الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقافة الشعبية البديلة

الحسن اعبا

2014 / 11 / 11
الادب والفن


الثقافة الشعبية البديلة
‏الحسن اعبا
في تقديري أن لفظة ثقافة شعبية بديلة تثير منذ الوهلة الأولى استفسارا لدى المرء ؛ ما المقصود بالثقافة الشعبية البديلة ؟ ويمكن أن أمضي قدما لأستفسر قائلا ؛ ما الذي يميز الثقافة الشعبية البديلة عن الثقافة ؟ ألا تعتبر كل ثقافة ثقافة شعبية ؟ وبديلة ، وفق أي أساس ؛ هل هي بديلة للثقافة أم بديلة للنخبة ؟أين توجد هذه الثقافة الشعبية البديلة ؟ ومن هم روادها ؟ لماذا يقومون بهذا الدور ؟وهل ثمة خيارات للتحرك ولأجرأة تلك الثقافة ؟ومن هم الأعداء المفترضون لهذه الثقافة ، أم أن عدو الثقافة الشعبية البديلة هي الثقافة نفسها !؟
و أود أن أشير إلى مسألة جوهرية ستشكل منطلقا لا بد منه ، ألا وهي ؛ إن ما أسميه ثقافة شعبية بديلة تطلق عليها مسميات أخرى كالثقافة الشعبية (أو ثقافة الشعب) التي هي مجموع العناصر التي تشكل ثقافة المجتمع المسيطرة في أي بلد أو منطقة جغرافية محدودة، غالبا ياستخدام طرق إعلام شعبية. تنتج هذه الثقافة من التفاعلات اليومية بين عناصر المجتمع إضافة لحاجاته ورغباته التي تشكل الحياة اليومية للقطاع الغالب من المجتمع. هذه الثقافة تتضمن أي من الممارسات وعادات الطبخ والمأكولات والثياب والإعلام ونواحي التسلية المستخدمة. إضافة للرياضة والأدب. غالبا ما يستخدم مصطلح ثقافة شعبية كمصطلح مضاد ومخالف للثقافة العليا أو النخبوية.(1) وتطلق عليها كذلك أسماء أخرى كالصحافة الشعبية أو الإعلام البديل …وإذا كنت أتبنى الثقافة الشعبية فالموقف يتغير تغيرا كاملا عندما يتعلق الأمر بالصحافة الشعبية أو الإعلام البديل ، ليس لأني لا أؤيد الصحافة الشعبية بل لنسبية هذا المصطلح وعدم التقاطه للصورة الإنترنتية كاملة واقتصاره على التقاط جزء منها .
إن ما أسميه ثقافة شعبية بديلة ليس سوى تعبيرا عن حالة ثقافية مختلفة ، فهي من حيث كونها ثقافة تختلف تماما عن الثقافة ، ولأن الثقافة الكلاسيكية شيء فمن الطبيعي أن تكون الثقافة الشعبية البديلة شيئا آخر . فعندما أقدم بعض علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع على تعريف مفهوم الثقافة البشرية قالوا أنها سلوك تعلمي يكتسبه الأفراد كأعضاء في جماعات تعيش في المجتمع الواحد. في السبعينات من القرن التاسع عشر قدم عدد من علماء الأنثروبولوجيا أكثر من تعريف للثقافة وفي المحصلة أجمعوا على أن الثقافة هي ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة ، والمعتقد ، والفن ، والخُلق ، والقانون ، والعادات الاجتماعية وأية إمكانيات اجتماعية أخرى بل وطبائع اكتسبها الإنسان كعضو في مجتمعه. وبعدئذ دأب هؤلاء على تقديم العديد من التحسينات والتباينات على هذا التعريف العام لمعنى الثقافة ، لكن الأهم هو أن الجميع اتفقوا على أن الثقافة هي سلوك تعلمي كثيراً ما يتناقض مع السلوك الموهوب تراثياً.(2) واعتبارا لكون الثقافة مكتسبة فمن الطبيعي أن تعمل الثقافة الشعبية البديلة على زعزعة تلك الثقافة من حيث كونها ثقافة مسيطرة تشرف عليها السلطة المهيمنة .
وأود أن أقيم تمايزا بين الأولى والثانية ؛ فالثقافة مغرقة في الواقعية والمصلحية بينما الثقافة الشعبية البديلة تنطلق من الواقع الاجتماعي فهي مغرقة في الواقعية الافتراصية ، فهي واقعية إلا أنها واقعية افتراضية وافتراضية غير أنها افتراضية واقعية . ومن الطبيعي أن ينحاز الشعب للثانية ففيها يتقاطع ماهو واقعي بما هو افتراضي ومأمول وإذا كان قد اتخذ هذا القرار فذلك لكونه مستمد من الفرصة التي أتيحت له وهي فرصة أن يصبح مثقفا شعبيا بديلا يسائل ثقافة السلطة وثقافة النخبة ويسد الفجوات الحاصلة في الممارسة الثقافية السائدة المتسمة بالجمود فالمثقف الشعبي لا ينظر بقدر ما يؤثر .وبما أن الثقافة الشعبية البديلة مبتدعة فمن المنطقي أن تكون استمرارا للثقافة الشعبية وانقطاعا للثقافة العليا .
يختار ستيفن فرانكلين أن يضع العنوان التالي لدليله المخصص للمدونين والصحفيين الإلكترونيين “عشر خطوات نحو الصحافة الشعبية على الإنترنت ، دليل مختصر للمدونين و الصحفيين الإلكترونيين” ولا أريد أن أناقش محتويات الدليل لأنها تتميز حقا بالثراء والغنى وإنما أود أن أقف على العنوان بالذات فلفظة صحافة شعبية من شأنها أن توحي للمرء أن مهمة المدون تنحصر في المجال الإعلامي (الإعلام البديل)أو (صحافة المواطن) بينما يتطرق المدونون في مدوناتهم أو على المواقع الإخبارية والثقافية والسياسية والاجتماعية التي يملكونها أو ينخرطون فيها لقضايا أدبية وثقافية واجتماعية وسياسية … وهذا أمر لا يوجد اختلاف حوله ، خصوصا أن ناشري المدونات يتناولون في مدوناتهم مختلف أنواع الكتابة والتعبير من يوميات وخواطر وأفكار وإنتاج أدبي وسياسة ومتابعة أخبار وتعليقات متنوعة وقد يتخصص مدونون للكتابة في موضوع محدد أو موضوعات شتى ، كما توجد مدونات لشخص واحد أو عدة أشخاص …إن المدونات وسيلة للمساهمة في التمثل الفردي والجماعي عبر الويب ، وفي عدة أحيان وسيلة صحافية إلكترونية جيدة ، تتناول القضايا الراهنة (3)لنلاحظ أن علي محمد رحومة يسير على نهج ستيفن فرانكلين ويقول في كتاب علم الاجتماع الآلي إن “المدونات وسيلة صحافية إلكترونية جيدة” وهي بالفعل كذلك لكنها ليست كل ذلك فالمدونات أعم وأشمل من اختصار دورها في المجال الإعلامي فحسب .
فبالرغم من إقرار على محمد رحومة بتنوع القضايا المطروحة ،شأنه في ذلك شأن ستيفن فرانكلين ، الذي يقول ؛ فكر أنك صوت لمجتمعك واجعل ما هو هام بالنسبة لك هام بالنسبة للآخرين أيضا (4) فإنه يعيد إنتاج الفكرة السائدة التي تختزل التدوين في مجال ضيق يتسم بالنسبية مقارنة مع الفكر التدويني للمدونين .
ويمكن تعريف الثقافة الشعبية البديلة باعتبارها ثقافة شعبية بديلة تقع في مرحلة لاحقة من تطور الثقافة الشعبية التي أصبحت تتمثل إنترنتيا في نسق فكري متكامل يعتمد على إعادة إنتاج الواقع بصورة مغايرة ومختلفة عن الأنماط الثقافية السائدة ، وتعمل على الاستفادة من الإنترنت ومن تطبيقاته التي تخول لها إبلاغ رسالة انعدمت فرص تمريرها في الواقع أو التطرق إليها عبر وسائل الإعلام التقليدية .
ومهمة المثقف الشعبي البديل تكمن فس سده للفراغ الحاصل والذي لم تستطع النخبة سده . وهو بهذا المعنى في سعي مستمر نحو تحقيق تكامل ثقافي مع مثقفين شعبيين آخرين . أما القضايا المطروحة من قبلهم فتمثل اتجاها فكريا (ثقافة الممانعة) من شأنه أم يشكل نظرية بديلة للنظرية السائدة على أرض الواقع الاجتماعي . ولتحقيق التكامل لا بد من تعزيز آليات التواصل كي لا تظل هذه الفئة حركة فكرية افتراضية تبرز على الإنترنت فحسب بل عليها أن تنزل على أرض الواقع وأن تتحرك فيه باعتبارها مجتمعا مدنيا ينطلق من الواقع ليؤثر فيه .
ولتفعيل الثقافة الشعبية البديلة يجب تحديد وسائل إنتاجها ،وهي وسائل افتراضية وواقعية ؛ أما الافتراضية فنقصد بها إجادة التعامل مع الإنترنت والانخراط في المجتمعات الافتراضية وإبلاغ الرسالة الثقافية الشعبية عبر التدوين النصي أو الصوتي أو السمعي البصري ، وأما الواقعية فنقصد بها إنشاء أندية وجمعيات ذات غايات واقعية افتراضية .فالثقافة الشعبية البديلة ذات شقين ؛ واقعي وافتراضي ، ولكل شق وزن فإذا انعدم الواقعي اختل الافتراضي وأصبح صرخة لا صدى في الواقع .فموقف السلطة من هذه الصرخة يتسم بالحياد ، باستثناءات قليلة، كاعتقال المدونين، لأن القبضة الحديدة للسلطة تضع الواقع في المرتبة الأولى .أما علاقة السلطة بالواقع الافتراضي فليست كعلاقتها بالواقع لأنها تظهر ليونة ومرونة ولاتستخدم وسائل الردع السلطوية إلا إذا أحست أن ما قيل أو يقال على الإنترنت سيزلزل كيانها أو أنه سيؤثر تأثيرا مباشرا على ما تنتجه على أرض الواقع من تعاليم ثقافية مقدسة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني


.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم




.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي