الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالله الاسود

علي غشام

2014 / 10 / 12
الادب والفن


كلما اشاهد عن طريق الصدفة فلماً هنديا في قناة فضائية لا على التعيين اتذكر ذلك الوجه الذي يملأه الحزن والحرمان لعبدالله الأسود الذي يدب على الارض دبيب النمل لا صوت يسمع له ولا حركة تلفت الانظار سوى سلامه الذي يلقيه علينا بسرعة و(حنّية) وألفه وأبتسامة خجله يسرقها من بين أحزانه المقيمة وفرحه القصير ، لم اشهد لها مثيلاً بين اقرانه من الشباب في حقبة الثمانينيات التي امتلأت خوفاً ونحيب امهات ما انفكت يولون على بقايا جثث ابنائهن التي مزقتهن حرب ضروس شنها ارعن مستبد وقديس حصدت ارواح شبابنا الذين لم تتفتح أعينهم على وهج الدنيا الجميل بعد لم ينوبهم سوى نتف قليل من بقايا متاع تسلل خلسة من وراء ظهر الفقر والحرمان والمحنة والجلاد الذي مزق البلاد والعباد ..
لا يمكن ان أنسى تلك الوجوه التي تساق الى الموت سوق الأضاحي وهي تملأ (گراجات ) النقل الداخلي بعضها يتجه شمالاً والبعض الآخر جنوباً يلوكون فراق احبتهم و(سندويشات) بائعات القيمر والفلافل ، ونساء هناك تترك في ابهى عنفوان الشباب يتسولن الفرح المكبوت وصراع الرغبات وعرق أزواجهن العائدون من جبهات القتال في لون (الخاكي) وألم الفراق .. كان النهار يمر بين دوي مدافع القصف للمدينة التي تئن تحت رحمة قذائف المدفعية ذنبها الوحيد انها تمتلك حدود مع العدو تمتد على أفق الملح والماء والبردي والطين و(بساطيل) الجنود وبنادقهم ومواضع حفروها ربما تحولت بلمح البصر الى قبور جماعية لم تكتشف لحد الآن ينتظرون أدوارهم بالموت المعلب الذي يحف باجسادهم وربما يتركهم انصاف اجساد يعانون ألم الاصابات الكبيرة والبتر لاعضائهم الغضة التي لم تألف الترف يوماً ما ، وكما يمر نهار مدينتنا يستلقي ليلها على اكتاف حدودها بكلكله وظلمته التي طالما بددها خبر قدوم جثة إثر أخرى تستبيح سكونه ملفوفة بصراخ أرملة غضة الجسد والإحساس وعويل أطفال وحسرة أم لم تشبع بعد من رؤية ابنها وهو يكبر امامها وهي تدفعه الى حتفه خوفا من طارق ليلي يبيح لنفسه تسلق جدارن البيت بحثاً عن ابنها الهارب من القتل والخوف يرعب أطفالهم ويقلق احلام فتياتهم .. وفي كلا الحالتين النهاية واحدة مع فارق بسيط تعقبه ملاحقة اهله وابناء عموته واخوته بعباءة الرعب البعثية السوداء التي تستأسد عليهم وتخفي تحتها رجالها عندما يحاصرون فلا تكفيهم الحفر والسراديب ليختبئوا بها عن اعين القادمين الحُمّر الذين استباحوا الوطن واهله ولا تنتهي هرولاتهم امام الاخرين إلاّ بحفرة سيدهم السارق الأكبر للوطن ..!
نعم انهم ابناء الجنوب وعبدالله الاسود منهم لكنه صنع متعته في دور سينما البصرة التي اصبحت اطلالاً وذكرى جميلة – الكرنك – الاطلس – الرشيد – الوطني .. كان لا يوفوت دوراً من افلامها الهندية وبالتحديد لهندية فهو يجد نفسه حين يقرع اذنه لحن الشرق الهندي محملاً بتوابل طريق الحرير وحركات هيما مالينا المثيرة واميتاب البطل الذي لا يقهر ودارمندر المغوار الذي يتحدى الظلم ..عبدالله كان يجد ملئ فراغ نفسه المتعبة وفقره وحرمانه في فلم يعيش احداثه ويجود عليه بساعتين او ثلاث من البهجة وصراع الخير مع الشر وحتمية انتصار الخير متمثلاً بشخصية بطل الفلم الهندي الذي يمتلك حصاناً او كلباً او ربما كان يعتلي فيلاً مدربا .. نعم انه عبدالله ذلك البطل الذي ينتصر دائما في افلامه ولكن يعجر عن قهر الدينار الذي قليلاً ما استوطن جيبه الذي لم يشبع من (الخردة) التي لا ترتقي الى الدينار او نصفه في احسن الاوقات ..!!ٍ
ويرحل عبدالله تاركاً ورائه أبطاله وأبوه الذي كلما المحه اجد بؤس الجنوب وقد تجمع في صفحاته وعلى ابتسامته واسنانه الصفراء التي صبغها التبغ الرديء (اللف) رحل عبدالله وتمزق جسده كأي جندي آخر أسكتته الشظايا والطلقات في ساحة الحرب النهمة تلك ..رحل وترك أخوه احمد ليأخذ دوره في حرب الكويت ويغيب كخيط دخان في سماء العراق الممتلئة وما زالت دماً ونزف شوارعه الذي يتصل عبر سنين الحرمان والمحنة منذ 1963 ولحد الآن ....
علي علي غشام
البصرة
10/10/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني