الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية المجيدة

وديع السرغيني

2014 / 11 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية المجيدة

تحتل ثورة أكتوبر مكانة مهمة في تاريخ الحركة العمالية الاشتراكية، فهي التي أرست أول دولة عمالية في إطار أول ثورة اشتراكية مظفرة قادها العمال، وساندها الفلاحون الفقراء والجنود والبطـّالون ومجمل الكادحين.. ويمكن القول أن هذه الثورة التي فتحت عهدا جديدا، بداية القرن العشرين، لتغيير العالم في اتجاه آخر يقود للقطع مع عهد الاستبداد، والقمع، والطغيان، والاستغلال، واستعباد الشعوب بنفس الدرجة أو أكثر مما كانت عليه العهود السابقة عن الرأسمالية.. فكان أن تبخرت وعود البرجوازية التي تعنـّت سابقا بالأخوة والحرية والمساواة، فما كان من الجماهير بعدها سوى الانتفاض تلو الانتفاض، إلى أن تحقق النصر في بلد، لم يكـن سوى القلائل من القادة المفكرين العماليين الماركسيين يرشح طبقته العاملة الضعيفة نسبيا، مقارنة مع مثيلاتها في بلدان فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا، بأن تتمكن من نيل ثقة الطبقات والفئات الشعبية الأخرى، لقيادة الثورة ضد النظام القيصري أولا ثم ضد البرجوازية وحلفائها من البرجوازيين الصغار الانتهازيين.
فكما جميع الثورات التي أحدثت منعطفا مهما في تاريخ البشرية، كثورة العبيد والثورة البرجوازية الفرنسية وثورة باريس العمالية.. فتحت ثورة 1917 الروسية صفحة جديدة في تاريخ النضال من أجل الحرية والديمقراطية، ودشنت عهدا جديدا، مبشرة بالقضاء على الطبقية نهائيا عبر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية.
فلم تكن الثورة نتيجة للصدفة، أو للعفوية الجماهيرية، أو للعزيمة الصادقة لبعض الثوريين المغامرين.. بل جاءت نتيجة لنضالات ثورية عميقة خاضتها الجماهير الشعبية على اختلاف مواقعها الطبقية، وعلى اختلاف تضررها من نظام القيصر وحلفائه الملاكين الكبار، في إطار من السيرورة الثورية لثلاثة ثورات مهمة، خلال مدة لا تتعدى الاثني عشرة سنة 1905 ـ فبراير 1917 وأكتوبر 1917، طوّرت الفكر الثوري، ومزجت بشكل خلاّق أفكار ماركس وإنجلز ولينين في أساس الفكرة الثورية، مكـّن بالتالي الجماهير العمالية من تطبيق خلاصاتها عمليا على الأرض، بقيادة البلاشفة اللينينيين، وبدعم ومساندة من المجالس الشعبية ـ السوفيات ـ كتعبير عن الديمقراطية الشعبية الجديدة، التي أبدعتها الجماهير في خضم انتفاضتها الثورية الأولى خلال دجنبر 1905.
كان لا بد من تناول هذه الذكرى التاريخية العظيمة، وكان لابد من انتظار نتائج الإضراب العام الذي خاضته الشغيلة المغربية يوم 29 أكتوبر الفارط، والذي عرف مشاركة عمالية لا بأس بها أطـّرتها نقابات ومركزيات وتيارات سياسية بعيدة عن القضية العمالية في نضالها من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية.
وضدا على أي تبخيس في حق النضالات والاحتجاجات الشعبية الجماهيرية، كان لزاما على جميع الماركسيين اللينينيين المغاربة، المشاركة في هذا الإضراب العام نصرة لجميع المضربين من أجل الحق في التقاعد ومن أجل التراجع عن الزيادات في الأسعار.. وهو ما تم تجسيده على الأرض عبر النقابات، وعبر الجمعيات الاحتجاجية المناهضة للغلاء، وعبر الحركة الطلابية التقدمية، وعبر حركة المعطلين الشباب من حاملي الشهادات.. مما أعطى الإضراب بعدا شعبيا راهنت على نجاحه جميع الفئات والطبقات الشعبية المسحوقة والمقهورة من جرّاء السياسات الحكومية الرأسمالية، ومن جرّاء الدور الخطير الذي يلعبه النظام القائم في تمرير وتطبيق السياسة المالية الإمبريالية، مما يضع البلد عرضة للنهب والإفلاس، والمديونية الدائمة.. ويضع بالتالي مجموع الفئات والطبقات الشعبية الكادحة للمزيد من الاستغلال والبطالة والتهميش والحرمان من أبسط الحقوق، والضرب للمقدرات الشرائية، والتفريط في الخدمات الأساسية التي رعتها الدولة لسنين وأجيال، كالتعليم والصحة والنقل العمومي والسكن الاجتماعي..الخ
تخليدا لهذه الذكرى العظيمة، ثورة أكتوبر الاشتراكية، لا بد من الإشارة لأوضاع الحركة الماركسية اللينينية المغربية والتي عجزت مكوناتها عن تنظيم نفسها على طريقة البلاشفة أي الماركسيين الفعليين الذين لم ينبذوا قط، أو يفرطوا في لحظة من لحظات العمل الثوري، في المهمة التنظيمية، تنظيم صفوف الماركسيين الثوريين وتنظيم الطبقة العاملة في حزب سياسي مستقل وتنظيم إطاراتها الموازية النقابية والجمعوية، وتنظيم العاملات الاشتراكيات، وتنظيم اتحادات الشباب واتحاد الطلبة..الخ
فبالرغم من جميع التضحيات التي قدمتها الحركة خلال الخمسين سنة المنصرمة من تجربتها، ما زال وضع التشظي هو السائد في أوساطها، وما زالت الحروب الصغيرة مشتعلة بين تياراتها ومجموعاتها متخذة طابعا عدوانيا، وما زال باب الحوار بين قياداتها مغلقا بشكل شبه نهائي لا تبشر الوقائع الميدانية بفتح دفـّاته في المدى القريب.
فقليلة هي الأصوات الماركسية التي أحبطتها المشاركة الهزيلة للطبقة العاملة في هذا الإضراب العام، فبالرغم من عدم امتلاكنا للإحصائيات الحقيقية عن هذه المشاركة ـ وتلك مصيبة أخرى، أن يجهل الماركسيون حجم مساهمة الطبقة العاملة في النضالات والصراعات الطبقية الجارية ـ فآخر الإحصائيات بخصوص الإنتماء النقابي تتكلم عن 6% من الشغيلة جمعاء هي التي تمتلك بطاقة انخراط لنقابة من النقابات الستين فأزيد!! فما بالك بعد التراجع الخطير في الانتماء النقابي، وفي تأسيس مكاتب نقابية جديدة، أو خوض أي شكل من أشكال الهيكلة النقابية التي يمكن لها أن تتيح لقطاعات واسعة من الطبقة العاملة، فرصة النضال النقابي.
لقد أشرنا في أكثر من مناسبة، على أن الحركة الماركسية اللينينية المغربية ستظل عاجزة عن إنجاز دورها التاريخي في التغيير الثوري، وفي الإطاحة بنظام الاستبداد البرجوازي، القائم بالمغرب، لمصلحة وبمشاركة الطبقة العاملة وحلفائها من جماهير الكادحين والمحرومين والمهمشين.. إذا لم تكن على دراية ومعرفة علمية بالواقع المعني بالتغيير، إذ بدون هذه المعرفة ستظل الحركة غير قادرة على تحديد تاكتيكاتها ومهامها المرحلية بدقة، وستظل بالتالي حبيسة مجموعاتها دون أن تحقق أي تقدم في إستراتيجية الارتباط والانغراس في الأوساط العمالية.
فكثرة الحلقات والفرق والمجموعات والتيارات.. لا تضيف أي شيء نوعي لمصلحة هذه المهام الثورية الاشتراكية، التي تستلزم منا انغراسا حقيقيا في الأوساط العمالية، انسجاما مع قناعتنا بمضمون الرسالة التاريخية للطبقة العاملة، التي يومن بها الماركسيون، وتوجه مجمل ممارساتهم الثورية اليومية.. فهل نجحنا في ربط هذه العلاقات وحققنا بالتالي هذا الانغراس؟ أم أننا فشلنا ووجب الاعتراف، في إطار من مسألة الذات بعد عقود من العطاء والتضحيات؟ فلماذا نستمر في تقليد النعامة، ونغض الطرف عن هذه الإشكالية التي قادتنا لسنوات وعقود، إلى إنتاج "جيش" من الجنرالات بدون جنود أو كتائب؟ لماذا عجزنا عن تقديم أي نموذج متميز يحتدى به، ويمكن بالتالي أن تتبع خطاه الطلائع العمالية؟ لماذا توقف الإبداع، وعجزت بالتالي جميع الفرق، على خلق قنوات أخرى للاتصال والتواصل مع الطلائع العمالية، لتشكيل تجربة بديلة في النضال النقابي العمالي؟
أسئلة كثيرة، حارقة ومحرجة، تحتاج لإجابات والتزامات سياسية وتنظيمية، انسجاما مع طموحاتنا الثورية الاشتراكية من أجل بناء التنظيم السياسي الماركسي اللينيني، ومن أجل تعبئة الجماهير العمالية وتأطيرها ومساعدتها في بناء حزبها السياسي المستقل فكريا وسياسيا وتنظيميا، عن باقي الفئات والطبقات الشعبية المعنية بالتغيير والثورة ضد النظام الرأسمالي التبعي القائم.

وديع السرغيني
أكتوبر 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس