الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب جين أوستن و الحركة النسوية

هالة بوقعيقيص

2017 / 3 / 11
الادب والفن


ترتبط الثورات و الحركات التمردية على النظم السياسية و الاجتماعية في العالم بعلاقة وطيدة مع الحراك الفكري و الأدبي, فالحركات الفكرية و الادبية الكبرى في التاريخ سبقت الثورات او كانت احدى نتائجها. و قد أثرت الثورة الفرنسية على الحياة في اوروبا بصفة عامة و على النظام الاجتماعي الانجليزي بصفة خاصة و قد ظهر ذلك في الحركات الأدبية و الفكرية و الحقوقية و كما شهدت نشوء الحركة النسوية, في القرن التاسع عشر كانت تلك المنطقة زاخمة بالثورات و التغييرات, وكانت الاديبات تعاني من التقاليد و الأعراف المقيدة للنساء و من السيطرة الذكورية على الساحة الثقافية مما اضطر بعض الكاتبات للكتابة باسماء مستعارة لتفادي هذه العراقيل و كانت جين أوستن إحداهن و التي صارت من أوائل الأديبات اللواتي قدمن أعمالاً أدبيا جديدة من نوعها في وسط خضم سيطرة تقاليد و الأعراف على المجتمع الانجليزي.

قد يبدو للوهلة الأولى أن أدب أوستن يحتوى على العديد من الرسائل التي تعد معادية للنسوية وذلك بانتهاء معظم روايتها بزواج بطلاتها و تصوير النساء كقاصرات فكريا و سطحيات في بعض رواياتها و تعظيم دور الرجل على أنه الملاذ و المنقذ. و لكن اذا قمنا على هذا الأساس بقراءة روايات أوستن على إنها معادية للنسوية فأننا قد نغفل عن الهدف من الحركة النسائية و الذي بدأ يُحصر في مناقشات سطحية تبتعد عن الجوهر الرئيسي و هو ببساطة: المساواة بين الجنسين. أوستن عاشت في وقت كان فيه مثيراً للجدل فكرة أن النساء يمكن أن تمتلكن آراء عقلانية و فكرية مستقلة و أن تكن لديهن القدرة على إدارة شؤونهن، ومن خلال شخصيات روايتها كانت تثبت مرارا وتكرارا بأن النساء ممن يرتضين أن يكونوا أسيرات العاطفة و يتبعن إملاءات الاعراف الاجتماعية التقليدية بدلا من استخدام فطنتهن و ذكائهن الخاص ينتهي بهن الأمر بأن يكونوا شخصيات ليس لها أثر يذكر في الحياة.

مما يعرف على جين أوستن أنها كانت قارئة جيدة و على قدر عالٍ من العلم و الثقافة مقارنة بنساء ذلك العصر، و قد انعكس ذلك على أعمالها و التي كانت دائما تلقي الضوء على المشاكل التي تنتج من ضعف تعليم و دراية المرأة و كانت تصر على تمكين المرأة علميا و ثقافيا حتى تستطيع رسم شخصيتها و تكوين افكارها المستقلة و قد عبرت عن أهمية الثقافة و الكتابة في التعبير عن مطالب المرأة في قولها : "قد امتلك الرجال كافة الميزات علينا و ذلك لانه كان بمقدورهم إخبارنا جانبهم من الحكايا" . و قد كان جُل همها القاء الضوء على أهمية ان تكون المرأة معتمدة على نفسها مالياً و هي ترى أن الزواج يعد الخيار الوحيد للمرأة غير مستقلة ماليا و ذلك لضمان حياة جيدة وهو ما كان متعارف عليه في ذلك الوقت. و نرى أثر ذلك في ما جاء على لسان شخصيتها "إيما" مراراً بأنها ليس لها حاجة بالزواج لأنها مستقرة و مستقلة ماليا. و في رواية " العقل و العاطفة" ألقت أوستن الضوء على مشاكل الميراث للنساء و وصاية الذكور على الإناث و استحواذهم على ملكية أموال و أصول العائلة مما يجعل الشقيقات في عوز و فقر ينتظرون الهبات من ذكور العائلة أو صدقات المعارف.
كما تؤمن أوستن بأن أساس العلاقة بين الرجل و المرأة تقوم على الصداقة و الرفقة بالاضافة للروابط الزوجية و يظهر ذلك في تصويرها لشخصيات السيد والسيدة بينيت في رواية "كبرياء و هوى" . يظهر جلياً في أعمالها أنها كانت تأمل بأن تكون خيارات النساء في الزواج مبنية على الحب و العاطفة قبل الاعتبارات المالية و الاجتماعية و ذلك لأنها تؤمن إيمانا راسخاً بقدرة المرأة و الرجل على اتخاذ قرارات عقلانية و في ذات الوقت بحقهم في اختيارهم للطريق التي تحقق السعادة لهما و هذا ما يعد في القرن التاسع عشر فكر ثوري و نسوي لأبعد حدود.
حين نتجول بين شخصيات أبرز روايات جين أوستن نجد الفكر المتمرد بين سطورها, ففي رواية "مانسفيلد بارك" اتهمت بطلة الراوية "فاني" بالجحود لرفضها الزواج من ابن الوصي عليها و يظهر بعد فترة رجاحة قراراها ويعترف لها الوصي برؤيتها الثاقبة و قدرتها على الحكم على الأمور بحكمة . كانت اوستن تروج لفكرة أن قرارات وخيارات المرأة على ذات القدر من الأهمية بقرارت الرجال في روايتها " الكبرياء و الهوى" ترفض إليزابيث عرض الزواج من السيد كولينز و السيد دارسي و ذلك لانهم لم يستشفوا مدى احترامها لذاتها و مدى استقلاليتها و تمردها على الأعراف الاجتماعية, وهذه المشاعر نفسها التي جعلت إليزابيث ترفض طلب دارسي للزواج على الرغم من ضغط عائلتها و محيطها و الأهم على الرغم من مشاعرها نحوه, من خلال شخصية اليزابيث ترسم أوستن شخصية قوية للمرأة التي تقاوم عواطفها و مجتمعها للحفاظ على عزة نفسها و كبريائها و مقاومتها فكرة أن تكون فقط صفقة اجتماعية تمت مباركتها في الصالونات الاجتماعية و لعل هذا التمرد و القوة هي أبرز صفات الحركة النسوية و التي وصفتها بدقة شديدة في رواية " إقناع" على لسان الشخصية الرئيسية في الرواية آن إليوت " كم أمقت طريقتك في الكلام على النساء كما لو أن جميعهن سيدات رصينات عوضا عن إنهن مخلوقات مفكرة, صدقني لا أحد يرغب في البقاء طوال حياته مطموراً في المياه الراكدة".
هل سنشهد في الوقت التي تشهد فيه منطقتنا ثورات و حركات تغييرية كبيرة التي تعد مناخ خصباً للابداع الفكري و الفني و حيث تشهد الساحة الثقافية العديد من الإصدارات الأدبية سواء الروايات او الشعر او الخواطر الادبية,هل سنرى أعمالاً أدبية و فنية تمس بصورة الخاصة الحركة النسوية و تعالج مواضيع جوهرية لتحسين أوضاع النساء في المنطقة اقتداءً بأوستن و غيرها من الأديبات اللواتي استطعن من خلال أدبهن و أعمالهمن الفنية إيصال أصواتهن و همومهن إلى المجتمع؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-