الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكسيك .. رحلة لم تكن في الحسبان..!

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

2014 / 10 / 15
المجتمع المدني


على الرغم من أنني من هواة السفر إلا أنني لم أفكر يوما بزيارة دولة المكسيك ولا أية دولة من دول أمريكا اللاتينية، لأن هذه الدول لم تكن من ضمن إهتماماتي بسبب من بعدها وإرتفاع كلفة السفر إليها عدا مانسمعه من مخاطر أمنية يتعرض لها السواح فيها. ولابد من الإشارة إلى أنني وعائلتي سكنا لفترة زمنية قصيرة "نسبيا" تجاوزت السنة الواحدة بعدة أشهر في مدينة سان دييكو الأمريكية التابعة لولاية كاليفورنيا والواقعة على خط الحدود الجنوبي للولايات المتحدة الأمريكية مع المكسيك قبل أن نهاجر نهائيا إلى أستراليا في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن قربنا من مدينة تيوانا المكسيكية الحدودية لم يجذبنا لزيارتها على الرغم من أن أعداد زوارها من الأمريكان وسكان كاليفورنيا وبقية الولايات خلال عطل نهاية الإسبوع كانت كبيرة حيث يستفيدون من رخص أسعار الخدمات والبضائع في تلك المدينة المكسيكية مقارنة بأسعارها في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وأن المكسيك لاتفرض رسم الضريبة على البضائع والخدمات.
جاءت فكرة زيارة المكسيك بسبب من زواج ولدنا الأصغر من فتاة أسترالية مكسيكية الأصل حيث تم الإتفاق بينهما على ترتيب حفل زواجهما في مدينتها الأم بسبب من ان كلفة حضور أكثر من مائتين من أفراد عائلتها من المكسيك إلى سيدني ستكون باهظة الثمن الأمر الذي دفعنا نحن للسفر إلى المكسيك خاصة وأن عددنا لم يتعد العشرين شخصاً بضمن ذلك أصدقاء العروسين من أستراليا.
كانت الرحلة طويلة ومتعبة خاصة وأن شركات الطيران جميعها لا تقوم بسفرات مباشرة بين أستراليا والمكسيك بل يتطلب الأمر السفر إلى لوس أنجلس ومن ثم إلى المكسيك وهي رحلة دامت لعشرين ساعة بضمنها ثلاث ساعات إنتظار في مطار لوس أنجلس وهو مطار يوحي مظهره الخارجي بأنه من مطارات دول العالم الثالث بسبب الترميمات المستديمة، لكنه من الداخل، و بما يتضمنه من أسواق ومحال تجارية ومطاعم وبقية مستلزمات راحة الركاب والمسافرين يعتبر من أفضل المطارات العالمية.
توجهنا إلى شعبة الجوازات والكمارك وكنا ستة نحمل نفس أسم العائلة ، أربعة من مواليد العراق ، وواحد من مواليد الكويت والأخيرة من مواليد أستراليا. وقفنا جميعا أما ضابط الجوازات الذي بدأ بفتح جوازاتنا بالتتابع فسألني عن سبب زيارتنا للمكسيك، وعندما أخبرته به انفرجت أساريره كثيرا، وبدأ بتقديم التهاني للعريس، وأخذ يسأل عن أسم المدينة التي نقصدها وأسئلة عامة أخرى خففت من قلقنا كوننا من أصول شرق أوسطية وبالذات عراقية على أرض أمريكية. لاحظ ولدي أن الضابط يحمل شعارا فيه العلم العراقي على صدره فسأله عن سبب وضع ميدالية العلم العراقي على صدره فأجاب بأنه قد خدم في العراق أبان الإحتلال ولفترة ليست بالقصيرة وبأنه قد خدم في عدة مناطق منها البصرة والناصرية وبغداد وبعقوبة وأخرها السليمانية. ثم بدأ بترديد بعض الكلمات باللهجة العراقية الدارجة ، مثال ذلك ، شكو ماكو ، الله بالخير ، شلونك أغاتي وغيرها. ثم عقب أنه أحب العراق والعراقيين بصورة عامة وأنه كان يتمنى ان يعم الخير العراق ، بلد الحضارات لكنه متألم مما يحدث الآن ويتمنى لو كان بإستطاعته الذهاب للعراق مجدداً. طبعا لم يكن الوقت والموقف يسمحان بمناقشة سياسية نوضح له فيها دور الإحتلال في تدمير البنية التحتية العراقية وفرض النظام الطائفي المقيت في عراقنا المتنوع الجميل ولو فعلنا لما أكملنا سفرتنا إلى المكسيك. على أية حال، شكرناه وكان أخر ماقاله: حظ سعيد سيد مهدي ، أنتم لستم ستة فقط ، بل كل جيش المهدي من ورائكم !
دخلنا الطائرة التابعة لشركة طيران مكسيكية مشهورة برحلاتها القصيرة وبأسعارها الرخيصة التي لاتقارن بمثيلاتها من شركات الطيران وطبعاً كانت المقارنة بينها وبين طيارات شركة الطيران الأسترالية كوانتس أو أية شركة طيران أسترالية أخرى غير واردة على الإطلاق من ناحية حداثة الطائرات وحسن الخدمات والرعاية والراحة وقدرة وخبرات الطيارين الأستراليين المتميزة. أما تلك الشركة فطائراتها قديمة وموظفوها لايتقنون لغات أجنبية بما في ذلك الإنكليزية وأنهم لايقدمون أية وجبات أو مشروبات بضمن ذلك الماء دون ثمن يدفع مقدماً.
حطت الطائرة في مطار المدينة، وعندما توجهنا إلى قسم الجوازات والكمارك ، سألونا عن سبب زيارتنا ومدتها ومنحونا تأشيرة دخول بعدها جاء دور موظف الكمارك الذي سألنا ان كان بمعيتنا مشروبات أو سكائر أو مبالغ مالية كبيرة ! الغريب أن كافة الأسئلة التي وجهت لنا كانت باللغة الإسبانية وإن إجاباتنا كانت بالإنكليزية وكان الفضل في فك رموز التفاهم بلغتين مختلفتين يعود لولدنا الذي بادر منذ فترة لتعلم لغة زوجة المستقبل وهو أمر لم يجرؤ والده عليه حيث لم يتعلم لغة والدته الأرمنية خلال أكثر من أربعة عقود من الزمن !
لابد لي من الإشارة هنا إلى أن المدينة المكسيكية التي قضينا فيها كل الوقت تعتبر ثاني أكبر مدينة في المكسيك بعد العاصمة، حيث يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة فيما يسكن العاصمة 26 مليون نسمة. أسم المدينة هو:
Guadalajara.
ولسهولة لفظها ، يستحسن تجزئتها كالآتي:
Guada La Jara
علما بأنهم يلفظون حرف (جَيْ) الأول من الكلمة الأخيرة: خاء.
في الطريق إلى الفندق ، جذبت إنتباهنا نظافة المدينة المتميزة على الرغم من مظاهر الأبنية التي تدل على فقرها وقدمها. لاحظنا أيضا أن شركة وطنية واحدة تمتلك حقوق محطات تعبئة البنزين وتتواجد فروعها في كل زاوية من زوايا المدينة . أخبرني أحدهم أن الشركة الحكومية تحتكر توزيع وتجهيز المواطنين بالوقود وأنهم قلقون حاليا حيث سيتم إصدار قوانين تسمح بدخول الشركات الأجنبية إلى سوق إنتاج البترول وتوزيعه وهو أمر سيسمح للشركات الأجنبية بالسيطرة على موارد الوطن الطبيعية على قلتها. لاحظت أيضا أن بعض الأبنية لها قباب صغيرة مشابهة لقباب الجوامع والمساجد ولأول وهلة ظننت أنها كذلك لكن أحدهم أخبرني بأنها دلالة (ربما) على أن المبنى يستخدم للبغاء وبمستويات عالية من الخدمة!!.
كانت مهمة التعرف على معالم المدينة صعبة للغاية خاصة وأن مرافقنا كان سائق السيارة الذي رافقنا طوال فترة الزيارة. كان رجلاً أنيقا يعتني بهندامه وسيارته بنفس المستوى وكان حريصا على خدمتنا بشكل فاق ما توقعناه ، لكنه لم يكن يتقن غير الإسبانية عدا بعض الكلمات الإنكليزية البسيطة التي لا تتعدى الـ نعم والـ لا، لكننا تمكنا من التواصل عبر الإشارات في بعض الأحيان.
لدى المكسيكيين عادات وصفات كثيرة في مختلف أمور الحياة تتشابه مع عاداتنا وتقاليدنا مع فروقات بسيطة في التطبيق ربما. فأبنيتهم فيها ذوق وتطبيقات أندلسية ، وهم كرماء مع ضيوفهم وكأنهم يطبقون المثل : يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل. الكثير من العادات والترتيبات التي صحبت مراسيم الزواج كانت قريبة من عاداتنا مع بعض المتغيرات البسيطة.
كان حفل الزواج رائعاً من ناحية الترتيب والتهيئة له ، حيث أستمتع الحضور بعزف فرقة "المرياجي" وهو أسم الفرق الموسيقية الإسبانية التي يرتدي فيها العازفون زيا موحداً على الغالب بدلات سوداء مرصعة بالفضة ويرتدون القبعات العريضة. كما فوجئنا بفرقة موسيقية تتألف من أربعة عازفين من الشباب قاموا بعزف مقطوعات موسيقية عراقية صميمة لأغانٍ غناها المطرب إلهام المدفعي والمطرب كاظم الساهر بآلات موسيقية عربية. الغريب أنهم مكسيكيون ولاعلاقة لهم بالعرب أو العراق من قريب أو بعيد! سألت عازفة منهم فقالت أنهم فقط معجبون بالموسيقى العربية!
يحترم المكسيكيون مشروبهم الوطني – تاكيلا – ويتناولونه بكثرة ولديهم منه مئات الأنواع ويصنع هذا المشروب من نبتة تشبه نبتات الصبير الموجودة في أستراليا أو ربما من نفس سلالتها. حيث قمنا بزيارة لمزارعها وشاهدنا عن قرب كيفية زراعتها والعناية بها وقلعها وخزنها وتقطيرها.
بعد حفل الزواج ، تمت دعوتنا من قبل عائلة العروس لتناول العشاء في أحد أرقى مطاعم المدينة. كان مطعما جميلاً فعلاً. كانت أغلب الاكلات التي وضعت أمامنا غريبة في شكلها وأنواعها ولم نكن نعرف ماهيتها ومن أين وكيف نبدأ. تبرع أحدهم لإلقاء الضوء على بعض الماكولات والتي كان من بينها ، لحم الجراد ، وبيض النمل وأخيرا دودة القز!
كنا نتناول وجبة أفطار صبيحة أحد الأيام في مطعم الفندق وكان رئيس جمهورية المكسيك السابق مع عائلته يتناول الأفطار على مائدة لا تبعد عنا سوى بضعة أمتار دون حماية أو مرافقين. أستغربنا ذلك وبدأنا بمناقشة الفرق بين مسؤوليهم ومسؤولينا وكذلك ميزات الأنظمة الديمقراطية عن غيرها من الأنظمة. وعندما خرجنا من المطعم إلى خارج الفندق وجدنا مالم نتوقع. كان هنالك عدد كبير من المسلحين المدججين بأسلحة حديثة وأوتوماتيكية يقفون في كل زاوية من زوايا بناية الفندق مع عدد آخر من الرجال بأزياء مدنية بدت مسدساتهم واضحة للعيان. كان هنالك أيضا عدد من السيارات المسلحة بأسلحة أوتوماتيكية موزعة في الشارع. أستغربت هذه الحالة المخيفة فأخبروني بأنه في خطر حيث كان محارباً شرساً لعصابات المخدرات التي تشتهر بها المكسيك وهو مطلوب لها. !!
-;--;--;-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة -هيومن رايتس ووتش- توثق إعدام 223 مدنيا شمال بوركينا ف


.. بعد فض اعتصام تضامني مع غزة.. الطلاب يعيدون نصب خيامهم بجامع




.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د