الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنظمة العربية والدخول إلى العصر

فراس سعد

2005 / 8 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قد تكون الحرب العالمية ضد الإرهاب، وهي حرب حقيقية وليست واجهة لأهداف أخرى إحدى أهم دوافع المشروع الكوني الأوروبي الأمريكي في المنطقة العربية , فالقناعات الغربية ترسخت حول أن الدول الاستبدادية الفاسدة والمتخلفة هي منبع أساسي للإرهاب العالمي مما يقتضي نشر الديمقراطية ومكافحة التخلف ونشر المعرفة بحسب الكاتب السوري جورج كتن ( يمكن العودة لمشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر عن قمة الثماني الكبار).
في أماكن عديدة من العالم لاسيما في العالم العربي و خصوصاً بعد 11 أيلول 2001 لم يعد ممكناً البقاء خارج المشروع الكوني الأمريكي الذي يقع علينا واجب التمييز بين ما هو حضاري فيه وما هو غير حضاري فلقد تقلصت و تراجعت ثنائية الداخل- الخارج التي تأسس عليها العداء للغرب هذا العداء الذي استفادت منه الأنظمة العربية, و على البلاد العربية أن تؤقلم نفسها مع العالم اقتصادياً و سياسياً عبر تقبّل الآخر كما هو – الآخر الأمريكي الأوروبي – و كذلك عبر تغيير ذاتها بذاتها المدعوم بالضغط من الداخل و الخارج , ابتداء من الأنظمة و انتهاء بالشعوب و جوهر المسألة يكمن في تغيير المفاهيم, ليس أدل على ذلك من حملة تغيير المناهج الدراسية لكثير من الدول العربية و الأسلامية حيث تم التركيز على تغيير كتب التربية الأسلامية و هذا يدخل في نطاق التغيير النفسي التربوي بعيد الأمد للشعوب العربية التي تعتبر قطاعات واسعة منها أن الآخر المسيحي كافر أو هو في أحسن الأحوال من أهل الكتاب و تجب مراعاته كمواطن درجة ثانية أو كأنسان يعيش في ظل مجتمع أسلامي أو في ظل حماية المجتمع و كنفه لكن لا يجب التعامل معه أو مشاركته في طعام أو زواج ... الخ – و هي النظرة العثمانية المستمرة منذ قرون عديدة التي تقوم على اعتبار المسيحي و الأقليات غير الأسلامية خاضعة لمفهوم الرعاية و ليس لمفهوم المواطنية – و لأن الأنظمة العربية لاسيما في بلدان شمولية أو خاضعة لأيديولوجية الحزب الواحد أو الدين الواحد مثل سورية العراق مصر السعودية السودان ...مازالت إلى وقت قريب تعيش أجواء الحرب الباردة التي حولتها إلى أنظمة من ذوات الدم البارد , كان لا بد من تسخين الأجواء المحيطة بها لتعيد هيكلة نفسها فتستطيع الدخول في المشروع الكوني الأمريكي الأوروبي و هو دخول حتمي , يمكن أن يسمح فيه بهوامش بسيطة للخصوصيات الثقافية الدينية بما لا يتعارض مع مشروع السلام العالمي و نبذ العنف و محاربة الأرهاب .... فتغيير المفاهيم و المبادئ و القوانين الأجتماعية الثقافية السياسية القائمة على تقديس الذات و رفض الآخر الوطني المذهبي الطائفي العالمي و اعتباره غير بشري أو أقل مستوى و قيمة من الذات و بالتالي تكفيره و تحريم التعامل معه باتجاه مقاطعته و نبذه و استخدام العنف تجاهه أحياناً باتت مسائل مرفوضة من المجتمع الدولي و المجتمع الوطني المنفتح على العالم , و المجتمعات العربية و سورية من ضمنها لن تدخل العالمية و العولمة دون كسر كل نوازعها العنصرية و الألغائية و دون قبولها للتعددية الطائفية و اللغوية و السياسية في كل دولة و كل حيز اجتماعي , من هنا صار من الضروري تغيير مناهج التعليم وقوانين الأحوال الشخصية و أصدار قوانين تسمح بتأسيس الأحزاب و الجمعيات السياسية و سواها و امتلاك وسائل إعلام خاصة غير فئوية تظهر كل مكنونات المجتمع السوري باتجاه تفريغه من العنف عبر معرفة الذات و الآخر الوطني ثم الآخر الدولي .... و قبول هذا الآخر كما هو و احترامه كشريك في الوطن ثم في الأنسانية ...
يجد النظام المخابراتي نفسه مأزوماً عند تعاظم الضغوط الدولية عليه فيلجأ إلى الحديث الدعائي عن الديمقراطية و يوقف مؤقتاً عمليات القمع و حالة المنع لكن ما أن تخف هذه الضغوط الدولية أو تتوقف عند حد معين يستطيع التلاؤم معه حتى تعود عمليات القمع و المنع إلى سيرتها الأولى الأصلية و أحياناً بأشد مما كانت عليه قبل تلك الضغوط , و على الرغم من أن الضغوط الأمريكية الأوروبية نجحت في دفع أنظمة عربية عديدة لتقديم تنازلات محدودة تجاه شعوبها كما حصل في مصر ( مبادرة رئيس الجمهورية التاريخية أمام مجلس الشعب المصري لتعديل الدستور ليتيح المجال أمام أكثر من مرشح لرئاسة الجمهورية ) و في السعودية ( أنتخابات بلدية ...) إلا أنها لم تستطع أقناع النظام السوري بتقديم تنازل سياسي حقيقي تجاه شعبه حتى الآن .... و القطب الأمريكي - الأوروبي في حال منح نظاماً عربياً مثل سورية مهلة أطول من سواه لا يعني أنه يعفيه من كل المتطلبات و الشروط المفروضة على الأنظمة حتى يعيد تأقلمه و هيكلة ذاته بذاته ( تغيير من الداخل ) أو يتم تغييره جزئياً أو كلياً من الخارج كما حصل مع النظام العراقي الذي لم يستطع فهم ما يجري في العالم و هو إن فهم فلم يستطع تقبّل ما يجري من تغيرات كبرى في العالم و هضمها فكان أن راح ضحية غبائه .
من جهة أخرى , و بحسب السياسي و الكاتب كامل عباس إن البلدان الضعيفة التطور و منها بلدنا الحبيب سورية تعاني من النقص في الرأسمالية أكثر مما تعاني من الزيادة فيها و هي فرصة هذه البلدان كي تستفيد من مناخ عام عالمي و تنقل مجتمعاتها درجة إلى الأمام , من مجتمع الرعايا إلى مجتمع المواطنية , خصوصا إذا أحسنت التفريق بين أمريكا و أوروبا الرسميتان و بين أمريكا و أوروبا الشعبيتين و ما راكمت الحضارة في ذهن انسانها من وعي و ثقافة للأنسان و حقوقه الفردية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف