الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف الميداني واستراتيجية العمل الثقافي

هويدا صالح

2014 / 11 / 22
الادب والفن



قالت بأسى، ويصوت حملته كل التعبيرات الدراماتيكية اللازمة: لا نحن مثقفو النخبة، النجوم الذي يتم تصديرهم، ليمثلوا الثقافة المصرية في المحافل الدولية، هؤلاء الذين نالوا كل الجوائز، وترجمت أعمالهم، وصاروا نجوما لأنهم سبحوا بحمد القائمين على المؤسسة الرسمية، وقدموا قرابين النفاق اللازمة، ولا نحن كذلك من أدباء الأقاليم، هؤلاء المهمشون الذين نسيتهم المؤسسة طويلا، وحين عادت بثوب ثوري جديد قررت أن تسترضيهم بإدارة نشر خاصة، ومؤتمرات يجتمعون فيها ليجتروا نفس الكلام القديم عن المركز والهامش، ووصل الأمر بالمؤسسة أن حاول وزير الثقافة أن يجعل الهيئة العامة لقصور الثقافة مقتصرة على النشر الإقليمي فقط. ثم استدركت كلامها وقالت بعد تنهيدة طويلة، يوجد بين هؤلاء وأولئك مئات بل آلاف الأدباء والشعراء والمثقفون لا يشعر بهم أحد، ولا يحاول أن يستقطبهم أو يسترضيهم. إننا أنا وأنت من هؤلاء، لسنا مثقفي النخبة، ولسنا كذلك مثقفي الهامش. لقد استطاع المركز أن يهمشنا، لأننا لا نجيد النفاق، ولأننا لا نصلح لأن يتباهى بنا أنه يوفر مساحة للهامش لكي نتواجد، فنحن حتى لا نتمتع بميزات الهامش.
تأملت كلامها وأنا أعي أن المؤسسة الرسمية منذ عصر حسني مبارك وحتى الآن تصر على التصنيف والتنميط، وتعمل بسياسة أهل الثقة، لا أهل الخبرة. حين عمد جابر عصفور إلى وضع استراتيجية ثقافية للثقافة المصرية ذهب إلى أهل ثقته، ذهب إلى ما يسمى بلغة السياسة بالحرس القديم. طلب من واحد مثل السيد يس أن يضع له استراتيجية ثقافية. هل يصلح السيد يس وأمثاله ممن فشلوا طوال هذه السنوات في النهوض بالثقافة المصرية، ووصل المجتمع لما وصل إليه من انهيار حقيقي ليس للمنظومة الثقافية فقط، بل للمنظومة الثقافية والقيمية حتى وصلنا لهذا الفكر الارهابي التكفيري الذي يسيطر على وعي الشارع المصري، هل يصلح هؤلاء الذين فشلوا في دورهم قديما أن يضعوا لنا استراتيجية ثقافية تحاول أن تنهض بالمجتمع المصري، وتراعي كل مكوناته الثقافية المختلفة من حلايب وشلاتين وحتى السلوم وسيناء مرورا بكل ربوع مصر؟ لقد سيطر هؤلاء على المؤسسة الرسمية مدة ثلاثين عاما أو يزيد، وداهنوا التيارات الدينية المتطرفة، وأقاموا مواءمات سياسية.رأى هؤلاء الانهيار الثقافى أمام عينيه لم يفتح فمه ليطالب باستراتيجية ثقافية لمواجهته خوفا من الخروج من حظيرة نظام مبارك وفاروق حسني.لماذا لا توكل المؤسسة الرسمية الأمر لمن هو أولى وأجدر به؟ لماذا لا تدع الأجيال الشابة التي هي صاحبة المستقبل وضع سياسيات ثقافية للمستقبل؟ لقد أفرزت ثورة يناير ومن بعدها 30 يونيه شبابا واعيا بآليات العمل الثقافي، خرجوا للشارع لمواجهة استبداد مبارك، ومن بعدها خروجوا أيضا لمجابهة التطرف الديني الذي أحاط بنظام الإخوان، أليس الأجدر بالمؤسسة الرسمية أن تستعين بهؤلاء الشباب لوضع استراتيجية المستقبل؟! ألا تدرك وزارة الثقافة أن هناك مؤسسات ثقافية مستقلة ومثقفين مستقلين يمكن لهم أن يساهموا في وضع هذه الاستراتيجية الثقافية؟! هناك شباب يمتلكون وعيا متجاوزا من مثقفين وفنانين وأكاديميين وهؤلاء يستطيعون تحقيق عدالة ثقافية،دون أن تفرض علينا بقرار علوي يعيد إنتاج الاستبداد فى مجال الثقافة .
إن العمل الثقافي لا يتحمل الفكر النخبوي، بل يحتاج إلى مسؤولين ثقافيين ميدانيين يعرفون عن حواري مصر ونجوعها وقراها وريفها أكثر مما يعرفون عن الجلسات في القاعات المكيفة في المجلس الأعلى للثقافة.إن الدول التي صنعت مستقبلها وواكبت الطفرة المابعد حداثية العالمية لا تعتمد على الدولة في وضع ثقافتها، بل تعتمد على المؤسسات المستقلة، والمثقفين المستقلين، أما الدول ذات الفكر الشمولي هي التي تقوم فيها الدولة برسم السياسات، بل وإنتاج الثقافة، لذا لو أننا نريد ثقافة متجاوزة اللحظة التي تكبل وعينا على الدولة أن تدعم هؤلاء المستقلين، وتوفر لها الإمكانات المادية التي تساعدهم على إنتاج هذه الثقافة دون أن تفرضها من أعلى.
نادى جابر عصفور بالعدالة الثقافية، بل وأقام ورشا لمناقشتها، ثم خرج علينا بتصريحات يوتوبية عن أهمية تضافر مؤسسات الدولة في صنع عدالة ثقافية تليق بمصر وذكر من ضمن المؤسسات التي يجب أن تتعاون مع وزارة الثقافة: التعليم والأزهر والأوقاف، ربما كان محقا في ربط التعليم بالثقافة حتى يمكن تشكيل الوعي المجتمعي ومساعدته على الخروج من أسر التطرف الديني والأفكار الظلامية. لكن كيف يتخيل جابر عصفور أنه قادر على وضع بروتوكول تعاون بين الأزهر والأوقاف وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الكيانات مفرخة كبيرة لإنتاج التطرف الديني الذي ينتج لنا أفكار الارهاب؟ هل يغيب عن الأذهان تلك الاحتجاجات الدامية التي قام بها طلاب الإخوان والسلفية في الأزهر بعد فض "رابعة " هل يتصور السيد جابر عصفور أن الأزهر الذي تم اختراقه من السلفيين والإخوان قادر على إنتاج ثقافة أو قادر على المشاركة في صنع عدالة ثقافية.؟!
إن السيد عصفور لو أراد أن يضع استراتجية أو يحقق عدالة ثقافية عليه أن يبحث في أدراج مكتبه أو مكتب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة حتما سيجد عشرات الرؤى قدمت من شباب تحمسوا عقب ثورة يناير حين شعروا أن الثورة حطمت أصنام ثقافة مبارك وأن المؤسسة الثقافية المصرية صارت ملكا لهم.لو تأمل الوزير قليلا سيكتشف أن هناك مثقفين مستقلين نزلوا للشارع وذهبوا للمدن النائية والقرى، وحاولوا أن يطبقوا فكرة المثقف الميداني دون أن ينتظروا الكهنة الفاشلين في دورهم القديم أن يضعوا لهم استراتيجيات ثقافية، نزلوا إلى الشوارع فى أحياء الفقراء وطبقوا "العدالة الثقافية" التى ينادى بها الوزير. وجدنا فعليات مثل الفن ميدان، كما وجدنا ورشا ثقافية تشتغل على العمل الثقافي، كذلك شكل هؤلاء المستقلون فرقا مسرحية أو غنائية. استطاع هؤلاء المستقلون أن يهزموا الفكر القديم وهؤلاء هم الأجدر بوضع الاستراتيجية الثقافية الصالحة للمستقبل بعيدا عن نخبوية وزارة الثقافة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة