الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحوال الأقليات في تركيا بعد سنة 1918

عضيد جواد الخميسي

2014 / 10 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حين انتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1918 كانت الأوضاع الداخلية في ما يسمى " بالإمبراطورية العثمانية " مضطربة جدّاً . كان " كلّ إنسان يفكّر في نفسه " ، وصرّحت مجلّة "التايمز اللندنية " أن أخطر مشكلة واجهتها البلاد نجمت عن وجود مئات الألوف من قطّاع الطرق ، بعضهم منظّمون سياسياً ، وبعضهم الآخر من العصابات غير المنظمة ومن اللصوص والهاربين من الخدمة الإلزامية .

كانت استنبول مدينة محتلّة وكان السلطان فيها مقيّد الصلاحيات . لقد كرّست المفاوضات التي أجرتها حكومة السلطان ووقّعت عليها في معاهدة "سيفر" حقّ القوى الغربية في التدخّل في قضايا تركيا الداخلية ومقاطعاتها السابقة . واستخدم الغربيون الكثير من الأقلّيات في الإمبراطورية العثمانية كذريعة للتدخل السياسي ، ففي نهاية الحرب العالمية الأولى استخدم الغرب الأرمن والأكراد والموارنة واليهود والآشوريين ، تمـاماً كما استغلّ العرب في بدايتها . لقد أدّت معاهدة "سيفر" إلى بعث الآمال القومية عند الأقليات والمطالبة بها ، ما أدّى إلى توتّر في العلاقات بين الأقلية والأكثرية ، وإلى عداء ما زال الشرق الأوسط يعاني منه .

فكرة أرمينيا مستقلّة ، وخطّة حكم ذاتي للأكراد في المناطق التي هم الأغلبية فيها ( تؤدي فيما بعد إلى الاستقلال إذا شاء الاكراد ) ، وقيام وطن قومي لليهود في فلسطين ، وسيطرة الموارنة على لبنان الكبير ، وامتيازات خاصّة للآشوريين في شمال العراق .

ومع انهيار روسيا القيصرية ، وجد الأرمن أنفسهم في شرقي الأناضول في ظل ظروف خطرة . وبدأ المبعدون منهم بالعودة إلى بيوتهم مباشرة بعد أن وقعّت تركيا معاهدة الهدنة . وفي أيار سنة 1918 ، انتهز القوميون الأرمن قيام الثورة الروسية من جهة وانتصار جيوش الحلفاء من جهة أخرى فأعلنوا قيام الجمهورية الأرمـنية في القوقاز . كما أن استسلام الإمبراطورية العثمانية لقوات الحلفاء بعد خمسة اشهر أدّى إلى انسحاب الجيوش العثمانية من " ترانسكاسيا " في نيسان 1919 ومن شمال شرقيّ إيران ، ما أدّى إلى تقلّص الأخـطار التي كانت تواجه الجمهورية الأرمنية الفتيّة . وبمساعدة القوات الملكية البريطانية بسطت الجمهورية الأرمنية سيطرتها الكاملة في ولاية كارس كلّها . وكان قد سُمح لأكثر من 50 الف لاجىء أرمني ، كانـوا قد تركوا هذه الولاية حين تخلّى االروس عنها ، بالعودة إليها ، ولكن ، عبّر أوامر مشدّدة لا تسمح لهم بدخول أرمينيا التركية . إلاّ أنّ مقاومة الإغراء بالتقدم نحو أرمينيا التركية كانت صعبة ، فباشر الأرمن حالاً بتوسيع نطاق حدود الجمهورية لتشمل غربا الأناضول ، مندفعين بحلم العودة مجدداً إلى فلاحة تراب فان وبدليس و أرضروم و ديار بكر وما وراءها من أراضٍ ، وما شجعهم اكثر هو اعتراف معاهدة "سيفر" رسمياً باستقلال الأرمن في تركيا الشرقية .

في الوقت الذي كان الأرمن يحاولون السيطرة على تركيا الشرقية ، كان اليونان يحلمون بتحقيق " فكرتهم الكبرى "، إذ نزلت القوّات اليونانية مدينة إزمير تحت حماية الحلفاء وتابعت لتضمّ غربي الأناضول ، متخيّلة أنّها ستعيد بناء الإمبراطورية البيزنطية في حدودها القديمة ، بحيث تكون القسطنطينية عاصمتها وأيا صوفيا كاتدرائيتها .

أمّا صيف سنة 1920 فلقد شجّع مسيحيي الأناضول على نحوٍ اكثر إذ كانت القوّات الفرنسية قد وصلت جنوب غرب تركيا ، وتطوع الأرمن اليافعون في خدمة الجيش الفرنسي تحت إمرة قادة فرنسيين ، وصرّحت البعثات الأرمنية أنّ الطوائف المسيحية في النصف الغربي من تركيا أعلنت قيام " دولة كيليكيا المسيحية المستقلّة " .

وحين شعر الأتراك بالهزيمة والإهانة قاموا بردّة فعل معاكسة . فبعد انتهاء الحرب ، أدّت عودة الأرمن إلى الأراضي التركية إلى نشوء حركة تركية تبغي منعهم من الاستيطان وحراثة حقولهم ، وقالت " التايمز " أنّ الأتراك أرسلوا عصابات على نمط قطّاع الطرق من قِبل وجهاء محليين للقيام بذلك ، وأدّى ذلك إلى قيام حرب " بكلّ ما يلازم الحرب من بشاعة ".

وهل كان الإنكليز هم الذين أتوا بالأرمن؟
كتبت "كيرترود بيل" تقول: إنّ العديد من الأكراد ارتاعوا من التحقيق الذي أجراه الإنكليز والأرمن حول الأعمال الشنيعة التي قاموا بها (الأكراد) ضد الأرمن في العام 1915" .

بدأ مصطفى كمال في ربيع سنة 1919 يجمع القوّات الوطنية لينقذ تركيا ذاتها من التمزّق . إنّه ليس من الضروري الانشغال بتفاصيل السنوات القليلة التالية إلاّ في ما يتعلّق بالنصف الثاني من سنة 1920 ، حين أُزيل خطر اليونان ، واستطاعت القوّات التركية السيطرة على القسم الأكبر من الرقعة التي طالبت بها الجمهورية الأرمنية ، بما في ذلك " كارس " و" أرداها ن" .

نقلت الإرسالية الأميركية على جبهة كيليكيا أخبار الحرائق وإراقة الدماء ، وفي مرعش أُجبرت القوات الفرنسية التي ساعدها الأرمن ، بعد ثلاثة أسابيع من القتال ، على الانسحاب ، ووقّعت القوّات الأرمنية في أيدي الأتراك الذين كانوا آنذاك " مشحونين بالكره الشديد نحوهم " . وفي بداية سنة 1922 وقّعت القوّات الفرنسية معاهدة هدنة مع الأتراك حيث أعلنت فيها على انسحاب الفرنسيين من كيليكيا مقابل اعتراف حكومة مصطفى كمال بالحكم الفرنسي في سورية . أمّا الأرمن ، كمواطنين أتراك ، فلقد كان عليهم أن يسلّموا أنفسهم للسُلطة التركية ويقبلوا الضمانات التركية لحمايتهم . وسُمح للذين فضّلوا مغادرة الأناضول إلى سورية المحتلّة من قِبل فرنسا . ولقد كتب الدكتور " جان ميريل " رئيس كلية تركيا المركزية في عينتاب يقول " أمّا خيبة الأرمن " فقد فاقت تلك التي عانوها في أثناء قوافل المذابح والسوقيات ، لأنها أضافت إلى مرارة الحدث " إدراكهم بأنّهم تعرّضوا لخيانة " .

في سنة 1922 منح الأتراك المسيحيين كلّهم " ترخيصاً إلى كل المسيحيين " بمغادرة تركيا ، فألّف المسيحيون مرة أخرى أسراباً من اللاجئين ترتجف من الخوف والذعر ، واصبح السريان الأرثوذكس والكلدان المسيحيون ، بالإضافة إلى الأرمن ، ضحايا الانتقام التركي . لقد هاجرت سنة 1921 و 1922 أعداد كبيرة من هاتين الجاليتين ، عدا الأرمن ، فوضعت بذلك نهاية لوجودها الذي دام قروناً طويلة في أضنة وفي أورفه خاصّة . وكانت الأكثرية الساحقة من هذه الأعداد ضحايا عاجزة أمام القوى التي ولّدتها الأحداث المذكورة آنفاً ، وبريئة من أيّة طموحات سياسية . ثمّة كاتب سرياني يتحدث عن بعض الأفعال السيّئة التي قام بها بعض الفتية الثائرين من طائفته في عهد الاحتلال الفرنسي ، والتي أثارت استياء المسؤولين الأتراك .

وكغيرهم من الاقليات ، بعد شعورهم بالحريات الجديدة المعلنة عنها في تصريحات الرئيس الأمريكي ، طالب السريان الأرثوذكس حضور مؤتمر السلام في باريس ، وأنضم بعض قادتهم ، خاصة الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، إلى ممثلي" المنظمة الوطنية للآشوريين في أميركا " وما لها من مطاليب طامحة . وانضم إلى الوفد في باريس بطريرك السريان الأرثوذكس ، أغناطيوس أفرام الأول برصوم ، الذي كان آنذاك مطران سورية ، وخاب ظنّه حالاً ممّا شاهد هناك .
وفي إحدى جلسات مؤتمر السلام بدأ البطريرك يدافع عن حقوق العرب بدلاً من الدفاع عن قضيّة شعبه . وقد صفّقت له الوفود العربية الموجودة وسمّي مطران العروبة و" قسّ الزمان " .

خارج كيليكيا ، ظلت أعداد ضخمة من الكلدان والسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك في قراهما ومدنهما بعد ترحيل الأرمن ، ومع أنّهما وقفا إلى جانب الأتراك حين وُقعّت معاهدة الهدنة ، إلاّ انهما كانتا غالباً موضع انتقامهم ، لقد تعرّضت هذه الأعداد مرّة ثانية للمذابح والترحيل في ثورة الأكراد في العام 1925 ، مع أنّ ذلك جاء بعد فترة طويلة من تسوية الأتراك لخلافاتهم مع المواطنين غير المسلمين .

كان الدافع إلى الانتفاضة الكردية ، كما لاحظ كاتب كردي ، السعي إلى إيجاد دولة كردية مستقلة ، وضمانة الحقوق الوطنية للشعب الكردي . كان شعار الثورة الرئيسي " تحقيق استقلال كردستان تحت الوصاية التركية واعادة السلطنة ثانية . " ولكن الوطنيين الأتراك صمّموا على سحق الانتفاضة ، فإن " لم يتلقّن الأكراد درساً " في فترة مبكرة جداً فسوف تكون الولايات الشرقية مصدر خطر كبير على الدوام ، وهذا سيرغم الجمهورية الفتيّة على إبقاء جيوشها هناك ولن يكون سهلاً على الدولة تحمّل تكاليفها .
لقد اقتنع الجمهوريون الأتراك بأنّ الأكراد كانوا قد لقيوا دعماً من الحكومة الإنكليزية في العراق ، حيث كانت الإدارة البريطانية المنتدبة تميل إلى جانبهم . وأكثر من هذا ، لقد وجدت حكومة أنقرة في الأكراد عدواً أيديولوجياً ، منهم من يمثلون ثورة مضادّة ، أي إنّ تركيا القديمة تقاتل تركيا الجديدة . وحين احتلّ الأكراد ديار بكر وخربوط لفترة قصيرة ، نصبوا محمد سليم ، الابن الأكبر للسلطان عبد الحميد الثاني " ملكاً على كردستان " . وطالب المتمرّدون بإعادة القوانين الدينية والمؤسّسات التي كانت " حكومة أنقرة الملحدة " قد ألغتها ، كما دعوا الأتراك المسلمين لينضمّوا إليهم في حربهم المقدّسة ( الجهاد) ضدّ الجمهورية الجديدة .

ولم تمض فترة طويلة حتى انهالت قبضة حكومة أنقرة الثقيلة على الانتفاضة الكردية وقوضّتها وألقت القبض على قادتها . و في نيسان 1925 سيق الثوار إلى الجبال ، وعندها قال عصمت باشا أمام الهيئة الوطنية العليا " إنّ الجبـال ستصبح مقبرة لهم .
وحكمت المحكمة العسكرية التركية التي انعقدت في ديار بكر بالموت على الشيخ سعيد و 47 من القادة الأكراد ونفذت الحكم في آب من العام 1925 . كتب "غاسيملو" يقول " دُمِرت 206 قرية ، واحترق 8,758 بيتاً وقتل 15,500 شخص " ، ونُقلت قرابة ألف عائلة كردية من وجهاء الأكراد إلى الأقسام الغربية من الأناضول .

أما السريان الأرثوذكس الذين استُثنوا في أثناء الأعمال الوحشية التي تعرّض لها الأرمن ، فلقد اصبحوا ضحايا خلال سحق التمرد الكردي ، وتعاون بعض المسيحيين السريان مع الأكراد وأعطاهم بعضهم الحماية إمّا عن خوف أو عن قناعة ، لذلك ، طوّقت الحكومة عدداً من السريان الأرثوذكس والكلدان ونفتهم من القسم التركي الذي ادّعت الحكومة الإنكليزية أنّه للعراق إلى شمال " خطّ برسلز " ، ونسب بعض الناس الذين قاموا بالتحقيقات الفورية عملية الإبعاد هذه إلى رغبة الحكومة العسكرية التركية في مصادرة المواشي والقمح من القرى المسيحية لتطعم قواتّها الجائعة والغاضبة .
ومن الناحية السياسية ، كانت السلطات التركية تخشى أن يكون ولاء المسيحيين للسلطات البريطانية والعراقية عبر الحدود . لقد صرّح الجنرال " لادونر " ، المسؤول مِن قبل عصبة الأمم عن تحري عملية الأبعاد ، " أنّه اقتنع وبدون شكّ " أنّ الضبّاط الأتراك قادوا أولاً عملية الاحتلال ، ثمّ فتشوا القرى بحثاً عن السلاح ، وبعد فترة قصيرة سلبوا أهاليها ونهبوا بيوتهم وعرّضوهم لأشنع أنواع التعذيب والقتل . كان الترحيل عاماً .
لقد طردوا بطريرك السريان الأرثوذكس مار أغناطيوس الياس الثالث من دير الزعفران وحوّلوا الدير إلى ثكنة تركية .
لم يغادر جميع السكان المسيحيين في الأناضول بيوتهم في أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى ، فلقد رجع بعض الذين كانوا قد عبروا الحدود إلى سورية أو العراق إلى قراهم . وفي أثناء النزاع احتفظ سكان طور عابدين بمعاقلهم الجبلية ، وكما في الماضي ، لجأوا إلى كنائسهم وأديرتهم . وكانت قرى مثل قلث ، ومدو ، وباسبرين ، وآزخ ، وحاح من بين ما يقارب 60 قرية بقي معظم سكانها من المسيحيين حتى منتصف سنة 1970 . ويرجع تاريخ إحدى الكنائس في " حاح " ، " كنيسة العذراء " ، إلى أيّام الرسل . إنّ فسيفساءها البيزنطية الرائعة لم تُمسّ ، وقد تكون أقدم كنيسة في العالم لا تزال تستعمل حتى الآن ، لقد جاء في وصف " جيرترد بيل " لزينة هذه الكنيسة وزخرفتها الدقيقة : " إنّها جوهرة طور عابدين ".

كتب طالب أمريكي ، ينتمي إلى إحدى الكنائس الشرق الأوسطية ، وقد زار طور عابدين سنة 1974 يقول : " أنّ ما يميّز كنائس المنطقة وأديرتها عن غيرها من الآثار الباقية للمسيحيين القدامى في آسيا الصغرى هو عبارة " لاتزال قيد الاستعمال " . وخلال زيارته شاهد الطالب المؤمنين يجتمعون في مختلف الكنائس لصلاة . وهناك في قرية " قلث " شاهد كنيسة سريانية بروتستانية عدد أعضائها 20 عائلة من بقايا نشاط البعثة البروتستانتية التي كانت مزدهرة في ما مضى .

كانت جميع الطوائف المسيحية في النصف الشرقي من الأناضول موجودة في ماردين بعد اضطراب سنة 1914 - 1918 الذي ساد ذلك القسم من تركيا . وكان السريان الأرثوذكس أهمّ الفرق المسيحية في المدينة إذ حلّوا محلّ الأرمن . وكانت " رعية كبيرة " للسريان الأرثوذكس ، في الريف المجاور في الستينيات من القرن الماضي ، ولبعضهم كنائسه الخاصّة وقسسه .

يبدو للوهلة الأولى ، أنّ الأوضاع قد عادت إلى وضعها الطبيعي الذي كان سائداً في ما قبل الحرب العالمية الأولى . كانت إرسالية تركيا الشرقية التابعة للهيئة الأمريكية قد فتحت مدارسها في ماردين في أواخر سنة 1924 . كما صرّح المرسلون الأمريكان في أثناء القلاقل الكردية ، في أواخر العشرينيات وبداية الثلاثينيات ، أنّ المسؤولين الأتراك في المدينة كانوا ودودين كثيراً وقدّموا مراكز للإرسالية لها حراسة خاصّة .

ومع أنّ ماردين بقيت ، خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، مدينة تتكلّم اللغة العربية إلاّ أنّ جميع سكّانها كانوا يتكلّمون اللغة التركية أيضاً . كما أنّ قسماً من الخدمات الدينية التي ما زالت في العربية عند السريان الأرثوذكس كالقدّاس وقراءة الأناجيل كان قد تمّ نقله خلال الستينيات إلى اللغة التركية . حتى ذلك الحين ، كانت جميع الكتب الخاصّة بالطقوس الدينية مكتوبة إمّا باللغة السريانية أو العربية . وكان للمدينة مطران مسؤول عن جميع السريان الأرثوذكس المسيحيين في تركيا حتى وفاته في أواخر الستينيات . وأصبحت ماردين بعد ذلك تابعة لسُلطة مطرانية منطقة الجزيرة في سورية .

أمّا خارج نطاق مناطق طور عابدين وماردين فكانت إستنبول وضواحيها مركزاً لتجمّع السريان وفي إستنبول ، سنة 1963 ، بنت الطائفة المؤلّفة من قرابة سبعة آلاف نسمة مجمّعاً يضمّ مدرسة وكنيسة وأطلقت عليه اسم " كنيسة الوالدة مريم للسريان القدامى ".

وجد اللاجئون من الأناضول بيوتاً جديدة وقرى في سورية ولبنان والعراق ، حيث قدّمت لهم يد المساعدة عن طريق أفراد طائفتهم الذين عاشوا مدّة طويلة في هذه الأماكن التي كانت سابقاً تابعة للعثمـانيين . كما أنّهم تلقّوا دعماً وتعاطفاً من قوّات الحلفاء الذين كانوا قد احتلّوا هذه المناطق في تلك السنوات العصيبة .
أغرت الأراضي السورية الواقعة جنوبي تركيا الأكثرية من السريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك ، بالإضافة إلى عدد كبير من الكلدان والأرمن والأكراد وبعض اليهود . لقد وجدوا فيها ملجأ هناك ، وذلك بفضل الاحتلال الفرنسي الذي وفّر لهم الأمن .
لقد جاء الناس المتضرّرون من أحداث بداية العشرينات في مقاطعات كيليكيا وكردستان التركية والذين أتوا ليستقرّوا في حلب وحماة وحمص ودمشق ، ولكنّ غالبيتهم وجدت بيوتاً وقرى في الجزيرة السورية " أرض لا أحد " أو " أرض بلا شعب "التي لم يكن فيها قبل 1927 شعب مستقرّ ، عدا 45 قرية كردية .

ونتيجة الثورة الكردية في منتصـف العام 1920 وفي الـعام 1930 في تركيا ، كما ذكرنا سابقاً ، نزح ما يقارب 20 الف كردي إلى شمال الجزيرة على الحدود السورية - التركية حيث سكنوا هناك ، وجلب أغلبهم أغنامهم ومواشيهم واستقرّوا كفلاّحين إمّا في قراهم أو في أراضٍ يملكها أكراد . لذا ، ازداد عدد سكّان الجزيرة خلال السنوات 1919 - 1939 ، وأدّى ذلك إلى ارتفاع عدد القـرى والمستوطنـات إلى ما يقارب 700 مستوطنة . وفي سنة 1935 وحدها نشأت 150 قـرية في المنطقة ، استقرّت في بعضها آخر موجة من العشائر الآشورية المهاجرة من العراق إثر اصطدامها بالحكومة العراقية .

أما المهاجرون السابقين ، الذين تكوّنوا من سكّان كانوا قد فرّوا حديثاً من الحرب والمجاعة ، فقد خافوا من احتمالات هجرة جماعية أخرى بعد خروج الفرنسيين ، وكان هذا الاحتمال قد بدا قريباً وذلك في منتصف سنة 1930 حين أراد الفرنسيون في سورية ولبنان ، والإنكليز في العراق ومصر ، إيجاد نهاية لعلاقاتهم الخاصّة بهذه الدول . خشيت الطوائف المسيحية بأسرها في الشرق الأوسط ، ربّما بإستثناء اليونان الأرثوذكس العرب وأقباط مصر ، من أن يتسلّم الحكم من القوى الأوروبية نظام عربي مسلم لا تجربةَ له ، فطالبوا بمنح ولاية الجزيرة إذا خرج الفرنسيون من سورية بعض الحكم الذاتي المحلي ، مع شرعيّة خاصّة كتلك التي في ولاية إسكندرون . لقد اتّحد كما كتب "جان هوب سيمبسون" السكّان بأجمعهم من مسيحيين وعرب وأكراد "المطالبة بحكومة محليّة"

سيطر القلق في الجزيرة ، وكذلك في جبل الدروز ومناطق العلويين ، لمّا تمّ توقيع المعاهدة الفرنسية - السورية سنة 1936 . ونصّت المعاهدة على استبدال المسؤولين الفرنسيين بآخرين سوريين . أمّا مطاليب الأكراد والمسيحيين في حدودها الدنيا فكانت تنصّ على تعيين إداريين من سكّان الجزيرة ، ولكنّ الحكومة المركزية رفضت هذا الشرط وأصرّت على أنّ الجزيرة جزء متكامل من سورية . كما برهن المسؤولون في دمشق ، لسوء الحظ ، مرّات عديدة على عدم اهتمامهم بمخاوف السكان المحليين وهواجسهم ، غير أنّ الحكومة المركزية كانت تُرضي جميع الأطراف ..

المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، - العرض البريطاني في اسطنبول وتركيا ـ 1978.
فإن هوروفيتز _ الدبلوماسية في الشرق الأدنى والأوسط. _ برينستون، 1956.
ريتشارد جي _هوفاننسيان _ الاحتلال الأرميني من كارس، 1919.
اغناطيوس أفرام برصوم، بطريرك أنطاكية السورية وسائر المشرق_ كتاب اللؤلؤ المنثور، جامعة كولومبيا، 1965 .
"الأكراد والمسألة الكردية"، مجلة الجمعية الملكية لآسيا الوسطى 1948.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا