الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على حسن السعدنى يكتب : مرحلة التحول الديمقراطي

على حسن السعدنى

2014 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تشير تجارب الانتقال الناجحة إلى أنه بمجرد انتقال السلطة إلى حكومة ديمقراطية منتخبة تبدأ مرحلة التحول الديمقراطي، التي يكون على الحكومة (الحكومات) الديمقراطية المنتخبة القيام بعدد من المهام للوصول إلى مرحلة ترسيخ دعائم الديمقراطية الوليدة. وتتضمن هذه المهام بشكل عام كل ما من شأنه دعم المؤسسات والثقافة والممارسات الديمقراطية كتعديل القوانين وإنشاء هيئات جديدة ودعم المجتمع المدني ودعم التعليم المدني وتوعية الجماهير ودعم الاقتصاد الوطني ومعالجة كافة المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة. ومن أبرز المهام في هذه المرحلة حسم العلاقات المدنية – العسكرية في الدول التي شهدت دورًا محوريًا للجيش.
لا ينجح قادة التحول الديمقراطي في معالجة هذه المسائل في كل الحالات. ففي دراسة لباحثة أمريكية جاء أن من بين 85 حالة انتقال بين عامي 1974 و1999 فإن هناك 30 حالة أدت إلى ديمقراطية حقيقية مقابل 34 حالة عادت فيها البلاد إلى الحكم المطلق، و21 حالة انتقلت فيها البلاد إلى ديمقراطية شكلية. ومن هنا تأتي أهمية الإدارة الصحيحة والمحسوبة لهذه المرحلة.
ومعالجة العلاقات المدنية – العسكرية تتطلب وقتًا قد يمتد لسنوات، ففي إسبانيا استغرق الأمر نحو سبع سنوات، وفي حالات أخرى احتاجت البلاد لأكثر من عقد من الزمان كما في حالتي الأرجنتين والبرتغال. وهذه المعالجة تعتد على عوامل كثيرة. فمن ناحية، يؤثر دور الجيش في مرحلة الانتقال وعلاقته بالقوى السياسية في مرحلة ما قبل الانتقال على شكل العلاقات المدنية-العسكرية بعد الانتقال. كما أن التنازلات (الرسمية وغير الرسمية) التي تقدمها القوى السياسية للجيش قبل الانتقال تؤثر بالسلب على قدرتها على التفاوض بعد الانتقال. ففي البرتغال كانت عملية الانتقال في مجملها في يد الجيش ولهذا استغرق الأمر سنوات ولا يزال للجيش بعض المميزات حتى الآن. أما في اليونان وفنزويلا فقد كانت عملية الانتقال في يد المدنيين. ولم يلعب الجيش دورًا كبيرًا في الانتقال في اسبانيا ولهذا انتهى الأمر لصالح المدنيين. وفي دول أخرى لعب الجيش دورًا محوريًا في جميع المراحل كما في تايلند ونيجيريا.
ومن الملاحظ في الحالات العربية تعدد النماذج. ففي الحالة المصرية استلم الجيش السلطة بعد الإطاحة بالنظام القديم وانفرد بتقرير مسار المرحلة الانتقالية ما أدى إلى إرتباك هذا المسار. وذلك على عكس الحالة التونسية التي لم يرغب الجيش فيها بالقيام بأي دور في مرحلة ما بعد سقوط النظام. وفي ليبيا انقسم الجيش وتشكلت كتائب خاضت حربًا ضد رأس النظام والكتائب التابعة لها انتهت بإسقاط النظام وانتشار السلاح بين أطراف مختلفة. وفي الحالة السورية استخدم النظام الجيش في قمع الثورة، وبمرور الوقت ظهرت انشقاقات داخل الجيش قد توصل الحالة السورية إلى الحالة الليبية. في جميع هذه الحالات تختلف المهام التي على القوى الديمقراطية القيام بها، ففي مصر تتمثل الأولوية في تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب وظهور حكومة وحدة وطنية موسعة تقود مرحلة التحول الديمقراطي، أما في ليبيا، وربما سوريا، فجمع السلاح وتشكيل جيش وطني هي المهمة الأولى التي بدونها لا يمكن تصور استكمال بقية خطوات التحول.
وعادة ما تتأثر عملية معالجة العلاقات المدنية العسكرية بعدد من العوامل، أولها شرعية وقوة الحكومة المدنية المنتخبة وحجم الدعم الشعبي الذي تمتلكه: هل هي حكومة تتمتع بأغلبية بسيطة أم أنها تتمتع بأغلبية واسعة بالبرلمان؟ وهل تقوم الحكومة بالضغط على الجيش في القضايا المصيرية ذات العلاقة بالجيش أم لا؟ وما درجة التوافق والتحالف بين القوى المدنية حول مسألة إزاحة النفوذ العسكري؟ احتاج الأمر، في الأساس، إلى نوع من الشراكة السياسية بين القوى السياسية لمعالجة المسألة والتفاوض مع الجيش حول مستقبل العلاقات المدنية العسكرية. هذا بجانب الطريقة التي تمت بها عملية التفاوض مع الجيش: هل قدمت كل الطلبات مرة واحدة (في الأرجنتين قدم كل شيء مرة واحدة فكانت النتيجة التعثر لفترة طويلة)، أم تم الأمر بشكل تدريجي (كما في حالة اسبانيا والبرازيل)؟ وللعامل الخارجي أثره أيضا: هل هناك تهديد خطير للأمن القومي من الخارج؟ هل يرتبط الجيش بعلاقات قوية مع دول أو دول قوية؟
كما إن الرغبة في تحقيق السيطرة المدنية لابد أن تقترن بوجود متخصصين وخبراء مدنيين في الشؤون العسكرية والأمنية. وتؤثر حالة الجيش من الداخل في معالجة المسألة: هل هو موحد أم منقسم؟ في بعض الحالات خضع الجيش لعملية تحول ديمقراطي من الداخل، أي غرس القيم الديمقراطية داخل المؤسسة ذاتها. هذا ما تم في اسبانيا على مدى فترة زمنية ممتدة وانتهى إلى حسم العلاقة نهائيا.
وتتأثر المهمة بالسلب أيضا إذا لم يتم فتح قنوات للحوار والتفاوض بين المدنيين والعسكريين، وينتشر بالتبعية سوء فهم وعدم ثقة متبادلة. ولهذا ففي معظم الحالات الناجحة كان من الأهمية خلق آليات للتفاعل بين الطرفين ووسائل يتمكن من خلالها المدنيون من معرفة مطالب العسكريين وأبعاد القضايا الإستراتيجية من جهة، ووسائل يمكن للعسكريين من خلالها معرفة أبجديات النظام الديمقراطية ومتطلبات بناء دولة ديمقراطية حديثة ووضع الجيش داخلها وغير ذلك من الأمور ذات الصلة.
ويرتبط بما سبق ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لبناء جسور من الثقة بين المدنيين والعسكريين لتقوية الديمقراطية. وهنا ظهرت آليات مختلفة منها اشراك العسكريين في مناقشة التشريعات ذات الصلة بالشؤون الأمنية والإستراتيجية، ووضع نظام تدريب وتثقيف ديمقراطي داخل الجيش، والاعتماد على خريجي العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تجنيد ضباط الاحتياط، ومعاملة العسكريين قضائيًا بنفس معاملة المدنيين، والاهتمام بنظام معاشات العسكريين، وغير ذلك.
وفي حالات أخرى، فشلت عملية حسم دور الجيش وبقى الجيش في السلطة بشكل مباشر أو غير مباشر (كما حدث في نيوغينيا، باكستان، بورما، اندونيسيا، تركيا)، لأسباب مختلفة أهمها أن الجيش كان على درجة عالية من التنظيم والانسجام مقارنة بالأحزاب القائمة، ووجود درجة عالية من الإنقسام في النظام الحزبي ودرجة عالية من عدم الاستقرار في الحكومات. بجانب خوف الجيش من نقص الميزانية وتقليص حجمه، أو وجود طموحات شخصية لبعض القادة. وشهدت بعض الحالات قيام الجيش بفرض سيطرته على الحياة السياسية من خلال إنشاء أحزاب تابعة له، أو مد سيطرته على المؤسسات المدنية أو على القطاع الاقتصادي.
وفيما يتصل بالقضايا المختلفة التي تطرح عند معالجة العلاقات المدنية العسكرية، فيمكن القول أن هذه القضايا تختلف باختلاف الأوضاع الخاصة بكل دولة، ومنها: من له الكلمة النهائية في تحديد الأولويات والمصلحة القومية، ميزانية الجيش، ولاية المحاكم العسكرية على العسكريين، شفافية الحصول على المعلومات مع ترتيبات للحفاظ على أسرار الجيش لكن مع سيطرة الحكومة على المدى الزمني للسرية، وضع النشاطات الأخرى للمؤسسة العسكرية تحت سيطرة المدنيين، عدم تسييس القادة العسكريين، الرقابة المدنية عبر البرلمان على المؤسسة العسكرية، التوازن بين الأمن الداخلي والخارجي ووضع ضوابط لتدخل الجيش في التأمين الداخلي، إسناد قرار الحرب للبرلمان، تصديق البرلمان على تعيين كبار قادة الجيش، شؤون الترقية والتعيين والعلاقات الخارجية للجيش في شؤون التدريب والتسليح. كما قد تقتضي المعالجة النهائية للعلاقات المدنية-العسكرية أيضا دمقرطة الجيش ذاته، أي نشر ثقافة الديمقراطية داخله وإعادة هيكلة المؤسسة والقيام بعملية إصلاح مؤسسي شاملة.
وفيما يتصل بدور الجيش في حماية الدستور على وجه الخصوص، تشير حالات الانتقال المختلفة إلى أنه كلما ارتفعت شرعية الحكومات المنتخبة كلما تضاءلت حاجتها وحاجة البلاد إلى استدعاء الجيوش للحفاظ على الشرعية. ومن هنا فتقوية المؤسسات والثقافة الديمقراطية كانت في غاية الأهمية، ولم يتم بشكل عام منح الجيش مكانة مميزة في دساتير الدول التي شهدت انتقالا ناجحا نحو الديمقراطية. لكن يجب القول أيضا أنه عادة لا تكون الجيوش غير مسيسة بنسبة 100 بالمائة، وإنما حتى في الدول الديمقراطية هناك مساحة سياسية للجيوش، ولذلك يكون التحدي المطلوب علاجه هو تحريك الجيش نحو استخدام القنوات العادية الشرعية للتأثير على عملية صنع القرار في الشؤون ذات الصلة بالجيش بدلا من القنوات غير الشرعية كالانقلابات العسكرية أو التأثير على السلطة المدنية المنتخبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال