الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات التونسية و مستقبل تونس: قراءة اجتماعية- سياسية و إشارات تكتيكية .

بيرم ناجي

2014 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تقديم :

تفاعل العديد مع مقالي الأخير الموجه الى "نداء تونس" بما يشبه القذف و اللعن ، خاصة من القريبين من نداء تونس و المنتسبين اليه و حتى من بعض القريبين من الجبهة و أساؤوا فهمه لأنني تعمدت فيه رفع السقف و مطالبة النداء بألا يكون أقل ديمقراطية مع غيره ان كان يريد التحالف معهم. و قد ركزت المقال على نقطة الائتلاف الحكومي الممكن و شروطه و عملت على التنبيه الى انه لا يجب التركيز على الضغط على الجبهة لتلتحق بالنداء بل على نداء تونس ليتنازل لصالح الديمقراطية "على الأقل" كما تنازلت النهضة لحلفائها علما وانني أعرف مسبقا انه لن يفعل أبدا.
من بين الانتقادات لمقالي السابق انني أغفلت كذا و كذا من النقاط .و لكنني تعمدت التركيز على سهم محدد لتحويله باتجاه النداء و ابعاده عن صدر الجبهة و عبر المبالغة عمدا و صدقا لأنني أرى ان نداء تونس لم يرتق بعد الى القوة الديمقراطية التي يمكن الركون اليها. تكفي اشارة واحدة: لو قام النداء غدا بمؤتمر ديمقراطي ينتخب فيه القاعديون قيادتهم لأمكن للتجمعيين اعادة انتخاب قيادة تجمعية كاملة و لأقصي المستقلون و النقابيون و اليساريون الملتحقون به. و قيادة النداء تعرف هذا و تتجنب عقد المؤتمر لهذه الأسباب و لغيرها.
من رأى في المقال " شرط العازب على الهجالة" و من " أصابه السكري" بسببه فليعذرني لشخصه .أما سياسيا فأنا لا أقبل أن تبتز الجبهة باسم التصدي للنهضة و لا غيرها و لن أقبل أن تدخل في تصفية الحسابات بين القطبين و لا في أية مؤامرة أخرى.
من الناحية الشكلية: المقال مثل اللوحة التي هدفها التركيز على أمر محدد و هو ليس لوحة بانورامية هدفها كشف كل شيء. كانت عيناي تحدقان في أعين الجوكندا ووجهها و لم أهتم بماحول الوجه من مشاهد طبيعية . كان هدفي احراج النداء و تخفيف الضغط على الجبهة و هذا حقي كمناضل سياسي.خلاف ذلك...لا يهمني.
من قال انني "لا أفهم في السياسة" و ربما اكون" عميلا حزبيا" داخل الجبهة و انني كتبت "مقالا مقرفا" الخ أرد عليه بما يلي :

1-
لقد غيرت ثورة 14 جانفي ثم نتائج انتخاباتها في 2011 و 2014 الخارطة السياسية التونسية كثيرا و ستواصل فعل ذلك ان تواصل المسار الحالي. و لكن يبدو ان النخب السياسية لم تع بعد ما وقع و لا تعي بعد ما يجب أن يقع في المستقبل القريب و البعيد ، بما فيه الكفاية على الأقل.وأن عدم الوعي بما يقع يجعل الحركات السياسية تسلك "عفويا" و تساير الأحداث و موازين القوى دون رؤية واضحة للإطار الواقعي – الوطني و الدولي- الذي تعمل داخله و دون بوصلة واعية، ربما.

2-
ان الثورة التونسية – التي هي مزيج بين انتفاضة شعبية و حركة عسكرية لم ترس حكم الجيش- هي ثورة بمعنى خاص جدا، بسبب عفويتها / لا حزبيتها و شبابيتها و جهوية مجالها الأساسي و التصاقها اساسا بالطبقات الوسطى، دفعت الجميع الى التأقلم مع المعطيات الواقعية بعيدا عن كل تصور نظري جاهز سابق لكل الحركات السياسية التونسية الكبرى.انها ليست ثورة اجتماعية بالمعنى الكلاسيكي للكلمة بل هي الى حد الآن – من خلال ما حققته- ما يمكن أن نسميه ثورة حرية سياسية تحديدا، رغم شعاراتها الوطنية و الاجتماعية ...المؤجلة.

3-
ان ما فعلته الثورة التونسية هو بالأساس – الى حد الآن- اسقاط التسلط السياسي و فتح مجال الحرية السياسية دون أن تؤثر فعليا لا على النظام الاقتصادي و لا الاجتماعي و لا الثقافي في خطوطها العريضة .بل أدت حتى الى تراجعات في هذه الميادين بفعل عدم ارتباطها لا بثورة ثقافية و لا باصلاحات اقتصادية اجتماعية جذرية. و ذلك ليس فقط لأن السلطة الاقتصادية و الاجتماعية لم تتبدل كثيرا بل لأن القوى السياسية لم تحسم أمرها في ما تفعله بمشاريعها السياسية الكبرى و هو ما ظهر أكثر مع النهضة و لكنه يوجد أيضا عند " الليبيراليين" و القوميين / البعثيين و اليساريين.

4-
ان اعادة تشكل الخارطة السياسية بعد حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي و اقتراب كل القوى من التاثير على السلطة الى حد المسك بها كليا أو جزئيا غير كل الحركات السياسية الكبرى و لكنها – على ما يبدو- لا تعي هي نفسها هذا الى حد الآن على الأقل.

5-
بعد 14 جانفي لم تستطع القوى اليسارية- الوسطية التحالف لسد الفراغ مما سمح للنهضة بالقيام بذلك. و لكن وصول النهضة و بعض القوى الوسطية الى السلطة أجبر النهضة نفسها على الاقتراب من الوسط نسبيا، خاصة بعد أزمة الاغتيالات منذ 6 فيفري2013 داخليا و بعد الانقلاب العسكري في مصر و دخول ليبيا أزمتها الحادة التي لا تزال تعيشها و تغير موازين القوى في المنطقة بكاملها و خاصة استمرار النظام السوري في الوجود و انحراف الثورة السورية باتجاه أصولي متشدد، الخ.

6-
و لكن هذه النتيجة هي وليدة عدة أسباب داخلية و خارجية بنيوية و أخرى طارئة. و يمكن تلخيص الأولى البنيوية في اعتدال الشعب و أهمية الطبقات الوسطى داخله من ناحية و في أنفتاح البلد على الخارج من ناحية ثانية.

7-
أما الأسباب الطارئة فتعود الى محاولة النهضة ضرب هذه "الوسطية و الاعتدال و الانفتاح" و الذهاب في اتجاه آخر داخليا و الانخراط في محاور دولية "جديدة" خارجيا مما أدى الى حركة انقاذية لاعادة البلد الى " نموذج الحياة التونسي" و "العودة الى الأب المؤسس" بورقيبة للربط مع "مشروع الدولة الوطنية" و الحداثة مقابل "الدولة الاسلامية" و البدائل المحافظة و العلاقات الدولية الجديدة التي تقترحهاو أوتحاول أن تفرضها.

8-
أن الانقاذ هنا أخذ ثلاثة أوجه أساسية: الانقاذ الاقتصادي بسبب الأزمة الاقتصادية . و الانقاذ السياسي- الأمني بسبب الارهاب و التكفير و غيرهما و الانقاذ السياسي الدولي بسبب الارتباط بحلف جديد و الاضرار بالسياسة الخارجية للبلاد أكثر مما مضى.

9-
أول دليل على ذلك تشكل "جبهة الانقاذ" التي جمعت الجبهة الشعبية و "نداء تونس" و التي لولا الاغتيالات و التكفير و الارهاب ما كان يمكن أن تقع تماما.

10-
ثاني دليل على ذلك "مؤتمر الحوار الوطني" حيث يجلس اتحاد الشغل و اتحاد الصناعة و التجارة مع بقية المنظمات الوطنية لالزام القوى السياسية على الحوار بهدف الانقاذ السياسي و الاقتصادي...


11-
ثالث دليل هو تغير العلاقة بين الشعب و المؤسسة الأمنية بعد الاغتيالات و ظهور المجموعات الارهابية و هو ما يشكل تطورا لافتا بالنظر الى ما كانت عليه العلاقة من سوء قبل أشهر فقط ...في أحداث الرش بسليانة مثلا.

12-
رابع دليل هو الاتفاق على "حكومة التكنوقراط" التي تعني تعادل موازين القوى النسبي و اللجوء الى حل وسط سياسي يحفظ الدولة في انتظار حسم مسألة السلطة انتخابيا و هو ما لن ينتهي الا بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

13-
بعد14 جانفي و حل التجمع أدى انتصار النهضة و خطر مشروعها الى تأسيس نداء تونس واضطرت "الليبيرالية" التونسية الى العودة الى الارث البورقيبي الذي راوح بين " اشتراكية" و ليبيرالية دون أن يقطع مع الاستبداد الوطني و اضطرت الى تبني الديمقراطية غصبا عنها مع المحافظة على خصوصية الدولة الراعية للطبقات الوسطى و الشعبية مما يعني ان نداء تونس اقترب غصبا عنه من الوسط مثله مثل النهضة. و ان ضعف –بل ذوبان- الأحزاب الدستورية في الانتخابات الأخيرة أكبر دليل على ذلك.

14-
بعد 14 جانفي اقتربت حركة التجديد و الحزب الديمقراطي التقدمي من اليمين بتحالفهما مع محمد الغنوشي مثلما اقترب التكتل و المؤتمر من اليمين بتحالفه مع النهضة و لكن بسبب اقتراب اليمين من الوسط ذابت القوى الوسطية التقليدية نفسها لأنه تم تهرئتها. و ان نتائج الجمهوري و المسار و المؤتمر و التكتل اكبر دليل على ذلك الآن.

15-
بعد 14 جانفي اقترب اليسار نفسه من الوسط بمشاركته في هيئات رسمية و قبوله بالمحفاظة على "استمرار السلطة" الشكلي ثم بدخوله في الانتخابات الأولى التأسيسية و الثانية التشريعية ولكن بعد صعود النهضة اقترب أكثر من الوسط و تم تهميش "اليسار الثورجي المتطرف" بسبب ضغوط الواقع و أكبر دليل على ذلك التحاق رابطة اليسار العمالي التروتسكية بالمسار الانقاذي رغم اختلاف مرجعياتها النظرية مع ذلك و هو ما يشكل أحدد أسباب ضعف تاثيرها في عموم جمهور اليسار التونسي.

16-
بعد 14 جانفي اقترب القوميون و البعثيون من الوسط أيضا بالتخلي عن الحلم الانقلابي- الثوري و الانخراط في "المسار الديمقراطي" و لكن اختلفوا في المسافة التي يأخذونها مع بقية القوى و خاصة " نداء تونس" و حركة النهضة و من اليسار و الجبهة الشعبية و لكن الانقسام في صفوف حركة الشعب بين "التيار الشعبي" و من بقي في الحركة الأم يدل على التمايز الذي حصل في المسافات السياسية باتجاه اليسار و اليمين. و مثل ذلك حصل للبعثيين – بدرجة أقل و بصورة مختلفة- من خلال المواقف المختلفة بين حزب البعث و حزب الطليعة العربي الديمقراطي و العناصر القريبة تاريخيا من البعث السوري.

17-
النتيجة الفعلية هي اقتراب الجميع من الوسط و من الطبقات الوسطى و الحلول الوسطى. و ان أسطع تعبير عنه هو ذوبان الأحزاب الوسطية التقليدية في الانتخابات التشريعية الأخيرة: فاذا اقترب اليمين و اليسار من الوسط لا يعود هنالك داع لوسط سياسي تقليدي لأن القوى الكبرى تجذب القوى الصغرى و تذيبها متى احتلت مكانها في الخارطة. و خاصة عندما يحتد الصراع المصيري و لا يبقى للذرات الصغيرة من مكان خاص في التفاعل سوى الالتصاق بالكبيرة.

18-
النتيجة الثانية هي تهميش أقصى اليمين و أقصى اليسار أكثر من أية لحظة سابقة بعد سقوط بن علي. فقد اقصت النهضة جناحها اليميني من الترشح على قائماتها الانتخابية و تعده ربما للاهتمام بالعمل الدعوي لتقاسم الوظائف و الأدورا. كما تجاهلت حزب التحرير و السلفيين –رغم كون بعض قواعدهم ربما صوتوا لها و سيساندونها في الرئاسيات بشروط..- و في نفس الوقت ابتعد نداء تونس عن بعض رموز الأحزاب الدستورية المفضوحة و كذلك تم اضعاف أقصى اليسار المجالسي و الماوي و غيره الذي اما اختار المقاطعة أو شارك في الانتخابات و لن ينل شيئا بالمرة.

19-
النتيجة الثالثة هي صعود ترويكا جديدة- لم تتحول بعد الى ترويكا حاكمة وقد لا تتحول كذلك - مقابل ترويكا قديمة مما يعني انه لا أحد من القوى الرئيسية قادر على الحكم لوحده و ان أصوات التونسيين تتوزع على ثلاثة قوى كبرى اسلامية و ليبيرالية و يسارية-قومية.

20-
النتيجة الرابعة هي ظهور "الاتحاد الوطني الحر" و هو حزب مقاولاتي مما يعني ان تفكك البورجوازية الحاكمة سمح لرجل الأعمال بالصعود المفاجئ بفضل المال و الاعلام و الرياضة و هو ما يعني ان مرحلة اعادة الهيكلة للطبقات الحاكمة لم تنته بعد و لكنه يعني أيضا ان الاتحاد الوطني الحر قد ينقرض مستقبلا مثلما انقرضت العريضة الشعبية أول ما تستقر الأمور نسبيا لنداء تونس.

21-
النتيجة الخامسة هي ارتفاع نسبة المقاطعة الانتخابية مما يعني ان النخبة السياسية ستبقى رهينة دخول المقاطعين في اللعبة الانتخابية في الرئاسيات و هو قد يكون لصالح نداء تونس أكثر من النهضة التي تعرف بقدرتها على تحريك كل قواعدها وأصدقائها "العقائديين" خاصة و انه لا مرشح لها للرئاسيات من صفوفها و من تراهن عليه من حلفاء قد يخسرها أكثر مما يربحها و هي لذلك مترددة في المساندة الى حد الآن.

22-
و لكن هل الاقتراب من الوسط هو اقتراب سياسي نابع من مراجعات نظرية- سياسية أم تكتيك مؤقت قابل للتطور اللاحق مثلما هو قابل للتراجع في موازين قوى جديدة طالما فرضته ظروف خاصة بالثورة التونسية و موازين قوى سياسية خاصة؟
هذا هو السؤال المحوري الذي على قاعدته تبنى المواقف التكتيكية...و هنا أتوجه الى الجبهة الشعبية تحديدا لأنني مناضل في صفوفها.

23-
أنا لا أعتقد ان اقتراب النهضة من الوسط ( وصمت جناحها المتطرف التقليدي و السلفيين) و نداء تونس( وصمت جناحه المتطرف و الأحزاب الدستورية) و لا حتى اقتراب الجبهة الشعبية نفسها من الوسط ( وصمت بعض مناضليها أو من هم خارجها وصوتوا لها جزئيا مثل الوطد الثوري) ناتج عن مراجعات نظرية كبرى بل عن التعامل مع موازين القوى. و لكنني لا أنكر ان أجنحة في كل هذه الحركات السياسية بمن فيهم القوميين و البعثيين يتحسسون طريقا جديدة و لا تتركهم الأحداث المتسارعة لتنظيرها نسبيا.

24-
و لكن الاقتراب من الديمقراطية التداولية ، التي هي التعبير السياسي عن "الوسطية" ، مقابل" الشمولية" الاسلامية و القومية و البعثية و الوطنية الليبيرالية لا يجب لا أن يسقط النخب في "باراديغم الديمقراطية الليبيرالية" بحيث تنسى المطالب الوطنية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية من الحسابات السياسية. و هنا أنا أميل الى الجبهة الشعبية من كل التيارات الأخرى و لذلك أساندها هي بالذات دون غيرها.

25-
ان حركة النهضة و نداء تونس لم يتحولا بعد الى أحزاب ديمقراطية اما بسبب السجن الايديولوجي بالنسبة الى النهضة و اما بسبب الارث التسلطي المضاد بالنسبة الى النداء. و هما ،زيادة على ذلك، أقرب الى الاستجابة الى املاءات الصناديق الدولية ولو بتجويع الشعب و الى املاءات دول أجنبية و لو على حساب السيادة الوطنية بسبب لعبة المحاور و على حساب الحرية بحجة محاربة الارهاب ،الخ.

26-
و لكن البلاد تحتاج فعلا الى انقاذ ما. ليس فقط من الازمتين الاقتصادية و الأمنية بل كذلك من القطبين السياسيين و خطر تحالفهما أو صراعهما في نفس الوقت مع ان نتائج التحالف ستكون مختلفة عن نتيجة الصراع الذي قد يكون مدمرا.

27-
لهذا أعتبر ان المبادئ العامة التي يجب أن توجه التكتيك الجبهاوي في المرحلة المقبلة هي: انقاذ الدولة و معارضة بالسلطة. انقاذ الاقتصاد و معارضة التطرف الليبيرالي. انقاذ الشعب و معارضة التطرف النخبوي ( كل النخب السياسية و الاقتصادية و الاعلامية...) و انقاذ المسار الديمقراطي و معارضة الميل الى التسلط و التنكر للشهداء و الجرحى و المطالب الشعبية في الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية.

28-
بناء عليه أعتقد ان أفضل خط تكتيكي يحمي الجبهة لتواصل نضالها مع شعبها و من أجله هو ما عبر عنه الرفيق زياد لخضر من امكانية اعطاء الثقة للحكومة حتى لا نعطل تشكلها و نخلق فراغا دستوريا و لكن دون الدخول فيها و لكن مقابل الاتفاق على بيان حكومي واضح لا تنازل فيه عن مطالب الثورة و لا تراجع فيه لا الى العهد البورقيبي- النوفمبري و لا الى ممارسات عهد النهضة الترويكا.أما في خصوص الانتخابات الرئاسية فمن المهم مساندة ترشح الرفيق حمة الهمامي الى آخر لحظة ليس فقط لأن ذلك وصية الشهيد شكري بلعيد – اذ ان الوصية قديمة ولو كان شكري حيا ربما يغير رأيه- و لكن دفاعا عن خط الجبهة الثالث وحظوظه مهما كانت لأننا نعرف جميعا ان الاستقطاب في الرئاسيات سيكون على أشده على عكس التشريعيات التي فرضنا عليهم أن يسبقوها عن الرئاسية بسبب ذلك بالضبط .

29-
بعد ذلك على الجبهة التعامل مع الحكومة على قاعدة التزامها بالاعلان الحكومي من ناحية و عبر سياسة "الحالة بحالة" عند اصدار القوانين و تسطير السياسات و ليس لا على اساس المساندة الدائمة المطلقة و لا المعارضة الدائمة المطلقة. لا من باب التذيل حفاظا على الائتلاف الحكومي- الذي سنكون خارجه- و لا من باب المعارضة السلبية الرافضة لكل شيء ...كما يروج عنا.

30-
مع هذا ، على الجبهة أن تلعب دورا نموذجيا يعطي القدوة لبقية الفصائل السياسية التونسية من خلال الدفع الى ثقافة و ممارسة سياسية جديدتين في تونس عبر عنهما الرفيق شكري باختصار مكثف و شديد عندما تحدث عن ان" ثورتنا ثورة سلمية ديمقراطية" و ان" العنف لا يخدم الا الرجعية "وان "تونس يجب أن تتحول الى حديقة بألف زهرة ووردة "لكل من يقبل بالتعايش و التنافس الديمقراطي. و هذا يفرض علينا النضال يلا هوادة ليس فقط ضد الاستقطاب بل ضد الانتقام بين القطبين الذي قد يدمر البلاد و يسمح للأطراف الخارجية بتحويلها الى ساحة حرب اقليمية لا ناقة و لا جمل للشعب و لقواه السياسية فيها تماما.

خاتمة:

لن تتمكن القوى السياسية جميعها من المساهمة في انقاذ تونس فعليا الا بالرجوع الى الحاضنة الوطنية و الشعبية من ناحية و بمراحعات نظرية –سياسية- تنظيمية كبرى تدفع نحو الديمقراطية التي يمكن و يجب تطويرها تطويرها لا حقا و باستمرا.
و رغم انني لا آمل كثيرا في قدرة النهضة مثلا على هذا و لا نداء تونس ، حاليا ، - بسبب روابطهم الوثيقة مع الماضي الفكري و السياسي و البشري و بسبب ما اقترفاه في الحملة الانتخابية الماضية نفسها و غيره- الا ان الجبهة الشعبية ، لو عرفت من أين تؤكل الكتف ،و لو قامت بذلك لدفعتهم كلهم الى ذلك و لكن بشرط: أن تستفيد هي نفسها من تجارب اليسار الأمريكي اللاتيني و من تجارب جنوب افريقيا و غيرها و تطور يسارا ديمقراطيا و قومية ديمقراطية جديدة أعتقد ان تونس و الوطن العربي في أحوج الأوقات اليها.في تلك الحالة ستكون هي صمام أمان الانتقال الديمقراطي في السنوات القادمة أذا عرفت كيف تتطور نظريا و تنظيميا و كيف تحمي تونس من التغولو التعطيل و من الاستقطاب و الانتقام و تترك نضالها مشهرا ليس بهدف المعارضة للمعارضة بل بهدف البناء الجديد في وضع داخلي و خارجي معقد جدا يتطلب حلولا مركبة له تتجاوز ما فات من بدائل دون التنكر الى ايجابياتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر