظمة المهمة الملقاة على عاتقه والمهام الصعبة التي سيواجهها في وزارته الجديدة،فعلى سلامة تطبيق القانون والصدق في تنفيذه تتوقف الغاية النبيلة المرجوة منه.ولتحقيق ذلك شرع عند تسلمه مسؤولية الوزارة بإنشاء جهاز جديد للاصلاح الزراعي وضعه على مجموعة أسس تضمنت الاستقلال والتحرر الروتيني والمالي في الادارة والاستخدام،والاهتمام بالتخطيط المدروس للوزارة باستحداثه(مديرية التخطيط العامة)،كذلك توحيد جميع اجهزة الاصلاح الزراعي في مؤسسة واحدة (مؤسسة الاصلاح الزراعي) بمديريتها العامة والسكرتارية والهيئة الاستشارية ومحكمة تمييز الاصلاح الزراعي والمصرف الزراعي،فضلاً عن الاهتمام بالتوجيه والنشر واحداث مديرية خاصة لذلك،هدفها نشر آيديولوجية الاصلاح ومقاومة الحملات الرجعية (الاقطاعية)،واستحداث مديريات اصلاح زراعي للالوية لغرض التوفيق بين المركزية واللامركزية في الادارة وربطها مباشرة بالجهاز المركزي!ولأجل اكمال الرقابة على اعمال الاصلاح الزراعي تم استحداث (المفتشية العامة في ديوان المؤسسة) وربطها بالوزير مباشرة،وتم وضعه لهذا الجهاز خلال شهر واحد من تسلمه مسؤولية الوزارة وباشر على الفور في توفير عناصر العمل الضروري لملء الجهاز الجديد.
ولأجل توضيح الاهداف الوطنية الكبرى لقانون الاصلاح الزراعي في العراق،وضرورة اطلاع الرأي العام العراقي عليها ليأخذ دوره في تنفيذ القانون،عقد ابراهيم كبة في 20 آب 1959 مؤتمراً صحفياً ،اشار فيه الى ان تطبيق قانون الاصلاح الزراعي نصاً وروحاً يعني الثورة الزراعية التي هي جوهر ثورة 14 تموز،مبيناً اهداف الاصلاح الزراعي الواجب تحقيقها وهي:

1. القضاء على الاقطاع بوصفه نظاماً اجتماعيا واقتصادياً للعلاقات الزراعية.
2. حماية الطبقة المتوسطة من المزارعين.
3. تحويل النظـــام الاقطاعي الى نظام تعاونـي مبني على الملكية الصغيرة للفلاحين.

واكد ايضاً انّ الاصلاح الزراعي لا يمكن ان ينجح الا بوجود حملة فكرية توضح اهداف الاصلاح الزراعي وتثبت المفاهيم الصحيحة حوله،وتبرز انجازاته الى الرأي العام وتستفيد من مراقبة الرأي العام للعملية كلها،ولفت الانتباه بأن القضاء على الاقطاع لا يعني بأي شكل من الأشكال التعرض للاشخاص والاموال،وانما يعني بالضبط القضاء النهائي على العلاقات الانتاجية بتطبيق القانون.
ولمواجهة المشاكل الناتجة عن عملية تطبيق قانون الاصلاح الزراعي،اصدر ابراهيم كبة عدداً من البيانات التي عالج بها قضية الانتاج الزراعي وواجبات الاشخاص الخاضعين للقانون،مع التأكيد على اصحاب العلاقة في تقدير مسؤولياتهم لصيانة الانتاج الزراعي وزيادة الدخل القومي!وعالج مشكلة المنازعات الخاصة بالعلاقة الزراعية بين الفلاحين والملاكين وجعلها ضمن اختصاص القانون والمحاكم المختصة بعد ان كان حسم المنازعات يجري ادارياً ومن قبل موظفين اداريين!ولملاحظته توقف الفلاحين عن زراعة الأرض التي يعلن خضوعها للاستيلاء ظناً منهم ان الاستيلاء يحرمهم من حقوقهم،اصدر بياناً اعلن فيه عدم تأثير الاستيلاء على الحقوق القانونية لذوي العلاقة،وعلى صاحب الارض ان يستمر في زراعتها لرفع الانتاج الزراعي.وفي السياق نفسه اخذ بعض الاقطاعيين تقديم استمارات غير واقعية لحيازة الارض لأبنائهم،لذلك امر ابراهيم كبة بوجوب تقديم استمارات الاقرار لأصحاب الاراضي الذين لهم اسهم فيها مصحوبة بقسامات شرعية ونظامية،ولا يقبل دون ذلك،وتقديمها الى مديريات الاصلاح الزراعي في الألوية وخلال مدة محدودة.
كما صدرت قوانين وأنظمة وتعليمات عدة من الهيأة العليا للاصلاح الزراعي على خلفية المذكرات التي قدمها العضو المفوض عن الهيئة لسد الثغرات الناتجة عن تطبيق القانون،ولأجل انصراف وزارة الاصلاح الزراعي الى واجباتها الرئيسة طلب ابراهيم كبة تشكيل هيأة تحقيق دائمة للنظر في الشكاوى الهامة التي تحيلها اليها الهيأة والوزارة.ان اهم مرحلة في قانون الاصلاح الزراعي هي مرحلة الاستيلاء،والتي تعني تفتيت الملكيات الكبيرة بالاستيلاء عليها تمهيداً لتوزيعها على الفلاحين،ورأت الهيأة العليا في بداية عملها ضرورة الاسراع بالاستيلاء على الاراضي الخاضعة للقانون كافة،لتحقيق الهدف الرئيسي وهو الاسراع في توزيع الاراضي على الفلاحين.اما خطة ابراهيم كبة للاستيلاء فقد تضمنت الغاء برنامج (الاستيلاء الفوري) الذي اقر سابقاً واكمال اجراءاته وتصحيحها،من خلال وضع تعليمات كاملة للاستيلاء،واكمال اللجان الخاصة بذلك،مع تصحيح نواقص قرارات الاستيلاء في المرحلة السابقة على انشاء الوزارة،ووضع نظام دقيق للارجحيات في تنفيذ ذلك يقوم على البدء بكبار الاقطاعيين لاسيما العشائريين منهم،فكان يرى ان عملية الاستيلاء يجب ان تنفذ كجزء من مجموع عملية الاصلاح الزراعي ولا يمكن ان ينظر اليها بشكل مستقل عن العمليات الأخرى!
في حين يذكر محمد حديد في مذكراته التي صدرت مؤخراً،بأن ابراهيم كبة وعبد اللطيف الشواف (وزير التجارة) والاعضاء القانونيين في الهيأة عبد الرزاق زبير واحمد جمال الدين،يؤيدون الاسراع في الاستيلاء على الأرض وطرد الاقطاعيين والذي شجع هذا الاتجاه برأيه تنظيمات الحزب الشيوعي في الارياف التي غالت في مهاجمة الاقطاعيين!ويذكر ايضاً انهُ مع وزيري الداخلية والزراعة كانوا يحذرون من التسرع في الاستيلاء على الأراضي قبل انجاز الاجراءات اللازمة لانجاح العملية،وقد سبب ذلك تذمر ابراهيم كبة متهماً محمد حديد وهديب الحاج حمود بعرقلة تطبيق قانون الاصلاح الزراعي من اجل مصالحهم الشخصية والطبقية.
اما بالنسبة للارض التي اعلن عن خضوعها للاستيلاء حتى اواخر عام 1959،فقد بلغت خمسة ملايين دونم استولي على مليونين منها،وقد وضع ابراهيم كبة خطة للتوزيع تضمنت توزيع (750) الف دونم اغلبها من الاراضي المستولى عليها والعائدة الى كبار الاقطاعيين العشائريين والمدنيين(علي الشعلان،امير ربيعة،آل ياسين،حكمت سليمان،حمدي الباچچي،العائلة المالكة السابقة!
كذلك ساهم ابراهيم كبة في ايجاد القطاع العام للاصلاح الزراعي في العـراق،عن طريق المباشرة في تأسيس المزارع الحكومية الكبرى التي اُدخلت ضمن اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفيتي،اذ انشأت خمسة مزارع للحبوب والقطن والرز والبنجر السكري والنباتات الطبية بالتعاون مع الوزارات الأخرى.واشار ايضاً الى انّ وزارته اتخذت الاجراءات اللازمة لتحقيق الزيادة في الانتاج الزراعي ووقف التدهور في انتاج القطاع الخاص الذي هو خارج عن اشراف وزارة الاصلاح الزراعي،اذ تم تشكيل مائة لجنة لاكمال العقود وتأجير الاراضي الخاضعة للاصلاح الزراعي.
اهتم ابراهيم كبة اهتماماً كبيراً بالجمعيات الفلاحية،وصرح بأن الاصلاح الزراعي لا يمكن انْ ينجح من دون منظمات جماهيرية فلاحية تسير على نهج قويم لتحقيق مهماته التاريخية وتنصرف الى واجباتها الحقيقية.واكد ايضاً انها تؤدي دوراً كبيراً في جميع اعمال الاصلاح الزراعي على اختلاف مراحله من الاستيلاء حتى التوزيع،مبيناً الشروط الواجب تحقيقها في الجمعيات الفلاحية كي تستطيع النهوض بعملية الاصلاح الزراعي وهي:

1. ان تكون جمعيات فلاحية بالمعنى الصحيح اي انها تعبر فعلاً عن ارادة الفلاحين انفسهم .
2. ان تكون الجمعيات موحدة خالية من شوائب الانشقاق،تمثل جميع الاتجاهات الوطنية وتلتقي في النقاط الأساسية التي يجب ان تلتقي عندها جميع المنظمات الديمقراطية المهنية.
3.ان يساهم هذا التنظيم الفلاحي بالفعل في اعمال الاصلاح الزراعي الكثيرة وفي جميع مراحله.
4. وعمل ايضا على تلبية طلبات الجمعيات الفلاحية وتسهيل اعمالها ومتابعتها بحرص فيما يخص الاصلاح الزراعي.

وبمناسبة الذكرى الأولى لصدور قانون الإصلاح الزراعي،القى ابراهيم كبة خطاباً من دار الاذاعة في بغداد يوم 30 ايلول 1959،ذكر فيه انْ الشروط الاساسية لنجاح الاصلاح الزراعي تكمن في وحدة القوى الوطنية وتضامن الشعب مع الحكومة ووحدة الحركة الفلاحية بقيام تنظيمات الفلاحين بدورها في جو ديمقراطي فضلاً عن رقابة الشعب الايجابية،واشار ايضاً الى ان قانون الاصلاح الزراعي هو اهم قانون ثوري تمخضت عنه ثورة 14 تموز!وان على نجاحه لا يتوقف مصير الاقتصاد الوطني فحسب بل مصير الجمهورية نفسها ومصير الديمقراطية في العراق الجديد.والجانب المهم الذي اكد عليه في الخطاب هو شرط تحقيق الاستقرار السياسي لانجاح الاصلاح الزراعي،وذلك باعلان الحياة البرلمانية واجازة الاحزاب الوطنية واعلان الدستور الدائم.ومن دون ذلك،لا يمكن نجاحه على الوجه الأتم،حتى وان توافرت الشروط الفنية والتنظيمية لانجازه.
من جانب آخر اُثيرت انتقادات شديدة من قبل الصحف المحلية مثل صحيفة (الحرية) وصحف الحزب الوطني الديمقراطي (الأهالي) و(صدى الأهالي) ضد اجهزة الإصلاح الزراعي والجمعيات الفلاحـية بأنَّ الحــــزب الشيوعي استـــــأثر بها!واثيرت شكاوى ضد موظفي الاصلاح الزراعي ولجانه واتهام الوزارة بأنها وراء قلة المحاصيل الزراعية والفوضى والاضطراب الزراعي..
تابع ابراهيم كبة هذه المسائل باهتمام كبير،وبصورة خاصة شكاوى الفلاحين فيما يخص تطبيق قانون الاصلاح الزراعي.وكان يؤكد على مدراء الاصلاح الزراعي في الالوية عندما يجتمع بهم ان من اهم واجباتهم التحقيق في هذه الشكاوى والاتصال بأصحابها واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين.اما بالنسبة للشكاوى التي تخص موظفي الاصلاح الزراعي،فأوضح كبة ان التحقيقات في هذا الجانب دلت على ان الشكاوى مفتعلة وغير صحيحة،وان المصدر الحقيقي لها انما هم الاقطاعيون،وكان غرضهم اجراء تعديلات رجعية على القانون وعرقلة تنفيذه!ودعى الرأي العام الى اليقظة والحذر من هذه المحاولات الاقطاعية والاسهام في تطبيق القانون بمساعدة السلطات الادارية والقضائية والزراعية،ودعى ايضاً نقابة الصحفيين وسائر المنظمات الاجتماعية الى القيام بحملة فكرية لاسناد قانون الاصلاح الزراعي.
كما عد جهاز الاصلاح الزراعي احد الانجازات التي تحققت في المدة التي شغل بها وزارة الاصلاح الزراعي ونفى عن نفسه تهمة التحزب الى جهة سياسية معينة،كذلك نفى عن اجهزة وزارته تأثرها بالحزبية!واكد ان جميع المدراء العاملين في وزارته كانوا من المستقلين وان بعضهم من القوميين البارزين!لكنّ البعضٌ منهم يذكر ان الوزارة فيها عدد كبير من الشيوعيين الذين قرروا مسيرة الاصلاح الزراعي بصورة موافقة لأهدافهم.اما بالنسبة لانخفاض مستوى الانتاج الزراعي فأكد ابراهيم كبة عدم مسؤولية وزارته عن ذلك،لأن وزارة الاصلاح الزراعي - كما يقول - مختصة فقط بتحويل النظام الاجتماعي في الريف(النظام الاقطاعي) الى نظام تعاوني وتنحصر جميع اعمالها التفصيلية لتحقيق هذا الغرض.اما الانتاج الزراعي فمسؤولية جميع اجهزة الدولة وخاصة وزارة الزراعة،وان وزارته لا تملك التدخل في الانتاج الزراعي الا بنسبة ضئيلة جداً!
كان ابراهيم كبة مدركاً لما يدور على الساحة العراقية من تدهور في الوضع السياسي وانعكاساته الخطيرة على مسألة الاصلاح الزراعي في العراق وتطبيقه لمصلحة الفلاحين،ولم يدخر جهداً في توضيح ذلك للرأي العام والقوى السياسية في البلاد،بدافع من حرصه على المصلحة العامة والحفاظ على مكتسبات الشعب التي جاءت بها الثورة،فقبل انْ يخرج من الوزارة بأيام قليلة صرح ان الاصلاح الزراعي لا يمكن ان ينفذ لمصلحة الفلاحين الا في جو ديمقراطي يستند الى ارادة سائر طبقات الشعب الوطنية،وان هذه الاتهامات والافتراءات ضد قانون الاصلاح الزراعي مصدرها الخلافات الحزبية الضيقة والاغراض الانانية،وليس هناك حل للقضاء على هذه الخلافات الا بإجازة الاحزاب التي تعبر عن ارادة الطبقات الوطنية،وعن طريق تعاون الاحزاب في(جبهة اتحاد وطني) تبلور اتجاهات الشعب وتوحد خلافاته وتحل التناقضات الثانوية التي لابد من وجودها بين مراتب الشعب الاساسية في مرحلة الثورة.
لازمت جهاز الاصلاح الزراعي منذ البداية نواقص وعيوب اساسية،اشار اليها ابراهيم كبة مؤكداً ان بعضها بسبب القانون نفسه،لكّن اكثرها يعود الى التناقضات المتفاقمة في الوضع السياسي وانعكاساتها في اجهزة الدولة!ومن هذه العيوب عدم وضوح مفهوم الاصلاح نفسه لا في صلب القانون،ولا في ازدواجية الاجهزة،فضلاً عن الازدواجية مع بعض اجهزة الدولة وعلى الأخص مع وزارة الزراعة،وعدم استيعاب الاجهزة الأساسية للاصلاح!فلم يكن هناك جهاز كامل للري تابع للاصلاح الزراعي ولا يوجد جهاز قضائي مستقل متفرغ للاصلاح وربط الجمعيات الفلاحية بجهازه بوصفها عنصراً اساسياً في تنفيذ اهداف الاصلاح الزراعي فضلاً عن عدم تمكين مديريات الاصلاح الزراعي في الالوية من الاشراف على جميع اعمال الاصلاح الزراعي في مناطقهم..
لقد كان الطابع السياسي هو الغالب في قانون الاصلاح الزراعي،واستثماره الدعائي كان الدافع الاكثر نصيباً في اخراجه!وكان أثره السياسي واضحاً من خلال قضائه على القوانين الجائرة التي كانت تتمتع بها طبقة معينة وتشريع قوانين تضمن العدالة الاجتماعية للطبقات كافة.ولم يكن عبد الكريم قاسم جاداً في تطبيق قانون الاصلاح الزراعي،وقد اخبر وزيره فؤاد عارف بغرضه الحقيقي من تشريع القانون،وتنبه الى ذلك ايضاً ابراهيم كبة،وادرك بأنَّ عبد الكريم قاسم لم يكن بنيته تطبيق سياسة الاصلاح الزراعي وفق التشريعات التي جاءت بها الثورة،وانه وضع مجموعة من العراقيل للحيلولة دون تنفيذ سياسة الاصلاح الزراعي التي تضطلع بها وزارته،ومنها ممالاته للإقطاعيين وعدم الوقوف في وجههم وقبوله الاتصال بهم مباشرة متجاوزين المراجع الاصولية،وتدخله في تعيين حتى اصغر الموظفين والمستخدمين لاغراض خاصة،كذلك منعه لاعارة الموظفين لوزارة الاصلاح الزراعي من الوزارات الأخرى على الرغم من موافقة الاخيرة.
كذلك عدم موافقته على تعيين كبار الموظفين في الوزارة وقيامه واجهزته بمخالفات قانونية صريحة،ومثال ذلك تأجيره اراضي الفلاحين للاقطاعيين كما حدث في اراضي(آل الرشيد) و(مشعان الفيصل) وتأجيره اراضي الفلاحين لأصحاب المصالح في الموصل وتأجيره اراضي الاوقاف لغير الفلاحين وعلى اساس مبدأ الالتزام القديم خلافاً لرأي الهيأة الاستشارية في الوزارة،فضلاً عن تأجيله الاستيلاء على اراضي بعض الملاكين،كما حصل في اراضي (محروث الهذال) ودون موافقة ابراهيم كبة،وقيامه بمحاولات لاجراء تعديلات رجعية في قوانين الاصلاح الزراعي،نجح في بعضها واصطدم بمقاومة شديدة من قبل ابراهيم كبة في القسم المهم منها،حتى اضطر الى تأجيل القيام بها الى ما بعد خروجه من الوزارة،واستطاع كبة ايضاً منع بعض محاولات رئيس الوزراء للرجوع بقانون الإصلاح الزراعي الى الوراء وافراغه من محتواه الحقيقي،ومنها محاولته احباط زيادة الاراضي (المجنبة) للملاكين الى ضعف الحد الاعلى المنصوص عليه في القانون،والتوزيع على اساس عشائري ومحاولة فرض الاختصاص الاداري بدل القضائي في دعاوى العلاقات الزراعية،واحباطه ايضاً محاولة الاستمرار في اجارة اراضي العمارة للاقطاعيين وغير ذلك..
ومن جانب آخر حاول الاقطاع بعد ان تأثرت مصالحه بقانون الإصلاح الزراعي،وضع العراقيل امام سياسة الاصلاح الزراعي ومنها محاولة شل جهاز الاصلاح الزراعي بتقديم الشكاوى المفتعلة،كذلك تهجير الفلاحين على الرغم من البيانات الرسمية التي تمنع ذلك،والاعتداء على حصص الفلاحين والحجز عليها خلاف القانون،والتشهير بسياسة الاصلاح الزراعي،كما في موضوع المزارع الحكومية بحجة انها مزارع سوفييتية وغير ذلك!
فضلاً عن توجيه الاتهام الى ابراهيم كبة بأنه ارتكب اخطاء جسيمة في تطبيق الاصلاح الزراعي،وجاءت الشهادة هذه المرة لصالحه من البريطانيين الذين رأوا بأنّ ليس من العدل انْ ينسب ذلك الى ابراهيم كبة ((الذي لم تسنح له الفرصة الحقيقية كي يرتكب مثل تلك الاخطاء،وذلك ان الاخطاء كانت موجودة قبل ان يصبح وزيراً للاصلاح الزراعي ))!وامام ذلك كان ابراهيم كبة مدركاً صعوبة تحقيق نتائج فورية في الاصلاح الزراعي وقد نبّه الشعب العراقي من انه لا يمكن تحقيق تقدم سريع من دون توطيد استقرار اجتماعي وسياسي في البلاد!
وبهذا يمكن القول ان جهود ابراهيم كبة قد اثمرت في النهوض بعملية الاصلاح الزراعي في العراق،فقد ساهم في وضع اساس جديد لوزارته من خلال انشائه (مؤسسة الاصلاح الزراعي)،كذلك دللت اجراءاته الكثيرة وسعيه الجاد على حرصه الحقيقي بتطبيق قانون الاصلاح الزراعي لصالح الفلاحين ورفع مستواهم الاجتماعي والاقتصادي،والقضاء على الاقطاع بشكل نهائي.
واذا كان عمله في وزارة الاصلاح الزراعي قد انصب على حماية طبقة بعينها الا وهي طبقة الفلاحين،فأن عمله في وزارة النفط لم يخرج عن الاطار ولكن بشكل اوسع وهو حماية حقوق الشعب بأكمله.
كان متوقعاً لدى الرأي العام وكذلك الشركات النفطية الاجنبية ان تبادر حكومة الثورة بإثارة موضوع حقوق العراق المشروعة مع شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق.وكدليل على عزم الحكومة تغيير الاتفاقيات مع شركات النفط صدر مرسوم جمهوري في 24 تموز 1958 نص على تعيين عبد الفتاح ابراهيم مديراً عاماً لمصافي النفط الحكومية،وتعيين اديب الجادر مديراً عاماً لشؤون النفط!وبذلك تم ابدال المسؤولين عن السياسة النفطية بشخصيات لها ماضٍ سياسي وثقافي معروف.وجاءت تصريحات ابراهيم كبة لتؤكد التوجه الجديد للحكومة،فعلى الرغم من تأكيده على احترام العراق والتزامه بالاتفاقيات السابقة،لكنهُ اشار الى ضرورة اخذ الظروف العالمية ولاسيما الدول المجاورة بالحسبان في حالة الرغبة في تطوير تلك الالتزامات بما يتفق مع مصلحة العراق من جهة ومصلحة الاقتصاد العالمي من جهة اخرى.
وفي ضوء ذلك تم تشكيل لجنة من كبار موظفي وزارة الاقتصاد لدراسة القضايا مع شركات النفط ،حيث قدمت تقريرها الى ابراهيم كبة والذي تضمن جميع الأمور التي تحتاج الى مفاوضة وخلاصة بالمفاوضات التي جرت قبل الثورة،وتضمن التقرير موضوعات مهمة لم تكن محل مفاوضات في العهد الملكي،من قبيل مساهمة العراق برأسمال الشركات وتعيين مدراء عراقيين يتمتعون بصلاحيات تنفيذية في الشركات وحساب كلفة الانتاج!وبعد تحديد النقاط المختلف عليها مع الشركات النفطية اقترح ابراهيم كبة في 14 آب 1958 تشكيل لجنة وزارية لدراسة التوصيات،اذ قرر مجلس الوزراء تأليف لجنة في منتصف شهر آب برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كل من وزراء الشؤون الاجتماعية والمالية والارشاد والاقتصاد...."

-;- يذكر روني غابي في كتابه "الشيوعية والاصلاح الزراعي في العراق/1978"/ص 139:"شرعت حكومة عبد الكريم قاسم منذ اواخر عام 1959 بتحجيم نفوذ الشيوعيين في الاتحاد العام للجمعيات القلاحية،وباكورة الاجراءات كان تشريع قانون رقم 139 في 9/9/1959 الذي اجاز تأسيس الجمعيات الفلاحية بموافقة المتصرفيات،وتألق الشخصية غير الشيوعية(المعادية للشيوعية لاحقا)عراك الزكم العضو النشيط في الحزب الوطني الديمقراطي ونائب رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية آنذاك! وقيادته تظاهرة فلاحية في 18 كانون الاول 1959،وهي التظاهرة التي قاطعها الشيوعيين!
واوائل عام 1960 اعلن الشيوعيين ان بعض المتصرفيات رفضت منح الاجازة لجمعيات فلاحية بحجج وتبريرات غير مقنعة بل وكاذبة،ومنها ان المؤسسين غير فلاحين او ليسوا من فلاحي اللواء الذي تقدمت اليه الجمعيات بطلب الاجازة او ان عدد المؤسسين هو دون الحد القانوني!
وفي شباط 1960 تقدم رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية وهو شيوعي بطلب اجازة الى عبد الكريم قاسم ضمنه اسماء الفلاحين الجدد النشيطين / الابناء المخلصين للجمهورية الذين سيشغلون عضوية قيادة الاتحاد!ومنذ النصف الاول لعام 1960 استجدت اوضاعا سياسية ساهمت في بروز قيادات فلاحية منافسة للشيوعيين داخل الاتحاد العام،في الانتخابات التي جرت بين شباط وحزيران 1960 في الالوية الاربعة عشر!واستحوذ الحزب الوطني الديمقراطي على القيادات الفلاحية في 12 لواء!وكانت النتيجة نفسها في انتخابات تشرين الاول 1960 التي جعلت من عراك الزكم هذه المرة سكرتيرا للجنة التنفيذية في الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية،مع 25 آخرين من الحزب الوطني الديمقراطي اعضاء في قيادة الاتحاد!مقابل 4 مقاعد للشيوعيين!وتنامى نفور الكوادر الفلاحية في الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية من النفوذ الشيوعي ومن اعلى القيادات فما دون!
يبدو ان النهج الليبرالي الذي ارتسمت به سياسات الحزب الوطني الديمقراطي كان جذابا وجاذبا للقسم الاعظم من الكوادر الفلاحية!وهذ ما شخصه القيادي الشيوعي زكي خيري في دراساته وتحقيقاته حول قضايا الفلاحين والاصلاح الزراعي!ومع ايلول 1960 كان القدر دراماتيكي الطابع مع الشيوعيين الذين بدأ الشارع العراقي يبتعد عنهم،حينها باتت اعتقالات الشيوعيين افرادا ظاهرة اعتيادية مع غياب اية سياسة تحشيدية لمعارضة ومقاومة الميول التسلطية للحكم القاسمي!
النتيجة غير المباشرة للاخفاق الشيوعي في استحصال الاجازة لحزبهم،كانت اقالة د.ابراهيم كبة من الحقائب الوزارية في 16 شباط 1960 عبر مرسوم جمهوري بأسم الشعب وبأقتراح من رئيس مجلس الوزراء!وبعد 9 اشهر اعفيت د.نزيهة الدليمي من وزارة البلديات لتشغل حقيبة وزارية دون وزارة!...."

لا يجافي الاستاذ روني غابي في تحليله هذا الحقيقة!فقد سجل القانون رقم 30 لعام 1958 والبدء بتوزيع الاراضي على فقراء وصغار الفلاحين،بداية جيدة لمسيرة الاصلاح الزراعي،وضربة تلقتها العلاقات الانتاجية شبه الاقطاعية وبالتالي وزن ودور الشيوخ من الاقطاعيين وكبار ملاكي الاراضي الزراعية في اعقاب ثورة تموز عام 1958 وتسلم السلطة من قوى وقفت من حيث المبدأ ضد الاقطاعيين وهيمنة المشايخ على الفلاحين!
لم تملك 85% من العوائل الريفية حتى ثورة 14 تموز شبرا واحدا من الارض في حين ان 1% من العوائل الريفية امتلك ثلاثة ارباع الاراضي!وبقي فقراء الفلاحين هم المرتبة او الطبقة الاشد ثورية في الريف ولا يفتقرون الى الارض وحسب بل يفتقرون ايضا الى الرأسمال"النقود وادوات الانتاج".وحسب احصاء 1957 كان لكل 6 عوائل فلاحية حصان واحد اي سدس حصان لكل عائلة!وكان مابين 60%- 70% من مجموع العوائل الفلاحية لا يملك حصانا واحدا او بغلا او حتى حافرا!كان تملك الفلاح او عدم تملكه لحيوان حراثة قوي يمكن ان يتخذ مقياسا لتصنيفه من مرتبة فقراء الفلاحين او اغنياءهم او متوسطيهم الى جانب المقاييس الاخرى!لقد استغلت في زراعة ما قبل 1958 (2712) ساحبة و(1056) حاصدة دارسة وآلاف الآلات الزراعية مما اسهم في تفكيك العلاقات الابوية الا ان انتشار الوعي السياسي بين الفلاحين فجر غضبهم على الاقطاع لا الآلة فايدوا الاصلاحات الزراعية بعد ثورة 14 تموز المجيدة!
كتب جاسم الحلوائي اقتباسا من عزيز سباهي:"اقترح الوزيران القوميان صديق شنشل و عبد الجبار الجومرد في مجلس الوزراء ان يكون الحد الاعلى 5000 دونم.اما هديب الحاج حمود و طلعت الشيباني (وطني ديمقراطي)فكان رأيهما 1000 دونم سيحية(مروية) و 2000 دونم ديمية(مطرية).ورأى ابراهيم كبة ان يكون ذلك 500 سيحية و1000 ديمية.وكلن يؤيده في ذلك عبد الرزاق زبير و فريد الاحمر عضوي لجنة وضع القانون،والثلاثة يؤيدون وجهة نظر الحزب الشيوعي.واخيرا صدر قانون الاصلاح الزراعي في 30 ايلول 1958 وقد تبنى 1000 دونم سيحية و2000 دونم ديمية.لقد تبنى الحزب الشيوعي قانون الاصلاح الزراعي مع تحفظه على الحد الاعلى الكبير للملكية،وعلى تعويض الملاكين الكبار،والزام الفلاحين الذين ستوزع عليهم الارض بدفع تعويض خلال عشرين سنة.ولم يستثن القانون من التعويض حتى الملاكين الخونة والعملاء""الحلوائي/عقود من تاريخ الحزب الشيوعي-الحزب والقضية الزراعية/طريق الشعب/العدد 63/2007".
لقد سجل القانون رقم 30 لعام 1958 الذي اخذ بحد الألف دونم في الاراضي المروية والفي دونم في الاراضي الديمية مع الأخذ بمبدأ التعويض عن الفائض عن الحد الاعلى يدفع للمالك بأقساط تؤخذ من الفلاحين المستفيدين،بداية جيدة لمسيرة الاصلاح الزراعي بالفعل!..الا ان السنوات التي اعقبت صدور القانون شهدت تراجعا خطيرا في تطبيق فقراته،او تجاوزا عليها في كثير من الاحيان مما اعطى الفرصة للملاكين الكبار للالتفاف على القانون وافراغه من محتواه.واسهمت اجهزة الزراعة والاصلاح الزراعي التي ترتبط مصالحها بالاقطاع من تحقيق تلك الاغراض للعودة بالريف الى ما كان عليه ايام العهود السابقة.واصطدم تطبيق القانون رقم 30 لسنة 1958 بالمقاومة الضارية من كبار الملاكين الذين لجأوا الى كل سلاح بما فيه اغتيال انشط المناضلين من الفلاحين حتى بلغ عدد القتلى العشرات.ولجأوا الى تخريب الانتاج وخاصة في الاراضي الخاضعة للاصلاح – فوق الحد الاعلى – والتي لم يتم الاستيلاء عليها بل بقيت ادارتها بايدي الملاكين بالامتناع عن التسليف وتجهيز البذور كليا او جزئيا.لقد رزخ الفلاح تحت وطأة الديون الحكومية مما دعاه الى ترك الارض والهجرة الى المدن بسبب سلبيات القانون رقم 30 رغم الصراع الساخن بين الاغوات والشيوخ القدامى وبين الفلاحين المستفيدين من تشريعاته وتعديلاته..ولم يكن اتحاد الجمعيات الفلاحية المشكل وفق القانون رقم 139 عام 1959 سوى اتحادا لكبار مالكي الارض والشيوخ القدامى عرقل عمليا تنفيذ القانون رقم 30.اضافة لذلك لم يقدم القانون رقم 30 العلاج لحل مشاكل الفلاح المنتج كالتقاليد البالية والمفاهيم المخطوءة والقيم العشائرية،ومشاكل السلوك وضعف القدرات والنشاط وسوء التنظيم وتخلف المستوى التكنولوجي.
حال صدور القانون رقم 30 الذي شرع بتوزيع الاراضي على فقراء وصغار الفلاحين،ساند البعثيون الاقطاع ضد الاصلاح الزراعي،وحاربوا القطاع العام في الاصلاح الزراعي،وشهروا بسياسة وزارة الاصلاح الزراعي واطلقوا الاكاذيب والافتراءات ضدها وجهدوا في مضايقة خيرة الموظفين ومحاولة شل جهاز الاصلاح الزراعي.كما ساند البعثيون الاجهزة القاسمية للقيام بالمخالفات القانونية الصريحة مثل تأجير اراضي الفلاحين للاقطاعيين وجعل حق الاختيار مطلقا من قبل الاقطاع في الاراضي المجنبة خلافا لروح القانون وتأجير اراضي الاوقاف لغير الفلاحين وتزوير الجمعيات الفلاحية والتدخل للسيطرة على انتخابات جمعيات الفلاحين.وضاعف البعثيون محاولاتهم المسعورة لاجراء التعديلات الرجعية الخطيرة في قوانين الاصلاح الزراعي وتأجيل الاستيلاء على اراضي بعض الاقطاعيين خلافا للقانون.
لم تدن المرجعيات الدينية التقليدية الكبرى والجيل الاقدم من "العلماء"المحافظين الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذتها ثورة 14 تموز المجيدة بشكل مباشر وعلنا،الا انها تحولت الى مهاجمتها والتعرض لقادة الثورة بشكل سافر عام 1960 حيث ارسلت البرقيات تلو الاخرى الى الزعيم عبد الكريم قاسم تطلعه ان الاصلاح الزراعي خرق للشريعة الاسلامية التي تحمي الملكية الخاصة!
يذكر ان شيوخ الاقطاع والعشائر كانوا يغرقون المدارس الدينية بأموال الحقوق الشرعية،وكانوا مصدرا ثرا للخمس- الضريبة الدينية!واستخدموا المنشورات لمهاجمة الالحاد والدعوة الى اعتناق الاسلام المحافظ،وفي شباط 1960 صدرت الفتوى الدينية المشهورة ضد الشيوعية!وهذه المواقف تدرج عادة ضمن الفكر الرجعي الذي عاود انبعاثه لتضرره الشديد من منجزات ثورة تموز.
كتب محمد حديد في"مذكراتي/الصراع من اجل الديمقراطية في العراق،ص 330":"وفقا لما نص عليه قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 شكلت وزارة خاصة للاصلاح الزراعي،والف مجلس خاص للاشراف على تطبيق هذا القانون برئاسة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم،وعضوية وزراء المالية والداخلية والاصلاح الزراعي والزراعة،اضافة الى شخصيتين قانونيتين هما عبد الرزاق زبير واحمد جمال الدين،المطلعين على القانون والمعروفين باتجاههما اليساري.وكانت المرحلة الاولى من تطبيق القانون هي الاستيلاء على ما يزيد عن الحد الاعلى من الاراضي الزراعية المملوكة،ووضع اليد عليها!
كان هناك اتجاهان متضاربان بشأن تطبيق القانون رقم 30.الاول اتجاه تسوده عوامل سياسية ويتمثل في القضاء على الاقطاعيين كطبقة،وتنظيم الجمعيات الفلاحية لغرض القيام بالمهام التي يقوم بها الملاك،خصوصا وان طبقة الاقطاع كانت العمود الفقري للحكم الملكي البائد،وينتظر منها ان تكون مصدرا للتآمر على الثورة التي تهددها.والاتجاه الآخر تسوده عوامل اقتصادية تتمثل في التريث بالاستيلاء على الاراضي الزراعية المملوكة لأجل تجنب الخلل والارتباك الناشئ عن فقدان الاستثمارات والاعمال التي قدمها الملاك في سبيل عملية الانتاج الزراعي،واستمرارها لتأمين حاجة البلاد من الغذاء المطلوب،ولأجل تجنب ما يعرقل التنمية الاقتصادية،وما يحدثه ذلك من أثر على النشاط الاقتصادي العام،وعلى الوضع المالي للدولة.وظهرت هذه الاختلافات في مجلس الاصلاح الزراعي،وكان الوزيران الدكتور ابراهيم كبة والدكتور عبد اللطيف الشواف والعضوان الآخران الى جانب الاسراع بالاستيلاء على الارض وطرد الاقطاعيين.ومما شجع هذا الاتجاه تنظيمات الحزب الشيوعي في الارياف التي جهدت في مهاجمة الاقطاعيين بحيث ان قسما كبيرا منهم هرب الى المدن،بل وغيروا ملابسهم من الملابس القبلية الى الملابس المدنية!واستولت تلك التنظيمات على المكائن والآلات الزراعية،بل وعلى الدور السكنية!وسبب استمرار هذا الخلاف تذمر الدكتور كبة الى ان حدا به الوضع الى تقديم استقالته من الوزارة!والتي اتهم فيها الحزب الوطني الديمقراطي بشخص ممثليه،محمد حديد وهديب الحاج حمود،بعرقلة تطبيق الاصلاح الزراعي لأسباب عزاها الى مصالح شخصية او طبقية...".
كما اورد محمد حديد في نفس المصدر/ص 425-426،ان وزارة الاقتصاد التي تولاها ابراهيم كبة قامت بدراسة العلاقات بين الحكومة وشركة نفط العراق ونقاط الخلاف الموجودة بينهما،واعدت تقريرا بذلك الى مجلس الوزراء الذي عقد على الفور اجتماعا لتدارس الموقف حضره رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ونائبه عبد السلام عارف ووزير المالية محمد حديد ووزير الاقتصاد ابراهيم كبة الذي كانت شؤون النفط تابعة لوزارته...وكان اول اجتماع عقد مع المدير العام للشركة يوم 20/8/1958 في مقر وزارة الاقتصاد بحضور ابراهيم كبة...ويتذكر حديد انه في ذلك الحين حضر مدير شركة النفط مستر سيرايت Searight R.G. لزيارته في بيته ببغداد للشكوى من تصلب ابراهيم كبة بشأن تعريق الشركة،متهما اياه باتخاذ موقف عدائي من الشركة،خصوصا في مسألة تعريق الموظفين،واحتمال عرقلة عمليات الشركة فيما اذا تغير الحال بصورة واسعة وسريعة مما يؤثر على انتاج النفط وعلى واردات الحكومة منه.

ان اطالة الفترة الانتقالية وتأخير تشريع الدستور الدائم وتسيير ماكنة الدولة على يد نفس الجهاز الاداري خريج المدرسة الملكية في قمع الشعب،دفعت كبة لتقديم استقالته اكثر من مرة وجوبهت برفض الزعيم عبد الكريم قاسم،وكان تاريخ تقديم استقالته الثالثة في 2/2/1960،ليتم اعفاءه من الحكم في 16/2/1960!
في عام 1961،وبعد استقالة د.ابراهيم كبة،شرعت القوانين 17،61 واعطيت بموجبها للسراكيل حقوق خاصة وللملتزمين حقوق خاصة ايضا!وفي عهد الأخوين عارف اتخذت جملة اجراءات لصالح الاقطاعيين وكبار ملاكي الأراضي الزراعية لكنها لم ترتق بدور الشيوخ وكبار ملاكي الأراضي الزراعية الى مستوى الفترة التي كان عليها نفوذهم في العهد الملكي.
من اهم اجراءات العهد الجمهوري الاول في دعم الاقطاع والعشائرية كانت قوانين"اتحاد الجمعيات الفلاحية رقم 139 لسنة 1959""الإقرار بحقوق خاصة للسراكيل والملتزمين رقم 17،61 لسنة 1961""تحويل الأراضي الأميرية الى ملك صرف رقم 199 لسنة 1964 و رقم 16 لسنة 1965"..
القانون 117 لسنة 1970 وقانون رقم 90 لعام 1975 الخاص بتنظيم الملكية الزراعية في كردستان اقرا بمبدأ التوزيع الجماعي وتأسيس التعاونيات الزراعية ومزارع الدولة وصودرت بموجبهما الارض الزائدة عن الحد الاعلى من الملاكين من دون تعويض وعدم السماح لهم بالاختيار،ووزعت على شكل قطع صغيرة للفلاحين تنفيذاً لمبدأ(الارض لمن يزرعها)،وانتعشت المكننة الزراعية في القطاعين الخاص والعام.كما التزمت التعاونيات الزراعية بتسويق الحاصل من الحبوب الاستراتيجية(الحنطة،الشعير،الذرة الصفراء،الشلب،القطن والصوف)وحسب الخطة التي تضعها وزارة الزراعة.
قنون القانون 117 لسنة 1970 جملة اسس بالغة الاهمية في مقدمتها:خفض الحد الأعلى للملكية الزراعية الذي يتحدد على اساس مواصفات الأرض ونوع الزراعة وطريقة الري وغيرها،والغاء حق اختيار المالكين السابقين لمواقع المساحات التي تجنب لهم،وان يكون التجنيب بمالا يتعارض مع المصلحة العامة،استثناء مساحات البساتين من أحكام تحديد الملكية،توحيد تسجيل صنف اراضي الاصلاح الزراعي بأميرية صرفة بدلا من التعدد في التسجيل،الغاء التسوية(واناطة مهمة تثبيت الحقوق في الأراضي التي لم تتم تسويتها بعد بلجان الاصلاح الزراعي حيث تقوم بتثبيتها ضمن الحدود التي عينها القانون لحدود الملكية الزراعية بشكل موحد،وكذلك الغاء قرارات التسوية غير المكتسبة للدرجة النهائية)،الغاء التعويض عن الاراضي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأعلى للملكية الزراعية،وللمغارس والتعاب حصة في الأرض والشجر لاتقل عن النصف،(اجاز اثبات الحق فيها بالبينة الشخصية وبكافة طرق الاثبات القانونية)،الأخذ بمبدأ التوزيع الجماعي على الفلاحين بالاضافة الى التوزيع الفردي حسب ظروف المنطقة،شمول حالات متعددة من اشكال التوزيع(فيما يخص الوحدات الاستثمارية والمستأجرين في مشروع ري أبي غريب والمتصرفين في الأراضي الاميرية في مشروع الحويجة والسراكيل في الناصرية والملتزمين الأوليين والثانويين واصحاب المحرمات في العمارة)،شمول المغارسين وفلاحي البساتين بالعلاقات الزراعية في أن تكون حصتهم من الثمر النصف(وفي المزروعات التي تزرع تحت الأشجار وفق نسب قسمة الناتج للمحاصيل الحقلية)..مقابل ذلك اوجب على المغارس الاستمرار في عمله بالعناية بالأرض والشجر بعد انتهاء مدة المغارسة في البستان المشتركة بينه وبين صاحبها السابق وعدم جواز الافراز في البساتين اذا كانت النتيجة ان تقل المساحة عن 5 دونمات،الأخذ بأسلوب المزارع الجماعية التعاونية وبقواعد جديدة في تبسيط اجراءات التنفيذ وتوفير امكانية الانجاز السليم والسريع.
تمكن النظام الصدامي البائد من ايصال عدد من السراكيل والمتنفذين الى مجالس ادارة التعاونيات ليوجد الحجج والتعديلات القانونية الرجعية لاستعادة مكانة الاقطاعيين والملاكين وليبقى الفلاحين،وهم الاكثرية،يعيشون في اجواء الفاقة المذلة لكرامة الانسان.وبدأ النظام بالاجهاز على المكتسبات الفلاحية فشرع القانون 35 لسنة 1983 لتأجير الاراضي الزراعية،واصدر القرار 364 لسنة 1990( ملحق بالقانون 35) ليستحوذ الاقطاعيون واغنياء الفلاحين وازلام النظام من ضباط وحزبيين على الاراضي الزراعية في المشاريع التي الغيت والمزارع الجماعية ومزارع الدولة او اراضي البادية وتمكنوا من فتح المشاريع الاروائية لها لقدراتهم المالية،في الوقت الذي كان فيه الفلاحون وابناؤهم في صفوف الجيش والجيش الشعبي في جبهات القتال لتتملح وتتصحر قطعهم الزراعية،وليلجأ القسم الكبير منهم بعد تسريحهم من الخدمة العسكرية الى تأجير قوة عملهم الى الاقطاعيين والملاكين الجدد لقاء نسبة قليلة من الحاصل لا تتجاوز 10- 15 بالمائة او اجور بالقطعة او الهجرة الى المدينة بحثاً عن العمل ولتتسع العلاقات الاستغلالية وتزداد البطالة ولينشأ الصراع الطبقي ذو النمط الجديد بين(الأجير والمؤجر).كما اصدر،ما يسمى مجلس قيادة الثورة تعليمات وضوابط جديدة عام 1992 خوّلت الدوائر تأجير الاراضي المستصلحة ايضاً للافراد والشركات على وفق معدلات محددة.وبعد الغاء المشاريع والتعاونيات الزراعية ونشوء النظام شبه الاقطاعي الجديد جرت تصفية ممتلكات التعاونيات والمشاريع،وحولت الى المجهود الحربي الكثير من الاموال والآلات الزراعية!ولم يكن حال التنظيم الفلاحي بأحسن من ذلك بعد ان سيطر الملاكون الجدد على الجمعيات الفلاحية فتحولت الى اجهزة تابعة للنظام!
تركزت بأيدي الملاكين الكبار في بلادنا اخصب الأراضي الزراعية رغم انهم لم يساهموا في عمليات الانتاج ويسكنون المدن بعيدا عن مزارعهم وتحول قسم منهم الى بورجوازية ريفية بالفعل بسبب امكانياتهم المادية في شراء المكائن والمعدات الزراعية.وقد وفرت لهم حكومات البعث في حينها الفرص الذهبية منذ اصدار البيان رقم 3 الخاص ببيع ملكية التعاونيات الزراعية الى القطاع الخاص!
بعد التاسع من نيسان 2003 نهضت مجددا العلاقات الانتاجية الاستغلالية والعلاقات شبه الاقطاعية وانتعشت مصالح كبار الملاكين وبورجوازية وكومبرادور الدولة وبالأخص الشرائح القرابية والطائفية والعشائرية ومصالح اغنياء الريف الجدد ودور الفئات المرتبطة بالتهريب وبالرأسمال التجاري والمضارب ذي الطابع الطفيلي المرتبط بوشائج مختلفة بالرأسمال الاجنبي،وتنامي ضخم لدور الفئات الطفيلية.كل ذلك شجع سيادة الأستثمارة الفلاحية الصغيرة اي الأستثمار الضعيف المشتت المتناثر وسط بحر المزاحمة الكبيرة!وافتقرت السلطات الجديدة الى السياسات الزراعية والتعاونية،بينما شهد القطاع الزراعي تراجعا كبيرا مع تراجع الانتاج الزراعي في البلاد!وكل ذلك ليس بمعزل عن السياسة البريمرية،وسياسة الليبرالية الاقتصادية الجديدة والتوجهات نحو الخصخصة ووصفات خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واشتراطات منظمة التجارة الدولية!
وعموما تميل الرأسمالية الى المؤسسات الدينية الغير سياسية!بينما تغيب السياسات الليبرالية الاقتصادية بشكل مرسوم ومتعمد،كل مصطلحات"التنمية"و"التحرر الاقتصادي"و"التقدم الاجتماعي" و"العدالة الاجتماعية"،لتتحول الخصخصة في نهاية المطاف الى اعادة توزيع الثروة لصالح البورجوازية المحلية والأجنبية وليتسنى بمقتضاها نزع ملكية الدولة ونقل اصولها الانتاجية للقطاع الخاص بغض النظر عن هوية جنسيته!
السلطات الجديدة،وبعد مضي قرابة 10 اعوام على استلامها مقاليد السلطة،تتبع سياسات اقتصادية انتقائية ونفعية غير مدروسة وغير مفهومة،تتميز بغياب الرؤى والستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في مجال التنمية وبالاضعاف المتعمد القسري لدور الدولة في الميدان الاقتصادي،وباستمرار المغالاة في تأكيد مزايا السوق الحرة في اقتصاد البلاد دون معاينة للواقع الملموس واستحقاقاته!والقطاع الزراعي يواجه غياب وانعدام التخطيط الاستراتيجي،ومحاولة حل معضلاته بعصى سحرية ومبادرات من نوع المبادرة الزراعية!
من جهتها،تؤيد الحوزات العلمية الحكام في حدود حقوق الطبقات المسيطرة والمعايير الأجتماعية السائدة،وتفرض واجب الطاعة للقوانين والمعايير الاخلاقية المقبولة بالجزاءات الدينية،وتقوم بترجمة الفروض الاجتماعية الخاصة بالمراتب الطبقية الى الاخلاقيات الدينية لتعتبر المهنة مثلا واجب مقدس،ولتشيع الانضباط الذاتي والنظام والرقابة الاجتماعية والتقتير والترشيد،وتؤيد التراكم الرأسمالي،وفي بعض الاحيان تناصر افكار التوزيع العادل للثروة والروح الجماعية والفعاليات اللاعنفية!
من العوامل المهمة التي تقف وراء انخفاض مستوى الانتاج الزراعي صعوبة حصول صغار الفلاحين على القروض،وشحة ما يحصلون عليه من البذور والاسمدة والمبيدات والادوات الزراعية،فضلا عن ارتفاع اسعارها،وارتفاع تكاليف الخدمات الزراعية.ومن العوامل المهمة التي تقف وراء انخفاض مستوى الانتاج الزراعي ايضا والتي لا تتهدد مستقبل الزراعة وحسب،وانما مستقبل التطور الاقتصادي – الاجتماعي بأسره في العراق فشل مشاريع البزل وشبكاته في وقف زحف الملوحة في التربة ومنع تردي خصوبتها.الاخطر في الامر تصاعد نشاط الملاكين وتنامى نفوذ الاقطاعيين في بعض المناطق التي شهدت استيلاء هؤلاء على بعض اراضي الاصلاح الزراعي التي كانت قد وزعت على الفلاحين بموجب القوانين الصادرة بهذا الخصوص،من دون ان تتحرك الجهات الرسمية المسؤولة،مع احتدام الصراع الطبقي في الريف متمثلا بالهجوم على مصالح الفلاحين والسعي،تحت ذرائع مختلفة،للاستحواذ على اراضيهم بالقوة،وقد نهب بعضها فعلا!
بدل التدقيق الشامل لاوضاع الريف العراقي وحشد الامكانيات والطاقات في حملة وطنية لتجديد الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيه،بعد سنوات الاهمال والتعثر،خدمة لانسان وادي الرافدين الذي عرف الزراعة والحضارة قبل آلاف السنين،وبدل اعادة اعمار الريف وتطوير القوى المنتجة فيه والنهوض بالقطاع الزراعي وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي،وتمليك الأراضي التي وزعت على الفلاحين،وفقاً للقانون رقم 30 لسنة 1958 والقانون رقم 117 لسنة 1970،وتشريع قانون جديد لايجار الأراضي الزراعية!..بدل كل ذلك تطلق الحكومة العراقية مبادراتها الزراعية الصبيانية!
ماذا عملت الحكومة العراقية صوب التصفية الكاملة لآثار كل من البعث والارهاب والاحتلال الاميركي والذي لا يمكن ان يتم ذلك من خلال العمل العسكري والأمني فقط"والمضعضع اصلا"؟!بل يتطلب النهوض بالعامل الاقتصادي"لا وفق المبادرات الاقتصادية الصبيانية المعنونة بأسم رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة"،وتحسين الظروف المعاشية والقضاء على البطالة بكل أشكالها وتوفير الخدمات الأساسية!ماذا عملت الحكومة العراقية صوب التصفية الكاملة لآثار كل من البعث والارهاب والاحتلال الاميركي،وهي حتى لم تخطو خطوة جدية في طريق اللبرلة الاقتصادية؟!رغم مساوئ هذا الطريق الذي يعتمد بافراط على آليات السوق والتحرير الاقتصادي وجعل التنمية مرهونة لدور القطاع الخاص الضعيف اصلا،ويرفض الدور الراعي للدولة ويعارض التدخل الاجتماعي والتنظيمي والرقابي.ان النمو البطئ والمتوقف للقطاعات الانتاجـية العامة والخاصـة يهدد الانسجام الاجتماعي ويبقى فرص العمل ضعيفة،ومما يزيد الطين بلة رفع الدعم الحكومي عن اسعار السلع الاساسية استجابة لضغوطات الغرب الرأسمالي!
كل المؤشرات تدل ان الحكومة العراقية تلج دربا خطرا غير مسؤول لا يع الآثار الكارثية للتبعية الاقتصادية،دربا لا يقودها الى الشموخ والعزة،دربا سلكه ذات صدام الحسين والعديد من الحكام من قبل وسقطوا في الحفرة التي يحفرونها لغيرهم!في الوقت الذي تشهد فيه بلادنا تعمق السمة الاحادية للاقتصاد العراقي والاعتماد شبه الكامل على موارد النفط في تمويل الموازنة العامة للدولة،بل لم يعد الاقتصاد العراقي ريعيا فقط،بل وبات خدميا ضعيف الانتاج في الوقت نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري