الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في القدس - يُريدون معبداً دموياً-

فضيلة يوسف

2014 / 11 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل أن تحطم الحرب العالمية الأولى الوهم، أُفترض على نطاق واسع في الغرب أن الحروب بين القوى الأوروبية - والأمريكيين وربما أيضا في شرق آسيا - كانت في طريقها لتصبح من بقايا الماضي غير المتحضر.
وضع اللاهوتيون الكاثوليك على مر القرون، نظريات الحروب: متى وكيف تكون الحروب لمجرد القتال، ومتى وكيف تكون مقبولة من الناحية الأخلاقية. وتمتعت المواقف التي تبنتها قبولاً واسعاً في جميع أنحاء أوروبا ، وفي أنحاء كثيرة من العالم.
ولذلك أصبح أمراً مفروغاً منه في كل مكان تقريباً إمكانية القتال في الحروب لأغراض محدودة فقط، وينطوي في ذلك مباشرة عدم إشراك غير المقاتلين فيها، وأن الوسائل العنيفة ينبغي أن يكون متناسباً مع الغاية المأمول تحقيقها، وأن إرهاب السكان المدنيين المتعمد غير مقبول أخلاقياً.
كانت الحروب الاستعمارية الاستثناء. في أعقاب الفتوحات الأوروبية للأمريكيتين واستراليا، وتجارة الرقيق عبر الأطلسي التي لا تزال منقوشة في الوعي الجماعي في أمريكا الشمالية وأوروبا، ومع جحيم جميع الدول الرأسمالية الكبرى العازمة على إنشاء وتوسيع الامبراطوريات في الخارج، اعتبر المفكرون التقدميون والليبراليون في أوروبا والولايات المتحدة، والسادة البيض في بريطانيا واليابان، "المواطنين" في الأراضي التي أُخضعت "الآخرين" دون المستوى الإنساني لمن تنطبق عليهم القيود الأخلاقية بالكاد.
اعتبرت الحروب في الغرب "المتحضر" عفا عليها الزمن تقريباً، وأنواع الحروب التي لطخت سمعة البشرية منذ الأزل - تلاشت في تجاويف عميقة من الذاكرة التاريخية - الحروب المستوحاة من الحماسة الدينية.
كان هذا لأوروبا - في مائة سنة أو نحو ذلك بين حروب نابليون والحرب العالمية الأولى- مصدراً للفخر والاعتزاز، وكان ينبغي أن يكون كذلك. كانت حرب القرم (1853-1856) ، والحرب الفرنسية البروسية (1870-1871) - استثناءات قليلة فقد مرت أوروبا عبر قرن من السلام.
كانت الحرب الدموية والأكثر فتكاً - إلى حد بعيد - في كامل الفترة هي الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، التي لم تحدث على الأراضي الأوروبية.
لم تكن الأمور كذلك دائماً ، عانت مساحات واسعة من القارة الأوروبية حروب دينية مدمرة في أعقاب الإصلاح البروتستانتي . انتهى الشلال اللانهائي من الأهوال فقط عندما حارب الجانبين المتنازعين بعضهما لدرجة الاستنزاف .
في السنوات التي تلت ذلك، تضاءل الإيمان، فجعل التسامح أسهل. لكن الذاكرة التاريخية لا تزال قائمة. لا أحد يريد تكرار اضطراب تلك السنوات، أو أي شيء مثل ذلك .
حتى عندما اندلعت الحرب بعد سلسلة من الحسابات الدبلوماسية الخاطئة التي وصلت ذروتها مع اغتيال الأرشيدوق فرديناند في سراييفو في 28 حزيران عام 1914، لم يتوقع أحد أنها ستكون طويلة جداً، ولم يتصور أحد مدى القتل والدمار الذي سيصيب المتحاربين. وبالتأكيد، لم يتنبأ أحد الأهوال الأكبر التي ستتبع في العقود المقبلة .
وبعد ذلك ، تحوّل القرن العشرين إلى حد بعيد، إلى القرن الأكثر دموية والأكثر تدميراً في تاريخ البشرية.
وكان أسوأ من ذلك أيضاً – في العديد من المعايير – قادت الحرب العالمية الثانية الطريق الى الحرب الباردة، لم ينقذ البشرية من الفناء النووي سوى شعاع طال أمده من حسن الحظ الذي لا يصدق.
خمد جرح الحرب الباردة الأصلية في أواخر الثمانينيات، وانتهت فعلياً عام 1989 مع زوال النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي. وجاءت الضربة القاضية عام 1991 مع تفكك الاتحاد السوفيتي نفسه.
الآن، و بفضل الانتصار وغطرسة القادة الأميركيين والأوروبيين، بدأت حرب باردة جديدة مع روسيا هي مرة أخرى على الساحة العسكرية والدبلوماسية. يندهش المرء من الجنون الذي استفحل فقط !.
ومع ذلك، يبقى الجمهور غير مبال. وما جلب اهتمامه أساساً أمر آخر، جنوني ومزعزع للاستقرار . إنه ظهور البعد اللاهوتي بشكل علني.
واللافت للنظر أن المشاعر التي غذت الحروب الدينية تعود مرة واحدة .
قبل مائة عام، بدا مستبعداً الدفع باتجاه الحرب الهمجية التي كانت على وشك ابتلاع العالم "المتحضر".
آلت الحرب العالمية الأولى إلى حرب شاملة قادت النزعات الوطنية - شبه العقلانية – فيها الطريق على كلا الجانبين دعوات غير عقلانية لتحقيق النصر التام .
وحتى مع ذلك، نجت النظرة الليبرالية العقلانية التي سادت في أوروبا في السنوات قبل عام 1914 إلى حد ما .ومهما كان فلم تكن الحرب العالمية الأولى حول أفكار أو أي شيء آخر يمكن أن يشعل أنواع العواطف التي تقوم بها الحروب الدينية.
أما الحرب العالمية الثانية، في أوروبا، فكانت أكثر أيديولوجية علناً على الأقل ، وبالتالي فرصة للأديان . كيف لا ،عندما كان اللاعبان المركزيان ملتزمين فكرياً - النازيون والشيوعيون؟
كانت الحرب العالمية الثانية، مثل الحرب العالمية الأولى، حول المزايا الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، في أوروبا وفي منطقة المحيط الهادئ، وكان حول المثل الاجتماعية والسياسية أيضاً.
على هذه الخلفية، أخذت حتى الديمقراطية الليبرالية بعداً أيديولوجياً. ووفقاً لذلك، أصبح هدف قوات الحلفاء- ما عدا الاتحاد السوفياتي- فرضه على العالم. ولا تزال ،الولايات المتحدة، فوق كل شيء.
كان هذا الجهد دائم النفاق، تغلبت المصالح الاقتصادية وأسباب تتعلق بالدولة دائماً على التزامات الغرب الأيديولوجية التي أُعلنت رياءً. وفي هذا المجال فإن هذه الالتزامات لا تنبع من القلب.
ولذلك يعتقد على نطاق واسع أن الحرب الباردة كانت في الواقع - صراعاً بين الشيوعية والديمقراطية الليبرالية. ولكن سيكون من الخطأ إعطاء قدر كبير لهذا. فكلما مضى الوقت، لم يتم التخلي عن هذه المُثُل ولم تعد تُلهم الكثير من الحماسة.
كان الأمر مختلفاً في المناطق التي كانت تحت سيطرة القوى الاستعمارية والتي سقطت، وبدرجات متفاوتة، خارج نطاق القوى العظمى العالميتين.
في هذه الأماكن، أدّت المشاعر القومية في بعض الأحيان إلى درجة من الحماسة لم تكن معروفة سابقاً في السياقات الدينية، أصبحت القومية نوعاً من الدين.حدث شيء مماثل في أجزاء من أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. قيدت الشيوعية القوميات التي ازدهرت في تلك المناطق قبل وبعد الحرب العالمية الأولى ، لكنها لم تنطفئ تماما لهم. وعندما سقطت الشيوعية، عادت القومية المكبوتة للانتقام.
يمكن أن تكون القومية تقدمية ، ويمكن أن يكون هناك شيء من القومية العقلانية . ومع ذلك، فإن معظم القوميات اليوم إلا القليل جداً يمكن الدفاع عنها بعقلانية. يفوح منها ما يسميه الأنبياء في الكتاب المقدس الوثنية، لقد استبدلوا الله بالقوميات.
ولذلك ظهرت أنواع من التطرف والتعصب والهمجية التي كان من المفترض أن يكون الجنس البشري تجاوزها منذ فترة طويلة.ولا يزال، حتى القوميين المتعصبين أكثر معقولية بصراحة مقارنة مع "الأصوليين" الذين جاءوا في الآونة الأخيرة على الساحة.
الكلمة المستخدمة عادة لوصفهم مضللة: المعنى الدقيق للكلمة، "الأصولية" يشير إلى سلالة سياسية لاهوتية وممارسة بروتستانتية ظهرت منذ سنوات في المناطق الأمريكية النائية كرد فعل على النزعات الليبرالية للكنائس البروتستانتية السائدة. ولكن الاستخدام الآن، معياري تقريباً، وليس هناك كلمة أكثر ملاءمة بسهولة في متناول اليد.
لم تنشأ السياسة الأصولية من العدم. مدت جذورها ونمت على أرضية القومية. ومع ذلك، فإنه سيكون من الخطأ النظر إليها أنها أكثر خطوة فقط سحبت العالم إلى أسفل المنحدر الزلق منذ قرن من الزمان والتي جلبت المشاعر المرتبطة بالحروب الدينية مرة أخرى إلى عالم السياسة الحقيقية. والأصوليات التي يعاني منها العالم اليوم تمثل تراجعاً نوعياً غير عقلانياً.
أرض إسرائيل منذ 2000 عام كما يسميها الصهاينة، هي واحدة من مركز الزلزال من التغيرات التي تحدث.
عندما استولى الصهاينة على الأراضي الفلسطينية قاوم الفلسطينيون بدرجات مختلفة تبعاً للظروف. وكان مستوى المقاومة شديداً أثناء الانتفاضة الأولى (1987-1991) والثانية (2000-2005) بشكل خاص.
والفضل يعود إلى استفزازات المستوطنين في الأراضي المحتلة والسياسات التوسعية والعنصرية للحكومات الإسرائيلية، وتتهيأ الظروف لانتفاضة ثالثة مرة أخرى بعد أن أصبح الوضع أكثر سوءاً منذ تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء . كان العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة في الصيف الماضي، والثالث فيما يقرب من ست سنوات، محفزاً بشكل خاص، ومع ذلك، ولتأمين بقاءه في السلطة وبقاء حلفائه السياسيين، بذل الرئيس الفلسطيني محمود عباس جهوداً يائسة لمنع اندلاعها، يأمل معظم الإسرائيليين أن ينجح فيها فقط لأنهم يدركون أن انتفاضة ثالثة ستكون سيئة للإسرائيليين و لإسرائيل.
ومع ذلك، يعمل العديد من اليهود الإسرائيليين، الأصوليين، بجد أعمال عنف لتحقيق أهدافهم السياسية، بالطبع، ولكن أيضاً وبدون خجل الدينية.
إنهم يريدون سيطرة إسرائيل على المسجد الأقصى المبارك - يدعوه الإسرائيليون جبل الهيكل - وتدمير قبة الصخرة، وبناء الهيكل الثالث هناك. ومن المهم أن المسجد الأقصى هو ثالث أقدس موقع في الإسلام.ومن المهم جداً أنهم يعتقدون أن قبة الصخرة في موقع الهيكل الثاني، الذي دمّره الرومان في العام 70 م. هذا يمكن أن يكون مجرد استفزاز يهودي متعمد، مثلاً ، مناظر لقطع الرؤوس الذي تستخدمه الدولة الإسلامية (داعش) لإرهاب المسلمين السنة في العراق وسوريا لقبول سلطتهم، وعودة القوات الغربية الأمريكية وغيرها الى المنطقة.
استراتيجية (داعش) وحشية، ولكن هناك نظير لها ،يهودا غليك الحاخام الإسرائيلي الأمريكي (أُطلقت النار عليه ) خارج مركز مناحيم بيغن للتراث في القدس ، ربما يفكر بنفس الطريقة ، إنه معجب بكفاءة داعش في دفع عودة الغرب للشرق الأوسط.ولعل فكرته، وفكرة المنظمة التي يتحدث باسمها ، واللجنة المشتركة لمنظمات الهيكل، فاحشة من اجل استفزاز الفلسطينيين والمسلمين في جميع أنحاء العالم.أُطلقت النار عليه لمشاكله، لكنه يمكن أن يكون - بل قد يكون - افتتح تصعيداً كبيراً في مستوى العنف، بل وربما انتفاضة جديدة. وهذا من شأنه خدمة أهداف العديد من اليمينيين الإسرائيليين.وأحد هذه الاهداف هو، بطبيعة الحال، إقامة دولة يهودية ، وتطهير عرقي للفلسطينيين، في جميع فلسطين.إذا كانت هذه فكرة غليك، فإن الطلقة الجامحة التي نالها على الأقل مفهومة.
وعلى المرء أن يتساءل هل هناك آخرين يشاركونه ؟ تشير جميع الدلائل أن محاولات اليهود الإسرائيليين لبناء الهيكل الثالث ليست مجرد حركات استفزازية. بل على العكس تماماً، يبدو أنها في الواقع تعني ما تقول.ما أقوله هو أنهم يريدون استعادة عبادة الكهنوتية وجميع الممارسات الطقوسية - الذبائح الحيوانية - التي ماتت في إسرائيل القديمة منذ ما يقرب من ألفي سنة. يتشقلب مؤسسو الصهيونية في قبورهم.أنشأ الصهيونية مثقفون ليبراليون تم استيعابهم في الغرب. ولم يفكر مؤسسوها بالقومية أو العرقية بشكل خاص. الفكر الذي قادهم أن دولة يهودية تُنقذ يهود أوروبا من ويلات معاداة السامية. وفي هذا الصدد، كان الفكر الصهيوني جزءاً من طرق التفكير السائدة في الغرب الليبرالي في ذلك الوقت. ويتماثل برنامجها مع العنصرية والاستعمار الغربي أيضاً.وهذه الاعتبارات السياسية هي سبب الترحيب بالمشروع الصهيوني من بريطانيا العظمى قبل الحرب العالمية الثانية ثم سلطة الانتداب. خدمت الصهيونية أغراض مشروع الاستعمار البريطاني في الشرق الاوسط . جاء معظم اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين من أوروبا الشرقية منذ البداية، وليس من المستغرب إذن أن الصهيونية و القوميات الشرق أوروبية متشابهة . هم مقصوصون من قطعة القماش نفسها.
ولهذا السبب جزئياً، تسبب مسار الصهيونية أيضاً في فزع الليبراليين (والاشتراكيين ) مؤسسي الصهيونية - خاصة بعد عام 1948، عندما تأسست دولة إسرائيل، بل وأكثر صراحة في العقود التي تلت حرب الأيام الستة عام 1967، عندما سقطت كل فلسطين تحت السيطرة الإسرائيلية. انجرف المجتمع الإسرائيلي من البداية - في السنوات الأخيرة خصوصاً - بعيداً عن أصول الليبرالية والعلمانية الصهيونية نحو مواقف أكثر ارتباطاً مع الأنظمة غير الليبرالية وغير المتسامحة .ربما كان هذا حتمياً في دولة استيطانية اثنوقراطية لا يمكن أن تخرج إلى حيز الوجود دون تطهير عرقي وحشي واسع النطاق. ما لم يتوقعه أحد أن التيارات الأصولية التي ستظهر داخل الحركة الصهيونية ، في القرن الحادي والعشرين، من شأنها أن تنافس أو حتى تتفوق على تلك التي نشأت في الآونة الأخيرة على نطاق واسع في أجزاء من العالم الإسلامي. في العصر الحديث، أُصيبت معظم الأديان في العالم - المسيحية بالتأكيد، وأيضا الأديان في الهند - بالمثل. الأصولية هي رد فعل على الحداثة وتعبيراً عن الهوية السياسية. وهي تمثل الوجه الآخر للتقدم. ولذلك فمن الإنصاف القول أن معظم الأصوليين، لا يفعلون ما يقولون. أو أنه عندما يفعلون بإخلاص ،يؤمنون بما يقولون ، إنهم يخدعون أنفسهم. إن معتقداتهم تعبير عن المخاوف أخرى.وبما أن السيجار هو مجرد السيجار، فمن المحتمل أحياناً أن المؤمنين الحقيقيين مؤمنون بما يفعلون حقاً. ونظراً لمدى التهور الواضح في معتقداتهم ، فمن المريح أن نعتقد أن الجهل هو السبب.ويفسر الجهل سلوكيات المؤمنين الحقيقيين في المناطق النائية حيث طرق التفكير القديمة لا تزال على قيد الحياة.ولكن ما هو عذر يهودا غليك أو أعذار الذين يعتقدون مثله؟
ما يريده غليك وأمثاله أكثر منافاة للعقل من الأهداف الرسمية للدولة الإسلامية (داعش).
ربما تصل استعادة الخلافة الاسلامية في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين وخارجها إلى ما يزيد قليلاً عن إعادة تشكيل نظام الدولة في المنطقة. وحتى لو كان لدى المتشددين في داعش أهدافاً أكثر رجعية في عقولهم ، فإن تفكيرهم لا يزال أكثر تقدماً من يهودا غليك في اوائل القرن الحادي والعشرين.يُريد غليك ورفاقه المتشددين التراجع أكثر من ألفي سنة! كيف، وبعد الويلات على حلّت على العالم في السنوات المائة الأخيرة، فإنهم يتقهقرون إلى الخلف ، هل هذا منطقي؟ البرهان الرسمي (أو الرياضي) هو المعيار الذهبي لقبول المعتقدات العقلانية. المعتقدات التي تدعمها رجحان الأدلة هي أيضاً مقنعة بعقلانية.يعود فشل المعتقدات في تلبية هذه المعايير، لأحد الأسباب الآتية : عدم كفاية المعلومات والتضليل على القائمة؛ وذلك هو عدم القدرة على التفكير.يمكن للالتزامات الأيديولوجية أيضاً أن تتداخل مع تشكيل المعتقدات. وبطبيعة الحال، يمكن للناس أن يضلوا عمداً ويمكنهم خداع أنفسهم.يعتبر تشكيل المعتقدات إعاقة أحياناً ونوع من الحالات المرضية المختلفة، ويمكن للأطباء عادة تحديدها وفي بعض الأحيان وفي حالات معينة من هذه الظاهرة؛ يمكن لأي شخص تقريباً الكشف عن الحالات المتطرفة.ولكن حتى عندما تكون المعتقدات حالات مرضية ، ولا يزال التفهم التعاطفي ممكناً . ليس مهماً أن يكون غير المؤمنين مرتابين ، فإنه يمكنهم على الأقل فهم ما سيكون عليه الأشخاص ذوي تلك المعتقدات .هناك بعض المعتقدات، مع ذلك، تتحدى هذا النوع من التفاهم.
لنأخذ مثالاً خارج السياق، نوقش كثيراً من John Rawls ، أحد أكثر الفلاسفة تأثيراً في العقود الأخيرة من القرن العشرين، تخيل شخصاً يدعي أنه يجد معنى الحياة من خلال، عد أوراق العشب في المروج مثلاً.يمكننا أن نفهم ما تعنيه هذه الكلمات، ولكن لا يمكننا أن نفهم حقاً الفكرة وراءها ، ولذلك لا يمكننا أن نتعاطف مع ما تعبر عنه الكلمات. إن معنى الحياة في عد أوراق العشب أيضاً بعيدة عن أي موقف بشري يمكننا تحديده .ربما كان الأمر مختلفاً قبل قرون ، ولكن، في العصر الحديث، فإن المعتقدات التي يعتنقها الأصوليون وعندما لا تكون مرهقة أو مضللة ،ولا يُجبرون احداً عليها فإنها مثل من يعد الأعشاب .يمكننا أن نفهم الكلمات، وربما أيضاً تاريخ هذه الكلمات، ولكن هل يمكننا أيضاً فهم المعنى الحرفي لما تقوله هذه الكلمات؟ لم يفكر أحد في العالم الغربي "المتحضر" منذ قرن من الزمان في ذلك.ومع عدم إغفال العنصرية والنفاق التي كانت متوطنة في الدوائر الغربية (وحتى اليوم)، وعدم قدرة أجدادنا على فهم ما يدعيه الأصوليون، وبالتالي معاملتهم على أساس أقوالهم، ما زال يبدو الصوت بارزاً. الدهماء الرعاع الذين يعتقدون أن الله يريد منهم إحياء عبادة الطقوس الدموية التي انقرضت قبل ألفي سنة - الذين يعتقدون هذا حرفياً ومتحمسون له، حتى القتل - يسكنون كوناً أخلاقياً وفكرياً يختلف عن الكون الذي بنته الإنسانية لنفسها في السنوات التي تلت 70 م. دون التخلي تماماً عن طائفة المعبد في مجملها، وإعادة تفسير القواعد والممارسات القديمة التي يصعب التعرف عليها من المفكرين والعلماء الذي خلقوا اليهودية الحاخامية منذ فترة طويلة. وغني عن القول، أن الحاخامية اليهودية ليست بالضبط منارة للسبب نفسه. ولكن، كان على الأصوليين اليهود، الاكتفاء بمتابعة ما تمليه الحاخامية لهذه الرسالة. الآن، وفي قفزة كبيرة إلى الوراء، ذهب الأصوليون مثل غليك وشركاه من المفكرين إلى ما هو أبعد من ذلك. كيف يمكن للسياسة في القرن الحادي والعشرين أن تأخذ هذا الدور الرجعي!
ومع ذلك، تعود الحماقات التي تغلب عليها الجنس البشري منذ آلاف السنين على جدول الأعمال.
يمكن للمرء أن يُحبط وييأس .
ولكن، والعالم في مثل هذه الحالة من عدم الاستقرار ، هذا ليس خياراً.
كان من المفترض أن تجعل الحرب العالمية الأولى العالم آمنا للديمقراطية. لكنها لم تنجح تماماً في ذلك .
لذلك الآن، وبعد مرور مئة سنة، هناك مهمة أكثر إلحاحاً في متناول اليد: جعل العالم آمنا للسبب نفسه، ولضمان التقدم الأخلاقي والسياسي والاجتماعي الذي أحرزه البشر.
مترجم
ANDREW LEVINE








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل