الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سنبقى نعيش في الماضي؟

منعم زيدان صويص

2014 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الماضي البعيد جزء هائل من ثقافتنا، ويكاد يشكل 99 بالمئة منها، وأستطيع أن أقول أننا نقتات من الماضي، ونعيش عليه، سيئا كان أم حسنا، سارا أم محزنا. أما التفكير في الحاضر أو في المستقبل فهو همّ ثانوي بالنسبة لنا. نحن نتعامل مع ما كان يحدث قبل أكثر من ألف سنة وكانه يحصل الآن، ونعرف، أو ندّعي أننا نعرف، الشخوص الذين عاشوا في ذلك الزمان، وماذا قال أحدهم للآخر، ولا نشك في صحة ما نُسب إليهم، ونعرف كيف كانوا يعيشون وماذ أحبوا وماذا كرهوا، ونجعل كثيرا من ذلك، بتفاصيله، جزءا من مناهجنا المدرسية ونحشو به أدمغة أبنائنا. نحن في الحقيقة نعيش في عالم آخر لا أحد يشاركنا فيه. كل هذه المعرفة عن الماضي بلا شك كونت ثقافة غنية على مدى قرون، ولكننا لم نكتف باعتبار هذه المعرفة قاعدة لثقافتنا الحالية بل إعتبرنا أنها تشكل الآن، وستشكل في المستقبل، كل ما يتعلق بثقافتنا وتطورها. ونجد أن مستوى القادة والعلماء والأدباء العرب الذين عاشوا في الماضي البعيد، كان أرقي وأغنى، من حيث التعبير والفكر والثقافة، من مستوى قادتنا وعلمائنا وأدبائنا المعاصرين، وربما نكون على حق في ذلك.

في التاريخ العربي، وبعد الفتوحات الإسلامية، حدث تطور هائل في جميع مناحي الحياة، وكان هناك تغيّر وتقدم ثقافي تبناه ونمّاه بعض الخلفاء، وكان سبب هذا التقدم الإحتكاك بالعالم الخارجي وبالثقافة اليونانية والفارسية والهندية. وترجمت أعمال عباقرة اليونان في العلوم والفلسفة إلى العربية، واستوعب العرب هذه الثقافة وبنوا عليها. واستمر التقدم، بصورة أو بأخرى، حتى فتح المغول بغداد ودمروها عام 1258، ويظهر أن كل شيء بقي على حاله حتى القرن التاسع عشر حين وُلدت النهضة العربية الحديثة بعد أن غزا نابليون مصر وتحارب هو والإنجليز على السيطرة عليها وأدخلت أول مطبعة إلى مصر في بداية القرن التاسع عشر. وبعدها بسنوات أرسل الحاكم المستنير محمد علي باشا البعثات الدراسية إلى فرنسا وعاد المبعوثون لنشر أفكارهم الجديدة، وبدأ التنوير في مصر بالتوازي مع التنوير في بلاد الشام، وخاصة لبنان.

عاش العرب خمسة قرون بعد ظهور الإسلام، على مستوى أرقي من بقية الأمم، من النواحي الثقافية والإقتصادية، من بلاد فارس في الشرق إلى إسبانيا في الغرب، وكان العلماء العرب والمسلمون معلمين العالم لأنهم إطلعوا على أفكار فلاسفة اليونان و ترجموها، قبل أن يضيع معظمها، إلى العربية ومنها ترجمت لاحقا، مع شرحها العربي، إلى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوروبية، وتضمنت علوم الطبيعة، أي الفيزيا، والكيمياء والطب. وأُدخلت مئات من الكلمات العربية إلى اللغات الأوروبية وأصبحت أسماء العلماء والفلاسفة العرب متداولة في مراكز التعليم الغربية، وكان أشهرالفلاسفة في ذلك الزمان إبن رشد، الذي سماه الاوروبيون أفروس (Averroes). ويظهر أن الحملات الصليبية، التي بدأت في عام 1095 واستمرت مئتي عام، ولّدت الكرْه بين الغرب من جهة والعرب والمسلمين من جهة أخرى، وخلقت، مع الأسف، حاجزا بين الجانبين. أقول مع الأسف لأن أوروبا بدأت تستيقظ بعد الحروب الصليبية ولكن الشرق العربي بدأ فترة من الخمول. وتعمق الكره والهوه بين الطرفين بعد الفتوحات العثمانيه لأوروبا واحتلال القسطنطينية والوصول إلى فيينا. وبينما كانت أوروبا تستيقظ وتحدث التغيير، بإلهام من التطور الذي بدأه العرب، دخل المسلمون بقيادة الإمبراطوريه العثمانية فترة من السبات العميق، حيث إنعدم التغيير مدة أربعة قرون. والسبب الرئيس أن الأتراك العثمانيين ينحدرون من قبائل مقاتلة من آسيا الوسطى ولم يحتكوا بالمدنية أو يملكوا ثقافة خاصة بهم. وبقي نظام حكمهم على حاله، ولم يكن لهم تأثير واضح في الأدب والعلم والثقافة، ولم يكن عندهم صناعة أو زراعة متطورة. ولم يحصل تغيير حقيقي في تركيا إلا في العصر الحديث، بعد ثورة أتاتورك، فظهر كتاب أتراك نال أحدهم جائزة نوبل، وشعراء أيضا، منهم إردوغان نفسه الذى عبر عن فخره بالمآذن التركية بعَقد مقارنة بينها وبين الصواريخ.

نعم، لقد كان لإحتلال الأتراك العثمانيين للبلاد العربية مدة إربعة قرون أثرٌ مدمرٌ على المجتمعات العربية، وبقيت الشعوب العربية، وخاصة في الشرق، في حالة ركود، بينما كانت تحدث في الغرب تطورات علمية وثقافية واقتصادية هائلة، من ضمنها الثورة الصناعية. ونشطت الجهود الإستعمارية للدول الأوروبية في جميع أنحاء العالم. وفي متنصف القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الثانية، إقتنعت الدول الإستعمارية أن إحتلالها لبلدان عديدة لا يمكن تبريره إنسانيا أو أخلاقيا، وخاصة بعد ثورات الشعوب التحررية، وهكذا بدأ عصر الحرية والإستقلال لهذا الشعوب . وأدى إحتكاك كثير من الدول المتخلفة بالدول المتقدمة في الفترة الإستعمارية إلى التنوير، وها نحن نرى الآن التقدم الهائل للدول الصاعدة كالهند والصين التي أصبحت تنافس الدول العظمى في الغرب. أما الدول التي لم تحتك شعوبها بحضارة الآخرين وبقيت مغلقة بوجه التقدم الغربي فبقيت على حالها، مثل اليمن وأثيوبيا ونجد والحجاز.

التغيير من سنن الحياة وهو قانون وحقيقة، والماء يبقى آسنا إذ مُنع من الجريان، وإذا أرادت الدول والشعوب ان تتقدم فعليها إحداث تغييرات إيجابية. غير أن التغيير في البلاد العربية خلال النصف الثاني من القرن الماضي كان تغييرا سطحيا وسلبيا، أو مجرد تقليد ونقل لما توصل له الغرب، وبدل أن يكون التغيير إلى الأفضل أصبح تغييرا إلى الأسوا، وبلغت هذه الظاهرة السلبية أوجها في هذا القرن. لقد ساد التفاؤل عندما بدأت الإنتفاضات في البلاد العربية، لأن الناس توقعوا أن يحصل تقدم وتطور إيجابى، ولكن المد الرجعي إستغل هذه الإنتفاضات للإيغال في الماضي، وإرجاع الزمن إلى الوراء، وإعادة الناس عدة قرون إلى الخلف. الأمم والشعوب في سباق مع الزمن، ومن لا يتقدم يتأخر، والتغيير يجب أن يكون إيجابيا وثوريا، يعكس التطور الثقافي والعلمي، المادي والمعنوي، في هذا العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص