الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الشعر

كاظم الفياض

2014 / 11 / 18
الادب والفن


"الشعر كلام له معنى موزون ومقفى" هذا قول قدامة بن جعفر ، البلاغي الكبير الذي عاش قبل قرون ، عن فن صيغت كلماته لتلفظ في آذان متلقيه . أما وقد خطت الكلمة ، وأصبحت العين منفذ الشاعر إلى وعي الآخر ، فلم تعد أصوات الحروف مركب المعنى الوحيد ، صار رسم الحروف وتوزيعها على مساحة القرطاس يؤدي بعض مقاصد الشاعر ، تشبه إلى حد بعيد الإشارات التي يطلقها المتحاورون ، بانفعالاتهم التي تظهر على وجوههم ، وحركات أيديهم .
إن إقلاق المعنى البلاغي للجملة الشعرية ، إن توسع أخيرا فقد كان موجودا بصيغ عديدة ، عبر عن بعضها بتسمية "الضرورات الشعرية" وهو أمر ما كان لبدوي أن يسمح بحدوثه ، لولا تعارضه مع إيقاع النغمات ، التي من شأنها أن تعصف نشوتها بروحه ، وأن تترنم حنجرته بإنشادها . هذا الإيقاع ! أو تلك الإيقاعات النغمية كانت ضرورية لتوليد كلمات تتوافق أصوات حروفها مع الأصوات القليلة ، إنما العميقة لحركة موجودات عملاقة من ريح ورمل ، بمساحات شاسعة من الأرض الخالية ، يسميها خلاء ، ونسميها صحراء ، وهي امتلاء تكاد أن تفيض بها نفسه . تكاد لغته أن تكون صفة موجوداتها ، كما استلهم موسيقاه من حركة أحيائها
الشعر مجدد للغة لأنه يريدها أن تستجيب لانفعالاتنا . الانفعال لوعة تهدر ثم تخمد ، مرات ومرات ، شديدة وخفيفة ، مع لغة غارت أصولها تحت غابة من الاشتقاقات لابد من حركة عنيفة على أرض ثابتة تتكرر ، لكي يكون فنا ، مثل أب سعيد تقذف أرض كفيه طفلا يكركر نحو السماء ، ثم تتلقاه ، بانسيابية موقوتة ، صعود ونزول ، مرات ومرات . الشعر مشاعر، جنون في حكمة ، جمل حروف كلماتها تصيح لتصمت بانتظام يتكرر . الشعر هو الإيقاع . من دونه لا يكون شعرا ، وستنتفي الحاجة لضرورة شعرية ، وستنكفئ اللغة فما من محفز لتوالد لغوي تجدد به نفسها . إن لم يكن الكلام شعرا فهو نثرا ، يأتي بقصد ، وشرط مقصده الفهم ، فهو حكمة لا جنون فيه . الفرق بين الشعر والنثر يشبه الكلام تقوله أو تغنيه ، بل هو حالة الغناء أمام ألفاظ تلقيها محاورا .
إن ربط الشعر بالخيال دون الإيقاع تسفيه للشعر ، ذلك أن ما من فعل يصدر عنا خاليا من الخيال ، مهما كان أو لم يكن ، فعلا حياتيا بسيطا ، إضاءة مصباح مثلا ، أو عمل فني عظيم . هكذا يمكننا أن نرد على من لا يرى في ألفية بن مالك شعرا ، هي قصيدة تعليمية لا تخلو من الخيال ، وإن قل ، بينما لا أجد فاصلا أمنع به كثيرا من السرديات الأدبية وخاصة القصص القصيرة ، من أن تكون (قصيدة) نثر .
غياب الحدود الواضحة بين الأنواع الأدبية يعزز مشكلة عزوف المجتمعات العربية عن القراءة ، كما إنه يقلق مؤشر البوصلة لدى القراء الجيدين ، الفاصل الطبيعي والوحيد بين الشعر وبقية الأنواع الأدبية هو الإيقاع ، بغيابه ستختفي هوية الشاعر ، وستكون صفة يعرف بها أي مبدع يمارس الكتابة الأدبية . وهكذا سيغيب المشهد الشعري تحت سيل من الأعمال غير المدروسة (لشعراء) لم يأخذ الشعر منهم الوقت اللازم ليتعاملوا مع مفردات لغتهم بفهم قد يبتعد عن المعنى القاموسي لها .
مع وضع سياسي هش كالذي نعاني منه ، وكل المجتمع العربي ، حيث الاستقطابات السياسية ، والدينية ، والعرقية لم تعد قيمة العمل الإبداعي رهنا برقيه الفني بل بمقدار نجاح تواصل كاتبه الاجتماعي مع إحدى القوى الفاعلة في المجتمع . لقد امتلأت المهرجانات ، والنشرات والصحف الأدبية ، وكذلك قاعات الدرس الأكاديمي بأعمال الكتاب الأيدلوجيين ، وما ينشر عنهم ، وهي أعمال ذات قيم فنية متدنية جدا ، وبهذا غيبت تماما الأعمال الإبداعية الكبيرة ، فخلت الخارطة الأدبية من العلامات الكبرى التي كان من شأنها أن تكون نجوم هداية ، لا بد منها لأي أديب مبتدئ وقارئ عربي وأعجمي .
نوبل تمنح لجمع من شعراء العرب ! فما من شاعر عربي يستحقها بمفرده ! وكلهم يكتب بالعربية التي خط بها القرآن الذي كلم الله به الناس كافة !! هل ثمة كوبرنيكوس؟
2
سأجمع مقالاتي عن الدين والمجتمع في كتاب . وقد قررت عدم البحث في هذه المواضيع مرة أخرى ، والانصراف إلى الأدب ، ها إني أبدأ بنشر "أعمالي الشعرية" حسب تسلسلها الزمني مستبعدا منها النصوص غير الموزونة والتي سأجمعها أيضا تحت مسمى :"أعمالي السردية الحرة"
إن شاء الله
كاظم الفياض
بغداد
18/11/2014









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن


.. هنا تم دفن الفنان الراحل صلاح السعدني




.. اللحظات الاولي لوصول جثمان الفنان صلاح السعدني


.. خروج جثمان الفنان صلاح السعدني من مسجد الشرطة بالشيخ زايد




.. حور محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي جنازة الفنان صلاح السعدن