الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 21

سلام ابراهيم عطوف كبة

2014 / 10 / 23
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!

-;- عبد العزيز وطبان/الاستاذ ابراهيم كبة لازال حيا!
-;- من نظريات الدورة الاقتصادية/نظرية فيض الاستثمار النقدية – هايك
-;- كبة ونظرية الثورة العربية


-;- كتب د. عبد العزيز وطبان الاستاذ السابق للاقتصاد في جامعة بغداد/ كلية الادارة والاقتصاد والجامعة المستنصرية وزميل الاستاذ ابراهيم كبة في ملف العدد 333 من مجلة الثقافة الجديدة الغراء :"عندما اقول ان الاستاذ ابراهيم كبة لازال حيا فهذا حقيقة واقعة وليس حلما او مجرد خيال،فحياة الانسان تبقى مستمرة عندما يترك اثرا او معلما او ثروة في حياته.والمقصود بالثروة هنا ليست ثروة مادية فحسب بل ان الثروة العلمية والثروة الفكرية تلك اكثر استمرارية وديمومة في الحياة،وخاصة لمن كانوا ملتفين حوله والمستفيدين من مناهل تلك الثروة.ومن الكنوز الفكرية ما هو اكثر عددا وديمومة من الثروة المادية.فالاستاذ ابراهيم كبة ترك لنا ثروة فكرية كبيرة ستتناقلها الاجيال ويشكرون من تركها لهم.لقد كان الاستاذ كبة كنزا علميا وثقافيا،وعليه لا اعتقد ان اسمه يمكن ان ينسى مادامت المكتبات قائمة،ومادام طالبو العلم يتكاثرون باستمرار،ومادامت الحياة مستمرة.
كان الاستاذ ابراهيم كبة وطنيا مخلصا اضافة الى كونه شخصية اجتماعية بارزة،وفي الوقت نفسه كان موسوعة متنقلة بوفرة معلوماته التي يكتنزها وتعدد اللغات التي يجيدها.
ولأن الاستاذ كبة لا يحتاج الى تعريف،فأنني لا اريد ان اكرر وازيد على ماهو معروف عنه عند الكثيرين عدا بعض المعلومات التي تخصني والتي ما زالت باقية في ذاكرتي،وسأعرض هنا بعض الذكريات المتواضعة عن هذا الرجل/الانسان الذ ي كان رحيله خسارة علمية وفكرية وثقافية وخسارة وطنية.
لقد زاملته من حيث المهنة مدة تقارب الثمان سنوات في جامعة بغداد/كلية الادارة والا قتصاد وفي الجامعة المستنصرية في تدريس نفس المادة التي يدرّسها هو.ولاشك ان الاحداث تنوعت ولم تأخذ طابعا واحدا وذلك بتغيّر احداث الوطن.وللاسف ان الذاكرة لا يمكن ان تحتفظ بتفاصيل الاحداث بعد مرور مدة تجاوزت الـ 32 سنة،اي منذ ان احيل الاستاذ كبة على التقاعد ولحد الآن.ومع ذلك لابد من الاشارة الى الكيفية التي تعرفت بها عليه،وكيف حدثت المصادفة ان ادرس نفس المادة التي هو يدرسها وبنفس الكلية.
عندما انهيت دراستي في جامعة موسكو وحصلت على شهادة الدكتوراه في عام 1970،عدت الى الوطن وقدمت طلبا الى جامعة بغداد/كلية الادارة والاقتصاد.كان عدد الاساتذة العاملين في هذا القسم بحدود 17 استاذا على ما اتذكر،ومنهم الاساتذة الدكاترة:خزعل البيرماني و منصور الراوي وعلي البيرماني وخضير المهر ورئيس القسم الدكتور محمد سلمان حسن والاستاذ ابراهيم كبة وحميد القيسي وصلاح العمر واخرين.وقد اتخذ رئيس القسم من موضوع تعييني موقفا حياديا تماما اذ حتى اثناء التصويت على طلبي امتنع عن التصويت واشرك طلب البعثي المعروف الدكتور حميد الجميلي وطلب ان يكون التصويت على الطلبين دفعة واحدة،وبعد مناقشات حادة تمت الموافقة علينا نحن الاثنين.وهنا لابد من الاشارة الى انه لولا موقف الاستاذ كبة القوي والجاد وكذلك موقف الدكتور حميد القيسي وحماسته لمعرفتي القديمة به وتأثيرهما على الآخرين لرفض طلبي ولكان من الصعب ان تتم الموافقة اذ كنت معروفا اثناء المناقشة كوني شيوعيا. ولم يقف الاستاذ كبة عند هذا الحد،بل استمرت علاقتي به في تبادل الاراء كما زودني بالبرنامج التدريسي الذي كان هو يتبعه واستمرت علاقتنا الى ان احيل الى التقاعد عام 1977 ونقلي انا من جامعة بغداد الى المؤسسة العامة لتجارة السلع الانتاجية.
من المعروف ان للاستاذ ابراهيم كبة العديد من المؤلفات والبحوث والترجمات اذ لا تخلو المجلات العراقية وحتى العربية منها.وعليه من غير المستغرب ان تدور المناقشات بين الاساتذة حول ما ينشر على صفحات هذه المجلات،وخاصة في مجلتي (الاقتصادي) التي كانت تصدرها جمعية الاقتصاديين العراقيين ومجلة الجامعة المستنصرية.ومعظم هذه المناقشات،وفي كثير من الاحيان،كانت تدور حول ما يكتبه الاستاذ كبة بشكل خاص.ومما يلفت النظر ان اساتذة القسم كانوا متباينين في آرائهم.اقول ان آراء الاساتذة كانت متباينة،وهذا امر بديهي لانهم خريجو جامعات مختلفة،لذلك كانت المناقشات حادة في كثير من الاحيان وغالبا ما تكون اكثر حدة عندما يكون الاستاذ ابراهيم حاضرا.وكما اتذكر،دارت،في احدى المرات،مناقشة اكثر حيوية لان عدد الحاضرين كان كبيرا،وكانت في الواقع تدور حول كتاب مترجم صدر حديثا (1972) للاستاذ كبة وكان بعنوان: الرأسمالية نظاما.وليس خافيا ان عددا من الاساتذة كانوا يختلفون فكريا مع الاستاذ ابراهيم،ولا انسى النقاش الذي ربط بين الموضوعات التي تخص النظام الرأسمالي ومؤلفات كبة السابقة- ماهي الامبريالية؟ وكتابه الموسوم: دراسات في تأريخ الاقتصاد و الفكر الاقتصادي.وبديهي ان المتعارضين مع الاستاذ ابراهيم لاتروق لهم مثل هذه الكتابات.وكان رد الاستاذ ابراهيم،في كثير من الاحيان شديدا وحازما،وبديهي ان مثل هذه المناقشات كانت تحدث اثناء الفرص.
ساعدني الاستاذ ابراهيم خاصة كنت بحاجة الى معرفة ماهي المواد التي يدرّسها في محاضراته لأنني كلفت بتدريس نفس المواد في الشعب التي ليست من حصته، بسبب تعدد تلك الشعب حيث كانت تزيد على 12 شعبة للسنة الاولى،بالاضافة الى الصفوف الاخرى،ونفس الشىء بالنسبة للجامعة المستنصرية.
كان الاستاذ كبة محبوبا ومحترما الى حد كبير من قبل الاساتذة والطلبة على حد سواء. كما كان شديدا و حازما ودقيقا في تصرفاته،ملتزماً جدا في مواعيده، سواء في حضور الاجتماعات او المحاضرات او حتى ارتباطاته مع طلبة الماجستير والدكتوراه،بالاضافة الى مسألة التصحيح و تسليم الدرجات.وفي مواعيد المراقبة ايام الامتحانات كان نظاميا الى درجة الدقة اللامتناهية.
كان الاستاذ كبة يلقي محاضراته واقفا وبصوت جهوري.. ولا يستخدم اي ورقة.. واحيانا كثيرة يسترسل بالمحاضرة وينسى الوقت كليا مما يضطر الطلبة لتذكيره لأن عدداً منهم ملتزمون بمواعيد وسائط النقل وخاصة بالنسبة لطلبة الجامعة المستنصرية.
من البديهي ان يحاول بعض الاساتذة الذين يختلفون معه فكريا لايجاد الثغرات للطعن به،ولكن شخصيته المرموقة تجاوزت كل الاقاويل.ولا انسى موقفه من العلاوة التي سميت،في حينه، بعلاوة ذوي الكفاءة اذ كان يردد، وقد ايده عدد من الاساتذة، انه لو كانت الزيادة على الرواتب لكان الامر افضل،لأن هذه العلاوة يمكن سحبها في اي وقت وهي للدعاية بأي حال من الاحوال.
اثناء عمله التدريسي قدم الاستاذ كبة طلبا لترقيته الى درجة استاذ. وبالرغم من موافقة رئاسة القسم وعمادة كلية الادارة والاقتصاد رفضت لجنة الترقيات في جامعة بغداد الطلب بحجة عدم اكتمال المدة القانونية، مع العلم ان مؤلفاته المشار اليها تكفي لمنحه اكثر من درجة استاذ.
في عام 1969 واثرعودة حزب البعث الى السلطة طلبوا منه و من الدكتور محمد سلمان حسن الاشتراك في الوزارة الا انهما رفضا الطلب لمعرفتهما بحقيقة حزب البعث وجرائمه عام 1963، واعتبرا ان طلب الحكام الجدد هذا ليس سوى محاولة لاضفاء الشرعية لسلطتهم.
غير ان صدام حسين المعروف بحقده لم يغفر للاستاذين كبة ومحمد سلمان حسن ذلك الموقف. ففي عام 1977 تم شن حملة بربرية ضد اساتذة الجامعات العراقية من الديموقراطيين بدأها باحالة الاستاذين ابراهيم كبة و الدكتور محمد سلمان حسن. وكانت تلك حملة بربرية اقصائية شنيعة وصلت ذروتها الى حد نقل احد اساتذة الفلسفة في كلية الاداب الى النقل البحري واستاذ في مادة الادب العربي الى وزارة الصحة، واحيل استاذين على التقاعد وهما بعيدان كل البعد عن السياسة.
وخلاصة القول ان الاستاذ كبة بسبب سمعته الطيبة وما قدمه من تراث علمي وثقافي وتخرج الآلاف من طلبة الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس على يده يجعله حيا ولم يمت. لقد انقطعت اخباره عني منذ عام 1979، عدا بعض الاخبار العامة، الا اني فوجئت عندما بلغني نبأ رحيله الابدي في 26 تشرين الأول 2004 فكان ذلك مفاجئة محزنة، ذلك ان رحيله شكل خساره حقا. ولكني مع ذلك ابقى اتساءل: هل رحل الاستاذ ابراهيم كبة حقا؟ اجيب فورا ودون تردد: كلا.. انه لم يمت ولازال حيا بيننا بما تركه من معرفة علمية ثرة ونتاج علمي كبير.
ان فقدان اساتذة من طراز ابراهيم كبة و محمد سلمان حسن وخزعل البيرماني وصباح الدرة وصفاء الحافظ وغيرهم يعد خسارة كبرى من الصعب تعويضها. لقد كانوا كوادر ثقافية وعلمية مرموقة، وكنوزاً وطنية فكرية، ذلك لان الجامعة تعرف لا ببناياتها مهما كانت عالية ولكن بقامات اساتذتها المعرفية والعلمية.
الذكر الطيب دوما للاستاذ ابراهيم كبة !

-;- في مجلة الجامعة المستنصرية/العدد الاول/السنة 1970،كتب د.ابراهيم كبة دراسة اقتصادية تخصصية تحت عنوان"نظرية فيض الاستثمار النقدية – هايك"،جاء فيها:
من نظرية الدورة الاقتصادية
نظرية فيض الاستثمار النقدية – هايك
MONETARY OVERINVESTMENT THEORY

اهمية النظرية :
من الملاحظ بأن من مميزات الدورة الاقتصادية هي ان التقلبات في انتاج وسائل الانتاج أشد منها في انتاج السلع الاستهلاكية،وعليه فأن أية نظرية في تفسير الدورة لا تأخذ ذلك بنظر الاعتبار لا يمكن ان تعتبر كافية.وهذا العيب بارز في النظرية النقدية الصرفة(هوترى)التي لم تفسر هذه الظاهرة البارزة في الدورة،بل لم تعطها أية أهمية خاصة.
ان النظرية موضوعة بحثنا الآن تحاول ان تعالج هذا العيب،فهي من جهة نظرية(نقدية)لأنها تتلمس سبب اضطرابات الدورة في مرونة النظام المصرفي،وهي من جهة أخرى(اكثر من نقدية)صرفة،لأنها تحاول أن تربط بين هذا العامل النقدي وبين الانحرافات الملاحظة اثناء الدورة في كلا القطاعين الانتاجيين،ولهذا اطلق عليها اسم(نظرية فيض الاستثمار النقدية).
ويعتبر ابرز اقطابها الاستاذ النمساوي هايك(Hayek)(1).

1. تركيب الانتاج(STRUCTURE OF PRODUCTION):
ان معنى تركيب الانتاج،حسب تعبير هايك والمدرسة النمساوية بصورة عامة،هو مجموع مراحل الانتاج(Stages)في النظام الاقتصادي،فمن المعلوم ان موارد البلاد المخصصة للانتاج(عكس الاستهلاك)تنظم وترتب على عدة مراحل:مراحل(عليا High)تحضر فيها اي تنتج وسائل الانتاج(مكائن،مواد اولية،بنايات)اللازمة لانتاج السلع الاستهلاكية او النهائية،ومراحل(دنيا Low)تنتج فيها السلع الاستهلاكية.وهناك عدة مراحل انتاجية،من ابعد مرحلة(بالنسبة للسلعة النهائية)الى اقرب مرحلة منها.
ان(شكل)هذا التركيب الانتاجي،يتوقف في كل نظام اقتصادي على قرارات المجتمع المتعلقة بتوزيع الدخل بين الانفاق(Spending) والادخار(Saving)،فبقدر ما يقرر المجتمع الادخار،يعبر عن رغبته في زيادة موارده المخصصة للمراحل العليا للانتاج(اي لانتاج وسائل الانتاج).وبقدر ما يقرر المجتمع الانفاق،يعبر عن رغبته لتخصيص موارد اكثر لانتاج السلع الاستهلاكية في المراحل الدنيا من الانتاج.ومعنى كل ذلك هو انه في حالة سير النظام الاقتصادي سيراً طبيعياً،يكون شكل التركيب الانتاجي في المجتمع،وخاصة عدد مراحله الانتاجية،متفقاً مع قرارات المجتمع المتعلقة بنسبة الانفاق والادخار.ان نظريتنا موضوعة البحث تعتقد ان هذا الاتفاق(بين التركيب الانتاجي وقرارات الادخار والانفاق)،انما يقع فعلاً – على الاقل في الامد الطويل – بفضل العامل الهام في نظامه الاقتصادي،وهو(سعر الفائدة Rate Of Interest).

2. اهمية سعر الفائدة :
يمكن تلخيص الدور الذي يلعبه هذا العامل في الدورة الاقتصادية – حسب نظرية هايك – بالشكل التالي :
أ – ان ماينفقه الانسان يذهب(مباشرة)لشراء السلع الاستهلاكية.ولكن ما (يدخره) لا يذهب مباشرة لشراء السلع الانتاجية،بل يدخل اولا الى سوق رأس المال(Capital Market)(اي المؤسسات المالية المختلفة،كالبنوك وشركات التأمين،وبورصات الاسهم والسندات)،وعن طريقها يوضع تحت تصرف مدراء المشاريع الانتاجية لانتاج السلع الانتاجية.ان هذه العملية هي ما يطلق عليه هايك (الاستثمار) (Investment).
ب – ان وظيفة سعر الفائدة هي بالضبط ضمان التوازن بين فيض الادخارات(Flow)ومقدار الاستثمارات،واذا كان السعر المذكور يؤدي مهتمه كما يجب،فانه يتجه الى بلوغ المستوى الذي يتساوى فيه فعلا جانبا العرض والطلب لمقدار الادخارات،او مايسميه هايك:(صندوق الادخارات Fund of Saving)وهذا المستوى لسعر الفائدة هو مايسميه هايك،(جريا على مدرسة فسكل Wicksell)(سعر الفائدة الطبيعي)،و(سعر الفائدة التوازني Natural´-or-Equilibrium)فاذا ارتفع سعر الفائدة السوقي(Market Rate)اي الفعلي عن السعر الطبيعي كان معنى ذلك زيادة العرض على الطلب،واذا انخفض السعر الفعلي عن السعر الطبيعي كان معنى ذلك زيادة الطلب من قبل المدراء بالنسبة لعرض الادخار المتوفر(2).
ج – من الطبيعي انه في حالة اداء سعر الفائدة مهمته كما ينبغي،يجب ان يؤدي اي تغير في مقدار الادخار(بالنسبة للانفاق)الى تغير فوري مماثل في انتاج وسائل الانتاج(بالنسبة لانتاج السلع الاستهلاكية).فاذا زاد الادخار انخفض سعر الفائدة وزادت الموارد المخصصة لانتاج السلع الانتاجية(بالنسبة للاستهلاكية).وبالعكس اذا انخفض الادخار ارتفع سعر الفائدة وزادت المواد المخصصة لانتاج السلع الاستهلاكية(بالنسبة للانتاجية).او بعبارة اخرى ان اي تغير في نسبة الادخار والانفاق يميل الى احداث تغير مماثل في تركيب الانتاج(3).
د- يعتقد هايك انه ليس هناك اي سبب منطقي او اقتصادي يجعل التغير في تركيب الانتاج(اي التحول من المراحل العليا للانتاج الى المراحل الدنيا،او بالعكس)اكثر صعوبة والتسبب باحداث الاضطرابات الاقتصادية،من التحول من صناعة لاخرى ضمن نفس المرحلة الانتاجية.او حسب تعبير المدرسة النمساوية،ليس هناك موجب لتوقع الاضطرابات الاقتصادية في التحولات العمودية(Vertical Shifts)(اي من السلع الانتاجية الى الاستهلاكية او بالعكس)اكثر من الاحتكاكات العادية التي تحدث في التحولات الافقية(Horizontal)اي بين الصناعات الانتاجية نفسها،او بين الصناعات الاستهلاكية نفسها.

3. لماذا تحدث الاضطرابات في التحولات العمودية؟
ان السبب في ذلك يعود لعامل واحد في نظر هايك،وهو مرونة النظام المصرفي(Elastictiy) او مايسميه بعض الاقتصاديين النمساويين عدم حياد النظام النقدي(4).
أ – ان هذه المرونة ترجع للطبيعة الثنائية لنظامنا المصرفي الحالي،اي للدور الثنائي المطلوب منه القيام به:من جهة دور(الوسيط)بين المدخرين والمستثمرين،اي الوسيط بين عرض وطلب رأس المال،ومن جهة اخرى دور المجهز النقدي الاول في المجتمع الحديث،اي دور المجهز للائتمان المصرفي(5).
ب – ان الدور الاول،في حالة السير الطبيعي للنظام المصرفي،يجب ان يؤدي الى التوازن بين الادخار والاستثمار – كما رأينا – اي الى عدم بقاء ادخار زائد من دون استثمار،او استثمار زائد على الادخار المتوفر.الا ان هذا الدور الاساسي للمصارف يفشل في التطبيق،بسبب الدور الثاني للمصارف وهو دورها النقدي.
ج – لو كان العرض النقدي ثابتا،لاصبح المصدر الوحيد للاستثمار هو(صندوق الادخار)،ولكن مرونة النظام المصرفي تتيح للمصارف زيادة الاستثمار دون ان يطرأ اي نقص سابق على الادخار.ووسيلة المصارف للقيام بهذا(التحريف)الاقتصادي،هي بالضبط رفع او خفض سعر الفائدة عن السعر الطبيعي او سعر التوازن.ففي حالة خفض السعر الحقيقي عن سعر التوازن تشجع المشاريع على الاقتراض،ومن ثم الاستثمار زيادة على مقدار الادخار.اما في حالة رفع سعر الفائدة الحقيقي عن سعر التوازن،فيحدث العكس،اي تثبط المشاريع عن الاقتراض،فيزيد الادخار على الاستثمار.
د – يعزو هايك مرونة الائتمان المصرفي المذكورة(اي قابلية المصارف على التلاعب بسعر الفائدة)الى قدرتها على تغيير النسب بين ودائعها المصرفية واحتياطييها النقدي من جهة،والى طبيعة التنافسية للنظام المصرفي،التي تدعو جميع المصارف الى السير في نفس الاتجاه التصاعدي او التنازلي بصرف النظر عن مقدار الادخارات الحقيقية الموضوعة تحت تصرفها من قبل الجمهور بقصد تحويلها الى الاستثمار(6).
هـ - وينتهي هايك من كل ذلك الى النتيجة:ان مرونة الائتمان المصرفي هي السبب الحقيقي في تغيرات مقدار الاستثمار بصورة مستقلة عن التغيرات في مصدره الطبيعي وهو الادخار،وان هذا التغير غير الطبيعي في الاستثمار هو المسؤول عن ظاهرة الدورة الاقتصادية.

4. نظرية فيض الاستثمار و(الادخار الاجباري) - FORCED SAVING
فيما يلي وصف لما يحدث اثناء مرحلة التوسع بسبب تغيرات(معدل الاستثمار) (Rate Of Investment)بنتيجة توسع الائتمان المصرفي:
أ – حالة التوازن :
يبدأ هايك بفرضية حالة التوازن في النظام الاقتصادي،لانه يعتبر الدورة مجرد اضطراب في التوازن المذكور،ويعتبر مراحلها المتعاقبة مجرد انحرافات تصاعدية او تنازلية عن وضعية التوازن.ان فرضية التوازن تتضمن – حسب هايك – الافتراضات التالية:
(1) سعر الفائدة الطبيعي،المؤدي لتوازن الانفاق والادخار.
(2) تركيب الانتاج المتفق مع توزيع الدخل بين الانفاق والادخار.
(3) الاستخدام الكامل،حيث لا عطالة في الموارد الاقتصادية،عدا ما يحدث بصورة طبيعية اثناء التحولات بين مراحل الانتاج.ان هذه الفرضية(اي الاستخدام الكامل للموارد)في غاية الاهمية في نظرية هايك،لانها تعني ان اية زيادة في انتاج قطاع معين،يجب ان تتم على حساب نقص الانتاج في قطاع آخر،وتعني على الأخص ان زيادة الانتاج في المراحل العليا(اي السلع الانتاجية)تعني وجوب نقص الانتاج في المراحل الدنيا(السلع الاستهلاكية)(7).
ب – حالة التوسع(8):
يصف هايك حالة التوسع(الرخاء)بالشكل الذي نلخص نقاطه الاساسية فيما يلي:
(1) لنفرض ان توسعا في الائتمان المصرفي حصل مصحوبا بانخفاض سعر الفائدة السوقي بالنسبة لسعرها الطبيعي او التوازني.ان اسباب هذا التوسع قد تكون مختلفة(زيادة في احتياطي البنوك،او زيادة في فرص الارباح لدى مدراء المشاريع)،ولكن مهما يكن السبب،فان انخفاض سعر الفائدة يشجع المدراء على زيادة الاقتراض،ويشجع المصارف على زيادة التوسع الائتماني،وهكذا.
(2) المهم في نظرية هايك هو التأكد على ان ردود فعل(Reaction)المشاريع لعامل انخفاض سعر الفائدة،متشابهة،سواء احصل الانخفاض المذكور بسبب زيادة(الادخارات الاختيارية)للمجتمع،او بسبب مجرد قرار المصارف توسيع الائتمان بصرف النظر عن رغبة المجتمع في زيادة الادخار.
(3) ان المشاريع التي تتسلم هذا الائتمان المصرفي الزائد،تستخدمه لتوسيع انتاج وسائل الانتاج،مما يؤدي الى رفع السلع الانتاجية،بالنسبة لاسعار السلع الاستهلاكية،مما يؤدي الى الاتجاه نحو زيادة عدد مراحل الانتاج.او بكلمة اخرى ان توسع الائتمان المصرفي يؤدي الى نفس النتائج التي كان يؤدي اليها انخفاض سعر الفائدة بسب زيادة الادخار الاختياري(9)( Voluntary Saving) اي الى تغير في تركيب الانتاج(انتاج وسائل انتاج اكثر،نحول العمل والمواد الاولية الى المراحل العليا للانتاج).
(4) ان هذه النتائج تكون مصحوبة في نفس الوقت بندرة متزايدة في السلع الاستهلاكية،وذلك بسبب فرضية الاستخدام الكامل للموارد،التي سبق ان اشرنا اليها.ان زيادة انتاج وسائل الانتاج تكون بالضرورة على حساب نقص انتاج السلع الاستهلاكية.ان المنتجين لوسائل الانتاج،بسبب زيادة قوتهم الشرائية نتيجة توسع الائتمان المصرفي،يعزون عوامل الانتاج(العمل والموارد الاولية..الخ)الى التحول من انتاج السلع الاستهلاكية الى قطاعهم الخاص،وهذا يؤدي الى انخفاض في انتاج السلع الاستهلاكية.وبقدر ما يؤدي الى ذلك فهو يدفع المستهلكين الى تخفيض استهلاكهم وزيادة ادخارهم رغما عنهم وبصرف النظر عن رغباتهم.او بعبارة اخرى ان توسع الائتمان المصرفي – غير المستند الى الادخار الاختياري – يؤدي بالضرورة – الى الادخار الاجباري -،في حين ان الادخار الاختياري يؤدي الى تغيير في تركيب الانتاج(لصالح المراحل العليا)باختيار المجتمع نفسه.ان العجز عن الاستهلاك في الحالة الاولى هو عجز اجباري،بينما هو في الحالة الاخرى امتناع اختياري.والعلاقة الظاهرة للادخار الاجباري،هي ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية،اي انخفاض القدرة الشرائية لذلك القسم من الدخل المخصص للاستهلاك.
(5) حلل الاستاذ الامريكي الكينزي هامبرك مفهوم الادخار الاجباري،حسب نظرية هايك،بشكل مركز(10)،فعرفه بأنه(نقص الاستهلاك الاجباري)،بالمقاييس العينية(Real Terms)لا النقدية،اي ان الخدمات والسلع الاستهلاكية تكون اقل من السابق بصرف النظر عن ازدياد مقدار الداخل النقدي المخصص لشرائها)ويعتقد هامبرك ان عاملين يعملان في هذه الظاهرة(الادخار الاجباري):العامل الاول هو ارتفاع الاسعار الاستهلاكية،والعامل الثاني هو صلابة بعض الدخول النقدية التعاقدية،وخاصة الاجور،التي تؤدي الى انتقال الدخول في الواقع من اصحابها وهم ذوو ميل كبير للاستهلاك الى اصحاب المشاريع الذي يتميزون بميل استهلاكي اقل(11).

5. نتائج الادخار الاجباري:
أ – ان الامتناع عن الاستهلاك في حالة الادخار الاجباري اذن هو امتناع اجباري،سببه ضغط اسعار السلع الاستهلاكية،دون اية رغبة من قبل الجمهور نفسه،ولهذا فحالما يرتفع دخل الجمهور يعودون لمستوياتهم الاستهلاكية الاعتيادية.ويستنتج هايك من ذلك الى ان كل شئ يتوقف اذن على ارتفاع دخل المستهلكين.
ب – ان هذا الدخل يرتفع بالفعل في حالة التوسع،بنتيجة وضع مشاريع السلع الانتاجية قوة شرائية جديدة تحت تصرف مالكي عوامل الانتاج اللازمة لانتاج سلعهم(عمال،اصحاب المواد الاولية،اصحاب المشاريع الانشائية..الخ)مما يحمل جميع هؤلاء على اعادة مستوياتهم الاستهلاكية السابقة،فيشتد نشاط المراحل الدنيا(السلع الاستهلاكية)وترتفع اسعار السلع المذكورة بشكل محسوس،فتزيد ارباح المراحل الانتاجية الدنيا،وتقوي منافستهم على طلب عوامل الانتاج،وهكذا تقلب النتائج السابقة التي اطلقها لاول مرة التوسع الائتماني غير الطبيعي،وتتجه الموارد الاقتصادية(من العمل ورأس المال)الى الانتقال مرة اخرى من المراحل العليا الى المراحل الدنيا(اي من القطاع الانتاجي الى القطاع الاستهلاكي)،فيؤدي كل ذلك الى انخفاض في السلع الانتاجية(بالنسبة للسلع الاستهلاكية)،وربما الى خسائر جسيمة في القطاعات الانتاجية(12).
وما هي دلالة ذلك؟ان دلالته،حسب هايك،هو ان المستهلكين لم يوافقوا اطلاقا على قرارات المصارف في تغيير تركيب الانتاج دون اخذ رغباتهم بنظر الاعتبار،وعلى تصميمهم على ارجاع التركيب الاقتصادي والانتاجي الى وضعه التوازني السابق قبل انطلاق عوامل الاضطراب،وقدرتهم على تحقيق ذلك بالشكل الذي وصفناه اعلاه.لقد وصف الاقتصادي الفرنسي(كلوزو)الدخل الجديد الموزع من قبل القطاع الاستثماري على اصحاب عوامل الانتاج،بأنه(السلاح الذي يقدمه العدو لضحيته متيحا له المجال للانتقام منه(ص 298).

أ‌- هل تستطيع المصارف الاحتفاط بالتوسع الاقتصادي دون نهاية ؟ :
أ – يعتقد هايك ان المصارف تستطيع منع ارجاع الطبيعية مرة اخرى والاستمرار في حالة التوسع غير الطبيعية التي اطلقت قواها،اذا استمرت في توسع الائتمان المصرفي للمراحل العليا من الانتاج ولكن(بشكل اشد)من الموجة الائتمانية الاولى حتى تستطيع ان تحول دون القطاعات الاستهلاكية وقدرتها على اغراء عوامل الانتاج للتحول اليها من القطاعات الانتاجية.
ب- كذلك يعتقد هايك ان المصارف تفعل فعلا ذلك في الفترة الاولى من مرحلة التوسع(اي تستمر في زيادة توسعها الائتماني)،وان المشاريع الانتاجية تستمر فعلا في الاقتراض رغبة منها في الاستمرار على اكمال مشاريعها التي بدأتها ومنعا لخسائرها الجسيمة في حالة توقف المشاريع المذكورة.الا ان هذه العملية لابد ان تقف عند حد،بالنظر لانها لا تفعل اكثر من تأزيم المشكلة بصورة اشد،بالرغم من تأجيلها فترة قصيرة(13)،فعوامل انقلاب النتائج مستمرة في عملها.ان ارتفاع اسعار عوامل الانتاج يؤدي الى زيادة دخول المستهلكين من جديد،بكل ما تؤدي اليه من آثار تراكمية سبقت الاشارة اليها،وهكذا فان النتيجة الوحيدة التي يؤدي اليها اصرار المصارف على توسيع الائتمان المصطنع هو اطلاق ما يسمونه احيانا ب (حلزونية التضخم) (Spiral Of Inflation) في الاقتصاد الوطني (اي تعاقب ارتفاع الاسعار) فزيادة الدخول،فارتفاع الاسعار بصورة اشد،فزيادة الدخول بصورة اشد،وهكذا.
ج – على ان هايك يعتقد بان المصارف لا تستطيع الاستمرار دون نهاية في توسعها الائتماني.ففي حالة الأخذ بقاعدة الذهب(Gold standard)هناك حدود مقررة للتوسع الائتماني.وعندما تبدأ هذه الحدود بالاقتراب ترفع البنوك سعر الفائدة فتضع حداً بذلك للاقراض لاغراض انتاجية.وكذلك في حالة العملة الورقية(Paper Standard)فان ارتفاع الاسعار الشديد بنتيجة التوسع الائتماني يصل الى حد لا يمكن احتماله،مما يدفع المصارف على وضع حد للتوسع المذكور،برفعها سعر الفائدة.وهكذا فعند هذه النقطة(اي رفع سعر الفائدة)تبدأ النتائج العكسية في تركيب الانتاج بالظهور،ويعود الوضع السابق للتركيب المذكورة مرة أخرى الى الاتفاق مع الحالة الحقيقية للادخار الاختياري.وما الازمة والركود،اللذان يعقبان التوسع الا انعكاسان للصعوبات البالغة التي تتضمنها عملية الرجوع المذكورة لحالة التوازن(14).

ب‌- اين تكمن العلة الحقيقية ؟ :
أ‌- من كل ما سبق يظهر بوضوح بان العلة في نظر هايك هي فيض الاستثمار بسبب الادخار الاجباري.ان الادخار الاختياري يؤدي الى تغير دائم(Permanent)في تركيب الانتاج،بينما الادخار الاجباري يؤدي الى تغير مماثل في تركيب الانتاج ولكنه لن يدوم،لأنه سرعان ما يعود الى وضعه السابق المتفق مع حالة الادخار والانفاق الاختيارين.او بعبارة اخرى ان الازمة(Crisis) (اي نقطة التحول من التوسع الى التقلص) انما يسببها نقص الادخار(Short Age of Saving)،اي عدم رغبة المجتمع في زيادة الادخار الاختياري اللازم لاسناد زيادة الاستثمار الدائم.لقد عبر هايك نفسه عن هذه الفكرة عندما قال حرفياً:(ان ما يبنى في مرحلة الصعود(Swing)،سوف يحطم بصورة حتمية في مرحلة الانهيار(Breakdown)(15).ويعلق الاستاذ هابرلر على العبارة المذكورة بأن هايك لا يقصد طبعاً التحطيم المادي،بل الانهيار الاقتصادي،أي عدم تغطية نفقات الانتاج للمشاريع الاستثمارية عند انفجار الازمة.
ب‌- ان هايك اذن يختلف جذرياً مع التفسيرات(النقص الاستهلاكية )(16)للدورة الاقتصادية اي التي تنسب اضطرابات الدورة لعامل(الافراط في الادخار)Excess Saving او نقص الاستهلاك(Under Consumption).ان هايك يعتقد بعدم وجود ادخار مفرط ،بل حتى بعدم امكانية وجود الادخار المفرط .ان ما يحصل في الواقع هو(افراط في الاستثمار) (Excess Investment) وهذا لا يحصل الا بسبب (الاوهام) (Illusions) التي يخلقها الائتمان المصرفي المرن.ان المصارف بالفعل تخلق(الوهم) لدى مدراء المشاريع الانتاجية بوجود زيادة في ادخار المجتمع،ولكن هذا الوهم سرعان ما ينهار بعد ظهور عدم وجود الادخار المذكور،وان كل ما حصل هو توسع غير طبيعي في الائتمان المصرفي،دون سند له في واقع السلوك الاقتصادي للمجتمع.او حسب تعبير هايك،ان مرونة الائتمان المصرفي تفقد الروادع الذاتية (Autonomons Checks) في الاقتصاد الوطني فعاليتها الاقتصادية،او تجعل فعاليتها متأخرة بعض الشيء،بحيث لا تستطيع ان تحول دون تطور الآثار التراكمية للعوامل التي اطلفت الاضطراب.ان الائتمان المصرفي يمثل نوعاً من المساعدة المالية(Subsidy) تقدمها المصارف لمنتجي السلع الانتاجية ولكنها سرعان ما تسحب من قبل المصارف في الوقت الذي تكون فيه حاجة المشاريع اليها أشد ما تكون(17).

8. مرحلة الركود(الكساد):
يمكن تعريف الركود أو الكساد(مرحلة التقلص في الدورة الاقتصادية)حسب نظرية هايك،بأنه مرحلة عودة تركيب الانتاج الى وضعه السابق،او بعبارة اخرى،حسب تعبير المدرسة النمساوية،تقصير(18)(Shortening)الانتاج الى طوله الاعتيادي السابق.على ان هذه العملية الاقتصادية عملية مؤلمة وتحتاج لوقت طويل نسبياً.وكسائر عمليات رد الفعل،تتعرض هي الاخرى لتطرف مبالغ فيه،اي ان تركيب الانتاج يصل في قعر مرحلة الركود الى مستوى يهبط فيه اشد مما يتطلبه المستوى الحقيقي للادخار الاختياري،وبهذا يحتاج ارجاع الوضع من جديد لمستوى التوازن وقتاً آخر،الامر الذي يزيد من طول فترة الركود.
ان عملية الركود تتخذ الشكل التالي حسب نظرية هايك:
أ‌- ان محاولات المستهلكين ارجاع مستوياتهم الاستهلاكية السابقة(التي ارغموا على التخلي عنها بسبب عوامل مرحلة التوسع)مصحوبة بوقف التوسع الائتماني من قبل المصارف حرصاً على احتياطها النقدي،تؤدي بالمشاريع الانتاجية(خاصة في المراحل العليا للانتاج اي في القطاع الاستثماري)الى وقف مفاجئ في الانتاج،مما يؤدي الى انخفاض اسعار السلع الانتاجية.وبما ان الطلب الاستهلاكي لا يزال مستمراً،والارباح لا تزال كبيرة في القطاع الاستهلاكي فان من المنتظر ان تتحول عوامل الانتاج بالسرعة المطلوبة من القطاع الاستثماري الى القطاع الاستهلاكي.الا ان الواقع هو ان التحول المذكور بطيء جداً وتدريجي فقط،خاصة وان طرق الانتاج في القطاع الاستهلاكي مختلفة تماماً عن طرقها في القطاع الاستثماري والتركيز في القطاع الاول يكون على العمل اكثر منه على رأس المال،او بلغة الاقتصاد الاشتراكي يكون التركيب العضوي لرأس المال(Organic Composition Of Capital)في القطاع الاستثماري اشد منه في القطاع الاستهلاكي،مما يبطيء بالضرورة في عملية استيعاب القطاع الاخير جميع الموارد الاقتصادية(عوامل الانتاج) التي تحررها الازمة في القطاع الاستثماري.او بعبارة اخرى تكون سرعة تحرير رأس المال والعمل في القطاع الاستثماري أشد من سرعة استيعابها من قبل القطاع الاستهلاكي،مما يؤدي الى البطالة المتزايدة(19).
ب‌- كذلك يلاحظ هايك بأن الانكماش العام في النشاط الاقتصادي،يزيد الطين بلة:فانخفاض الائتمان المصرفي،مصحوبا بانخفاض سرعة التداول النقدي يؤدي الى انخفاض مستوى الاسعار العام(20).ولكن بما ان نصيب السلع الانتاجية من الانخفاض المذكور يكون اكبر من نصيب السلع الاستهلاكية(21)،فان المشاريع الانتاجية بوجه عام تميل الى المبالغة في تخفيض التركيب العضوي لرأسمالها،او بتعبير المدرسة النمساوية تميل الى استعمال طرق اقل رأسمالية واكثر مباشرة مما يتطلبه الوضع الحقيقي لمستوى الانفاق والادخار.وهكذا تمتد مرحلة الكساد الضرورية لاعادة التوازن المختل الى وضعه الطبيعي اكثر من اللازم.او بعبارة اخرى ان محاولة اعادة التوازن من قبل المجتمع تطلق عاملاً مخلاً آخر Distorting Factor وهو الانكماش العام وهبوط مستوى الاسعار – مما يطيل من امد الركود ويعسر عملية الانتعاش(Recovery).

9. كيف يعالج الركود ؟:
أ‌- يتضح مما سبق أعلاه بأن العلاج الاساسي لمرحلة الكساد(الركود)هو الاسراع في اعادة التوازن في التركيب الانتاجي للاقتصاد الوطني الى مستواه المتفق مع مستوى الانفاق والادخار الاختياري لا الاجباري.
ب‌- ويعتقد هايك بأن الاجراءات التي تتخذ عادة من قبل الدولة الرأسمالية،لعلاج مصاعب الكساد لا تفعل اكثر من تعقيد المشاكل وتردي الاحوال(22).
ان وضع دخول جديدة في ايدي المستهلكين يعقد من دون شك في نظر هايك مشكلة الكساد.ان العلة ليست في نقص الاستهلاك كما رأينا(23)،بل على العكس في زيادة الطلب الاستهلاكي بالنسبة للطلب على السلع الانتاجية.وعليه فان زيادة الائتمان الاستهلاكي تفاقم الازمة وتطيل فترة الركود.ان ذلك قد يؤجل المشكلة الى حين قصير،لأنه يساهم في استيعاب بعض الموارد العاطلة،الا أنه سوف يؤدي الى تفاقمها حالما يتوقف عن الاستمرار،انه ليس علاجاً حقيقياً دائماُ بل علاج وهمي و مؤقت،لا يفعل اكثر من التسريع في عملية تبدل خاطئة(في غير الاتجاه الصحيح) في تركيب الانتاج.
ج‌- يرى هايك بأنه اذا كان لابد من تقديم الائتمان في مرحلة الركود،فيجب ان يمنح للمنتجين فقط ،وذلك لمنع هبوط تركيب الانتاج من الانحدار(نتيجة فعل عوامل الانكماش الاقتصادي العام)الى أقل من المستوى الفعلي للانفاق والادخار،او بعبارة اخرى لغرض الوصول الى حد التوازن،من دون افراط ،وانهاء مرحلة الركود بأقصر مدة ممكنة.
د‌- الا ان هايك يعتقد ان السلطات المصرفية او الحكومية يستحيل عليها في نظامنا الاقتصادي الحر(يقصد الرأسمالي) ان توجه سياسة الائتمان بالقدر اللازم لاستقرار الوضع الاقتصادي،وان خطر التوسع الائتماني من جديد،وبالتالي استئناف الدورة الاقتصادية،خطر ماثل و حقيقي على الدوام.وعليه فان استي محق كل الحق عندما يستنتج من تحليل هايك بأنه يرى حتمية الازمة والركود طالما انطلق التوسع(الرخاء) وان أية اجراءات تدخلية اثناء مرحلة الركود تؤدي الى نتائج عكسية،اي تخلق الشروط اللازمة لاستئناف مرحلة التوسع،وان احسن ما يمكن عمله هو انتظار اعادة التوازن بفعل القوى الداخلية للاقتصاد(24).ان استنتاج استي يتفق مع النظرية العامة للمدرسة الليبرالية الجديدة التي يعتبر هايك احد اقطابها،والقائمة على الحرية الاقتصادية التامة وعدم التدخل في الاقتصاد(25).
ذ‌- ان كل ما يقدمه هايك كأجراء وقائي ضد انفجار الازمة ومرحلة الركود،من الوجهة النظرية هو الغاء مرونة الائتمان المصرفي،المصدر الحقيقي للاضطراب،اي تجنب ظاهرة (الادخار الاجباري)،والوسيلة الاساسية لذلك،في نظر هايك،هي الاحتفاظ بعرض ثابت للنقود،غير معرض الا الى التغيرات العادية التي يتطلبها تغير حجم المعاملات النقدية،اي سرعة تداول النقود.
ان هذا الاجراء الوقائي هو ما يسميه بعض الاقتصاديين(26) بـ (النقد المحايد) (Neutral Money).على ان مفهوم هايك للنقد المذكور يختلف عن مفاهيم الاقتصاديين الكلاسيكيين في القرن التاسع عشر.ان اولئك فهموا من النقد المحايد النقد ذي القوة الشرائية الثابتة،الذي لا تأثير له على ارتفاع الاسعار العام،بينما ينحصر مفهومه لدى هايك بالنقد الذي لا يؤثر على مستوى الاسعار النسبي،اي على علائق القيمة بين السلع الانتاجية والسلع الاستهلاكية،ولكن هايك نفسه يعترف بأن مثل هذا النظام النقدي المحايد ليس مسألة سهلة كما يتصور البعض.انه لا يتطلب فقط بقاء كمية النقود وحدها ثابتة،بل يتطلب ايضاً ثبات عدد المعاملات النقدية،اي ثبات سرعة التداول النقدي،وهو امر من المستحيل تصوره في نظامنا الاقتصادي الحالي الديناميكي.كما ان البنوك المركزية لا تستطيع وحدها التصرف بالاصدار النقدي،بل لابد من السيطرة على الاتجاهات التضخمية (التوسعية) لبنوك الودائع التجارية،وهو امر يتعارض مع النظام الاقتصادي الحر.ان هذه الحقائق هي التي دفعت هايك لمهاجمة المذاهب التدخلية والتأكيد على استحالة القضاء على الدورات او تجنبها في نظامنا الاقتصادي الحر.

10. نقد النظرية :
ان نظرية هايك هي محاولة،كما رأينا،لتفسير اسباب شدة التقلبات في قطاع انتاج السلع الانتاجية بشكل متناسب مع تقلبات انتاج السلع الاستهلاكية.وقد وجد هايك العلة لهذه الظاهرة في تعاقب التوسع والتقلص في (تركيب الانتاج) في الاقتصاد الوطني،بسبب من الطبيعة المرنة لعرض النقود(27).
على ان هناك عدة اعتراضات قدمها الاقتصاديون على نظرية هايك،ويمكن اجمالها فيما يلي :-
أ‌- الاعتراضات على فرضية الاستخدام الكامل :
رأينا سابقاً ان ظاهرة الدورة،حسب هايك،هي انحراف عن التوازن الاقتصادي القائم على عدة افتراضات من اهمها فرضية الاستخدام الكامل للموارد الاقتصادية،بحيث ان أي توسع في انتاج السلع الانتاجية لا يمكن ان يتم الا على حساب السلع الاستهلاكية،والعكس بالعكس.ان عدة اعتراضات قدمت على فرضية الاستخدام الكامل منها:
1) ان الاستخدام الكامل للموارد غير موجود بشكل شامل حتى في قمة النشاط الاقتصادي(قمة الرخاء)(28).وكما يقول اجنستين(تنتهي مراحل الرخاء عادة،وملايين العاطلين يتسكعون،والموارد الاخرى معطلة،مما يدل على عدم واقعية فرضية الاستخدام الكامل،حتى في مرحلة الرخاء)(29).
2) ان من أهم مميزات التقلبات الدورية هو بالضبط توازي التوسع او الانكماش في كلا القطاعين الانتاجيين،القطاع الاستثماري والقطاع الاستهلاكي،مما ينفي فرضية الاستخدام الكامل،موضوعة البحث.
3) ان الطلب على السلع الانتاجية هو بطبيعته طلب مشتق وليس طلباً مستقلاً،اي انه متوقف على حصول طلب اصلي على السلع الاستهلاكية ولا يمكن ان تحصل تقلباته بمعزل عن تقلبات القطاع الاستهلاكي(30).
4) مما لاحظه استي هو ان ظاهرة(الادخار الاجباري)التي يشير اليها هايك لا تحصل بالفعل الا في الدرجات العليا من مرحلة الرخاء،حين يؤدي تنافس القطاعين الاستثماري والاستهلاكي على الموارد الاقتصادية(اي على عوامل الانتاج) الى الاستخدام الكامل للموارد المذكورة.وعند تلك النقطة فقط ،يصبح التوسع في القطاع الاستثماري،بسبب استمرار التوسع الائتماني للمصارف،على حساب القطاع الاستهلاكي،مما يؤدي الى جميع النتائج التي يتحدث عنها هايك.اما في المراحل الاولى للتوسع،فلا يؤدي التوسع الائتماني الى تغير التركيب الانتاجي،مع ما يتبعه من ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية وحصول ظاهرة الادخار الاجباري،وذلك بسبب امكانية توسع القطاعين معاً،باستخدام الموارد الاقتصادية العاطلة قبل انطلاق حركة الدورة(31).
5) ليس من الضروري ان تؤدي المساعدات للقطاع الاستهلاكي في مرحلة الكساد الى اطالة امد الركود وزيادة صعوبات القطاع الاستثماري ووضع العقبات امام الانتعاش.ان هذا صحيح فقط في حالة عدم وجود عطالة في الموارد،وهو ما يتعارض مع واقع البطالة الشديدة اثناء مرحلة الركود.ان المساعدات المذكورة للقطاع الاستهلاكي من شأنها على العكس تشجيع الصناعات الاستثمارية اللازمة لانتاج السلع الاستهلاكية.
ب‌- الاعتراضات على فرضية تغير تركيب الانتاج :
1) ان فرضية تغير تركيب الانتاج لصالح الطرق الاقل رأسمالية اثناء مرحلة التوسع،هي فرضية غير واقعية،وتهمل كثيراً من العوامل التي تضعف عامل الرغبة في الاستغناء عن رأس المال لصالح العمل،وخاصة عامل التجديدات التكنيكية التي يمكن للمشاريع الاستثمارية استعمالها للتغلب على ارتفاع الاجور وانخفاض الارباح اثناء مرحلة التوسع(32).
2) ليس هناك دليل احصائي،ولم يحاول هايك تقديمه اطلاقاً،على ان الارباح في القطاع الاستهلاكي تزداد نسبياً أكثر من الارباح في القطاع الاستثماري(33).
3) يرى نايسر(Neisser) وسرافا (Sraffa) بأنه لا دليل على ان مرحلة التوسع لابد ان تؤدي بصورة حتمية الى مرحلة الركود الا اذا افترضنا عدم اكتمال عمليات الانتاج الجديد الاكثر رأسمالية بانتاج السلع الاستهلاكية.وهذه الفرضية التي يفترضها هايك لا تستند الى الواقع.اما اذا انتهت عمليات الانتاج الجديدة الى نتيجتها الطبيعية وزادت السلع الاستهلاكية فلا ترتفع اسعار الاخيرة،ولا تحدث ظاهرة الادخار الاجباري،وتنهار نظرية هايك من الاساس(34).
4) كذلك لا موجب لتصور تحول جميع الدخل الجديد الذي تحصل عليه المشاريع الاستثمارية الى دخل (استهلاكي) يحدث الآثار المخربة التي يتحدث عنها هايك.فمن المؤكد ان قسماً كبيراً من الدخل المذكور يبقى في القطاع الاستثماري بصورة دائمة ويتحول الى رأسمال استثماري جديد(استهلاك انتاجي)،بدل التحول الى زيادة في الطلب الاستهلاكي(35).
5) وجه هامبرك(36)النقد التالي لنظرية هايك:ان النظرية تفترض ان التحولات العمودية(من مرحلة انتاج لمرحلة انتاج اخرى)تؤدي دائماً الى التغير في التركيب الانتاجي والى الاضطرابات الاقتصادية،في حين ان التحولات الافقية نفسها،اذا كانت تتصل بصناعات هامة جداً(كالسكك والسيارات)قد تحدث من الآثار على النشاط الاقتصادي ما هو اخطر،او بعبارة اخرى ان المهم،في نظر هامبرك،هو درجة اهمية الصناعة المختصة،بصرف النظر عن كونها صناعة استهلاكية او صناعة استثمارية.
ج‌- الاعتراضات على عامل ارتفاع الاسعار العام :
يرى هابرلر(37) ان نظرية هايك لا تدلل على ان التوسع الائتماني المصرفي لابد ان يؤدي الى ارتفاع الاسعار وتهديد الاقتصاد الوطني بالتضخم وتهديد النظام النقدي بمجموعه،بل هناك دلائل على انه في حالة الاقتصاد المتطور(38)(Progressive)حيث ترتفع كميات الانتاج بوجه عام،وتميل الاسعار الى الانخفاض،هناك امكانية لتوسيع الائتمان المصرفي بصورة مستمرة دون احداث النتائج المدمرة التي تنطوي عليها نظرية هايك.ان ما قد يحصل في الواقع هو ارتفاع اسعار عوامل الانتاج بشكل تدريجي،مما يوجب زيادة الائتمان المصرفي بصورة تدريجية مستمرة،لتمكين المستثمرين من الاستمرار في انتاجهم وتهيئة السلع الانتاجية اللازمة لزيادة السلع الاستهلاكية التي ستعيد التوازن الاقتصادي ولكن بمستوى اعلى من السابق(اي ايصال العرض الى مستوى الطلب الجديد الذي ازداد بنتيجة التطور الاقتصادي).ويستنتج هابرلر من كل ذلك ان كل شيء يتوقف اذن على(مدى التوسع الاستثماري)الذي يحدث في مرحلة التوسع،و(مدى التوسع الائتماني)الذي يرافقه في حين ان جميع هذه النقاط الهامة لم يبحثها هايك وانصاره بشكل محدد ملموس(39).وفي محل آخر يلخص هابرلر نقده بالشكل التالي:(ان النظرية لم تدلل على وجه الدقة على ان عملية تثبيت الاسعار في اقتصاد متطور،يجب ان تؤدي الى فيض في الانتاج،يستتبع حتماً الازمة ثم الركود(40).
د‌- الاعتراض حول دور الادخار الاجباري :
يرى هانسن(41)بأن الادخار الاجباري لا يعتبر عاملاً ،بحد ذاته مؤدياً للاضطراب الاقتصادي.ان مصدر الاضطراب هو النسبة غير المتساوية(Uneven Rate)في تكون الادخار الاجباري،فلو كان الادخار المذكور يجري بصورة تدريجية،لادى الى ارتفاع طبيعي تدريجي في تكون رأس المال،دون ان يرافق ذلك تقلبات اقتصادية عنيفة.
ذ‌- الاعتراضات على أهمية سعر الفائدة :
تقوم نظرية هايك(وسائر النظريات النقدية الاخرى)على الدور الاساسي الذي يلعبه سعر الفائدة في حركة النشاط الاقتصادي بوجه عام،ان هذا الرأي اثار عدة اعتراضات من قبل الاقتصاديين يمكن الاشارة الى بعضها فيما يلي:
1) ان سعر الفائدة ليس من المرونة والتقلب بالشكل الذي يبالغ فيه المفسرون النقديون للاقتصاد الحديث.ان التقلبات التي يتعرض لها هي في الواقع طفيفة جداً،كما انها في الغالب تقلبات مشتقة(42)،او كما يسميها بعض الاقتصاديين متأخرة(Delayed)،اي انها تحصل(نتيجة)للتقلبات في العناصر الاقتصادية الاخرى وليس بصورة مستقلة عنها.انها في الغالب نتيجة او مظهر للتغيرات الحقيقية التي تجري في الاقتصاد الوطني وليست (سبباً) لها.
2) يرجح اكثر الاقتصاديين ان التقلبات القصيرة الاجل(ومنها تقلبات الدورة) مرجعها بالاحرى التقلبات في فرص الربح،او التقلبات في وضع التكنيك(التجديدات).اما تغيرات سعر الفائدة فان آثارها لا تظهر الا في التقلبات طويلة الاجل(43).

11. نظرية هايك الجديدة – الدورة وتغير مستوى الارباح – أثر ريكاردو(44):

الظاهر ان هايك اعترف بصحة الانتقادات التي وجهت الى نظريته،من ناحية مبالغتها في تقدير دور سعر الفائدة في سير التقلبات الاقتصادية الدورية،فقدم تفسيراً جديدا(45)لنظريته،يصر على ان جوهر الدورة هو تغير تركيب الانتاج في الاقتصاد الوطني،ولكنه يجد (العلة) في التغير المذكور لا في تغيرات سعر الفائدة،كما هو جوهر جميع النظريات النقدية،بل في تغيرات (مستوى الارباح) (Level Of Profits).
ان نظريته الجديدة اذن تؤكد على طابعها(الفيض استثماري) وتبتعد عن طابعها النقدي،اي انها تقترب اكثر من نظريات كاسل وشبيتهوف،وتبتعد اكثر عن هوترى وانصار المدرسة الفيكسلية.
ان خلاصة التفسير الجديد يمكن صياغتها بالشكل التالي:
أ‌- مرحلة التوسع :
يمكن وصف سلسلة التقلبات التي تحصل في مرحلة الوسع كما يلي:
1) يبدأ التوسع في القطاع الاستثماري،بسبب التقديرات التفاؤلية لبعض مدراء المشاريع.
2) يؤدي ذلك الى زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية،بسبب توزيع دخول جديدة على عوامل الانتاج في القطاع الاستثماري.
3) يؤدي ذلك الى التوسع في القطاع الاستهلاكي،فيزداد الطلب على عوامل الانتاج في القطاع المذكور،حتى يصل الامر حد الاستخدام الكامل لجميع الموارد التي كانت عاطلة.
4) عند النقطة المذكورة يفقد عرض السلع الاستهلاكية مرونته،فترتفع اسعار السلع المذكورة.
5) بالنظر لعدم مرونة الاجور (اي عدم ارتفاعها بنسبة ارتفاع الاسعار) تنخفض الاجور الحقيقية للعمال،وترتفع الارباح في القطاع الاستهلاكي.
6) وعند هذه النقطة من شرح هايك لحركة الدورة،يدخل في نظريته ما يسمى(بأثر ريكاردو)(46)(Recardo Effect):ان مدراء المشاريع في القطاع الاستهلاكي،بدل ان يغريهم ارتفاع الارباح بزيادة الطلب على السلع الانتاجية(اي رأس المال بالمعنى الذي تفهمه المدرسة النمساوية)،يغريهم على العكس انخفاض الاجور الحقيقية بالتركيز على استخدام العمل على حساب التكنيك الرأسمالي،او بعبارة هايك،يغريهم باستخدام اساليب انتاج اقل رأسمالية(Less Roundabout)،واقل استدامة واقل نفقة،او بعبارة ماركسية،يغريهم بتخفيض نسبة التركيب العضوي لرأس المال،اي زيادة عنصر رأس المال المتغير او المتحرك(Variable) (المخصص لدفع الاجور)،وتخفيض عنصر رأس المال الثابت(Constant) (المخصص لشراء وسائل الانتاج عامة وخاصة رأس المال الساكن،اي المخصص لشراء المكائن على الاخص).
وهكذا فأن الاتجاه العام في مرحلة التوسع يكون انخفاض الطلب على السلع الانتاجية بوجه عام،ما عدا بعض السلع الانتاجية المعينة التي يحتاجها القطاع الاستهلاكي.والنتيجة الاخيرة لنظرية هايك هي ان مرحلة التوسع تؤدي الى وقف التوسع في العمليات الانتاجية الاكثر رأسمالية،والتركيز على العمليات الانتاجية الاقل رأسمالية.حاول هايك شرح(اثر ريكاردو) بمثال افتراضي نلخصه فيما يلي:يفترض هايك وجود طريقتين مختلفتين لانتاج سلعة استهلاكية معينة:الطريقة الاولى تمتد عامين،والآخر يمتد (6) أشهر فقط ،وان معدل الربح فيهما في البداية هو (6%) سنوياً ،اي ان الربح في الطريقة الاولى يكون (12%) خلال مرحلة الانتاج،وفي الثانية(3%) فقط خلال نفس المرحلة.لنفرض الآن ان سعر السلعة زاد(2%) مع بقاء اسعار عوامل الانتاج على حالها.ومعنى ذلك ان ربح الطريقة الطويلة(اي الاكثر رأسمالية) زاد الى (14%) بينما يزيد ربح الطريقة القصيرة (اي الاكثر استخداماً للعمل) الى (5%) فقط .ومعنى ذلك ان ربح الاولى السنوي زاد الى (7%) فقط ،بينما زاد ربح الثانية بالقياس السنوي الى (10%).اذن يستنتج هايك بأن الطريقة القصيرة هنا اكثر ارباحاً.
لقد انتقد هايك – بحق – بأن مثله الذي يضربه ليس واقياً ،اي لا ينطبق على وضع الاقتصاد الرأسمالي المتطور.فلو قارن مثلاً بين طريقتين رأسماليتين:الاولى تمتد (5) سنوات والاخرى سنتين،وافترض زيادة السعر الاستهلاكي (2%)،كما افترض ان الربح الاصلي في كلا الطريقتين هو (6%) سنوياً،لأصبح الربح السنوي بعد زيادة السعر (7%) في الطريقة الاولى الطويلة،(6.4%) في الطريقة الثانية القصيرة.اي ان الفرق بينهما من الضالة بحيث لا يمكن ان يؤدي الى النتائج الخطيرة التي يصفها هايك في تركيب الانتاج واعادة توزيع الموارد الاقتصادية بين القطاعين الاستثماري والاستهلاكي.
ب‌- مرحلة التقلص(الركود والكساد) :
يظهر من الشرح الوارد اعلاه ان مرحلة الركود هي نتيجة حتمية لانخفاض الطلب على السلع الانتاجية في القطاع الاستثماري،كنتيجة حتمية لتوقف المشاريع الاكثر رأسمالية،مما يثير بصورة حتمية البطالة ويسرع في الانهيار العام.او بكلمة اخرى ان حتمية مرحلة الكساد،مرجعها انفاق الدخول الجديدة التي يوزعها القطاع الاستثماري في بداية مرحلة التوسع،لا على الاستثمار بل على الاستهلاك،مع كل ما يثيره الانفاق الاستهلاكي من آثار تراكمية تؤدي حتماً بالنتيجة الى الركود الاقتصادي.
ت‌- عودة الانتعاش:
تستمر مرحلة الركود طالما يستمر انخفاض الطلب على السلع الانتاجية في القطاع الاستثماري،وتنتهي مرحلة الركود طالما يعود الطلب على القطاع المذكور الى الارتفاع من جديد.و يرى هايك في تفسيره الجديد للنظرية بأن العامل الاساسي في التحول المذكور،هو ليس انخفاض سعر الفائدة بل انخفاض مستوى الارباح(47)في القطاع الاستهلاكي بسبب ارتفاع الاجور الحقيقية،نتيجة تخلف انخفاض الاجور عن الهبوط العام في الاسعار في مرحلة الركود.ان الانخفاض المذكور في الارباح يدفع المنتجين مرة اخرى الى التركيز على عنصر رأس المال والاستغناء قدر الامكان عن عنصر العمل،او بعبارة ماركسية يدفعهم الى زيادة نسبة التركيب العضوي لرأس المال(اي زيادة حدة Intensity استثمار العمل)بغية الاحتفاظ بمستوى الارباح السابق،بالرغم من ازدياد الاجور الحقيقية.ان ذلك يؤدي الى معاودة النشاط في القطاع الاستثماري،وزيادة ارباح القطاع المذكور،وتحول عوامل الانتاج اليه.وتستمر مرحلة التوسع الى ان تتوقف بالضرورة بنتيجة ضغط الاسعار الاستهلاكية وارتفاع الارباح في القطاع الاستهلاكي،وظهور جميع الآثار السابقة التي من شأنها ان تؤدي من جديد الى مرحلة الركود،وهكذا.
ان التفسير الجديد لنظرية هايك،اقترب في نظرنا بكثير الى الحقيقة،لأنه يستند الى التغيرات في العامل الحقيقي الذي يحرك النظام الرأسمالي وهو تطور(معدل الربح).وسنرى(48)ان هذا التفسير(عدم توازن التركيب الانتاجي واتجاه معدل الربح نحو الانخفاض)هو احد العناصر الاساسية في النظرية العلمية في تفسير الدورات،وهو عنصر طورته النظرية الاشتراكية منذ زمن طويل،حتى قبل ان يعترف الاقتصاد الاكاديمي بوجود الدورة بالذات(49).

الهوامش

1. راجع مؤلفات (هايك) الآتية :
(النظرية النقدية والدورة التجارية)،1933، بالانكليزية.
(الاسعار والانتاج)،1935،بالانكليزية – وقد نشر لاول مرة بالالمانية عام 1931.
(الارباح والفائدة والاستثمار)،1939،بالانكليزية.
(ترقبات الاسعار والاضطرابات النقدية وعدم تكيف الاستثمارات)،وهي دراسة خُصـصها هايك لنظريته في الكتاب الجماعي(مطالعات في نظرية الدورة الاقتصادية)،1944، بالانكليزية.
ويرى بعض الاقتصاديين ان اصول نظرية هايك وردت في كتابه السابق(النظرية النقدية ونظرية الدورة)،1928،بالالمانية – راجع كلوزو،المرجع الذي سيرد ادناه،ص 293،بالفرنسية عن دراساته المتأخرة في المجلات العلمية المختلفة.كذلك راجع حول نظرية هايك المؤلفات التالية:(روبنس Robbins)(الكساد الكبير)،1934،الفصل الثالث،بالانكليزية – (استي)،المرجع التالي،الفصل 13 – (اجنستين)،الفصل الخامس – (هامبرك)،الفصلان الرابع والخامس – (هابرلر) الرخاء والركود طبعة 1956 بالانكليزية،الفصل الثالث،وخاصة ص 48-56،(كلوزو Clauseau) في دراسته عن نظرية هايك في الكتاب الجماعي(التقلبات الاقتصادية)،ص 293-321 ،بالفرنسية،القسم الاخير.أما الاقطاب الاخرون لنظرية فيض الاستثمار النقدية فهم:ماخلوب(Machlupp)(ائتمان البورصات،الائتمان الصناعي،وتكوين رأس المال)1931 بالالمانية – و(ميزس)(نظرية النقود والائتمان)،1934،بالانكليزية،(وروبنس)(المرجع السابق)–وروبكه(Ropke)(الازمات والدورات)1936،بالترجمة الانكليزية – وشتركل(Stirgl )(رأس المال والانتاج)1934،بالالمانية.
2. يرجع هذا التحليل سعر الفائدة ودوره في الاقتصاد الوطني الى الاقتصادي السويدي فكسل الذي قدم في الواقع الاساس النظري لنظرية فيض الاستثمار النقدية للدورة الاقتصادية،ولهذا يطلق على الاقتصاديين الذي اخذوا بتحليله،ومنهم هايك،اسم المدرسة اللاحقة او التابعة لفسكل(Post-Wicksellian School).راجع مؤلفات فكسل الآتية:
(الفائدة والاسعار)،1936،الترجمة الانكليزية.
(محاضرات في الاقتصاد السياسي)1934،الجزء الثاني بالترجمة الانكليزية.
كذلك راجع مقدمة اولين(Ohlin) للكتاب الاول المشار اليه اعلاه،وكتاب لندبرك(Lundberg)(دراسات في نظرية التوسع الاقتصادي)1937،بالانكليزية،ودراسة الاقتصادي السويدي مردال(Myrdal)(مفهوم التوازن كوسيلة للتحليل النقدي النظري)في الكتاب الجماعي(مساهمات في النظرية النقدية)1933،بالالمانية.
3. راجع اجنستين،ص 48.(مقدمة في الازمات الاقتصادية)،1956،بالانكليزية.
4. راجع اجنستين،(ص 48) – وكلوزو(المرجع السابق)،ص 318-321.
5. راجع استي(ص 210-211) من(الدورات الاقتصادية)،طبعة 1956،بالانكليزية.
6. لاحظ بعض الاقتصاديين،بحق،ان العامل الرئيسي في مرونة الائتمان المصرفي هو الطبيعة الرأسمالية للمصارف،او بعبارة اخرى عامل الربح(هامبرك-ص 224،الدورات الاقتصادية،طبعة 1950،بالانكليزية.
7. وهذا ما يسميه هايك وبعض الاقتصاديين الآخرين(تنافس)القطاعين الاستثماري والاستهلاكي على عين الموارد المتوفرة والمستخدمة بكاملها في الاقتصاد الوطني(راجع هايك – الاسعار والانتاج،ص 57)و(اجنستين – المرجع السابق ص 48).
8. حلل كلوزو آثار كل من (الادخار الاختياري) و(الادخار الاجباري) – حسب نظرية هايك – بتفصيل لا بأس به،موضحا الآثار بجداول بيانية مختلفة،صرفنا النظر عن نقلها وتحليلها تجنبا لتعقيد الموضوع(كلوزو،ص 304-316).
9. كلوزو(المرجع السابق)ص 299،الذي يشير الى ان نظرية هايك تستند الى مفهوم خاص لدور النقود في الاقتصاد الوطني،باعتبارها ليست عاملا سلبيا في ارتفاع الاسعار العام فقط،بل عاملا ايجابيا في تغيير التركيب الانتاجي نفسه.
10. هامبرك(ص 204 – 208).
11. هامبرك(ص 206).
12. يعتقد هابرلر ان نظرية هايك تستند الى فرضيتين – الاولى فرضية الاستخدام الكامل التي تعني التنافس على الموراد الانتاجية الثابتة،والثانية ان الطلب على السلع الاستهلاكية يرتفع نسبيا،اي يرتفع اكثر بالنسبة للطلب على السلع الانتاجية،وهذه الفرضية الثانية مهمة لانها تستبعد امكانية التوسع الائتماني التعويضي(Compensatory)اي توسيع الائتمان للقطاع الاستثماري بحيث يعوض عن نقصه النسبي بالنسبة للتوسع في القطاع الاستهلاكي،بنتيجة زيادة الطلب الاستهلاكي النسبي المذكور(هابرلر ص51).
13. وهذه النقطة في نظرية هايك من اهم نقاط اختلافها مع نظرية هوتري،فهو يرى ان استمرار توسع الائتمان المصرفي في مرحلة التوسع من شأنه ان يمنع الركود،بينما يعتقد هايك بأن ذلك التوسع المصرفي(يؤجل)فقط الانهيار الحتمي،ويعمل فقط على رفع الاسعار.او بعبارة اخرى ان حتمية الركود،في نظرية هايك،سببها المبالغة في التوسع الاستثماري بالنسبة لقدرة المجتمع على الادخار(راجع حول هذه النقطة اجنستين ص 51).
14. ولهذا فقد حدد اجنستين(ص 50)مهمة(الكساد)او الركود،في نظرية هايك،بانها (تصحيح فيض الاستثمار الناتج عن الادخار الاجباري،وارجاع التوازن المفقود بين تركيب الانتاج من جهة،ونسبة الانفاق والادخار الاختياريين للمجتمع)،وفي محل آخر(ص 49) اوضح بأن الكساد يحدث،بحسب هايك،لأن التوسع الرأسمالي لا يقوم الا على اساس واه قلق وهو العرض الانتمائي(Credit Supply)غير المستقر ولا يقوم على أساس متين من عادات الادخار الاختياري.
15. نقلاً عن هابرلر(ص 52).
16. عبر الاستاذ روبنس،احد اقطاب نظرية هايك،عن نفس الفكرة بالشكل التالي :-
(حسب رأي هوبزن،اننا نموت جوعاً وسط الثراء لاننا لا نطلب الكفاية،اما حسب الرأي الذي اقترحه،فاننا نموت جوعاً بالأحرى لأننا نستعجل قطف ثمار الرخاء قبل نضوجها الفعلي) – راجع مقالته بعنوان – الاستهلاك والدورة التجارية،في مجلة ايكونوميكا،تشرين الثاني،1932،277.
17. استي ( ص 214-215 ).
18. من الواضح ان مفاهيم هايك مستمدة من مفاهيم نظرية رأس المال النمساوية المرتبطة بأسم الاقتصادي النمساوي بومبافرك(Bohm-Bawerk)والتي ترى ان عملية تراكم رأس المال(أي الاستثمار)تقاس بطول فترة الانتاج،متوقفة على طول العملية الانتاجية وطبيعتها غير المباشرة(Roundabout).
19. عبر اجنستين عن هذه الفكرة بقوله ان احدى نتائج زيادة انفاق المستهلكين هو تقصير تركيب الانتاج،ولكن هذه العملية لا يمكن انجازها الا عن طريق انهاء مرحلة الرخاء(ص 49).
20. استي(ص 217).
21. اي ان العامل المهم – كما يلاحظ كلوزو بحق – هو ليس ارتفاع الاسعار العام بنفس المستوى،بل ارتفاع الاسعار النسبي،اي علائق القيمة بين السلع الانتاجية والسلع الاستهلاكية(كلوزو،ص 298).
22. راجع روبنس لدراسة طبيعة هذه الاجراءات ودورها في اطالة مرحلة الكساد(الكساد الكبير،الفصول الاخيرة).
23. او بعبارة اخرى،كما يقول اجنستين(ص 44)،(حسب مدرسة هايك ان الانتاج وخاصة انتاج الرأسمال الثابت،وليس الاستهلاك هو الذي يجهز المفتاح لفهم التقلبات الدورية).
24. استي(ص 218).
25. كذلك يؤيد كلوزو(ص 317)هذا الرأي،ويفرد فقرة خاصة له تحت عنوان(استحالة سياسة علاجية للازمات)ويرى ان نظرية هايك تركز فقط على الاجراءات الوقائية دون العلاجية.
26. مثال على ذلك كلوزو(المرجع السابق،ص 318 – 321).
27. صاغ كلوزو نظرية هايك بالشكل التالي:انها تفسر الدورة بأنها الانعكاس للتعارض بين تركيب انتاجي في طور الظهور،والتركيب الانتاجي الحالي الذي يفضله المستهلكون من اصحاب الدخول(ص 318).
28. راجع هامبرك(ص 211).
29. اجنستين(ص 51).
30. يفسر اجنستين،بحق،نظرية هايك بانها ترى ان الطلب الاستهلاكي هو الطلب المشتق من الطلب على الاستثمارات،وليس العكس(اجنستين ص 44).
31. هاجم كالدور(Kaldor)في دراسته لنظرية هايك(مجلة ايكونوميكا عدد نوفمبر 1942،ص 359-382)بشدة النظرية المذكورة واكد انها لن تؤدي الى (المغالطات) التي يزعمها هايك،طالما ليس هناك استخدام كامل.
32. من هذا الرأي اجنستين(ص 53).
33. اجنستين(ص 53).
34. راجع نايسر(التوسع النقدي وتركيب الانتاج) في مجلة(سوشيال رسيرج عدد نوفمبر 1934،ص 434 وبعدها – وكذلك سرافا(ايكونوميك جورنال،عدد مارت 1932).
35. هذا هو رأي هابرلر(ص 54).
36. هامبرك(ص 214).
37. هابرلر(ص 55).
38. يؤيد هامبرك ايضاً هذا الرأي(هامبرك – ص 212- 213).
39. راجع هابرلر(ص 56).
40. هابرلر(ص 57).
41. هانسن(الانتعاش الكامل من مرحلة الركود )1938،ص 69- 72،بالانكليزية.
42. راجع استي(ص 221).
43. اما هايك فيعتقد،على العكس،بأن سعر الفائدة هو العامل الاساسي في التأثير على مستوى الارباح،او ما يسميه هامبرك حسب اصطلاحاته الكينزية(الكفاية الحدية لرأس المال) – هامبرك(ص 204).
44. راجع دراسات اولين ولوتز(Luts) وليرنر(Lerner)ولانكه(Lange)حول نظريات الادخار والاستثمار والدخل الوطني(بما في ذلك نظرية هايك)في القسم الثاني من الكتاب الجماعي(مطالعات في نظرية الدورات الاقتصادية) بالانكليزية – كذلك راجع الفصل السابع عشر من الكتاب المذكور الذي كتبه هايك نفسه شرحاً لنظريته.
45. راجع مؤلف هايك(الارباح والفائدة والاستثمار)1939،المقالة الاولى،بالانكليزية.
46. سمي بهذا الاسم نسبة الى الاقتصادي الانكليزي الكبير ريكاردو،الذي اظهر بأن انخفاض الاجور الحقيقية يدفع الى استبدال المكائن بالعمل،وان ارتفاعها الحقيقي يدعو على العكس الى الاستغناء قدر الامكان بالتكنيك(راجع ريكاردو:مبادىء الاقتصاد السياسي والضرائب،الفصل الاول،الفقرة الخامسة – بالانكليزية).
47. يعرف اجنستين مفهوم هايك لاثر ريكاردو بأنه:(اعتبار معدل الربح(Rate Of Prfit)هو العامل الجديد محل سعر الفائدة(اجنستين ص 52).
48. في دراسة مقبلة عن نظرية الدورة الماركسية.
49. يؤيد اجنستين(ص 54)هذا العنصر الايجابي في نظرية هايك الجديدة،ويعتبر عامل اختلاف نسب الربح بين القطاعات الاقتصادية في النظام الرأسمالي احد مظاهر التناقضات(Maladjustments)التي تؤثر في الدورة الاقتصادية.كذلك يؤكد هامبرك(ص 215)على هذا العنصر الايجابي في نظرية هايك والمدرسة النمساوية،اي على أهمية التناقضات والتحريفات Maladjustments and Distorions في العملية الانتاجية.

-;- في دراسة مخطوطة غير منشورة سابقا كتبت في 1/4/1967 اي عهد تصاعد نجم الفكر القومي البائس معنونة"مقدمة حول التجارب الثورية"كتب د.ابراهيم كبة:"في الوقت الذي يحاول فيه البعض صياغة مايسمونه(نظرية الثورة العربية)انطلاقا من منطلقات مثالية او طبقية ضيقة او تبريرية واضحة،متجاهلين غالبا أو مشوهين احيانا معطيات و دروس التجارب الثورية الكبرى في التاريخ القريب،يتحتم على جميع الثوريين الحقيقيين ان يدرسوا مجموع التراث الثوري الحديث بعمق وانفتاح وبروح علمية نقدية،ليستوعبوا دروسه ويستفيدوا منها في عملهم الثوري.ان وضع نظرية خاصة بثورة ما يتطلب دراسة شاملة لتطور المجتمع المعين،بهياكله المختلفة ونمطه الاقتصادي السائد و مؤسساته الفوقية،وتقاليده الفكرية وسماته القومية،واكتشاف تناقضاته الرئيسية والثانوية وطبقاته التقدمية والرجعية،فضلا عن علاقاته المتفاعلة مع الوضع العالمي ككل،وكل ذلك،لا انطلاقا من الفراغ،بل استنادا الى معطيات الاشتراكية العلمية،وتطبيقها المحدد الخلاق.
ان أي نقل آلي او محاكاة حرفية لتجربة الثورة الروسية مثلا،في ظروف تاريخية جدا مختلفة،هو تشويه بالغ وانحراف عن اولويات المنهجية العلمية.الدراسات الجادة اليوم تلقي بعض الضوء على كثير من القضايا التي تبحث الآن في بعض البلاد العربية،كقضية العلاقة بين الثورتين الديمقراطية والاشتراكية،ونظرية وحدة ومراحل العملية الثورية،ومسألة القوى الثورية والقوى المناهضة للثورة،وقضية القيادة والقاعدة والجبهة في العمل الثوري،ومسألة اشكال النضال الثوري المتعددة والمتحولة،وطرق الانتقال الى الاشتراكية،وعلى الاخص مسألة(السلطة)باعتبارها المسألة المركزية في الثورة..الخ.وبالرغم من ان لنا بعض التحفظات حول جوانب معينة من هذه الدراسات وخاصة قيما يتعلق بطبيعة وقوى(الجبهة الموحدة)في مرحلة الثورة الديمقراطية في العصر الامبريالي واعتقادنا بانتهاء الدور الثوري اساسا للبورجوازية الوطنية والقيادي للبورجوازية الصغيرة،في مرحلتنا الثورية الحالية وفي ظروف سيادة الاستعمار الجديد،وكذلك في مسألة العلاقة بين الاحزاب الثورية واعتقادنا بان استقلال هذه الاحزاب في وضع استراتيجياتها وتكتيكاتها الخاصة يكون الشرط الاول للممارسة الثورية الناجحة ويمثل الجوهر الحي للاممية،واخيرا في طبيعة ومعنى وابعاد مفهوم(التعايش السلمي)،نقول بالرغم من تحفظاتنا هذه،فنحن نعتقد ان تجربة الثورة الروسية،هي من اغنى التجارب الثورية واولاها بالدراسة المعمقة واحفلها بالعبر المفيدة.
اننا اذ ننشر هذه الدراسة الموجزة نأمل ان تسهم في تصحيح كثير من الآراء الخاطئة التي تمتلئ بها الكتب والمطبوعات والمواثيق والمناهج السياسية في السنوات الاخيرة،والقائمة على الاضطراب والخلط في جميع قضايا الثورة تقريبا،خلط بين طبيعة الثورات التحررية والديمقراطية والاشتراكية بحجة وحدة العملية الثورية- خلط بين الحركة القومية(التي تستهدف الوحدة السياسية للامة المجزأة)والحركة الوطنية(التي تهدف الى تحرير الامة من الاستعمار)- خلط بين وحدة القوى الثورية(وحدة طبقات وفئات اجتماعية)والوحدة العربية(وحدة الدولة).هذا بالاضافة الى المنطلقات المثالية والتجريدية والاصلاحية لاغلب هذه الآراء والنظريات،كفكرة(الطبقة المجردة)او اللاطبقية لتفسير تخلف بعض المنظمات السياسية في البلاد العربية ومفهوم(وحدة الفكر والعقل)في الامة العربية لتحديد طابعها القومي،ومقولة(اولوية الخلق والابداع على مهام التدمير)واعتبار(الاصلاحات) القوة المحركة للتغير النوعي في بعض البلدان الافريقية،وفكرة الفصل المنهجي بين الاساس الموضوعي لوحدة العملية الثورية(الواقع المركب للاقتصاد)والاساس الذاتي المزعوم لتعدد وتطور مراحلها(الوعي والتنظيم والممارسة)،ومفهوم(الحقيقة القومية)-مقابل السمات القومية-والخلط بينه وبين مقولة النظام الاجتماعي،والتركيز على مفاهيم تكنولوجية(تنمية قوى الانتاج)او سلبية(مجرد رفض الطريق الرأسمالي الخاص)او اخلاقية(العدالة مثلا)او شوفينية(تطور العنصر العربي)او نفسية(ارادة التغيير)او غيبية(رسالة السماء)لتحديد سمات الاشتراكية العربية،مع اهمال متعمد لأهم المقولات العلمية،او تشويهها وافراغها من محتواها الطبقي(مقولات الجماهير،الطليعة،الشعب العامل،الرأسمالية غير المستغلة..الخ)،وفي اغلب الاحوال تجاوز المسألة الاساسية في الثورة،مسألة(السلطة)ومقوماتها المختلفة(الاحزاب،نظم الانتخاب،اجهزة الدولة،المنظمات الجماهيرية..)وكل ذلك لهدف واضح هو تبرير القيادة الانفرادية لبعض مراتب البورجوازية الصغيرة اعتمادا،على اجهزة بيروقراطية،معادية للثورة في الغالب.
ومن الطبيعي ان مثل هذه المنطلقات غير العلمية لابد ان تؤدي في الممارسة الى اخطر النتائج في اعاقة العمل الثوري وتحقيق وحدة القوى التقدمية.ونظرة عجلى الى الآراء والمقترحات الغريبة والمتناقضة التي تطرحها الفئات المختلفة التي تسمى(بالقومية)في هذا الصدد سواء اكان ذلك فيما يتعلق بمعاييرها للقوى الثورية او الشروط التعجيزية الضيقة التي تشترطها لوحدة القوى(الانصهار،وحدة الفكر،وحدة التنظيم،وحدة الاداة الثورية،تقديم حساب عن الاخطاء...الخ)او فرض آيديولوجيا او قيادة معينة،او طرح اهداف خيالية للقاء القوى..الخ تكفي لأدراك خطورة مثل هذه الآراء.
من الطبيعي ان الموقف السليم من مثل هذه النظريات لا يمكن ان يكون التجريح السلبي المطلق جملة وتفصيلا،فنحن مثلا نؤيد انظمة الحكم القائمة في بعض البلدان العربية(سورية،المتحدة،الجزائر)في كل ما يتعلق باجراءآتها لتنمية(قوى الانتاج)كأساس مادي لكل التبدلات الجذرية الحتمية في المستقبل،وفي كل ما يتعلق بتصفية(نظم الانتاج)او الهياكل الاجتماعية المتخلفة كعقبة لابد من ازاحتها من طريق التغير الثوري،ومن كل ما يتعلق بتأميم او تصفية(مؤسسات الانتاج)الاستغلالية الاجنبية او المحلية..الخ.ولكننا- بنفس الوقت- لا نعتقد ان الموقف السليم من هذه النظم وما يقدم لتبريرها من نظريات،هو اضفاء صفة القدسية عليها،واعتبارها(النموذج )الوحيد او الرائد للتجارب الثورية في البلاد العربية،بل على العكس لابد من نقدها ومقاومتها في كل ما يتعلق بالاجراءات المعرقلة لمسيرة المجتمع نحو الاشتراكية بمفهومها العلمي،اي تحرير الطبقات المنتجة لنفسها من الاستغلال وسيطرتها على السلطة،وخاصة في اجراءآتها السلبية في الميدانين الرئيسيين:ميدان اساليب الحكم(اي مقومات الديمقراطية)،والميدان الآيديولوجي.
وبالرغم من يقيننا بان الكثير من هذه النظريات والآراء ذات طابع تبريري واضح،وتهدف مباشرة لأسناد نظم الاحتكار السياسي وعزل القوى الاجتماعية الرئيسية للثورة،الا ان من اسباب انتشارها،بدون شك،هو جهل الكثير من الفئات التقدمية المخلصة لأغلب التجارب الثورية الكبرى في عالمنا الحديث،وذلك بسبب الطابع غير العلمي السائد في الفكر العربي المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي