الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 17

سلام ابراهيم عطوف كبة

2014 / 10 / 17
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!


-;- ابراهيم كبة واسهاماته في اثراء الفكر الاقتصادي في العراق
-;- د.عصام عزيز شريف والاتفاقية الاقتصادية العراقية – السوفييتية عام 1959
-;- الاقطاع في العراق
-;- تصريحات الدكتور ابراهيم كبة الى مراسل وكالة انباء المانيا الديمقراطية في 3 تموز 1961


-;- كتب ابراهيم خليل العلاف في موقع الحوار المتمدن العدد 3808 التاريخ 3/8/2012 دراسة معنونة"ابراهيم كبة واسهاماته في اثراء الفكر الاقتصادي في العراق"،جاء فيها:"الدكتور ابراهيم كبة، لم يكن استاذا في علم الاقتصاد فحسب،بقدر ماكان مفكرا اقتصاديا،وصاحب مدرسة نضالية تقدمية في الاقتصاد والفكر الاقتصادي.ٌاختير وزيرا للاقتصاد في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958 وسقوط الحكم الملكي،وأسهم في كل قراراتها الاقتصادية وخاصة في مجالات النفط والتخطيط والاتفاقيات الاقتصادية،ورفع مستوى معيشة الفقراء من الناس.كتب العديد من المقالات والدراسات حول النهوض بالاقتصاد العراقي،وكان اقتصاديا فذا له اراء ناضجة في مجال الاقتصاد العراقي ومفاصله.
من آل كبة المعروفين بتوجهاتهم الوطنية،والعروبية،والانسانية.ولد سنة 1919 وتوفي سنة 2004.وبين هذين التاريخ،كانت حياته حافلة بالمنجزات الفكرية الاقتصادية والسياسية.درس في مدارس بغداد ودخل كلية الحقوق وتخرج فيها سنة 1941،وسافر الى القاهرة،ودخل جامعتها،ونال دبلومين احدهما في القانون العام،والاخر في الاقتصاد 1946-1947 .الاستاذ الدكتور ابراهيم كبة،علم بارز في العراق والعالم العربي والعالم.وقد عرف بتوجهاته الفكرية التقدمية،وكان من الذين نشروا المنهج المادي الجدلي،وبشروا بالفكر الاشتراكي اليساري في العراق،مع مراعاة للخصائص العربية الاسلامية في مجال الفكر الاقتصادي.
ومنذ تعيينه استاذا في جامعة بغداد،وتوليه سنة 1953 تدريس مادة تاريخ المذاهب الاقتصادية،واسهامه في تحرير مجلتي الثقافة الجديدة والثقافة (العراقيتين) ذواتي التوجه التقدمي والفكر العلمي النضالي الحديث وهو يغذ السير بأتجاه ترسيخ مفاهيم وقيم جديدة في الساحة الفكرية العراقية المعاصرة.وقد تعرض بسبب توجهاته الى عنت الحكم الملكي الهاشمي وما بعده فعلى سبيل المثال فصل سنة 1954 مع مجموعة من ابرز اساتذة جامعة بغداد.كما اعتقل بعد سقوط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في شباط 1963 .ولم يفت ذلك من عضده بل خرج مرفوع الرأس شامخا يدرس طلبته ويشرف على اطروحاتهم ويجاهر بفكره اليساري التقدمي.
له كتب ودراسات ومقالات كثيرة أحصاها ولده الاستاذ سلام،ومن كتبه:وجهة القومية الحديثة – 1941.روح العصر – 1945.تطور النظام الاقتصادي – 1953.المفاهيم الاساسية للاقتصاد العلمي – 1953.نظرية التجارة الدولية - 1953.أزمة الفكر الأقتصادي - 1953.أزمة الفلسفة البورجوازية – 1953.معنى الحرية – 1954.تشريح المكارثية – 1954 .المذهب السوفياتي في القانون الدولي – 1956 . أضواء على القضية الجزائرية – 1956 . أزمة الاستعمار الفرنسي – 1956. النفط والازمة العالمية – 1956 . الاقطاع في العراق – 1957 . العراق والوحدة الاقتصادية – كراس - 1959. حول بعض المفاهيم الاساسية في الاشتراكية العلمية – 1960 . انهيار نظرية الرأسمالية المخططة – 1960.الماركسية والحرب الامبريالية - 1960.البراغماتية والفلسفة العلمية – 1960.الجزائر وقضية الشعب الفرنسي – 1960.الامبريالية – 1961.تشريح الكوسموبوليتية – 1961.محاضرات في التاريخ الأقتصادي – 1967.هذا هو طريق 14 تموز – دفاع ابراهيم كبة امام محكمة الثورة – 1969.محاضرات في تاريخ الأقتصاد والفكر الاقتصادي – 1970.محاضرات في تاريخ الأقتصاد والفكر الاقتصادي – الطبعة الثانية – 1973.الرأسمالية نظاما – 1973.مشاكل الجدل في الرأسمال لماركس – 1979.
أما مقالاته ودراساته وبحوثه فمنها :
1. عبء الاثبات في القوانين – الحقوقي – 1940 .
2. نظرية القانون الصرفة – الثقافة الجديدة – 1954 .
3. ازمة النظام الكولونيالي - الثقافة الجديدة – 1954 .
4. حول مؤلف عن تاريخ العراق الحديث - الثقافة الجديدة – 1954 .
5. حول المعاهدات غير المتكافئة - الثقافة الجديدة – 1958 .
6. سياسة الجمهورية العراقية الاقتصادية – مجلة الكمرك – 1959 .
7. الكينزية كمنهاج اقتصادي للرأسمالية المنظمة - الثقافة الجديدة – 1960 .
8. مذكرة السادة مصطفى علي وجماعته - دراسات عربية - عدد أكتوبر – 1966.
9. الفكـر الرجعـي في العـراق – دراسة غير منشورة - 5/5/1967 .
10. نصيحة للحكام الجدد - من اجل حل سلمي لأزمة الحكم في العراق - 3 /8/1968
11. ملاحظات عامة حول مادة التاريخ الأقتصادي – مجلة الاقتصاد والعلوم السياسية – 1969 .
12. لانكة والمادية التاريخية - الثقافة الجديدة – 1969 .
13. بعض التقييمات الماركسية للكينزية - الثقافة الجديدة – 1969 .
14. من نظريات الدورة الاقتصادية – مجلة الجامعة المستنصرية – 1970 .
15. حول النظرية العامة لكينز – مجلة الجامعة المستنصرية – 1970 .
16. حول نظرية شتايرمان – الاقتصادي – 1970 .
17. تحليل شومبيتر للفكر السكولائي – الاقتصادي – 1970 .
18. اوليات حول الدورة الاقتصادية – المثقف العربي – 1970 .
19. نظرية كوفوليف حول مرحلة الانتقال للعبودية - المثقف العربي – 1970 .
20. حول طبيعة النظام الاقطاعي - المثقف العربي – 1970 .
21. استعراض نقدي للادب الاكاديمي المعاصر حول مادة التاريخ الأقتصادي - الاقتصادي – 1970 .
22. حول نظرية القيمة الماركسية – الاقتصادي – 1970 .
23. الاقتصاد الكينزي – الاقتصاد – 1971 .
24. موريس دوب ومفهوم التراكم البدائي للرأسمال – الاقتصادي – 1971 .
25. حول مفهوم رأسمالية الدولة الاحتكارية – الاقتصاد – 1971 .
26. حول العلاقة بين الماركسية والفيزيوقراطية – الاقتصادي – 1971 .
27. الاقتصاد الماركسي والادب الالماني المعاصر– الاقتصاد – 1971 .
28. هنري دني وموضوعة عدم اكتمال رأسمال ماركس – الاقتصادي – 1971 .
29. هكس ونقاده المحافظون – الاقتصاد – 1971 .
30. في الادب الاقتصادي السوفياتي – الاقلام – 1971 .
31. هكس ونظرية التاريخ الأقتصادي – الاقتصاد – العدد 13 - 1971 .
32. حول تحليل ماركس لنمو المتناقضات داخل الظواهر الاقتصادية – الاقتصادي – 1972 .
33. نظرية النمو في الاقتصاد الاشتراكي – الاقتصاد – 1972 .
34. دني وتاريخ الفكر الأقتصادي – الاقتصاد – 1972 .
35. اقتصاديات الامبريالية – الاقتصاد – 1972 .
36. الانتقال نحو الاقتصاد الاشتراكي – الاقتصاد – 1972 .
37. القومية والرأسمالية في البيرو – الاقتصاد – 1972 .
38. اشكالية الاقتصاد الانتقالي – الاقتصاد – 1972 .
39. حول كتاب الرأسمالية نظاما – الاقتصاد – 1972 .
40. ضوء جديد على مشكلة العلاقة بين الدين ونشوء الرأسمالية - – الاقتصاد – 1973 .

كتب عنه ولده الاستاذ الفاضل سلام ابراهيم كبة،الكثير من المقالات. وقد أفدنا منها .كما كتب عنه كثيرون وكل من كتب عنه،يؤكد بأن الاستاذ الدكتور ابراهيم كبة واحد من أبرز المفكرين الاقتصاديين العراقيين والعرب.وقد كان له دور مهم في ترسيخ الافكار الاشتراكية،وتنمية الوعي اليساري في العراق.ولم يكن الرجل قابعا في برجه العاجي كأستاذ جامعي ، وانما كان منغمسا في الحياة العامة درس وحاضر وكتب وترجم وعلق وناقش وجادل وحلل واستنتج ووضع نظريات مهمة لاتزال تدرس في المعاهد والكليات الاقتصادية العراقية والعربية والعالمية .
كان الاستاذ الدكتور ابراهيم كبة فوق هذا وذاك انسانا كريما ،ومربيا فاضلا ، شجاعا نبيلا متواضعا التف حوله طلبته وزملائه وقمين بنا ان نظل نذكره فلقد ترك بصمة واضحة ليس في تاريخ الفكر الاقتصادي العربي المعاصر فحسب ، وانما في التاريخ العراقي والعربي المعاصر . " انتهى.

هذه دراسة حديثة كتبت عن الدكتور كبة!ويبدو ان العلاف يحاول قسرا ومن العدم خلق "خصائص عربية اسلامية في مجال الفكر الاقتصادي"واقحامها في فكر الدكتور كبة!مثلما ورد في المقطع التالي"وكان من الذين نشروا المنهج المادي الجدلي،وبشروا بالفكر الاشتراكي اليساري في العراق،مع مراعاة للخصائص العربية الاسلامية في مجال الفكر الاقتصادي"!
لم يكن كبة بعثيا ولا عروبيا ولا دعوجيا ولا دينجيا،ومن الذين فندوا ما طبل له الاسلام السياسي والبعث العربي الاشتراكي معا لمفاهيم من قبيل "الاقتصاد الاسلامي"و"الاقتصاد العربي"و"الاقتصاد المسيحي"و"الاقتصاد الكردي"و"الاقتصاد الشيعي"و"الاقتصاد العربي الاسلامي"!كلها عند الدكتور ابراهيم كبة مصطلحات طوباوية واوهام من نسج الخيال لا وجود لها في عالم الاقتصاد الواقعي.فالاقتصاد الاسلاموي طرائقية آيديولوجية تسعى الى تضليل الناس الذين يدخلون في دوامة الاحلام بتحقيق العدالة الاجتماعية!وهذا لا يمنع من القاء الضوء على سعي الاسلام الى تحقيق الكرامة الانسانية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بغض النظر عن نمط الانتاج السائد.
عند الدكتور ابراهيم كبة لا يوجد اقتصاد اسلامي،لكن يوجد "اقتصاد المسلمين"باعتبارهم مجموعة بشرية تمارس نشاطا اقتصاديا مصنفا في اطار احد انماط الانتاج المعروفة- عبودية،اقطاعية،رأسمالية ليبرالية او وحشية،اشتراكية.ووجب التمييز بين العقيدة التي تستلزم الثبات على الايمان والتشبع بالفضيلة والقيم النبيلة وبين العلاقات التي تربط بين الناس،سواء كانت تلك العلاقات اقتصادية او اجتماعية او ثقافية او سياسية،وهي علاقات معرضة لمختلف المؤثرات الجغرافية والتاريخية!التمييز بين الاسلام عقيدة وشريعة وفقه وبين ما للمسلمين من انظمة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والقوانين الوضعية وما يخططونه لتحقيق مستقبلهم.
وما دام "العلاف" قد استفاد واستمتع من كتابات سلام ابراهيم كبة في موقع الحوار المتمدن،لا ضير ان نحيله الى دراسة اخيرة له بعنوان"ثورة 14 تموز 1958 المجيدة والاقتصاد الاسلامي"ومما جاء فيها:"رغم ان الاسلام الراديكالي يقدم للشبيبة المدينية التي سدت طرق حراكها الاجتماعي واحبطت آمالها مكافآت مغرية:العودة الى طريق الحياة الطهرانية المساواتية وتخفيض التوترات والمرارات وتقليص الفجوة الاجتماعية بالأخذ من الثري واعطاء الفقير!فأن النظام الاقتصادي الاسلامي يفتقر حقا الى المبادئ الفقهية المناصرة للطبقات المسحوقة كما فشل في تمثيل مصالح البازار بسبب المحظورات والتحريمات ومثبطات الوازع الديني،والفعاليات الاقتصادية الفردية تفقد حريتها واطمئنانها مع حق سيادة الدولة الاسلامية!وفي الاقتصاد الاسلامي تتحكم العقيدة في المصلحة الاقتصادية لتتفاوت المبادئ الاقتصادية تبعا للدين والتمذهب!"
هنا نتسائل فعلا:"هل من وجود لمصطلح"اقتصاد سياسي اسلامي او قومي عروبي"او لنظرية اقتصادية عربية اسلامية،تفسر وتهئ لقيام "نظام اقتصادي اجتماعي"مختلف نوعياً عن "الرأسمالية" و"الاشتراكية" في مستهل القرن الحادي والعشرين؟اهذه المصطلحات غير دقيقة من وجهة نظر الاقتصاد السياسي!ويقف الزمن ضد المحدودية الدينية القومية ومحاولات ارجاع التاريخ الى الوراء بأختلاق خرافات دينية عروبية جديدة ومتجددة او اسلمة وتعريب وتكريد المظاهر العصرية،والعقائد الدينية على الاطلاق تمتلك اطر جامدة ضيقة تماما!فالعودة الى الماضي والبدائل الاسلامية ردود افعال على التخلف ودليل عمق ازمة المجتمعات المتخلفة!التخلف والبدائل الدينية القومية يرتبطان بعلائق تاريخية!
الاقتصاد السياسي علم يعني بدراسة تطور علاقات الانتاج الاجتماعية بين الناس،اي العلاقات الاقتصادية بينهم،ويكشف عن القوانين التي تحكم انتاج الخيرات المادية وتوزيعها في المجتمع البشري في مختلف مراحل تطوره،ودراسة علاقات الانتاج في تفاعلها مع قوى الانتاج،وعلاقات الانتاج في تفاعلها مع البناء الفوقي اي مع الآيديولوجيات والنظرات والمؤسسات السياسية،والقوانين الاقتصادية الخاصة بمختلف انماط الانتاج المعروفة في التاريخ.والاقتصاد السياسي لا يعني ابدا بالانتاج بل بالعلاقات الاجتماعية بين الناس في الانتاج وبالنظام الاجتماعي للانتاج!

ارتبطت بثورة 14 تموز المجيدة 1958 وانقلاب 14 رمضان الاسود شخصيات من آل كبة،في مقدمتهم الدكتور ابراهيم كبة!والشيخ محمد مهدي كبة!الأول تولى المناصب الوزارية اثر الثورة وكان المهندس الفعلي للسياسة الاقتصادية لها!والثاني شغل عضوية مجلس السيادة بعيد الثورة،وكان قوميا محافظا اسس نادي المثنى في العهد الملكي"وهو النادي الذي اعتبره البعث حاضنتهم"،وتزعم حزب الاستقلال وآثر اعتزال السياسة والانصراف لكتابة مذكراته منذ عام 1960 وتوفى عام 1984 بعد ان اذاقه البعث الأمرين!!
في الطرف المقابل شغل صالح كبة حقيبة وزارة المالية اثر انقلاب رمضان الاسود ومحافظا للبنك المركزي العراقي في زمن الأخوين عارف،بينما كان القانوني والحقوقي منذر كبة قائدا لزمرة من زمر الحرس القومي الفاشية التي اعتقلت الدكتور ابراهيم كبة"الدكتور كبة هو خال منذر"!اما سعدية كبة فكانت عقيلة حازم جواد احد كبار اركان انقلاب رمضان!علما ان معظم الذين شاركوا في الانقلاب الاسود قد ادانوه فيما بعد،عبر المذكرات والارشفة التاريخية!عدا زمرة البكر – صدام وزبانيتهما!وأقروا بوقوف المخابرات المركزية الاميركية وراءه!


-;- يؤكد د.عصام عزيز شريف في رسالة الى الكاتب حول الاتفاقية الاقتصادية العراقية – السوفييتية عام 1959"..لم تكن طريقة الحساب بالروبل آنذاك المشكلة،ولم تكن التكنولوجيا السوفياتية المتدنية هي الآخرى المشكلة!انما كانت المشكلة هي ظهور قوة متحدية للامبريالية مدت يدها الى الشعوب المسحوقة لنيل الاستقلال السياسي والاقتصادي،ومن اراد نيل الحرية عرف كيفية الاستفادة من هذه الفرصة التأريخية،وقد احسنت ثورة 14 تموز المجيدة ووزير الاقتصاد آنذاك الدكتور ابراهيم كبة فهمها وحاول الامساك بها،ومن اراد ان يبقى ذليلاً تفنن في كيفية بتر هذه اليد التي امتدت لمساعدته.
بالتكنولوجيا السوفياتية تسنى للصين بناء صناعاتها،ولمصر بناء السد العالي.وبالتكنولوجية الحربية السوفياتية هزمت الفيتنام الولايات المتحدة ونالت سيادتها الوطنية.ويكفي النظر الى التدهور الذي وصلت اليه مصر لنفهم الى اين تقود الآيديولوجية المتعفنة التي يتبجح بها الاغبياء المنتقدون لابراهيم كبة المهندس الاقتصادي لثورة 14 تموز.فهؤلاء يجهلون حقيقة تحريم الغرب آنذاك لعمليات نقل التكنولوجيا في مجال الصناعات الاستراتيجية كالحديد والصلب والصناعات الميكانيكية والكهربائية الى البلدان النامية!فعملية نقل التكنولوجية كانت هي جوهر المعاهدة السوفياتية التي يحاولون الانتقاص منها،ويحاولون طمس عملية نقل التكنولوجيا بواسطة الاتفاقية المذكورة من خلال تصوير الموضوع بكونه عملية نهب.فبعرقلة عملية نقل التكنولوجية في الصناعات الاستراتيجية اريد عرقلة عملية التنمية الاقتصادية.ولنفس السبب رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي.
الصراع كان يدور حول عملية نقل التكنولوجيا.وعلى الاغبياء مراجعة الاضابير الخاصة بمشروع الحديد والصلب في وزارة التخطيط للوقوف على اساليب العملاء التي اتبعت من اجل عرقلة اقامته.ومن اجل فهم دور الاتحاد السوفياتي في عملية نقل التكنولوجيا من الضروري مراجعة كيفية تطويره للقدرات العراقية على استخراج النفط مما تسنى للعراق التحرر من قبضة الاحتكارات النفطية.هذا هو جوهر الموضوع.
كلفة المشاريع المتضمنة في المعاهدة لم تكن المشكلة،فمجموع تكاليف جميع مشاريع المعاهدة لم يتجاوز تكلفة مشروع واحد من ابسط المشاريع الاساسية لما يسمى بالتنمية الانفجارية،اذ كانت كلفة المشروع الواحد من مشاريع التنمية الانفجارية تضرب بالمعامل 3.فلماذا لا يتكلم هؤلاء الاغبياء عن نهب الشركات الغربية عن طريق هذه التنمية الكاذبة،ولماذا لا يتكلمون عن تكاليف مشروع المفاعل الذري الذي ضرب ايضاً بالمعامل 3،وتم تفجيره بعد قبض المبالغ المخصصة؟وقد اثبت بأن الفرنسيين هم الذين قاموا بالتفجيرات من الداخل اثناء القصف الاسرائيلي،لأن قلب المفاعل لم يكن آنذاك قابل للنيل بواسطة القذف الخارجي.ولماذا لا يتكلمون عن عملية نقل التكنولوجيا الغربية في مجال انتاج اسلحة الدمار الشامل التي كلفت بالمليارات،هذه الاسلحة التي استخدمت اولاً في الحرب مع ايران،وفيما بعد كذريعة لتدمير كردستان والعراق؟!..."


-;- الاقطاع في العراق/ بين نوري السعيد وخبراء "العالم الحر"

عام 1957 صدر عن د.ابراهيم كبة كراس"الاقطاع في العراق/ بين نوري السعيد وخبراء العالم الحر"،عالج فيه آراء اللورد سولتر،المستر كوك،البروفسور مور،السيدة وورنر،الاستاذ رولان..واهداه الى المناضلين عن الحرية والحقيقة في كل زمان ومكان!نستعرضه محاولين الالتزام بترتيبه وفهرسته!


المراجع الاجنبية المشار اليها في البحث
1. Cooke:- Challenge And Response In Middle East – NewYork – 1952.
2. S. Moor:- The Critique of Capitalist Democracy - NewYork – 1957.
3. Rolin :- Introduction A L”Etude Des Problemes Du Moyen Orient – Paris- 1956.
4. Lord Salter:-The Development of Iraq- London- 1955.
5. D. Warriner:- Land Reform And Development in The Middle East- London- 1957.
6. Ibid:-Land And Poverty in The Middle East- London- 1948.
مقتطفات

الاقطاع والحياة النيابية
"وكان بيننا وبينكم اقطاع استشرى خطره واستفحل ضرره،لم يكتف بأن يملك الارض وانما اراد ان يضم الى ملكية الارض ملكية البشر،وكان لابد ان ينتهي هذا الاقطاع ويزول حتى نستطيع ان نلتقي بكم"
من خطاب جمال عبد الناصر امام مجلس الامة المصري 23/7/1957

الاقطاع والثورة المصرية
"ولابد من قوة تقضي على الاقطاع قضاء مبرما لتستطيع بعد ذلك ان ترفع من مستوى الشعب ومعنوياته،وتزيل منها آثار الخضوع والخنوع والاستسلام والخوف"
انور السادات
عن اسرار الثورة المصرية
القاهرة - 1957

الاقطاع والدين
"سادتي .. ان مسافة الخلف بين الدين والاقطاع بعيدة جدا.فالدين عدل ورخاء،والاقطاع جور وشقاق.الدين حرية وسلام،والاقطاع عبودية وعداوة.الدين كد وعمل،والاقطاع تبطل ونهب.الدين سياج للفضيلة،والاقطاع تحد لكل فضيلة.الين يقول للناس ليس فوقكم سوى الله،والاقطاع يقول للناس انا ربكم الاعلى.الدين صيحة منقذة،والاقطاع وطأة مميتة.الدين يقول للناس:خذوا،والاقطاع يقول للناس :هاتوا،فكيف يلتقيان؟!"
خالد محمد خالد
عن"الدين في خدمة الشعب"
القاهرة – 1953

الاقطاع والاستعمار
"ان الاقطاع حليف الاستعمار وشريكه في الاستعباد الاقتصادي..ولا يسوغ الدفاع عنه بحجة محاربة الافكار المتطرفة اليسارية او بحجة حرب الطبقات".
عبد الرزاق الظاهر
عن"الاقطاع والديوان في العراق"
القاهرة – 1946

الاقطاع والمجتمع العراقي
"..او بكلمات اخرى ان النظام الاقطاعي في العراق هو اكثر من مجرد نظام للعلائق الاقتصادية،انه العمود الفقري لمجموع البناء الاجتماعي الذي تقوم عليه الانظمة والمؤسسات الاخرى،من اجتماعية وسياسية وثقافية وحتى الدينية".
هاشم جواد
عن "البناء الاجتماعي للعراق"
القدس – 1945


(1)
بين فخامة السعيد والخبراء

بتاريخ(1) 18/5/1957 عقد فخامة السيد نوري السعيد مؤتمرا صحفيا دعا اليه عددا غير قليل من مراسلي الصحف الغربية ووكالات الانباء العالمية.وقد تطرق في النقطة الاولى من تصريحاته الى النظام العشائري الاقطاعي في العراق،فأثنى عليه واشار بدوره التقدمي في تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية ووصفه بالعبارات الآتية:
"في النظام العشائري يعتبر شيخ العشيرة او القبيلة بمثابة الأب او المدير لشؤون تلك العشيرة في المنطقة التي يعيش فيها،وهو يتحمل بعض من المسؤوليات ويهتم بتقدم الري والزراعة وزيادة المحصول ليزيد من ايراداته.وقد اخذت الحكومة منذ سنة 1925 تضع القوانين لتنظيم العلاقات بين شيخ العشيرة والافراد الذين يعملون في فلاحة الارض،وشجعت هؤلاء الشيوخ على نصب المضخات واستثمار الاراضي الزراعية،وجعلت هناك اساسا لتقسيم الحاصل بين الشيخ واصحاب الارض حيث يتناول كل منهما 50%.ويكون الشيخ مسؤولا عن تأدية الضرائب والرسوم كأي فرد أخر من الافراد الذين يحصلون على ايرادات،وعندما يموت الشيخ توزع اراضيه بين ابنائه وورثته الآخرين.وهكذا في جيل واحد ستتحول الملكيات الكبيرة الى ملكيات صغيرة،غير ان الشيوعية لم تلبث ان وجدت لها في هذه الناحية مجالا فراحت تثير الفتن وتحرض افراد العشائر ضد رؤسائهم،مع العلم ان هؤلاء الرؤساء يعملون على اعمار البلاد وزيادة الانتاج.وعلى هذا اترك لكم الحكم فيما اذا كانت الاقطاعية موجودة فعلا ام هي خدعة شيوعية لتعكير صفو العلاقات بين العراقيين انفسهم وبين الشيوخ وعشائرهم".
من حق السيد نوري السعيد،وربما كان من واجبه الادبي ايضا،ان يشيد بالنظام العشائري وان يثني على دوره التقدمي في اعمار البلاد وتطويرها،وان يؤكد على مسؤوليات الشيوخ في خدمة الصالح العام..الخ.فهذا النظام هو من دون شك ركيزة اساسية من ركائز نظام الحكم الذي يسنده ويستند اليه السيد السعيد:وقد اجمع على ذلك جميع المعلقين السياسيين الغربيين،على اختلاف اتجاهاتهم ونزعاتهم،وأخر ما يمكن الاستشهاد به في هذا المجال،مقال مجلة (التايم) الامريكية عن حياة (الباشا)(2)،ومقال المستر جونستن عن الاوضاع في الشرق الاوسط في مجلة (نيوستستسمان)الانكليزية في 6 تموز 1957.ولكن الذي يدعو للاستغراب والدهشة ان يبلغ الامر بفخامة السعيد الى انكار وجود النظام الاقطاعي اصلا والى الزعم بأنه مجرد مكيدة شيوعية!
وبالرغم من ان النظام الاقطاعي حقيقة اجتماعية* قائمة في العراق بكل بشاعتها وفظاعتها،وهو يكون الاساس الاول للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية في الحقل الزراعي والمصدر الاساسي لاستغلال 60% الى 80% من ابناء الشعب العراقي الذين يعيشون بصورة او بأخرى على الانتاج الزراعي في العراق،والركيزة الاساسية بعد الاستعمار للتأخر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي في البلاد،والعقبة الكأداء التي تعترض تطبيق النظام الديمقراطي البرلماني المنصوص عليه شكلا في الدستور،والمفسد الاساسي للحياة التشريعية والادارية والقضائية في البلاد،والدعامة التي لا غنى عنها لتنفيذ سياسة الاستعمار وضمان تغلغله وتسميمه لسائر اوجه الحياة العامة في الوطن،نقول بالرغم من هذه الحقائق المؤلمة البديهية التي لا تحتاج لبيان،فقد رأينا ان نستشهد ببعض اقوال الخبراء والكتاب الغربيين من المعروفين بميولهم الغربية الصرفة وعدائهم القاطع للشيوعية لا لغرض دراسة علمية للنظام الاقطاعي في العراق بل لمجرد تقديم طائفة من آراء خبراء الغرب،وهي كلها مجتمعة على حقيقة قيام النظام الاقطاعي في العراق،وعلى دوره الاساسي في تردي الاوضاع العامة في البلاد،وعلى دخوله دور التفسخ والانحلال نتيجة فقدانه وظائفه الاجتماعيةالاقتصادية التقليدية بعد ظهور قوى جديدة نامية في المجتمع العراقي بالرغم من تشبث الاستعمار والطبقات السائرة في ركابه بكل الوسائل المصطنعة لدعمه واسناده ومنع سقوطه بما في ذلك القوة المادية الصرفة.
يؤكد اللورد سولتر وهو الخبير البريطاني المحافظ الذي استقدمته الحكومة لدراسة مشاكل الاعمار في العراق في تقريره المعروف عن"اعمار العراق/1955"على الطبيعة الاقطاعية للنظام العشائري في العراق فيقول:"بأن الملاكين الكبار هم في الغالب من شيوخ العشائر الذين تقوم علاقاتهم مع العمال الزراعيين على اساس اقطاعي"ثم يؤكد بعدها على فقدان هذا النظام وظائفه التقليدية فيقول:"ان الشيوخ يصرفون قسما كبيرا من اوقاتهم خارج اراضيهم،ولم يعودوا يقومون بالكثير من الواجبات التقليدية التي يفترضها النظام العشائري".وبعدها يتطرق الى نفوذ هذه الطبقة الاقطاعية على الحياة التشريعية في البلاد فيقول:"ان الحكومة القائمة كانت تشعر عادة بأن التشريعات الجديدة حول ملكية الارض يجب ان تبقى ضمن الحدود التي لا يمكن ان تلقى مقاومة فعالة من كبار الملاكين"ومن ثم يتطرق الى تردي اوضاع الفلاحين نتيجة هذا النظام فيكتب:"ان الفلاح لا يهمه في الواقع الا سد الرمق فهو يزرع ويحصد ويربي الحيوان لمجرد اعالة نفسه وافراد عائلته"و"ان في العمارة فقط يوجد 29 مقاطعة تزيد مساحة كل منها على العشرين الف مشارة"و"انه يوجد حوالي 25000 ملاك لا تزيد مساحة ارض الواحد منهم على الاربعة مشارات فقط ، بينما يوجد حوالي 100 شخص فقط تزيد مساحة اقطاعيات كل منهم على 20 الف مشارة"(3).
هذه طائفة من آراء اللورد سولتر الذي لم يكتف في تقريره بمهاجمة الشيوعية والشيوعيين،بل هاجم كل سياسة اقتصادية اصلاحية تقوم على فكرة التوجيه والتخطيط الاقتصاديين،وكتب تقريره بروح استعمارية مكشوفة وبمفاهيم كلاسيكية عفى عليها الزمن منذ اكثر من قرن،ومع ذلك فلم يبلغ به الامر الى حد نكران وجود النظام الاقطاعي او الثناء عليه.
اما عن سياسة الحكومة في الاصلاح الزراعي وتشريعاتها المختلفة لحل مشكلة الارض،فمن البديهيات التي يعرفها كل مواطن ان هذه التشريعات بوجه خاص،وسياسة الدولة بوجه عام،لم تحاول ان تعالج الاوضاع الاقطاعية معالجة جذرية بل على العكس كانت دائما تعترض نمو وتطور القوى الاجتماعية الكفيلة وحدها بالقضاء على الاقطاع،وخاصة البورجوازية الوطنية والتنظيمات الفلاحية والعمالية والنظام الديمقراطي عامة.
يقول دبلوماسي امريكي هو المستر(كوك)درس مشكلة الارض في العراق دراسة وافية في كتابه"التحدي والاستجابة في الشرق الاوسط- نيويورك 1952"عن قوانين التسوية العراقية ما يلي:"منذ ابتداء عام 1932 شرعت السلطات العراقية في حل مشكلة الارض على اساس الملكية الفردية.فكانت النتيجة ان شيوخ العشائر الذين كانوا يقومون سابقا على الاقل حسب القوانين العرفية السائدة بدور الوصي والمشرف على الاراضي المزروعة بشكل تعاوني والخاضعة لحيازة العشيرة المشتركة،اصبحوا الملاكين الوحيدين لأراضي عشائرهم الشاسعة".
وبعد ان يستعرض بعض الوسائل التي ادت الى توسيع اراضي الشيوخ واغتصاب الاراضي الاميرية وطرد الفلاحين من اراضيهم بالجملة ينتهي الى هذه النتيجة التي يلمسها كل عراقي الآن فيقول:"وقد كانت النتيجة النهائية ان نسبة هائلة من الاراضي المزروعة قد تحولت اما لأيدي الشيوخ الذين فقدوا تماما اي دور لهم يتعلق بالاقتصاد الزراعي او لبعض كبار ملاكي المدن** الذين يقتصر دورهم في هذا الصدد على المضاربة والاستغلال للقوة البشرية".
اما عن نفوذ الاقطاع في الحياة السياسية في العراق فيصفه الدبلوماسي الغربي المذكور بالعبارة الآتية:"ان الوزارات والمجالس التشريعية العراقية في عهدي الانتداب والاستقلال معا تسيطر عليها طبقة الملاكين الكبار من ابناء المدن او مشايخ العشائر،والطبقة الحاكمة لم تجد نفسها امام اية ضرورة ملزمة لرعاية مصالح الزراع الذين يؤلفون الاكثرية الساحقة من سكان العراق والذين زادت احوالهم المعاشية منذ انتهاء عهد الانتداب سوءا على سوء".
ولا يمكننا بهذه العجالة استعراض جميع اوجه السياسة التي ادت الى تضخيم املاك الاقطاعيين ومسخ النظام الاقطاعي،وهجرة مئات الآلاف من الفلاحين الى المدن الكبرى وخاصة العاصمة،حيث يكونون اليوم مشكلة اجتماعية من اكثر مشاكلنا الراهنة تعقيدا وخطورة واكبرها اثرا في حياتنا الاجتماعية والسياسية والعمرانية والاخلاقية المقبلة،ويكفي ان نشير،الى جانب قوانين التسوية التي سبقت الاشارة اليها،الى سياسة بيع الاراضي الاميرية الى كبار الملاك والاقطاعيين اثناء الحرب الاخيرة بحجة مقاومة التضخم الاقتصادي،واستيلاء الشيوخ على اراضي الفلاحين الشاسعة تنفيذا لديونهم الفاحشة عليهم،ودخول العامل النقدي في الاقتصاد الاقطاعي دون اداء الخدمات الاقطاعية التقليدية،ودخول المضخات في الزراعة الاقطاعية وحصر استيرادها وبيعها بيد الدولة مما اعفى الشيوخ من بعض مسؤولياتهم الاقتصادية العشائرية فيما يتعلق بأمور الري وحفر القنوات وساعد على وضع هذه القوة الانتاجية الجديدة في ايديهم وحدهم على حساب المنتجين الحقيقيين اي الفلاحين.واخيرا نشير الى سياسة مجلس الاعمار في الحقل الزراعي،وهي سياسة قائمة في جوهرها على استبعاد التصنيع الثقيل للبلد وعلى عدم المساس بالعلاقات الاقطاعية الزراعية،وذلك بوضع مشاريع الري الكبرى وهي التي تستنفد اغلب واردات المجلس في الوقت الحاضر في خدمة الملاكين الكبار الحاليين وحدهم دون ادنى تعرض للعلاقات الاقطاعية نفسها.
اما عن نظام المناصفة الذي يفخر نوري السعيد بأنه ثمرة من ثمرات سياسة الدولة الزراعية فانه اسطورة لا وجود لها في واقع الحياة.ان نظام المحاصة*** القائم فعلا في المجتمع الاقطاعي العراقي هو الوسيلة الاقتصادية لاستغلال الفلاح،وقد ادى الى هذه النتيجة الفاجعة التي تصفها الكاتبة الغربية السيدة دورين وورنر في كتابها"الارض والفقر في الشرق الاوسط – 1948"بهذه العبارات:"ان النظام العشائري فقد كل وظائفه تماما في المناطق التي تروى بالمضخات الزراعية،وقد اصبحت الارض ملكا لصاحب المضخة،ولم يبق لدى الفلاح المزارع الفعلي الا حصة ضئيلة جدا من الحاصل تتراوح بين 1/7 او 1/21 من المجموع.اما في الاراضي التي تروى سيحا فان النظام العشائري في دور التفسخ التام الآن،ولم يبق منه في الواقع الا قمته العليا اي الشيوخ والسراكيل.وان اغلب الوظائف السياسية لهذا النظام كالسيطرة على الري وحفر القنوات واصلاح الثغرات فيجبر الفلاحون والمزارعون على القيام بها بأوامر السركال الذي اصبح يمثل دور الوكيل المطلق للشيخ،وفي ظل هذا النظام يحصل الشيخ مع سراكيله على حوالي 80% من الحاصل".والى هذه النتيجة الاخرى التي يصفها الدبلوماسي الامريكي السابق الذكر بالعبارة الآتية:"بالنظر الى فقدان طبقة الفلاحين اية ضمانات ضد استغلال الملاكين الكبار فمن الجائز الافتراض بأن الاحوال العامة تردت الآن بكثير عما كانت عليه في ايام العثمانيين عندما كان قسم كبير من الدخل الزراعي يوزع بشكل اقرب الى العدالة على سائر افراد العشائر".
والى هذا التردي العام في مستوى الفلاحين الذي يصفه الاقتصادي الفرنسي"رولان"في دراسته"مقدمة لمشاكل الشرق الاوسط – 1956"بالشكل الآتي:"ان 80% من سكان العراق البالغ عددهم حوالي الخمسة ملايين يعملون في الزراعة التي يسودها النظام الاقطاعي،حيث يملك حوالي الالف من الملاكين الكبار ثمانية ملايين هكتار من مجموع 12 مليون هكتار من الاراضي القابلة للزراعة،وحيث تبلغ اقطاعيات بعض الاقطاعيين الاربعين الف هكتار ولا تزيد حصة الفلاحين الذين يزرعونها على 30% من مجموع الحاصل،والواقع ان مستوى حياة هؤلاء هو من دون شك ادنى مستوى معروف في الشرق الاوسط".
ومن الغريب ان يطمئن السيد نوري السعيد الرأي العام العراقي بقرب زوال هذا النظام العشائري الاقطاعي عن طريق الارث وتقسيم الاقطاعيات الكبيرة على الابناء والاحفاد وقد تناسى فخامته ان قرونا سحيقة مضت على نظام الارث دون ان يستطيع ان ينال منالا من النظام المذكور،وان الانظمة والتقاليد العشائرية تحتفظ بالملكيات الكبيرة للابناء الكبار فقط.
والواقع ان الرأي العام الواعي يعلم كل العلم ان السبيل الوحيد للقضاء على هذا النظام الظالم هو تغيير العلاقات الاقطاعية نفسها بتمليك الارض لمنتجها والقضاء على الملكيات الاستغلالية الكبرى في الزراعة،وتوزيع اراضي الدولة على الفلاحين واتباع نظام التعاونيات الزراعية..الخ.وكل هذا مرتبط بالقضاء على الاستعمار وسحق الرجعية وانتصار الحركة الوطنية بمجموعها وتحقيق الاهداف الوطنية الكبرى.

(1) نشر هذا القسم في جريدة اليقضة الغراء بتاريخ 19/7/1957.
(2) عدد 17 حزيران 1957.
* يقول عبد الرزاق الظاهر في هذا الصدد " ام مشكلة الاقطاع .. مشكلة موجودة فعلا،والحوادث والشواهد الكثيرة التي وقعت في الفرات وفي لواء المنتفك وفي العمارة في السنوات العشر الاخيرة كلها ناشئة عم مشاكل التصرف بالاراضي بين رئيس اقطاعي وآخر غريم له،او بين عشيرة تقطن في اراضي مفوضة بالطابو وبين صاحب حق الطابو فتقع الفتن ويقتل الابرياء..كما انها كانت سببا في اتخاذها قالبا للتحزب السياسي وسببا للتدخل في سير السياسة العليا وتأثرها الى حد بعيد بالعوامل الشخصية التي مدار التأثر بها ناشئ عن الصراع بين الرؤساء الاقطاعيين والمساندين لهم من الانتهازيين ومحترفي السياسة..ان الاقطاع حليف الاستعمار وشريكه في الاستعباد الاقتصادي..ولا يسوغ الدفاع عنه بحجة محاربة الافكار المتطرفة اليسارية او بحجة حرب الطبقات"- ص 88.
(3) في الواقع تزيد اقطاعيات بعض شيوخ العشائر على المليون دونم- ومنهم موحان الخير الله،وامير ربيعة،وتبلغ اقطاعيات بعض الاقطاعيين حوالي النصف مليون دونم- ومنهم آل الجريان،وآل الياسين،وآل مرجان(انظر:السيدة وورنر في كتابها الجديد:"مشكلة الارض والاعمار في الشرق الاوسط- لندن،1957،ص 142".
** من الحقائق المعروفة ان الاستعمار البريطاني ساعد لحد كبير جدا على تدعيم النظام الاقطاعي في العراق،وعمد مثلا،"في ظل الانتداب وقبل تركز الحكم الوطني الى ان يجزي الموالين المخلصين له،فوسع عليهم واعفاهم من الضرائب،ومكن لهم في الارض،فنشأت طبقة من الاقطاعيين في الوية العمارة والكوت والدليم والحلة وبأطراف بغداد يتصرفون في مساحات من الاراضي لم يعهد العراق في دور من ادواره ان رآها لفرد من افراده"راجع:عبد الرزاق الظاهر(ص 19).
*** ان نظام المحاصة او ما يسميه بعض علماء الاقتصاد العلميين ب(الاجارة العينية) Rent in Kind هو خصيصة من خصائص النظام الاقطاعي في دور من ادوار تطوره،وهو يمثل مرحلة وسطى بين (الاجارة الكدية) Rent in Labour التي تميز نظام رقيق الارض و (الاجارة النقدية) Rent in Money التي تظهر في نظام الرأسمالية الزراعية- راجع في تمييز هذه المفاهيم- ،كتاب الاستاذ الامريكي ستانلي مور:(نقد الديمقراطية الرأسمالية)- نيويورك،1957،ص 73،مع المراجع العلمية الكثيرة المشار اليها في حاشية الصفحة المذكورة.



(2)
دراسة جديدة لمشكلة الارض والنظام الاقطاعي في العراق

بعد الانتهاء من كتابة هذا التعليق المختصر على بيانات السيد نوري السعيد حول النظام الاقطاعي في العراق،ظهر للاسواق كتاب جديد قيم للكاتبة البريطانية المشار اليها سابقا"دورين وورنر"بعنوان:"اصلاح الارض والاعمار في الشرق الاوسط - 1957".وقد كرست هذه الكاتبة المحترمة القسم الاخير من كتابها لدراسة مشكلة الارض في العراق دراسة عميقة مستفيضة،نفذت فيها – بالرغم من اختلافنا عنها في بعض الآراء – الى جوهر المشكلة الاجتماعية العراقية واقتربت الى حد لا بأس به من التحليل العلمي الصحيح،وان كانت لم تشر صراحة الى الحلول العلمية الناجعة،فبقى طابع التشاؤم ومسحة الياس غالبين للأسف على فصولها القيمة،وقد رأيت تلخيص اهم آرائها للقراء الكرام اتماما للفائدة.
بدأت الكاتبة البريطانية بحثها بذكر الحقائق الآتية عن الاطار العام لمشكلة الارض في العراق:"العراق من البلدان المتخلفة عمرانيا بالمعنى الحرفي للكلمة،فموارده نصف مستغلة،وعدد سكانه قليل وجلهم فقراء،ومجتمعه بدائي وفي طريق الانحلال،واخيرا فان محيطه لم يبدأ بالسيطرة عليه الا الآن فقط.ولاشك ان هذه الظروف العامة مرتبطة ببعضها تمام الارتباط"(4).
وبعد ان تعقد الكاتبة مقارنة خاطفة بين الاقتصاد العراقي والاقتصاد المصري،تشير الى ظاهرتين مهمتين في الاقتصاد العراقي،اولاهما العقبات الطبيعية التي تعترض التقدم الزراعي في العراق خاصة في الجنوب"الفيضانات،قلة المياه في بعض المواسم،تملح التربة"والثانية وفرة رؤوس الاموال الجديدة نتيجة زيادة عوائد النفط.ثم تنتهي الكاتبة بعد دراسة مباشرة لعدد سكان العراق ومساحة الاراضي المزروعة والقابلة للزراعة فيه الى الحقيقة المهمة التالية:"ان الحياة الاقتصادية لم تتركز حول القرى والارياف،بل حول المدينة والقبيلة كوحدتين للضمان الاقتصادي والسياسي معا.وقد تطورت الزراعة استنادا الى هذين الاساسين.ففي الشمال لم يستقر الحاصل الزراعي بالدرجة الكافية لتراكم رؤوس الاموال فاصبحت الملكية الكبيرة بأيدي تجار المدن الذين يقومون باقراض الفلاحين في القرى المجاورة.على ان تاجر المدينة والتنظيم العشائري معا كانا يمثلان نوعين من التكيف مع محيط خارج عن سيطرة الانسان.وكلا هذين النوعين من التكيف موغلان في القدم،حيث استمرت المدينة والعشيرة تعيشان جنبا لجنب،في اعتماد متبادل من جهة،وخصومة متقابلة من جهة اخرى"(5).
وبعد اشارة خاطفة لزيادة الانتاج الزراعي في جنوب العراق بين الحربين العالمتين بفضل انشاء سدتي الهندية والكوت،وفي شماله بعد الحرب الاخيرة بفضل ادخال القليل من الآلية الحديثة(2091 تراكتور في كل انحاء العراق حسب احصاء 1952 – 1953 بعضها غير مستغل كليا)تقر الكاتبة الحقيقة الاساسية عن الآثار الاجتماعية والبشرية لهذه الزيادة في الانتاج الزراعي فتقول:"اذا كانت الحكومات السورية لم تعمل الكثير لمساعدة الزراعة،فان الحكومات العراقية عرقلت الزراعة في الواقع"وفي محل آخر:"ان زيادة الانتاج الزراعي لم تمس بؤس الفلاحين اي مساس،فهم يعيشون عيشة الكفاف في اكواخ طينية مغلقة اما احوالهم الصحية فهي فاجعة،وكما يقول البروفيسور كريشلي ان الفلاح المتوسط في العراق يمثل نموذجا مرضيا ممتازا لجملة امراض/من اهمها الانكلستوما والبلهارزيا والتراخوما والملاريا والبجل..الخ.ويقدر معدل الوفيات العام ب 30 بالالف،اما بالنسبة لوفيات الاطفال فربما لا يكون من الخطأ تقديره ب 300 الى 350 بالالف.ان عاملين اثنين مسؤولان عن هذا الوضع الفظيع،مستوى الانتاج المنخفض،ونظام الارض.ان دخل الفلاح تافه لأن الارض تنتج القليل،ولأن الملاك الكبير يستولي على اغلب هذا المنتوج"(6).
وهنا تلاحظ الكاتبة بحق ان جميع تقارير الخبراء الاجانب حول الاعمار في العراق عامة،والتقدم الزراعي خاصة،ركزت جهودها حول علاقة الانسان بالطبيعة،اي حول السيطرة على الطبيعة العراقية،دون اي اهتمام جدي بعلاقة الانسان بالانسان،اي معالجة القضية الاجتماعية.وقد وجهت الكاتبة بهذه المناسبة نقدا عنيفا مشوبا بسخرية مريرة ضد تقارير الخبراء المذكورين،وخاصة تقرير الشركة الامريكية (كنابن – تبتس - آبت - مكارثي) الموضوع عام 1952،لانه لا يعني الا بالموارد المادية،خاصة الارض والمياه،ولكنه لا يعير اي اهتمام للناحية البشرية،ولا يبذل اي مجهود لامكانيات رفع مستوى سكان البلاد:"ان العراق ليس قطرا موحدا من الوجهة الاقتصادية والمادية فالبناء الاجتماعي متباين غاية التباين،والى جانب المجتمعات العشائرية التي تمثل درجات مختلفة من الانحلال،تقوم مجاميع السكان التي تساهم في نمو المدن،والى جانب المجموعات الصغيرة الغريبة التي يجمعها جامع الدين او المهنة او العنصر اكثر من جامعة النظام الاقتصادي،يقوم الانقسام الطبقي الحاد في الريف بين الملاك الكبار وفلاحيهم الارقاء.والواقع ان الصلة تكاد تكون مفقودة بين هذا المركب الاجتماعي وبين هذه المشاريع الهندسية الضخمة.ان وجهة النظر الهندسية،اي الخبراء المهندسين،لا تفهم تعقيدات الحياة الواقعية"(7) وعندما تطرقت الكاتبة الى سياسة مجلس الاعمار لم يفتها ان تلاحظ بأن السياسة المذكورة"لم تؤد الى اي ارتفاع حقيقي في مستوى معيشة السكان"و"ان النتيجة المباشرة لصرفيات المجلس المذكور في بغداد هي تعميق التعارض بين الاغنياء والفقراء.فزيادة الواردات لم تخدم الا الاغنياء الذين زاد استهلاكهم للسيارات الضخمة والمكيفات الهوائية والدور الجديدة المترفة.اما الصرائف فانها في ازدياد هائل،دون ان تزود حتى بماء الشرب او وسائل التصريف.اما الخدمات الاجتماعية فما صرف عليها هو اقل من القليل"(8)"ان الثروة تتراكم ولكن البشر في تداع"(9).وفي محل آخر"ان مجلس الاعمار لم يقم بوضع خطة اقتصادية عامة،بالرغم من انه اسس لهذا الغرض في الاصل"(10).
كذلك تؤكد الكاتبة على الصلة بين سياسة مجلس الاعمار والنظام السياسي والاجتماعي القائم في العراق:"ولكن هل بالامكان ان يؤخذ بنصيحة اللورد سولتر في الاهتمام بمستوى معيشة السكان بالدرجة الاولى؟.ان الصعوبات الحالية في سياسة الصرف سوف تختفي اذا جعل ذلك هو الهدف الرئيسي.ولكن مجلس الاعمار مكون من مجرد موظفين عموميين،وهم لا يمكن ان يكونوا مسؤولين عن سياسة الحكومة.اما المهندسون فانهم يستطيعون ان يضعوا الخطط دون الالتفات الى الانتاج والاستهلاك،وهذا هو التصميم الوحيد الذي يمكن ان يحدث في ظل النظام السياسي القائم والبناء الاجتماعي الراهن.وفي الاساس،يمكن اعتبار جميع مشاكل مجلس الاعمار كنتيجة لهذه الحقيقة:خمر جديد ولكن في نفس الزجاجات القديمة"(11)."ان الملاك الزراعيين الكبار يكونون جوهر البرلمان،وباستطاعتهم،اذا رغبوا في ذلك،القيام بسياسة اصلاح زراعي"(12).
وهنا تحدد الكاتبة المحترمة مسؤولية نظام الارض الاقطاعي السائد الآن في العراق عن تردي الاوضاع العامة في البلد فتقول:"ان نظام الارض في العراق هو المسؤوول عن الاجحاف في توزيع الدخول،وعن ضيق السوق الداخلية،وعن انعدام السياسة الزراعية،وعن تفاهة اجور الفلاحين.وبدون اصلاح النظام المذكور،لا تستطيع واردات النفط ان تفعل اي شئ لرفع مستوى حياة السكان.وسوف تبقى مشاريع الري الكبرى مجرد اهرام كينزية - نسبة الى الاقتصادي البريطاني اللورد كينز – تخلق مجالات للعمل دون تحسين مستوى الانتاج.ان نظام الرق الذي يخضع له الفلاحون في العراق شر بديهي من الوجهة الاجتماعية،فضلا عن انه عقبة كبرى من الوجهة الاقتصادية.ولذلك فان اصلاح نظام الارض هو ضرورة اجتماعية واقتصادية،بل انه المفتاح الذي يفتح المغاليق دون المستقبل الرخي الرافه.والى جانب ذلك فان الاصلاح المذكور هو ضرورة سياسية ايضا،لان البناء الاجتماعي الحالي في العراق يحول دون استفادة الشعب من ازدياد دخول الاعمار.وكما يقول اللورد سولتر بحق،ان مشكلة "من" الذي سيستفيد من مشاريع حصر المياه والسدود الكبرى يجب ان تهم بصورة مباشرة مجلس الاعمار"(13).
وفي محل آخر تقر الكاتبة هذه الحقيقة المعروفة:"ان المشاريع الكبرى الحالية سوف لا تعود بالنفع الا على كبار الملاكين بسبب نظام الاراضي الحالي،وهذا بدون اية نفقات مفروضة على هؤلاء،فضلا عن ان هؤلاء السادة لا يدفعون ضريبة على الارض"(14).اما عن هذه الاقطاعيات الشاسعة فتؤكد الكاتبة اصلها القبلي،و"انها لم تصبح ملكية خالصة للشيوخ الاقطاعيين الا نتيجة استيلاء هؤلاء على اراضي القبائل،وهي اراضي تابعة للدولة من الوجهة القانونية،خلال الثلاثين سنة الاخيرة"(15).
اما عن انحلال النظام العشائري التقليدي،وقد كان مبنيا على الملكية الجماعية لجميع افراد القبائل،وفقدانه وظائفه الاجتماعية،والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والتكنيكية التي ادت الى ذلك،وكيفية تحول الملكية الجماعية للعشيرة الى ملكية فردية استغلالية للشيخ الاقطاعي،فان الكاتبة المذكورة تشرح ذلك بشكل تفصيلي،وتقر الحقيقة الآتية:"ان هذه التغيرات الاقتصادية عززت سياسة تسوية الاراضي التي نفذت ابتداء من عام 1933،حيث اصبح الشيوخ هم الملاكين القانونيين للارض،وغدا السراكيل وكلاءهم ومدراءهم عليها.اما رجال القبائل فقد تحولوا الى فلاحين ،لهم مجرد حصة في الحاصل،دون ان تكون لهم اية حقوق مقررة في الارض قانونا"(16).وهنا تشير الكاتبة الى رأي الدكتور"والستون"الذي اقر في تقرير كتبه بعنوان"نظام اجارة الاراضي في الهلال الخصيب – 1954"هذه الحقيقة:"ان الفلاح العراقي فيما يتعلق بالارض التي يزرعها،والحبوب التي يبذرها،واوقات البذر والحصاد،يعمل بموجب اوامر الملاك او وكيله السركال،الذي يشرف ايضا على عملية التسويق،ويراقب امور الري.وعليه فلا يختلف الفلاح المشترك في نظام المحاصة عن العامل الزراعي الاجير الا بكونه لا يستلم اجورا يومية محدودة،بل يتقاضى اجوره عينا بنسبة ضئيلة من الحاصل تتوقف على عوامل خارجة عن ارادته"(17).
اما نظام الرق الذي يخضع له الفلاحون فتصفه الكاتبة بما يلي:"ان الفلاحين مربوطين بالارض من الوجهة القانونية،اذ ان قانونا صدر عام 1933(****) يمنع الفلاح من مغادرة الارض اذا كان مدينا للمالك،ولما كان الفلاحون في العادة مدينين دائميين له،اصبحوا في الواقع مجرد ارقاء خاضعين لعقوبات الشيخ ان جرأوا على مغادرة اراضيه.ولذلك لا يمكن اعتبار الفلاح العراقي "مستأجرا"للارض طالما كان فاقدا للضمان الاجتماعي ولحرية العمل"(18).اما عن وظائف الشيوخ ودورهم الرجعي المكشوف فان الكاتبة تقر الحقائق الآتية:"ان سمعة الشيوخ تقوم على دورهم السابق الذي كانوا يلعبونه في مجتمع قبلي لا يدين بأي ولاء.اما المملكة العراقية الجديدة فقد قوت مراكزهم ،ومنحتهم الملكية الخاصة القانونية على اراضي عشائرهم،وجعلت البرلمان العراقي ندوة لممثليهم،وبذلك فهم كسبوا مركزا ممتازا في الوضع الجديد دون ان يلتزموا بأي التزام.ان دورهم يقتصر ببساطة على مجرد الاحتفاظ بمراكزهم في المجالس النيابية وعلى مقاومة التغير"(19).وعندما تنتقل الكاتبة الى مسألة قوانين التسوية في العراق.تلاحظ الحقيقة الجوهرية وراء الشكليات القانونية،فتقول:"ان مسألة التسوية لعبت دورا حاسما في وضع توزيع الاراضي الحالي في العراق،والملاحظ ان تسجيل الحقوق في العراق ليس مجرد عملية تكنيكية يقصد بها تسهيل انتقال الارض،وضمان آمن اوفر للمالك،كما هي الحال في كثير من الاقطار الاخرى،بل ان التسجيل في العراق،كما هو في البلدان الاخرى للهلال الخصيب،يمنح حقوقا قانونية لشاغل الارض العرفي،اي يخلق حقوقا جديدة بالملكية الفردية،وغالبا تخلق هذه الحقوق على حساب شاغلين عرفيين آخرين.والواقع ان تسوية الاراضي في العراق تنطوي من الوجهة الفعلية على عملية مستمرة لنزع ملكية الزراع الفعليين ومنحها لشيوخ العشائر بصفة ملكيات كبيرة.ان هذه العملية الكبيرة لنقل ملكية الاراضي العشائرية هي تغير جديد حصل خلال العشرين عاما الاخيرة"(20).
وفي محل آخر تطرح الكاتبة هذه المشكلة بشكل اوضح فتقول:"في الدولة الجديدة – العراق – حيث يتمتع الملاكون الكبار بنفوذ واسع،جاء الضغط القوي لادخال نظام تسجيل الاراضي من جانب الشيوخ الذين بدأوا ينصبون المضخات الزراعية على جانبي الرافدين.وبينما قاومت السلطات العشائرية في الماضي جهود الحكومة المركزية لتسجيل الاراضي بأسماء الزراع الحقيقيين،بدأت نفس السلطات المذكورة تطلب تسوية الارض كوسيلة لطرد الفلاحين الذين كانت حقوقهم في الري والزراعة مبنية على التقادم،وتعترض مالك المضخة وتمنعه من ادخال الاراضي المروية من قبله في ملكيته الخاصة.وهكذا فان الاغنياء هم الذين استخدموا جهاز الدولة ضد الفلاحين،وليست الدولة هي التي استهدفت ضمان حقوق الفلاحين ضد الاغنياء"(21).
وبعد ان تشرح الكاتبة تفصيل تاريخ النزاعات على الاراضي في العراق،وتشير الى مقترحات السير"ارنست دوسن"خبير الاراضي المعروف في تقريره الكلاسيكي في الموضوع"1932"تقر بأن التسوية شرع فيها ابتداءا منذ عام 1933 على اساس منظم هو:"نزع الاراضي من ايدي افراد العشائر ونقلها الى ملكية الشيوخ...والمبدأ الذي اتبع في العمل هو اختلاف مساحة الارض المقطعة للشيخ بنسبة عكسية مع سلطة الحكومة.ففي الاماكن التي كانت الحكومة فيها قوية حصل بعض افراد العشائر على حصة ما من المجموع،اما في الاماكن التي كان نفوذها ضعيفا فقد اقطعت بمساحات هائلة لشيوخ العشائر باعتبارها ملكية خاصة لهم"(22).وتقر الكاتبة بعد ان تشير الى بعض قوانين الارض الحديثة في العراق"ان قانون بيع الاراضي الاميرية الصرفة لسنة 1940 سرع كثيرا من عملية نقل الاراضي القانونية الى ملاكي الارض الكبار،خاصة في الاراضي التي تسقى سيحا"(23).

(4) ص 113.
(5) ص 117.
(6) ص 119.
(7) ص 119- 121.
(8) ص 125.
(9) ص 126.
(10) ص 127.
(11) ص 131.
(12) ص 132.
(13) ص 133 – 134.
(14) ص 135.
(15) ص 135.
(16) ص 136.
(17) ص 137.
(18) ص 137.
**** يرى عبد الرزاق الظاهر بحق ان الغرض من هذا القانون"وهو قانون حقوق وواجبات الزراع "كان لخلق صلة بين الفلاح والارض بحيث يصبح الفلاح قنا او ربيطة في الارض،كما انه يرى، بحق ايضا،ان هذا القانون كان جزءا من سياسة عامة لغرض انشاء ما يسميه"اقطاعية الافندية"- راجع "الاقطاع والديوان في العراق"- ص 20.
(19) ص 138.
(20) ص 142.
(21) ص 144 – 145.
(22) ص 147.
(23) ص 147.




الفراغ الاجتماعي

وبعد استعراض مفصل ممتع لاصناف الاراضي في العراق واوضاعها القانونية الشكلية،وتطور التشريعات الحديثة،ثم استعراض موجز مركز لمشاريع الدجيلة والحويجة واللطيفية وشهرزور وجبل سنجار،تنهي الكاتبة بحثها القيم عن مشكلة الارض في العراق،بالتطرق الى صميم المشكلة الاجتماعية والسياسية التي تتفاعل مع مشكلة الارض وتكون معها كلا لا يتجزأ،فتقر اولا:"ان الطبقة الوسطى في العراق التي ينبثق عنها الرأي العام الواعي في البلد،والتي تزود فئات الموظفين وتنقد بشدة سياسة الاعمار..لا تستطيع ان تلتحم بطبقة الفلاحين،وتكون بذلك القوة السياسية التي تستطيع اعادة صياغة البناء الاجتماعي.والواقع انه لا توجد قوة سياسية واجتماعية الآن تستطيع ان تتحدى سلطة الشيوخ"(24).ولكن لماذا لا تستطيع الطبقة الوسطى قيادة الفلاحين واحداث الانقلاب الاجتماعي اللازم؟
تجيب الكاتبة على ذلك:"سطحيا،لان الاحزاب السياسية ملغاة في العراق.ولكن هذا العامل الشكلي لا يمكن ان يكون حاسما.ان السبب الحقيقي اعمق من ذلك.انه يكمن في طبيعة الفئة السياسية التي تحكم العراق والتي من الصعب جدا تحديد عناصرها"(25).فما هي هذه الفئة الحاكمة التي تحكم العراق؟
"يرى البعض بأن 3 تماثيل تحكم العراق في الواقع:فيصل ومود والسعدون – اي البلاط والانكليز والاقطاعيين –"وتعلق الكاتبة على هذا القول بما يلي:"هناك حق في القول المذكور،فمن العبث الادعاء بأن شركة النفط العراقية ليست قوة سياسية.واستنادا الى المبدأ المعروف- لا ضرائب من دون تمثيل – فأن شركة تدفع نصف الدخل القومي العراقي على الاقل،لابد ان تمارس شيئا من النفوذ وان كانت شكليات الاستقلال يجب الاحتفاظ بها خاصة مظهر السيادة البرلمانية لاظهار عدم تدخل بريطانيا"(26).ثم تنتقل الكاتبة لمركز الشيوخ الاقطاعيين بين عناصر الطبقة الحاكمة فتقول:"من الطبيعي ان يحتفظ الشيوخ بمركزهم وقوتهم وراء هذه المظاهر التي يكونون هم سندها الثاني بعد الانكليز.ان المبادأة في السياسة الحكومية ليست بيد الشيوخ بالمرة،بل بيد رئيس الوزراء الذي يعتمد على القاعدة الثنائية – نفوذ الانكليز ونفوذ الاقطاعيين الكبار"(27).وفي محل آخر تقر الكاتبة:"بأن الشعور بالفساد طاغ في جو بغداد لأن المؤيدين الوحيدين للحكومة داخل البلاد هم الفئات ذوات الامتياز.ونأييدهم مشروط دائما بعدم المساس بثروتهم وامتيازاتهم.ان الوضع كما قال كبلنغ بصدد مصر عام 1913 خاطئ من حيث الجوهر"(28).
ثم تعود الكاتبة لتحليل نفسية الطبقة الوسطى في العراق فتذكر جهلها على العموم بأحوال الفلاحين وعدم عنايتها بشؤونهم،وتشير خاصة الى رجال الادارة المحليين،وتذكر عدم امكان توقع اية تغيرات جذرية من قبلهم لاعتمادهم كليا على الحكومة المركزية.وهنا تضع الكاتبة اصبعها على موطئ الداء وتقر هذه الحقيقة الكبرى:"ان مصدر الاضطراب في البلاد هو عدم تكون طبقة اقتصادية تستطيع ان تتحدى نفوذ الملاكين الكبار.والميزة الاولى للثورة الاقتصادية الجديدة هي انها لا تزال تجريدية،فقد زادت رؤوس الاموال المعدة للاستثمار دون ان يؤدي ذلك الى تغير مهم في العلائق الاقتصادية للمجتمع"(29).وتلقي الكاتبة اضواء جديدة على هذه الحقيقة فتقول:"ولما كانت هذه المبالغ الكبيرة الناشئة عن النفط غير صادرة عن المشاريع المحلية والادخار القومي،وطالما كان اثرها المباشر على الاقتصاد العراقي يكاد لا يذكر،ادى كل هذا الى عدم تكون طبقة جديدة من رجال الاعمال،طبقة تعتنق الليبرالية الاقتصادية،وتستطيع ان تتحدى سلطة الارستقراطية.صحيح انه خلق رجال صناعة محليون،ولكن عددهم لا يزال قليلا جدا..وسوف تمر مدة طويلة قبل ان يتكون العدد الكافي من الشركات الوطنية التي تستطيع ان تقلب ميزان القوى السياسية"(30).
وتذكر الكاتبة بين اسباب هذا التأخر في تصنيع البلاد ونمو الطبقة الوسطى الليبرالية"كون السوق العراقية محدودة نتيجة البؤس المحيق بجمهور الشعب العراقي"(31).وتنتهي الكاتبة من تحليلها الى هذه النتيجة المهمة وهي:"ان المجتمع العراقي بشكله الحالي الموزع بين الحياة العشائرية والحياة المدنية،يواجه في الوقت الحاضر مهمة تكوين القاعدة المادية للاعمار من جهة،والبنيان الاجتماعي اللازم للتقدم من جهة اخرى..ان المسألة ليست مسألة الافتقار الى الخبراء كما يتوهم الكثيرون،بل ان النواقص اكثر جدية من ذلك بكثير"(32).وفي محل آخر:"ان هناك فراغا اجتماعيا في البلاد.هناك هوة بين الامكانيات الاقتصادية والبناء الاجتماعي.وليس من الصحيح القول بأن هناك نزاعا بين المجتمع الجديد والمجتمع القديم،فالمجتمع القديم في تداع وانحلال،واذا كان المقصود بالمجتمع الجديد امثال هذه التجمعات المدنية لمدينة بغداد وامثالها،فأن المجتمع المذكور يأخذ شكل المجتمع الغربي في الظاهر،شكل السطح الظاهري فقط دون القيم التي يؤمن الغرب بها.ان المشكلة هي عدم وجود بناء اجتماعي مستقر...ان التغيير الجاري خال من الهدف والوجهة،ولذلك نشأت المشكلة المهمة:من اين نبدأ؟ونشأت معها صعوبة صرف المال"(33).
وهنا تلمح المؤلفة الى التاريخ الرسمي العام،والاقتصادي للعراق،فتتحامل بحق على هذين التاريخين:تتحامل على المؤرخين السياسيين للعراق الحديث لانهم يهتمون بالاشكال القانونية والوثائق والتشريعات دون الاهتمام بجوهرها وتطبيقاتها الفعلية،وتتحامل على المؤرخين الاقتصاديين لأنهم يهملون عامل الانسان،عامل العلاقات البشرية،عامل الواقع الاجتماعي،ولا يعنون الا بتسجيل المشاريع الكبرى من وجهتها المادية والفنية فقط.وبعد استعراض موجز لظاهرة تدفق الخبراء الاجانب على عراق اليوم والاشارة لتوجهاتهم المختلفة وتوصياتهم في جميع شؤون الحياة،من اقتصادية عامة،الى اقتصادية محدودة،الى اجتماعية واخلاقية،الى صحية وثقافية،تلاحظ في هذا الصدد هذه الملاحظة العميقة:"ان هذه الجهود المختلفة للخبراء الاجانب وان كانت بحد ذاتها تدعو احيانا للاعجاب،الا انها جميعا تحاول ان تدخل قيما اجتماعية نشأت في محيطات اخرى جد مختلفة،واحيانا تتعارض كليا مع القيم الاجتماعية المحلية..وربما كان الاثر الوحيد لهؤلاء الخبراء هو التأثير المباشر على الموظفين الذين يحتكون بهم،هؤلاء الموظفين الذين يشعرون بخيبتهم وعدم وجود جامعة حقيقية تجمعهم"(34).
وتستشهد الكاتبة على هذا الفراغ الاجتماعي الذي تتحدث عنه بحالتين نموذجيتين،حالة قرية الجبايش في اهوار العراق الجنوبية،وحالة سكان الصرائف في بغداد،حيث تصف الكاتبة احوالهم المعيشية والصحية تفصيلا فتقول:"ان التراخوما والديزانتريا منتشرتان بينهم،ولكن الملاريا والبلهارزيا لم تغزوا هذه الصرائف لأن الماء ملوث بشكل يعوفه حتى الذباب..".ثم تعلق على ذلك بقولها:"هذه هي الاماكن التي لا يزورها الخبراء الاجانب..ولا يحتاج الامر خبرة،لادراك ان مما تحتاجه بغداد اليوم اشد الحاجة،انشاء دور سكنى للطبقة العاملة،ومشروع نزح المياه القذرة"(35).
وتنهي الكاتبة دراستها لمشكلة الارض في العراق بهذه العبارة:"ان الفراغ الاجتماعي ليس ظاهرة قاصرة على العراق فحسب،ولكنه ظاهرة يحسها هذا البلد اكثر من غيره بسبب زيادة النقد.ففي سوريا مثلا يلعب الرأسمال والمشروع الوطنيان دورا رئيسيا في الاعمار،ويقتصر دور الخبراء على الناحية الفنية فقط،وفي مصر تتولى الحكومة الجديدة نفسها دور القيادة،وهي تسبق بشكل ما الرأي العام.اما في العراق فأن العقبات الاجتماعية التي تعترض الاعمار اقوى،والامكانيات الاقتصادية اوفر.اما كيف سيملأ هذا الفراغ فلا يستطيع احد التنبؤ بذلك.فربما استطاع الالفا طالب عراقي الذين يدرسون اليوم في امريكا وبريطانيا ملء هذا الفراغ،وربما استطاع مجلس الاعمار ذلك ان استقل عن السياسة..وربما كما يعتقد الكثير من الخبراء..سوف ينهار شئ ما"(36).اما الشئ الذي سينهار،فمعلوم لدى الرأي العام المثقف في البلد،انه"النظام القديم"بعناصره الاساسية الثلاث:الاستعمار،والاقطاع،والاستبداد.


(24) ص 172.
(25) ص 173.
(26) ص 173.
(27) ص 173.
(28) ص 174.
(29) ص 174.
(30) ص 175.
(31) ص 175.
(32) ص 175.
(33) ص 175.
(34) ص 177.
(35) ص 181.
(36) ص 182.


IMPRIMERIE ALMAARIF
BAGHDAD
1957



-;- نص التصريحات التي ادلى بها سيادة الدكتور ابراهيم كبة لمراسل وكالة انباء المانيا الديمقراطية ( ادن) في 3 تموز 1961 في بغداد

في 3 تموز 1961 تفضل الدكتور ابراهيم كبة مشكوراً، بالادلاء برأيه في مقابلة صحفية مع السيد يورغن كيدنك مراسل وكالة انباء المانيا الديمقراطية (ادن) في بغداد حول مسألة برلين الغربية بالطريقة التي اقترحها الاتحاد السوفياتي وجمهورية المانيا الديمقراطية .وكانت الاسئلة كما يلي:
1. مارأيكم في ضرورة ابرام معاهدة الصلح الالمانية، بعد 16 عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكي يزال انبعاث العسكرية الالمانية من جديد؟
2. هل تعتقدون بان معاهدة للصلح كهذه ستسند كفاح الشعوب العربية المناهض للاستعمار (الجزائر و فلسطين ) ؟
3. ما رأيكم بفكرة جعل المانيا محايدة عسكرياًً كما اقترح ذلك الساسة البارزين من المانيا الديمقراطية ؟

وقد آثر سيادة الدكتور ابراهيم كبة جعل الاجابة واحدة كما يتضح من النص الآتي:

قد يبدو من الغرابة بمكان انسلاخ 16 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية بالاستسلام الكامل غير المشروط للاستعمار الالماني امام قوى الحلف المعادي للهتلرية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي دون ان تعقد خلالها معاهدة صلح مع المانيا لانهاء آثار تلك الحرب المدمرة ووضع الاسس الجديدة لعالم ما بعد الحرب بما ينسجم والتغيير الجديد في ميزان العلائق الدولية لصالح قوى الاشتراكية والديمقراطية والسلم.
ويبدو الامر اكثر غرابة اذا علمنا بان اتفاقية بوتسدام ( آب 1945 ) التي وقعتها الدول الكبرى الثلاث المنتصرة قد سجلت بشكل تفصيلي ومحدد نوعية الاسس والمبادئ التي يجب ان تسير بموجبها المانيا الجديدة لما فيه خير الانسانية وصالح السلم ، كما نصت ايضاً على ضرورة عقد معاهدة صلح مع المانيا وكلفت مؤتمر وزراء خارجية الدول الاربع لتهيئة ذلك.
ان كل دراسة للقضية الالمانية برمتها لا يمكن ان تبدأ الا من دراسة الاسس والمبادئ العادلة التي تضمنتها اتفاقية بوتسدام في هذا الصدد .ويمكن تلخيص الاسس المذكورة بكل اختصار فيما يلي:
1. ضرورة توفير جميع الشروط لتكوين المانيا سلمية عاجزة عن استئناف العدوان الذي شنه الاستعمار الالماني اكثر من مرة في اوروبا وفي العالم.
2. استئصال النازية والعسكرية الالمانية بصورة كاملة .
3. القضاء على الاحتكارات الامبريالية وعلى التركز الاقتصادي المفرط في المانيا (وخاصة عن طريق الكارتيلات والسنديكات والترتسات والاحتكارات الاخرى)كما جاء في الاتفاقية بالنص.
4. تنظيم المانيا الجديدة على اسس ديموقراطية وضمان الحريات الكاملة للاحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والمهنية.
5. ضمان الوحدة الالمانية بالرغم من مناطق الاحتلال الاربع الموقتة، وذلك بانشاء ادارات مركزية لعموم المانيا تعبد الطريق للدولة الالمانية الموحدة.
قلنا ان اتفاقية بوتسدام عهدت الى مؤتمر وزراء خارجية الدول الاربع لتهيئة معاهدة الصلح مع المانيا .. وقد بذل الاتحاد السوفياتي جهوداً عظيمة بصبر عجيب وطول اناة داخل المؤتمر المذكور وخارجه لتنفيذ النص المذكور، واستمر طيلة الستة عشر عاماً الماضية يلح على دول الغرب بضرورة عقد معاهدة الصلح مع المانيا وفق مبادئ بوتسدام ، وتقدم بمختلف العروض المعقولة منذ المؤتمر الاول لوزراء خارجية الدول الاربع في باريس عام 1946 حتى بيانات خروشوف الاخيرة التي كرر فيها تصميمه النهائي على عقد معاهدة صلح انفرادية مع جمهورية المانيا الديموقراطية خلال هذا العام ان لم تستجب الدول الغربية بصوت العقل والعدل والسلم وتنهى الوضع الشاذ الخطير القائم الان في المانيا وبرلين.
كذلك تقدمت الجمهورية الالمانية الديموقراطية سواء كان ذلك على لسان مجلسها الشعبي او حكومتها او قادتها البارزين بمختلف الاقتراحات لحكومة بون ومجلس البوندستاغ والحزب الاشتراكي الالماني طالبة التفاوض باي شكل من الاشكال لحل المسألة الالمانية لمجموع او بعض عناصرها على الاقل ... وفي مقدمة ذلك مسألة عقد معاهدة الصلح ،ولكن دول الغرب وحكومة اديناور بدل ان تنفذ التزاماتها الدولية بهذا الصدد، عمدت لتنفيذ خطة اخرى ماكرة ولكنها مفضوحة بقصد دفع الاستعمار الالماني مرة ثالثة لاثارة حرب عالمية جديدة تهدد اجزاء كبيرة من الجنس البشري بالفناء.
ان خطة الدول الغربية بدأت منذ المؤتمر الاول لوزراء خارجية الدول الاربع في باريس عام 1946 عندما رفضت بفضاضة اقتراح الاتحاد السوفياتي بتشكيل حكومة مركزية لعموم المانيا وبادرت منذ تلك اللحظة لتنفيذ مشروع ماركنتو الامريكي (1944 ) لتقطيع اوصال المانيا وتشكيل اكثر من دولة واحدة فيها واعادة حكم الاحتكارات اليها ، واضعاف طاقاتها النضالية السلمية ، واثارة نزعات الانتقام والعداوة البهيمية في شبابها، وتسليحها حتى الاذقان لتكون راس الحربة في معاودة الهجوم على المعسكر الاشتراكي وعلى قوى السلم والديموقراطية في العالم اجمع. ومنذ ذلك العام (1946) تتابعت خطوات الدول الغربية في هذا الطريق الشائك،فاعلنت امريكا وبريطانيا تشكيل المنطقة الثنائية في القسم الغربي من المانيا (كانون الاول 1946 )والتي تحولت فيها بعد الى المنطقة الثلاثية، ثم طالبت فرنسا رسمياً بفصل الرور والراين عن جسم الدولة الالمانية (1947) ... ثم مالبثت امريكا ان اعلنت مبدأ ترومان (آذار 1947 ) فمشروع مارشال (حزيران 1947 ) التي ادخلت فيما بعد المانيا الغربية فيه قسراً دون اي استشارة شعبية، ثم حدث الحادث الاستفزازي الخطير عندما عمد الغرب الى شق مؤتمر لندن لوزراء الخارجية (تشرين الثاني 1947 ) وعمد الى عقد مؤتمر انفصالي غربي في صيف 1948 تقدم بما يعرف الان بتوصيات لندن التي وضعت ونفذت الخطوط النهائية لتجزأة المانيا وفرض نظام الاحتلال الغربي عليها ... ثم قام الغرب بالاصلاح النقدي الانفرادي المزعوم في المانيا الغربية في حزيران 1948 ، تلاه بتشكيل (المجلس البرلماني) المزيف ، فاعلان دولة بون في ايلول 1949.
وما ان وضع اديناور على راس الحكم في المانيا الغربية حتى بادر بشكل محموم استفزازي الى تنفيذ خطة الاستعمار العالمي في تهيئة الحرب العالمية الثالثة وذلك لارجاع عجلة التاريخ الى الوزراء واستعادة مواقع الاستعمار المنهارة في كل مكان وخضد شوكة الحركات التحررية والوطنية والقضاء في زعمه على العسكر الاشتراكي.
لقد بادر اديناور الى تصديق نظام الاحتلال الغربي في دولته الجديدة (1949) ثم اعقب ذلك بتصديق اتفاقية ادخالها في مشروع مارشال (كانون الاول 1949) وسارع الى رفض اقتراح جمهورية المانيا الديموقراطية لتشكيل مجلس تأسيسي لعموم المانيا يكون نواة لأعادة توحيد المانيا(1950)... وبدل ان يستجيب اديناور لطلب الرئيس غرونغول المعقول لعقد مؤتمر يمثل كلا الدولتين الالمانيتين لمناقشة اجراء انتخابات حرة في مجموع البلاد وتشكيل جمعية وطنية موحدة تقرر تشكيل دولة المانية موحدة ديموقراطية وسلمية، رد عليه بضرورة الحاق المانيا الديموقراطية بدولته الاستعمارية (بيان اديناور في ايلول 1951).
لقد رفض اديناور حتى مجرد فكرة المفاوضات بين اي كان حول المسالة الالمانية ، واعتبر مثل هذه المفاوضات المذكورة (ضربة قاسية لمجموع المانيا) – خطابه في البوندستاغ في 3 نيسان 1954. ولكنه لم يتورع عن ادخال بلاده في مجموعة الدفاع الاوروبية بتصديق ما يعرف (بالمعاهدة العامة)5 ايلول 1954 ، وطلبه علنا السلاح الذري من دول الغرب كرد على اقتراح اولبرفت في اجراء مفاوضات بين الدولتين الالمانيتين مباشرة حول المسألة الالمانية وعقد معاهدة الصلح(25 تشرين الثاني 1953). ثم عقد مؤتمر مؤتمر برلين التاريخي في كانون الثاني 1954، وتقدم الاتحاد السوفياتي باقتراحات تفصيلية عادلة حول مجموع المسألة الالمانية على اساس تحضير مسودة لمعاهدة الصلح مع المانيا من قبل الدول الاربعة بعد استشارة ممثلي كل من الدولتين الالمانيتين،وعقد مؤتمر للصلح لمناقشة المسودة وتصديقها ثم اجراء انتخابات حرة في مجموع المانيا تمهد لاعادة توحيد البلاد تحت اشراف حكومة مؤقتة لمجموع المانيا. ولكن الدول الغربية كعادتها عادت فرفضت تلك الاقتراحات. واستمر اديناور في متابعة تنفيذ خطط اسياده الاستعماريين فاعلن بشكل استفزازي ردا على مذكرة الجمهورية الالمانية الديموقراطية حول ضرورة الغاء معاهدات بون وباريس ، رد بان المانيا الموحدة نفسها سوف تبقى في الاحلاف الغربية العدوانية وفعلا تم نفاذ مفعول الاتفاقيات المذكورة التي ادخلت جمهورية بون في حلف الناتو( الاطلسي) اعتبارا من آذار 1955. وبالرغم من هذا الاجراء العدواني الخطير لم تيأس جمهورية المانيا الديموقراطية ولم تفقد صبرها فاستمرت في تقديم اقتراحاتها البناءة لاجراء استفتاء عام حول تسليح المانيا وعضويتها في الاحلاف العسكرية( اقتراح المجلس الشعبي على البوندستاغ 1955) واجراء انتخابات حرة بعد الغاء اتفاقيتي باريس وبون(اقتراح كروترزل في آب 1955 ) وتشكيل مجلس لمجموع المانيا كاداة فعالة لتوحيدها على اساس كونفدرالي (اقتراح اولبرفت في 30 كانون الثاني 1957 )... ولكن اديناور رد على جميع ذلك باعلان الخدمة العسكرية الالزامية ( تموز 1956) واستحصال قرار من الغرب بتزويد دولته الاستعمارية بالسلاح الذري (آذار 1958 ). الخلاصة ان سياسة اديناور حول المسألة الالمانية هي سياسة خيانية فاضحة لمصالح الشعب الالماني فضلا عن تهديدها الخطير للسلم في اوروبا وفي العالم اجمع.
ان هذه السياسة تقوم من جهة على ادامة تجزئة المانيا وعرقلة وحدتها على اسس ديموقراطية سلمية. وتقوم من جهة ثانية التهيئة الجدية لتنفيذ خطة عدوانية انتقامية على خطوات لالحاق المانيا الديموقراطية وحدها بحكومة بون الاستعمارية فقط بل للاعتداء على جميع الدول الاوروبية المجاورة واحباط نتائج الحرب العالمية الثانية التي اثارتها الفاشية والعسكرية الالمانية. ومن يطالع المطبوعات الرسمية في المانيا الغربية ومنها مثلا مجلة (سولداتن زايتونغ) التي تمولها وتديرها وزارة الدفاع الالمانية الغربية يجد تفاصيل صريحة عن اهداف الاستعمار الالماني الاجرامية في هذا الصدد، فهو يريد علانية اعادة ما يسمى (بالمناطق الشرقية) الى حدود عام 1937 ، واسترجاع اراضي السوديت الجيكوسلوفاكية الى حدود اتفاقية ميونيخ 1938 ، واستعادة ميمل حسب حدود 1939، واغتصاب الدانزك والممر البولوني وسيليسيا العليا الى حدود الامبراطوريةالقيصرية قبل الحرب العالمية الاولى.... الخ .... بل ان هناك وثائق رسمية وشبه رسمية كثيرة تدل على نيّة اديناور السخيفة في القضاء على المعسكر الاشتراكي برمته باسم مايسمى (تحرير) مجموع اوروبا الشرقية من الخطر الشيوعي المزعوم. وقد جاء في تصريحات النائب الالماني الغربي هاينمان في مجلس البوندستاغ في جلسة 13 كانون الثاني 1958 بمناسبة مناقشة بعض اوجه القضية الالمانية... جاء ب (ان اديناور لن يوافق على اجراء انتخابات حرة حول الوحدة الالمانية ومعاهدة الصلح قبل (تحرير مجموع اوروبا الشرقية)).
وتقوم سياسة اديناور من جهة ثالثة على تسليح المانيا وتزويدها باحدث الاسلحة الذرية والصاروخية واعادة الجنرالات النازيين من مجرمي الحرب مرة ثانية على راس الجيش الالماني العدواني، وقد صرح وزير الدفاع الالماني الغربي شتراوس في 23 حزيران 1960 في مجلس البوندستاغ بان المانيا تستطيع تجهيز حوالي مليون جندي نتيجة الخدمة العسكرية الالزامية وحوالي 5 ملايين جندي آخر تحت اسم ما يسمى (الدفاع المدني)، هذا فضلاً عن الفيرماخت التابع لمنظمة الناتو(حلف الاطلسي) والجيش الاقليمي وحرس حماية الحدود. وبوليس البرايتشافت وعشرات المنظمات شبه العسكرية كمنظمة الخوذ الفولاذية والكيفهوبزربوند .... الخ
ان جيشا على رأسه امثال شتراوس وشبايول واوزنكر وبلانك يشكل خطراًَ مميتا على مجموع الشعوب الامنة وعلى السلم العالمي مباشرة وسينهمك في خدمة الاحتكارات العالمية والالمانية. ويكفي ان يعلم المرء ان جمهورية بون يديرها اليوم امثال اديناور وشرويدر وايرهارد وكرستنماير وغلوبكة واوبرلاندر بالتواطؤ مع خونة الاشتراكية الانتهازيين امثال مومر و فينر ليدرك بوضوح الخطر الهائل الذي ينبعث اليوم من هذه الدولة الاستعمارية العدوانية ضد امن الشعوب وسلامتها.
وتقوم سياسة اديناور من جهة خاصة على استخدام برلين الغربية كموقد دائم لاثارة الاستفزازات الطائشة وتشديد الحرب الباردة والقيام باعمال التجسس والتخريب في المانيا الديموقراطية ومجموع الدول الاشتراكية المجاورة. ويمكن ان تذكر بين اعمال الاستفزاز التي لا يحصرها العد استمرار المظاهرات الفاشية التهديدية في هذه المدينة ، والخرق المستمر لسيادة المانيا الديموقراطية (الممر الجوي المزعوم) وتجنيد شبابها في القوات الالمانية خلافا لنصوص اتفاقية بوتسدام، وادماج صناعاتها بصناعات الحرب في المانيا الغربية وتشكيل عشرات المنظمات الفاشية وشبه العسكرية فيها، وعقد اجتماعات المؤسسات السياسية العليا الالمانية الغربية في اراضيها ... الخ.
واخيرا فان سياسة اديناور في المسألة الكولونيالية لا تختلف من حيث الجوهر عن سياسة الاستعمار الالماني الكلاسيكية في هذه المسألة، وذلك لان نفس الاوساط الاحتكارية الامبريالية التي كانت وراء سياسة المانيا القيصرية قبل الحرب العالمية الاولى وسياسة جمهورية فاينار ثم السياسة النازية الهتلرية بين الحربين العالميتين، لاتزال نفس الاوساط المذكورة تسيطر اليوم على مجموع الاقتصاد الالماني لجمهورية بون... وبالتالي فهي لن توجه سياستها الداخلية والخارجية. على ان الاستعمار الالماني بالنظر لتغير ميزان العلائق الدولية في الوقت الحاضر وبنتيجة تفوق المعسكر الاشتراكي واتساع حركة التحرر الوطني وتعاظم قوى السلم في العالم ،اضطر لتغيير الكثير من اساليبه التقليدية في المسألة الاستعمارية واتباع خطط وسائل جديدة تتفق مع المرحلة الحالية من تاريخ العالم ، مرحلة تفكك النظام الاستعماري والانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية، وهذه الخطط والاساليب تكون جوهر مايسمى اليوم ( بالكولونيائية الجديدة).

ان اهم الخصائص التي يتسم بها الاستعمار الالماني في المرحلة الحالية هي في راينا مايلي :
1. الاستمرار على اطراء السياسة الكولونيائية القديمة للاستعمار الالماني ووضع عدة نظريات زائفة لتبرير السياسة الاستعمارية القديمة الالمانية القيصرية وجمهورية فايمار ، ومحاولة ايجاد المبررات حتى للسياسة الهتلرية نفسها . ويكفي ان يلقي المرء نظرة سريعة على مئات الكتب الاقتصادية والسياسية التي تصدرها دور النشر في المانيا الغربية لكبار المسؤولين والقادة الحاكمين للتاكد من ذلك (مؤلفات ايرهارد وهالشتاين وغريفة وكرستنماير مثلا).
2. العمل لاسترجاع المستعمرات الالمانية القديمة وخاصة في افريقيا باتباع اساليب اقتصادية وعسكرية جديدة ... وخاصة تحت شعار (البارتنرشافت) او المشاركة.
3. الدعوة للاستعمار الجماعي عن طريق ادماج الاقتصاديات الاستعمارية مع بعضها والوقوف قوة واحدة تجاه الثورة العالمية المعاصرة ضد الامبريالية . ومن ابرز دعاة هذه السياسة بين حكام بون وزير الاقتصاد ايرهارد والبروفيسور هالشتاين.
4. تشديد سياسة التجزئة في البلدان الكولونيالية والبلدان المستقلة حديثاً (مثال ذلك الكونغو ،اندونيسيا،فلسطين،لاوس، الفيتنام ... الخ).
5. منع تصنيع البلاد المستقلة حديثاً وخاصة في مجالات الصناعة الثقيلة، ومنع تطورها الاقتصادي المستقل والحيلولة دون تعاونها مع الدول الاشتراكية، وربطها بعجلة الاستعمار العالمي بمختلف الصور والاشكال.
6. المقاومة الضاربة لثورات التحرر في البلدان الكولونيالية ، والمشاركة النشيطة في جميع حركات الردة الاستعمارية ضدها ، والتعاون مع جميع الدول الاستعمارية لاخماد الثورات التحررية في المستعمرات. ( مثال ذلك في الجزائر ،فلسطين، انغولا، السويس ، الكونغو،كوبا ..... الخ).
7. التحالف مع الصهيونية العالمية كاداة للاستعمار الجديد واسناد اسرائيل اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً لخدمة اهداف الاستعمار العالمي .

من هذا الاستعراض السريع لسياسة الغرب وسياسة اديناور في القضية الالمانية يتضح السبب في رفضها المستمر لعقد معاهدة صلح مع المانيا ، ذلك لان الغرب يعمل بجنون للاستعاضة عن المعاهدة المذكورة بمعاهدات بون وباريس ، وتحويل المانيا – كما حصل الان بالفعل- لترسانة مسلحة ومخزن هائل للاسلحة الذرية والصاروخية ،ودفع الشعب الالماني مرة اخرى في طريق الاعتداءات وزج العالم اجمع في اتون الحرب العالمية الثالثة ... وكل ذلك لتاخير تصفية نظام الاستعمار العالمي والحيلولة عبثاً دون انجاز اهداف الثورة العالمية المعاصرة.
ان شيئا واحدا يستطيع وقف الاوساط الاستعمارية العالمية وفي مقدمتها المانيا عن تنفيذ خططها الاجرامية ضد امن الشعوب والسلم العالمي، هو وقوف جميع الشعوب المحبة للسلم والمعادية للاستعمار على اختلاف عقائدها السياسية ونظمها الاجتماعية في جبهة عالمية واحدة لغرض فرض الحلول العادلة للمسألة الالمانية وفي مقدمة ذلك عقد معاهدة الصلح مع المانيا . ان معاهدة الصلح المرسومة وفق اسس ومبادئ بوتسدام تؤدي الى النتائج التالية:-
1. ازالة آثار الحرب العالمية الثانية واعادة العلاقات الطبيعية مع المانيا، كما تم ذلك فعلا بالنسبة لدول اوروبا الاخرى عام 1947 (امثال ذلك ايطاليا وفنلندا وهنغاريا ورومانيا ...... الخ).
2. كبح جماح العسكرية الالمانية ، ووضع عقبة كأداء دون اثارة الحرب العالمية الثالثة والتمهيد التدريجي لالغاء اتفاقيات باريس ونزع سلاح المانيا ضمن نطاق نزع السلاح العام الشامل والغاء القواعد العسكرية فيها وجلاء جميع الجيوش الاجنبية عنها..... الخ.
3. وضع اسس اوربا الجديدة لما ينسجم مع الانتصارات الديموقراطية والاجتماعية التي تمخضت عنها الحرب العالمية الثانية، وتثبيت الحدود الاوربية وفق اتفاقيات يالطا وبوتسدام ،ووضع حد نهائي للاحلام الجنونية التي تراود الجنرالات النازيين الذين عادوا اليوم ثانية على راس الجيش الالماني وجيوش دول الناتو للانتقام من معسكر السلم وخاصة المعسكر الاشتراكي لانقاذهما العالم من فضائح النازية وجرائم الهتلريين.
4. التمهيد نحو توحيد المانيا انطلاقا من التفاهم بين الدولتين الالمانيتين الحاليتين وذلك بمنح الشعب الالماني كامل حقه في تقرير مصيره واختيارالنظام الاجتماعي الذي يلائم تطور الاقتصاد الالماني على اسس سلمية ، ودخول المانيا الجديدة في هيئة الامم المتحدة ومساهمتها في بناء حضارة العالم.
5. تثبيت مبادئ التعايش السلمي وذلك عن طريق تركيز اسسه بين الدولتين الالمانيتين الحاليتين.

ان المحتوى الاساسي لمسالة عقد معاهدة الصلح مع المانيا في اللحظة الحاضرة هو مسألة السلم، ولهذا السبب بالضبط تعمل جميع قوى الحرب العدوانية لعرقلة عقد المعاهدة المذكورة وتهدد الداعين لعقدها بالويل والثبور.... ولكن النظام الاستعماري يغذ السير سريعاً نحو حتفه الاكيد.... ولسوف تعقد معاهدة الصلح بالتاكيد خلال هذا العام، ولسوف تستطيع قوى السلم المتعاظمة ان تفرض العقاب الصارم على اللاعبين بالنار.
ان الشعوب العربية التي كانت ولا تزال تقاسي الامرين من السياسة الاستعمارية العدوانية لحكومة بون وخاصة في اخطر قضيتين عربيتين وهما قضية فلسطين وقضية الجزائر، لتقدر اعظم التقدير الجهود المخلصة المثابرة التي تبذلها الدول المحبة للسلم وخاصة الاتحاد السوفياتي وجمهورية المانيا الديموقراطية لحل المسألة الالمانية حلاً عادلاً يستجيب لمصالح الانسانية ويحقق السلم العالمي، وهي تعتبر هذه الجهود مساهمة جدية في اسناد حركة التحرر العربية والتخفيف من الضغوط الاستعماري عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي