الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلام الإسرائيلي (تطهير عرقي بكل معنى الكلمة)

فضيلة يوسف

2014 / 10 / 22
القضية الفلسطينية


ظهرت أشجار الصنوبر في فلسطين مع قيام دولة إسرائيل. الصنوبر هو عموماً من الأنواع الأوروبية قبل القرن العشرين كان لا ينظر إليه باهتمام في الشرق الأوسط. وقد أحضره المستوطنون الصهاينة إلى فلسطين لسببين رئيسيين: أولاً، أعطت المستوطنون اليهود الجدد الشعور بأن المكان الذي هاجروا إليه إلى حد ما جزءاً من أوروبا. وإذا تم "أروبة " فلسطين بمثل هذه الطريقة فسيتم أيضاً استبدال السكان المحليين الأدنى بسكان أكثر تفوقاً. وهكذا لم تتخلص الصهيونية من الأرض القديمة فقط، وإنما إحياء ما كان في عيونهم صحراء عربية بيئياً وثقافياً أيضاً .
وكان السبب الثاني عمليّا ً أكثر. نُقلت أشجار الصنوبر للتغطية على التطهير العرقي في فلسطين الذي حدث في 1947-1948 وأنتج النكبة الفلسطينية، استخدم الصنوبر سريع النمو على نطاق واسع لإنشاء المتنزهات الوطنية والترفيهية الإسرائيلية لإخفاء أنقاض القرى والأحياء الفلسطينية المدمرة التي طردوا سكانها بالقوة عام 1948.
قُدّمت هذه الغابات في وقت لاحق باسم " الرئات الخضراء " في إسرائيل لتشكل معاً سجادة بيئية غطّت الأراض الجرداء، أكبر هذه "الرئات" هو الحديقة الوطنية في جبل الكرمل قرب حيفا. إحدى أوائل المشاريع التي حاولت محو آثارالحياة الفلسطينية التي كانت موجودة هناك لقرون. تمتد هذه الغابة على أراضي القرى البارزة مثل إجزم، أم الزينات وخبازة التي اختفت ولم تعد تظهر على أي خريطة.
لم تتوقف هذه الطريقة في عام 1948، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس عام 1967 زُرعت أشجار الصنوبر مرة أخرى لتغطية موجة جديدة من القرى المدمرة ،عمواس، يالو وبيت نوبا، في وادي اللطرون قرب القدس. ظهرت "الرئة الخضراء" ،" كندا بارك "، كأرض ترفيهية تُخفي وحشية تهجير السكان من هذه القرى.
تم تغطية التطهير العرقي بأشجار الصنوبر وربما كان الأسلوب الأكثر سخرية الذي تستخدمه إسرائيل في سعيها للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من فلسطين مع أقل عدد من السكان الفلسطينيين قدر الإمكان. مثل كل الوسائل الأخرى، والتي سيتم وصفها هنا، يمكن العثور عليها في كل منعطف تاريخي منذ ظهرت الصهيونية على أرض فلسطين.
أُستخدمت وسيلة أخرى في عام 1948 وعام 1967، فقد تم إعادة تسمية القرى الفلسطينية كمستوطنات يهودية - في أكثر الأحيان عن طريق سرقة الاسم العربي للقرى العربية وتعديله. سهّلت لجنة شًكّلت في عام 1949 إعادة تسمية القرى المدمرة عام 1948 عن طريق " عبرنة" أسمائها العربية، وبالتالي أصبحت القرية الفلسطينية "لوبيا " كيبوتس لافي وأصبحت المدينة الفلسطينية "عسقلان " مدينة اشكلون الاسرائيلية. بعد الاحتلال عام 1967، تم بناء مستوطنة تكواع بجوار قرية بالضفة الغربية تسمى تقوع وعلى أرضها.
ولكن لم تكن الأشجار أو إعادة تسمية القرى الوسيلة الرئيسة ، كان، ولا يزال، الاستعمار، هذا الأسلوب غير القانوني من القرن التاسع عشر الذي تم تقبله والتوافق عليه في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، وحتى في عام 2014.
يُنظر إلى التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية من قبل التيارات الرئيسة كأمر معتاد وضروري .فهو بالنسبة للمعظم حق تاريخي وبالنسبة للبقية هناك ما يبرره كاستيعاب النمو السكاني الطبيعي في المستوطنات اليهودية القائمة. وفي الواقع ضمّ استعمار الضفة الغربية أجزاء كبيرة من الأراضي إلى إسرائيل (بغض النظر عن أي تسوية سلمية مستقبلية). يتعرض الفلسطينيون في المناطق القريبة من المستوطنات إلى وسائل أخرى من التطهير العرقي ومصادرة المزيد من الأراضي، بما في ذلك الحصار والأسلاك والأسوار والجدران والبوابات والسجن في بعض المواقع الخاصة بهم.
مكّن التطهير العرقي إسرائيل من السيطرة على الانسان فضلاً عن المناطق الجغرافية لفلسطين. ولا تقتصر السيطرة على المشهد على فلسطين 1948 أو 1967 في الضفة الغربية ، إنها جزء أساسي من المشروع الصهيوني. نجا الفلسطينيون الذين يعيشون النكبة داخل الخط الأخضر من التهجير ، ولكن هناك خطة رئيسية ترفض منحهم أي تراخيص بناء أو توسيع المناطق الممنوحة للسكان الأصليين الذين هم رسمياً مواطنو إسرائيل.
لقد تغيرت القوة الدافعة للاستيلاء البيئي والمكاني على مدى سنوات؛ يتم إدارتها هذه الأيام من قبل قوى الجناح اليميني في السياسية الإسرائيلية، أما في الماضي، فكان اليسار الصهيوني يثبّت الحقائق على الأرض - دون الإعلان عن النوايا الحقيقية التي تقف وراءها بينما يغطون أفعالهم بخطاب قانوني يخلط عمداً بين القانون الإسرائيلي والقانون الدولي والقانون الأردني والقانون العثماني، لتبرير مصادرة الأراضي باسم "أراضي الدولة".
أُنشئت هذه الحقائق الاستعمارية على الأرض قبل وأثناء ما يسمى "عملية السلام" التي بدأت عام 1993. سُئل المفاوضون الفلسطينيون لإضفاء الشرعية عليها من خلال الاتفاقات السياسية، وقد رفضوا فعل ذلك حتى الآن. تعلن القيادة السياسية اليمينية الإسرائيلية الحالية على الملأ رغبتها في تغطية الضفة الغربية ب"المستوطنات"، وهي في الواقع مستعمرات القرن التاسع عشر. وهم لا يسعون حتى، كما فعل أسلافهم إلى أي اتفاق مع الفلسطينيين ويستمرون في سياساتهم الأحادية.
سياسة التطهير العرقي- من خلال وسائل مختلفة منذ عام 1948- هي قضية توافقية في إسرائيل، وبالتالي هناك أمل ضئيل جداً للسلام والمصالحة. يعارض اليسار الإسرائيلي الحالي - "كتلة السلام" - المستوطنات الجديدة (1967) ولكنهم يرفضون الاعتراف بالظلم التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين عام 1948 ويرفضون حق الفلسطينيين اللاجئين والنازحين في العودة إلى ديارهم ووطنهم. ويرغب معظم أعضائه أيضاً موافقة الفلسطينيين على ضم ما يسمى "الكتل الاستيطانية"، - المساحات الواسعة من المستعمرات اليهودية غير الشرعية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية إلى إسرائيل -. إن رفض الاعتراف بحق العودة والرغبة في الإبقاء على الكتل الاستيطانية للحفاظ على إسرائيل دولة يهودية على أجزاء كبيرة من فلسطين التاريخية ،وترك سيادة محدودة للفلسطينيين على ما تبقى من البلاد. يمكن لهذه البقايا أن تصبح دولة فلسطين دون سيادة حقيقية وقابلية للحياة في حين يضطر الفلسطينيون داخل إسرائيل إلى قبول المواطنة من الدرجة الثانية على أنها حقيقة من حقائق الحياة في ظل اتفاق نهائي.
يتم تسويق استراتيجية التطهير العرقي بصورة مختلفة محلياً وخارجياً. فهو ضرورة " للحفاظ على الهوية اليهودية " للجمهور الإسرائيلي وفي الخارج " حاجة إسرائيل للأمن". هذه الذرائع أو الأعذار معاً شكلت الإجماع الإسرائيلي وراء استراتيجية التطهير العرقي.
وتُستخدم هذه المفاهيم على نطاق واسع في جميع أنحاء الطيف السياسي في إسرائيل وتوفّر إطاراً ل"التوافق الوطني" الاسرائيلي. كما أنها تدعم الصكوك السياسية التي تنكر حقوق السكان الأصليين في فلسطين وتعزز هدف الحفاظ على أغلبية يهودية.
وهناك وسيلة أخرى للتطهير العرقي هي جدار الفصل المحيط بالمجتمعات الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية جنباً إلى جنب مع سيطرة إسرائيل على المعابر الحدودية المحلية والدولية. كل هذه الوسائل تسمح لإسرائيل الحصول على أقصى قدر من السيطرة على السكان الفلسطينيين بأقل تكلفة. وفي نفس الوقت يرتبط المستوطنون الإسرائيليون مع المدن الإسرائيلية الرئيسية من خلال نظام متطور وحديث من الطرق السريعة والطرق الجانبية. وقد صممت هذه الطرق بمثل هذه الطريقة لمنع إزعاج المستوطنين برؤية القرى والمدن الفلسطينية، وكثير منهم يذهب خلال اليوم دون رؤية أي من الفلسطينيين المسجونين بالقرب منهم.
هذه الرغبة في عدم رؤية الفلسطينيين واضحة عند تصفح مواقع الشركات العقارية الإسرائيلية. فمن الصعب العثور على أي إشارات إلى الوجود الفلسطيني في أي من الخصائص أو الأحياء المعروضة للبيع.
عامل الجذب الرئيس المذكور في هذه الإعلانات أن هذه المناطق " غير مهددة أمنياً " أو أن موقعها "غير بعيد" عن مدينة اسرائيلية كبيرة. هذه الضمانات ، صراحة أو ضمناً، تعد المشترين المحتملين أنه لن يكون هناك عرب في المناطق المجاورة لها الآن أو في المستقبل، لا تقتصر هذه الإعلانات في الضفة الغربية ، ففي بعض المناطق داخل إسرائيل مثل صفد، حيث يذهب الطلاب الفلسطينيون (الإسرائيليون) إلى الجامعة ، هناك حملة واضحة لضمان أنهم لن يستطيعون الحصول على أي من الشقق في المدينة. وتعلن المواقع علناً أنها تبيع لليهود فقط ، مشيرة أن ممتلكاتها تنتمي للصندوق القومي اليهودي. ويستخدم هذا العذر أيضاً في المدن المختلطة مثل حيفا ويافا لجذب المشترين اليهود إلى المناطق "اليهودية" فقط.
أيضا، فإن سياسة معاداة حق العودة للاجئين الفلسطينيين هي شكل من أشكال التطهير العرقي بوسائل أخرى. فعدم قدرتهم على العودة لا علاقة له بقدرة البلاد على الاستيعاب ، ولكن جنسيتهم هي المشكلة. إسرائيل هي دولة لا علاقة فيها بين المواطنة وجنسية الشخص. "اليهودية" دين جعله المشروع الصهيوني الذي أنتج إسرائيل "أمة". بالتالي ينتمي اليهود الإسرائيليون إلى الأمة اليهودية، والعرب الفلسطينيون هم أقلية. وبالتالي يمكن لأي يهودي في العالم أن يصبح مواطناً في إسرائيل في حين أن الفلسطينيين الذين لا وطن لديهم غير فلسطين هم مقيمون مع حقوق متفاوتة أو بدون جنسية على الإطلاق.
وفُرضت أسوأ سياسة للتطهير العرقي على قطاع غزة منذ عام 2006. وُضع الفلسطينيون هناك بعيداً عن الأنظار وخارج العد الديموغرافي من خلال فرض حصار على 1.8 مليون شخص يعيشون هناك. تم تبريره من إسرائيل كإجراء أمني ولكنه في الحقيقة جزء من استراتيجية التطهير العرقي ،التي يمكن أن تتحول بسهولة إلى سياسة الإبادة الجماعية. هناك مقاومة في غزة ولا عجب أن الفلسطينيين يقاومون التطهير العرقي بكل ما لديهم.
مكّن التطهير العرقي الإسرائيليين من نسيان الفلسطينيين المسجونين وراء كل الوسائل التي نفذتها الدولة على الأرض و "حل" المشكلة الديموغرافية. حتى عندما قاوم سكان غزة في حالة يأس أسوأ ما قامت به هذه الأجهزة لم يتأثر معظم الإسرائيليين. واصل الغالبية العظمى من الإسرائيليين حياتهم الطبيعية رغم المذبحة التي تم بثها في جميع أنحاء العالم وحاولت الدعاية الإسرائيلية تصويرها بشكل مختلف، كما فعلت من قبل. تعطلت الحياة لبضعة أسابيع في أجزاء معينة من إسرائيل، ولكن هذا لم يكن كافياً لتنبيه المجتمع الإسرائيلي على الجرائم التي أُرتكبت باسمهم.
ليست مشكلة إسرائيل سياسة هنا أو هناك، ولكن استراتيجيتها العامة التي لم تتغير منذ عام 1948 ، الاستراتيجية الوحشية والأكثر فعالية بكثير، من بعض استراتيجيات التطهير العرقي التي تم العمل بها في أماكن أخرى في الشرق الأوسط و العالم ككل.
مترجم
Ilan Pappé and Samer Jaber








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي