الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المنتج ..... ينتج فكرا ايضا

الحلاج الحكيم

2005 / 8 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يرجع مؤرخو الفكر حركة التنوير في أوروبا إلى القرن الثامن عشر وبالضبط من 1670 إلى 1800 ميلادية في كل من فرنسا وألمانيا . وقد انتشرت هذه الحركة فيما بعد في عموم أوروبا . مشكلة فيما يسمى اليوم الغرب .
ما يميز هذه الحركة الفكرية في مهدها الأول هو كونها تيارا فكريا عقلانيا قام بمواجهة سلطة الكنيسة والسلطة السياسية المطلقة معا . على شكل حركة نقدية جذريه مناهضه للوثوقيه الكنسية والاستبداد السياسي . وقد ارتبطت بهذه الحركة جملة أحداث سياسية وتقنيه واقتصاديه وفكرية مهدت للحدث الأكبر الذي هز أوروبا كلها وادخلها عهد السياسة .وهو الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر 1789 وما تلاه من سيرورات كبرى فيما بعد كنشوء وتطور كل من النظام الرأسمالي والحضارة الصناعية .
كانت الأنوار في السياق الأوروبي .ثورة فكرية على التراث والتقاليد قادها العقل الذي اخضع كل شيء للفحص والنقد. بما في ذلك السلطة السياسية التي تحكم باسم المقدسات وبما في ذلك أيضا النصوص الدينية المقدسة .
ثورة فكريه حققت قطيعة( ابستمولوجيه ) مع الماضي الأوروبي وان اقتبست بعض معالمه ورموزه ووظفتها توظيفا جديدا يخرج من سياقها الماضوي .
هذه المراجعة النقدية للتراث الفكري والسياسي الأوروبي واكبت نهوض وتبلور الطبقة البرجوازية الليبرالية في أوروبا وهي الطبقة التي سعت إلى تحرير المؤسسات من طابعها الديني وإعطائها طابعا دنيويا حتى تسلب الكنيسة سلطتها وهيمنتها على الدنيا باسم الدين .
وحتى تقضي على استثمارها للدين والقيم الروحية من اجل أغراض السيطرة والكسب المقنعة بشعارات دينيه .
كما قامت حركة الأنوار برسم معالم سياسية شمولية .فحددت شروط الحكم المدني (مع جون لوك ) ونشوء العقد الاجتماعي (مع جان جاك روسو ) والفصل بين الدين والدولة وإعلان حقوق الإنسان والمواطن (الثورة الفرنسية )
وبالإجمال . قام هذا الفكر على إعطاء الاولويه التامة للعقل ولاستخدام العقل على حساب كل ما هو متوارث مقيما بذلك قطيعة كلية بين الدين والدنيا وبين التاريخ والاسطوره .
هذه البرجوازية الليبرالية .بدأت بالإنتاج الصناعي والزراعي والتطور العلمي وواكبها إنتاج وتطور فكري وأدبي وفني وإبداعي جعل أوروبا جديدة . قوية عسكريا ومتحضرة مدنيا وسياسيا .
ولكن العرب والمسلمون لم يعوا جيدا طبيعة التحول هذا ولم ينتبهوا إلى أن جوهر هذا التحول والتطور والرقي يعود إلى فصل الدين عن الدولة والحياة العامة .وأنهم أمام تشكيلة تاريخية جديدة تختلف في جوهرها عن تلك التي واجهوها في العصور الوسطى كحركة دينية صليبيه .
اعتقدوا لفترة أن سر نهضة أوروبا هي في تمسكها بتراثها الديني وبهويتها المسيحية . وهذا ما دعم فكرة زائفة أن أساس التطور والانخراط في الحداثة ليس القطيعة مع الماضي .بل في تطويره والنهوض به .

افرز زيف هذه الفكرة وما صاحبه من إشكال الوعي المغلوط أن التوازن دوما كان لصالح الماضي ولصالح كل أشكال الجذب التاريخي التي يمارسها .فكلما كان الحاضر قاسيا وشرسا وعنيدا كلما ارتدت الذات إلى شرنقتها واحتمت بمخزونها الثقافي وهذه سيكولوجية تسري على المستويين الفردي والجماعي .

والى الآن ما يزال الفكر العربي الإسلامي يرفض الدرس الأوروبي الذي مؤداه أن تحريك التاريخ يقتضي عدم الخلط بين زمنين .
زمن التاريخ وزمن الروح من حيث أن لكل منهما موقعه . وان كل خلط بينهما لا يمكن أن ينتج إلا التكرار والمراوحة في المكان

يبدو واضحا أن العقل العربي الإسلامي في هذه المرحلة يمارس خدعته بتحقيق أهدافه الدنيوية عبر تنشيط نقائضها .

على كل حال لنعد إلى البديهية التي ذكرناها في عنوان مقالتنا .

(المجتمع الذي ينتج ..... ينتج فكرا أيضا )

والمجتمع الذي يستهلك, يستهلك الفكر المستورد أيضا ولكن في حدوده الدنيا جدا . لان الفكر يصبح هنا ترفا وليس حاجة . وما دام الاستيراد هو الضروري , لعدم وجود الإنتاج . يصبح الإبداع الفكري ليس ضرورة .

فما دام الفكر ليس جزءا من عملية الإنتاج , فلماذا لا نعود إلى التاريخ والسلف الصالح ونكون بذلك هربنا من عجزنا. باللجوء إلى تاريخنا الفكري وأخذنا نعظم الماضي ونبحث عن حلول لمشاكلنا فيه .

إن هذه السلفية الفكرية تجيبنا دائما أن هناك فكر إسلامي وهو صالح لكل زمان ومكان . ونحن لسنا بحاجة إلى غيره ولكل ما جاء بعده . لأنه لا يستحق أن يدرس وهو كفر وزندقة . وإننا لم ننتصر لأننا لم نعد إلى هذا الفكر ولم نتمسك به .

ومناصرو هذا التفكير كثر الآن ولهم قوتهم القمعية في البيت و الشارع والمدرسة . واهم خصائص فكرهم هي

الاستعاضة عن إنتاج فكر جديد بالعودة إلى الموروث .

مناقشة ووضع الحلول للمشاكل المعاصرة . من خلال فكر عصور مضت على حجة أنها صالحة لكل مكان وزمان .

منع ومحاربة كل فكر جديد . بذريعة أن لدينا ما يغنينا عن هذا الفكر .

وضع الماضي في مقاومة الحاضر . بصراع دموي وعنيف .

احاطة التراث بجدران القداسة المطلقة. وان أي مناقشة لهذا التراث هي ماسة به وخروجا عليه .

إن هذا التفكير يعدم كل فكر آخر .بما فيها فكره هو . لأنها تجعل وصاية النص مقدسه . وذات سلطان حاسم على كل التطورات . ولان السلف سواء كان صالحا أم طالحا فوق كل الآراء.

ومن هذا المنطق نرى كل المنتمين إلى هذا الفكر السلفي وعند أول حوار ونقاش يتمترسون خلف مقدساتهم ويحذرون من الاقتراب من هذه المقدسات . ويبداون بكيل الاتهامات . ويصنفون الآخرين بأنهم إما أتباع معاوية أو أتباع علي أو أتباع الحلاج أو أتباع غيره وهم كثر في تاريخنا الإسلامي الذي لم ينتج علما ولا صناعة ولا حضارة وبالتالي لم ولن ينتج فكرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق