الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوما الثورة و الثورة المضادة في النظرية الماركسية

إرنست ماندل

2017 / 7 / 17
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إنه في مجرى دراساتهما للثورات الفرنسية للقرنين 18 و 19، صاغ ماركس و انجلز مفهومي “الثورة السياسية” و “الثورة السياسية المضادة” ، المتميزين عن مفهومي “الثورة الاجتماعية” و”الثورة الاجتماعية المضادة”.

يُسمى “ثورة اجتماعية” ذلك الانتقال من نظام اقتصادي (مجموع علاقات الإنتاج) إلى نظام آخر، ومن سلطة طبقة اجتماعية إلى أخرى. نقلت الثورة البرجوازية السلطة من الملكية المطلقة و فئة نبلاء البلاط شبه الإقطاعيين، إلى البرجوازية. و تنقل الثورة العمالية (الاشتراكية) السلطة من البرجوازية إلى البروليتاريا (طبقة الأجراء).
تستتبع ثورة اجتماعية مضادة عودة السلطة إلى الطبقة السائدة القديمة المهزومة إبان الثورة. لو انتصر البيض إبان الحرب الأهلية في روسيا بين العامين 1918 و1920، او كان غزو خليج الخنازير ظافرا في كوبا، أو نجح هجوم “الكونتراس” في نيكاراغوا، لكنا إزاء هكذا ثورة مضادة.

الثورات و الثورات المضادة السياسية في فرنسا

بالعكس،لم تكن الثورة المضادة التي انتصرت في فرنسا في العام 1794 مع 9 ترميدور، واستمرت مع النظام الناتج عن انقلاب 18 برومير و الإمبراطورية (حكم بونابارت، البونابارتية)، ثم تعمق بعودة حكم آل بوربون في 1814-15، ثورة اجتماعية مضادة. لم يُعد إرساء النظام شبه الإقطاعي في المجال الاقتصادي. وظلت فرنسا بلدا رأسماليا. ولم يسترجع النبلاء امتيازاتهم المفقودة في 1789. وبقيت البرجوازية طبقة سائدة.
تتميز الثورة السياسية المضادة ، أساسا، باستبدال قسم كبير من الطبقة السائدة، بما هو قوة اجتماعية تمارس السلطة، بقسم آخر. في الحالة الفرنسية، كان المضاربون ومنتفعو الحرب الترميدوريون والبونابارتيون من حل مكان اليعاقبة؛ ثم حلت البرجوازية الكبيرة مالكة الأراضي (التي اندمج معها قسم من النبلاء القدامى و الجدد) مكان الأولين بعد العام 1815.

وعلى نحو مشابه كانت الثورات الفرنسية للقرن 19، ثورات 1830 و 1848 و 1870، ثورات سياسية، وليست اجتماعية. لم تتغير طبيعة نظام فرنسا الاقتصادي الرأسمالية . وظلت الطبقة السائدة هي البرجوازية. لكن ممارسة السلطة انتقلت من قسم كبير من تلك البرجوازية إلى قسم آخر: من البرجوازية مالكة الأراضي الى البرجوازية البنكية أولا؛ ثم من البرجوازية البنكية إلى برجوازية “الأعمال” في ظل نابوليون الثالث؛ ثم من هذه إلى البرجوازية الصناعية بحصر المعنى مع قدوم الجمهورية الثالثة.
لكن الأمر كان في كل حالة ثورة حقيقية، مع انتفاضة شعبية، وإطاحة هذه للحكومة. تمثلت خصوصية تلك الثورات السياسية في كونها، بعيدا عن نسف النظام الاقتصادي والسلطة السياسية القائمة، أتاحت توطيدها وتطوير الكامن فيها على نحو أفضل.
أما كومونة باريس في 1871، فقد كانت ثورة اجتماعية، إذ انتقلت السلطة في باريس من البرجوازية إلى البروليتاريا. وكان هزم فرساي لها إحدى الثورات الاجتماعية المضادة الظافرة في التاريخ الحديث.

الثورة والثورة المضادة السياسية في الاتحاد السوفييتي

قياسا على تاريخ الثورات الفرنسية، أثار لينين أولا، ثم تروتسكي، إشكالية ثورة سياسية مضادة في الاتحاد السوفييتي، اي ترميدور سوفييتي. استعمل لينين التعبير منذ العام 1922 بما هو إمكانية. و استعمله تروتسكي والمعارضة اليسارية الأولى بالمعنى ذاته منذ العام 1923. وقال تروتسكي في فترة لاحقة أن الأمر لم يكن مجرد” إمكان”، حيث أن الترميدور السوفييتي انتصر فعلا في 1923-24.
إن مفهوم الثورة السياسية المضادة في الاتحاد السوفييتي مغاير على نحو أساسي لعودة للرأسمالية، هذه التي ستكون ثورة اجتماعية مضادة. و تستتبع بقاء النظام الاقتصادي ونظام وسائل الإنتاج، اللذين أرستهما ثورة أكتوبر الاشتراكية، سائدين إجمالا. وتستتبع عدم وصول أي طبقة رأسمالية بمعناها الماركسي (أي طبقة تحول المنتجين إلى أجراء مجبرين على بيع قوة عملهم لها، لأنها تحتكر ملكية وسائل الإنتاج والتبادل الكبرى، وقادرة على قطع ولوجهم إلى وسائل الاستهلاك و البقاء ) إلى السلطة.
بالعكس، انتقلت ممارسة السلطة داخل طبقة العمال من الجماهير إلى أقلية ذات امتيازات، اي البيروقراطية (المسماة اليوم النمونكلاتورا). إن هذه “المصادرة السياسية للبروليتاريا” المشابهة للتي جرت في فرنسا بعد إطاحة اليعاقبة لم تعد اليوم موضوع منازعة من قبل المؤرخين السوفيات. فجريدة البرافدا ذاتها تستعمل مصطلحات مماثلة عمليا لتلك الخاصة بتروتسكي والأممية الرابعة. فهي تتحدث عن ” اغتصاب السلطة من قبل البيروقراطية منذ العام 1924″. وتؤكد أن السوفييتات ( مجالس العمال) فقدت كل سلطة فعلية منذ تلك السنة، وكذلك شأن العمال داخل المقاولات.
يتمثل فضل المعارضة اليسارية في كونها لم تنتظر 65 سنة لتبين ذلك، بل أعلنته منذ 1923، وكونها حاولت قلب المسار المضاد للثورة…

توطد انتصار الثورة السياسية المضادة في الاتحاد السوفييتي مع إرساء الديكتاتورية الستالينية في سنوات 1928-1932. وسببت، على غرار التيرميدور وملكية آل بوربون في فرنسا، ضررا بالغا للنظام الاقتصادي و الاجتماعي الذي أرسته ثورة أكتوبر. ومنعت ازدهار كامل قواها الإنتاجية و الخلاقة. وأدت عنها الطبقة العاملة والشعوب السوفييتية تضحيات رهيبة قابلة للتفادي، تضحيات بالدم، وتضحيات بمستوى المعيشة، وتضحيات على صعيد الحريات. لكنها لم تحل دون استمرار االاندفاعة الناتجة عن ثورة أكتوبر رغم كل شيء في نمو اقتصادي وتقدم اجتماعي، كما لم يفلح بونابارت و آل بوربون في منع تطور الرأسمالية في فرنسا.
إن امتزاج هذه التطورات التقدمية مع دور البيروقراطية الكابح الطفيلي قد وضع على جدول الأعمال في الاتحاد السوفييتي ثورة سياسية دافع عنها غورباتشوف ذاته ، لكنه يعرضها في شكل إصلاحات من فوق مستندة على تعبئات جماهيرية محدودة ومتحكم بها من قبل جناج جهاز الحزب “المستنير”.

لكن التجربة التاريخية لبداية ثورة سياسية في هنغاريا في العام 1956،و في تشيكوسلوفاكيا 1968، وفي بولونيا 1980-81، تبرهن على انه طالما لم تتعمم تلك التعبئات، و تستبدل شكل حكومة بآخر (حكومة السوفييتات، المجالس العمالية، والإدارة الذاتية للجماهير الكادحة)، يستحيل تحطيم المقاومات البيروقراطية.

الثورة و الثورة السياسية في الصين

مثلت كومونة بيكين في ابريل-مايو 1989 بداية ثورة سياسية حقيقية كانت تسعى إلى استبدال سلطة فاسدة وخرقاء أكثر فأكثر لزمرة مستبدين بيروقراطيين بسلطة حقيقية للجماهير الشعبية، معظمها بروليتاريون أجراء في بيكين وباقي مراكز الصين الصناعية. نجهل حتى الآن ما كان يمكن أن يكون شكل التحالف المحتم بين هذه السلطة والفلاحين الفقراء والمتوسطين الذين لا يزالون أكثرية المنتجين الصينيين (ما لم يعد قائما في الاتحاد السوفييتي ولا في أوربا الشرقية).
لم يكن لدى الجماهير المنتفضة في بيكين، وشانغهاي، ويوهان، وغيرها، أي مصلحة في إعادة الرأسمالية. كما لم يكن لديها نية تلك الإعادة. تكفي رؤيتها تلوح بالأعلام الحمراء وتنشد الأممية لتبين ذلك. لا بل لم تطعن حتى في دور الحزب الشيوعي الغالب في ممارسة السلطة. كانت تكتفي بالمطالبة بممارسة الحريات الديمقراطية من قبل الجميع، رجالا ونساء، وعودة الحزب الشيوعي الصيني إلى الديمقراطية الداخلية، وإلغاء الامتيازات المادية والفساد و التضخم و التفاوت الاجتماعي الصارخ الذين استشروا في العقود الأخيرة في الصين.
كان من شأن انتصارها أن يوطد أسس الاشتراكية في الصين، ويؤمن لها ازدهارا جديدا.
إن سحقهما في الدم اءمن قبل زمرة مستبدين عسكر، تضع على نحو وقح الدفاع عن سلطتها، وعن محاباة أقاربها، وعن امتيازاتها المادية الهائلة، فوق مصالح الاشتراكية و البروليتاريا و شعب الصين، قد صوب ضربة قاسية جدا للاشتراكية بهذا البلد وبالعالم.
لكنه سحق مؤقت ليس إلا. قبل 32 سنة سحقت الثورة الهنغارية هي أيضا في الدماء. وفي الأسبوع الحالي، تظاهر بشوارع بودابيست مليون شخص إحياء لذكرى الرفيق إيمر ناجي، القائد الشيوعي لحكومة الثورة، الذي أعدمه، خيانة، الستالينيون . لن يلزم انتظار عشر سنوات كي يتظاهر ملايين الأشخاص في بيكين لشرف طلبة وعمال كومونة 1989، وكي يحكموا بالكره و الاحتقار الأبديين على قتلتهم الأنذال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024