الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحق على الصينيين هذه المرّة..!!

حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)

2014 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


كان محمود درويش يقول: مَنْ لا يعرف كيف يحرر خبراً في جريدة، لن يتعلّم فنون الكتابة. وهذا القول مهمٌ فصاحبه أحد المعلّمين الكبار. ولكن ماذا يحدث مع اجتماع سوء النية بمهارة أو رداءة، التحرير؟
لسوء النية دوافع مختلفة، وغالباً ما تكون سياسية. فالمحرر الشاطر، إذا كان سيئ النية يمكنه تشكيل الخبر كما يريد، أما إذا كان رديئاً، فلا يتجلى الزبد على يديه جفاءً وحسب، بل ويحتل المتن طارداً ما ينفع الناس.
الأخبار وسائل إيضاح تصلح للتدليل والتأويل. وتكفي، في هذا السياق، المصائر المتباينة لخبر واحد نشرته "الأيام" في الأوّل من أكتوبر الجاري بعنوان: "الزهار: حركة حماس ستبني دولة إسلامية في كل فلسطين".
الخبر منقول عن وكالة شينخوا الصينية، وخلاصته كلام للمذكور ينفي فيه أن تكون نية حماس إنشاء إمارة إسلامية في غزة: "نحن لن نفعل ذلك، بل سنبني دولة إسلامية في فلسطين، كل فسطين". وفي الخبر أن حركته: "لو نقلت ما لديها، أو جزءا صغيراً منه، إلى الضفة الغربية، فإننا نستطيع حسم معركة وعد الآخرة، في وقت لا يتخيّله إنسان".
نقل محرر "الأيام" عن الوكالة بحيادية، فلم يُعلّق بما يدل على سوء النية أو حسنها. وبعد خمسة أيام نشرت جريدة "إسرائيل اليوم" الخبر نفسه، تحت عنوان: "حماس: أعطونا الضفة الغربية وسندمر إسرائيل"، ومهّدت للخبر بتأويل مفاده أن في هذا الكلام ما يمثل رداً على منتقدي إسرائيل لأنها لم تستجب لمطالب الفلسطينيين.
وبدلاً من التذكير بالمصدر الأصلي، أي وكالة شينخوا، ذكر المحرر إن التصريحات المعنية جاءت في مقابلة مع جريدة "الأيام" الفلسطينية، واهتم على نحو خاص بالكلام عن معركة "الوعد النهائي" للتذكير بسذاجة الساسة الغربيين، الذين ميّزوا بين حماس وداعش، ولم ينس ضرورة توظيف دلالة "الوعد النهائي" في الرد على الداعين لانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية.
أما جائزة اليانصيب الكبرى، فجاءت في تقرير مراسل، من الناصرة، لجريدة إلكترونية تصدر بالعربية في لندن، في اليوم التالي لنشر الخبر في الجريدة الإسرائيلية. نقل المراسل، (الذي لم يكلف نفسه عناء البحث عن مصدر الخبر لاكتشاف أنه منقول عن شينخوا) ما كتبته الجريدة الإسرائيلية، ولكن تحت العنوان التالي: "الزهار: هدف حماس احتلال إسرائيل، وإقامة خلافة إسلامية".
والملاحظ، هنا، أن الجريدة الإسرائيلية لم تذكر موضوع الخلافة. والأدهى أنه ترجم الخبر، كما جاء في الجريدة الإسرائيلية، بدلاً من العودة إلى مصدره الأصلي، بل حتى زاد واستزاد فأصبحت فقرة الإمارة الإسلامية ما يلي: "هناك من يدعي بأن حماس معنية بإقامة إمارة إسلامية في قطاع غزة، هذا ليس صحيحاً، وليس في نيتها عمل ذلك، ولكن نيتنا أن نعمل ما عمله تنظيم داعش، وإقامة خلافة إسلامية تمتد على كل الأراضي المقدسة بفلسطين المحتلة".
وفي سياق استعراض شطارته التاريخية، والفقهية، فسّر المحرر، من الناصرة، عبارة "الوعد النهائي" كما ذكرتها الجريدة الإسرائيلية: "الذي يقصده الزهار إنما يعتمد على ما جاء في القرآن، الذي تنبأ بخراب القدس، وإبادة اليهود".
نحن، إذاً، أمام ثلاثة مصائر مختلفة لخبر واحد. وفي كل منها ما يحيل إلى العلاقة بين المهنية، والسياسة. حيادية محرر "الأيام" منعته من التعليق على ما جاء في الخبر عن السلطة: "استلموا هذه الوظائف، لكن نحن عيوننا ساهرة على المواطن والوطن، ولن نسمح لأحد بأن يمس كرامة أي مواطن، أو برنامج المقاومة". ويصعب أن نرى في كلام كهذا أكثر من حقيقة أن ثمة مسافة ما تزال بعيدة بين أحلام وأوهام الوفاق، وإعادة الإعمار من ناحية، والواقع من ناحية ثانية.
أما كلبية ( cynicism) محرر الجريدة الإسرائيلية فقد حرّضته على إنشاء صلة دلالية بين كلام الزهار عن "وعد الآخرة"، الذي ترجمه "بالوعد النهائي" وبين "الحل النهائي" أي تصفية اليهود على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية.
وأخيراً، "عبقرية" المحرر النصراوي، الذي ترجم المترجَم (على طريقة المحرر الأدبي في جريدة بعثية سورية، الذي ترجم "خطبة الهندي الأحمر" لمحمود درويش من الإنكليزية إلى العربية، باعتبارها أحدث القصائد الدرويشية) فتتمثل في العثور على الخلافة الإسلامية، وتأويل فكرة "الحل النهائي" النازية بنبوءة خراب القدس، وإبادة اليهود.
ومع ذلك، بعض ما غاب عن هؤلاء: الكلام عن حسم المعركة "في وقت لا يتخيله إنسان"، مثلاً. إنسان، هنا، صفة تصدق على كل البشر، وبين هؤلاء، بالتأكيد، جنرالات، وأساتذة في علوم الاستراتيجية والحرب، فهل يُعقل ألا يتمكن أحد من تخيّل وقت كهذا. هذه مبالغة بلاغية، طبعاً، وقد تصلح في كل مكان آخر ما عدا السياسة، إلا إذا انتقلنا بالسياسة من الواقع إلى الميتافيزيقيا.
وهذا يأخذنا إلى الكلام عن "وعد الآخرة"، باعتباره في صميم الحركات الميسيائية الخلاصية، الدينية، والمُعلمنة، في التاريخ. "وعد الآخرة" شائع في البروتستانتية الإنجيلية، والشبتائية اليهودية، كما تمثلها اليوم عطيرت كوهنيم وغيرها. وأذكر من مخاوف إسرائيل شاحاك الكثيرة، (وقد كان أبرز المُحذرين من خطر الميسيائية اليهودية)، خوفه من سيطرة الأصوليين اليهود على الدولة، لأنهم لن يتورعوا عن استخدام القنابل النووية، لتسديد ثارات تاريخية مع العالم، وتحقيق الخلاص النهائي.
من المفيد أن نقرأ ما كتبه رؤبين فايرستون عن "الحرب المقدسة في اليهودية" قبل عامين. ومع هذا، وقبله، وبعده، من المهم، أيضاً، ألا نقول إن الحق على الطليان، ربما الحق على الصينيين، هذه المرّة. أليس كذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم