الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاضراب العام بالمغرب، هل هو جعجعة في فنجان؟

محمد السلايلي

2014 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


التسخينات الجارية على قدم وساق في "الجبهة الاجتماعية" من طرف المركزيات الاكثر تمثيلية، تعيد للاذهان تاريخ الصراعات الاجتماعية الكبرى التي شهدها تاريخ المغرب الحديث.

اول انفجار اجتماعي واسع عرفه المغرب "المستقل" سيحدث يوم 23 مارس 1965، لم تكن اكبر مركزية نقابية بالبلاد، انذاك الاتحاد المغربي للشغل، خارج التغطية، رغم ان نقابة التلاميذ التابعة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، هي من لعبت الدور الاساسي في اندلاع الاحداث، فان التحاق مركزية بنصديق بالاضراب العام،غير الكثير من المعطيات على ارض الواقع.

وكان الاتحاد المغربي للشغل يضم وقتها 600 الف منخرط في صفوفه، كما كانت ميولاته السياسية مع الجناح اليساري للحركة الوطنية ممثلة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكانت أجهزته تعيش مخاضا كبيرا بعد تاسيس حزب الاستقلال جيبه النقابي الاتحاد العام للشغالين، الذي التحق بالاضراب يوم 24 مارس (من 2 الى 6 مساءا !!).

دوافع الاضراب كانت واضحة، وتمثلت بشكل مباشرفي التراجع عن الاختيارات الوطنية في التعليم التي اعلنت رسميا في ابريل من خلال مذكرة وزير التربية بلعباس انذاك. وبشكل غير مباشر في وصول الصراع بين الدولة بقيادة الملكية و بين الجناح اليساري للحركة الوطنية الى دروة التناقض الحاد، بعد انقلاب الحسن الثاني على مجمل التوافقات التي تمت بين الطرفين في عهد محمد الخامس.

في هذه السنة سيكتشف المغاربة طبيعة النظام القمعية، لكن المهم، ان المواجهة الدامية كشفت ايضا انهيار تحصينات المعارضة وتداعيها بشكل تدريجي امام جبروت النظام المخزني، الذي استغل أحداث 23 مارس لاقبار اول تجربة برلمانية بالبلاد والاعلان عن حالة الاستثناء في يونيو، ثم اختطاف المهدي بنبركة واغتياله في اكتوبر من نفس السن، وبالتالي فصل الاتحاد المغربي للشغل عن محيطه السياسي المعارض للحكم، وارساء وتقوية أجهزته البيروقراطية، وكانت بداية تقهقر و انكماش هذه المركزية الام لنقابات المغرب الحديث.

ولان الاحداث التاريخية لا تتكرر الا بشكل مشوه، فان اضراب 20 يونيو 1981 التي دعت اليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ( المركزية البديلة عن إ م ش ) لنفس الدوافع والاسباب، عزز من سيطرة النظام على المعارضة بلجوئه مرة اخرى الى القمع الدموي الشرس من جهة والى استمالة نخب المعارضة الى "الاجماع الوطني" حول الصحراء من جهة ثانية، في اطار ما سمي انذاك ب"المسلسل الديمقراطي" حيث سيسمح للاتحاد الاشتراكي باكتساح الانتخابات البلدية ل"تسيير" أكبر مدن المملكة والحصول على عدد اكبر من مقاعد البرلمان.

في المقابل، لجأت الداخلية، ادريس البصري، الى تمزيق المدن الكبرى خاصة الدارالبيضاء عبر تقطيعها الى عمالات واقاليم ليسهل ضبطها امنيا والتحكم المسبق في حركيتها. لكن الاخطر، هو اغراق المدن الكبرى باحزمة البؤس والفقر لمحاربة الفكر الديمقراطي الحداثي الذي يهدد كيان النظام القائم، عبر نشر الخرافة والتطرف الديني، وتكوين جماعات اصولية لاقتحام قلعة الجامعات والسطو عليها.

بعد اقل من عشر سنوات عن ذلك، ستتمكن المعارضة التي يقودها الاتحاد الاشتراكي من وضع حد للصراع التاريخي بين القصر والجناح اليساري للحركة الوطنية، بعد اضراب 14 دجنبر الذي تم الاعلان عنه من طرف الكونفدرالية ونقابة حزب الاستقلال التي كان يصفها رفاق الاموي بالنقابة الصفراء، سيشكل عبد الرحمان اليوسفي حكومة التناوب التوافقي، التي سينتهي مفعولها ودورها عمليا بعد انتقال الحكم لمحمد السادس.

في هذه المرحلة ستواجه الكونفدرالية نفس مصير الاتحاد المغربي للشغل، وستتعرض لانشقاقات متتالية ستحد من قوتها على الرغم، ان القوة وحدها لم تكن كافية لتغيير موازين القوى لصالح الجماهير الشعبية وقواها الحية.

وفي 2011، واثناء زخم الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير، ظهر بالملموس أن مركزية الاموي عاجزة عن اللحاق بحراك الشارع، ومقيدة باغلال توافقات "السلم الاجتماعي" الذي قوى بداخلها ما اصبح يعرف اليوم بتيار الانتهازية النقابية.

والحقيقة ان ما عاشته الكونفدرالية خلال عشر السنوات الاخيرة، ليس الا صورة مصغرة لما عاشته مركزية الاتحاد المغربي للشغل اواخر ستينات القرن الماضي. حيث تتحكم الدولة في التحالفات المصلحية للاحزاب والنقابات والدوائرالاقتصادية الكبرى، من خلال تشكيل مجموعات زبائنية منظمة رغم كونها نتاج وقع الثقافة الاجنبية الحديثة، سواء برفع شعارات الاشتراكية والديمقراطية او شعار الكرامة والمساواة الاجتماعية.

هناك اليوم اعتقاد واسع، ان اغلب الانفجارات الاجتماعية التي عرفها المغرب استفاد منها النظام بطريقة أو أخرى، وهو اعتقاد رسخته نتائج هذه الانفجارات نفسها، وترسخه ردود فعل النخب المعارضة التي غالبا ما تٌقبل على أعرق سبل المساومة التي تجدد اواصر التحالف مع النظام والتمسك بخياراته، كما حصل خلال انفجار 20 فبراير الذي عارضته جل المركزيات النقابية الكبرى بطريقة محتشمة وملتوية، بسبب توافقاتها مع الدولة العميقة.

الان تخشى هذه المركزيات، ان تستغل المعارضة الجدرية للنظام (وهي معارضة شابة لا تنتمي لبنية المعارضة التقليدية) دعوات الاضراب الوطني العام، ومن يقرا البيانات النقابية، سيعرف ان سخطها ليس موجها ضد من يسن القرارات الاجتماعية الاكثر اجحافا وانما ضد من ينفذها ويتحمل مسؤولية تنفيذها.!!

هل سيؤدي الاضراب العام الى زحزحة واقع الاستبداد والظلم الاجتماعي السائد بالبلاد؟ هل سيترتب عنه فرز سياسي جديد يحسم مع ترددات النخب السائدة وانتهازيتها، ام انه سيكون اضرابا مشابها لما سبقه من اضرابات لا تثير سوى الجدل الاعلامي حول مخلفاته التي تعدو ان تكون سوى نقاشا مكررا و عقيما حول مبدأ اقتطاع يوم الاضراب من اجرة المضربين؟ هل سيبقى جعجعة في فنجان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمجد فريد :-الحرب في السودان تجري بين طرفين يتفاوتان في السو


.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال




.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟


.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال




.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا