الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ممارسات وأفعال بين الإزدواجية والإحتيال ..!

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

2014 / 11 / 26
المجتمع المدني


كنت أعتقد أن إضطرار العراقيين للهجرة والعيش خارج العراق وإستقرارهم في دول ومجتمعات تختلف إجتماعيا وثقافياً ودينياً وحضارياً وبصورة كلية عن طبيعة المجتمع العراقي من كافة النواحي الحياتية والفكرية سينتج عنه تغيير جزئي على أقل تقدير أن لم يكن كلياً في طبيعة الشخصية العراقية أو الممارسات والعادات التي اعتاد العراقيون على ممارستها في الوطن الام. فالتأقلم مع المجتمعات الجديدة يستدعي تبني مجموعة من الأفكار والتصرفات والعادات والتقاليد الجديدة بقصد إكمال عملية التحول من واقع أو حالة سابقة ، مرفوضة على الأغلب ، إلى حالة جديدة تؤهل الفرد المهاجر لعملية إنسجام مع من حوله بقصد الإستمرار بالحياة وإعادة بناء الذات والعائلة والعمل وفق منظور ومفاهيم جديدة لم يسبق أن أعتادها أو مارسها وهكذا.
إن الإنتقال من إسلوب حياتي معين لأسباب طوعية بقصد رفض أو التخلص من واقع سياسي أو إجتماعي أو إقتصادي معين أو بسبب من إجبار السلطة لمواطنيها على الهجرة قسريا لأسباب سياسية أو عرقية أو طائفية يعني قبول الفرد المهاجر بنتائج هذا التغيير سواء كان القبول طوعيا أو إجباريا. لذا يتحتم على الفرد ومن معه (العائلة) وضع خطة لتنفيذ مهمة الإنتقال بصورة تدريجية تعتمد مبادئ للمقارنة بين السئ والجيد ، بين القديم والجديد ، وفق أسس تعتمد إحتساب كل خطوة من ناحية الربح أو الخسارة. ان تنفيذ خطة الإنتقال من الحياة القديمة للحياة الجديدة ضمن فترة زمنية محددة سيوفر للفرد فرصة التمتع بمباهج ومزايا الحياة الجديدة التي لم يكن له خياراً في رفضها بالأساس.
هذه ليست دعوة للتغيير من أجل التغيير إنما هي دعوة للتفكير والتمحيص والمقارنة ومن ثم الإختيار الموفق. هذه ليست دعوة لرفض كل ماهو قديم وتبني كل ما هو جديد ، إنما هي دعوة لحسن الإختيار وبما يتناسب مع مجموعة الأسس والقواعد الفكرية المقبولة بحدها الأدنى في المجتمعات المتمدنة والمتحضرة.
ان عملية إعادة البناء والـتأقلم لم تكن من السهولة بمكان على مر العصور ولدينا أمثلة كثيرة تنبئ بأن آلاف المهاجرين الصينيين والإيطاليين واليونانيين وغيرهم لازالوا يعيشون ويمارسون حياتهم اليومية وكأنهم لازالوا في دولهم الأصلية. ولن أنسى رجلاً إيطالي الأصل شاركني في غرفة أثناء مكوثي بإحدى مستشفيات سيدني دون معرفة سابقة بيننا ثم وجدت أنه مضى على هجرته إلى أستراليا أكثر من ثلاثين عاماً كان يعمل فيها في شركة إتصالات عالمية رائدة ومع ذلك لم يتقن من الإنكليزية كلمة واحدة . سألت زوجته عن سبب ذلك فأخبرتني بأنه يعمل ضمن مجموعة من الموظفين كلهم من أصل إيطالي وأنه لايلتقي خارج نطاق العمل سوى بعائلته وأقاربه وهم إيطاليون طبعاً ! توفي هذا الرجل قبل عدة أعوام بمرض خبيث وكان قد زارنا لمرتين حاملاً بيده باقة زهور جميلة قدمها لزوجتي متمتماً بإسمها: ماريـا ، على الطريقة الإيطالية خاصة وأن اسم ماريا شائع الإستعمال في إيطاليا.
قصص أخرى تختلف في مدلولاتها مع أحداث قصة الرجل الإيطالي ، وهي لأشخاص عراقيين، لم يتأقلموا مع طبيعة مجموعة التصرفات المتحضرة للمجتمع الأسترالي على الرغم من نضالهم الدؤوب ولسنوات طويلة من أجل إعادة التأهيل العلمي والعملي وبناء الذات، إذ ظلوا يعيشون حبيسي أحلام تبددت ولم تتحقق. ليس مهماً كيف ولماذا لم تتحقق لكن المهم أنهم لم يتمكنوا من الخروج من بودقة الأحلام الوردية في تولي مناصب سياسية أو دستورية أوإدارية حتى باتوا يصدقون أحلامهم ويتداولونها أو يوعزون لطاقم حمايتهم ووسائل إعلامهم بتداولها بين الناس. سمعت ان أحدهم لم ينف الإدعاء بحمله منصباً رفيع المستوى في حزب سياسي عراقي رائد وهو أمر يمكن أن يصنف ضمن تهمة إنتحال الشخصية . قد يكون من حق الفرد أن يتمنى شيئاً كي يتحقق وهو حق مشروع لكن أن يسكت عن تكذيب او تصحيح الموقف أو الخبر فذلك يؤكد انه هو نفسه بالذات مصدر الخبر والمستفيد الوحيد منه.
في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، كان هنالك في الشركة التجارية الرائدة التي عملت فيها شخصٌ يتولى مهمة مدير تسويق الشركة، وهي مسؤولية كبيرة حيث يتولى من خلال مديريته توزيع حصص الفروع التابعة للشركة من البضائع التسويقية الإستهلاكية التي تتعامل بها الشركة. ويبدو أنه كان قد تجاوز في بعض صلاحياته وحاول الإستفادة من مزايا منصبه التسويقي والإداري والحزبي مما أغضب الموظفين والعمال التابعين له فقرر أحدهم أن يكتب عنه تقريراً حزبياً كما جرت العادة في تلك الأيام المشؤومة. وقامت لجنة متخصصة من مسؤولي الشركة فعلاً بالتحقيق فيما ورد بالتقرير من إتهامات بخصوص إستغلال مدير التسويق لمركزه الوظيفي. وقد علمت في حينه أن أحد الشهود من عمال الشركة أعترف أمام اللجنة التحقيقية أن مدير التسويق كان يستخدم شاحنات الشركة وسواقها وعمالها لنقل أثاث منزله عندما أشترى منزلاً جديداً دون علم الشركة ودون أن يعوض أو يدفع للعمال والسواق ، كما أنه يجبر موظفيه على قبول دعوات لتناول الغذاء في مطاعم بشارع الرشيد وعندما يحين موعد دفع الحساب أما يهرب أو يعتذر بأنه نسي محفظته أو يتحجج بأي عذر آخر يتخلص بموجبه من دفع الحساب. عامل آخر فجر قنبلة من العيار الثقيل حولت القضية من مجرد تقرير حزبي حول موظف في شركة حكومية متهم بإستغلال مركزه الوظيفي إلى حادثة هزت القصر الجمهوري !
أخبر الشاهد اللجنة التحقيقية بأن المتهم كان قد رتب مع مجموعة من عمال الشركة أن يرتدوا بدلات وأربطة وأن يحملوا مسدساتهم بصورة يمكن ملاحظتها من قبل الآخرين وأن يظهروا بمظهر الحماية الخاصة بالمسؤولين في ذلك الزمان الغابر. وكان هو يحمل مسدسين ، أحدهما في حزامه والثاني في جورابته. وكانوا يذهبون إلى ملاهي بغداد ليالي الخميس كما جرت عادة الكثيرين. وقد تم تكليف أحدهم بالدخول للملهى قبل حضوره وإبلاغ الإدارة بأن فلان الفلاني (زوج أبنة الريس) سيحضر وعليهم ترتيب منضدتين ، واحدة له مع أرتيستات والثانية لحمايته. كانت الفكرة تعتمد إستغلال تشابه الأسم الأول واللقب مع أسم زوج ابنة رئيس الجمهورية في حينه. ويبدو أن اللعبة كانت ناجحة على مدى عدة أشهر. أضاف العامل قائلاً أن مديرهم كان يطلق طلقة أو اثنتين من مسدسه في الهواء عند مغادرتهم الملهى للإحتفال بإنجازهم المهمة دون أن يدفعوا فلساً واحدا.
في ليلة من تلك الليالي الحمراء صادف وقوف سيارة لشرطة النجدة في باب الملهى. وحين سمعوا صوت إطلاق نار هرعوا إلى داخل الملهى ليستطلعوا الأمر شاهرين أسلحتهم. أخبرهم العاملون في الملهى بأن لايتدخلوا في الأمر كون الممجوعة تخص عائلة الريس ! فعلا لم يتدخل ضابط الشرطة وعاد إلى سيارته ليبرق للقصر الجمهوري بأن صهر رئيس الجهورية كان موجوداً في الملهى وأنه أطلق الرصاص في الهواء. يقول الشاهد أن فرقة أمنية توجهت إلى دار صهر رئيس الجهورية وأعتقلته.
وذكر أن توسط عائلة الرئيس وأقاربه والعشيرة لم تنفع في إطلاق سراح صهر الريس حيث أعتبر الريس أن الأمر يمس شرف عائلته بالدرجة الأولى وهو أمر يوضح الإزدواجية في التعامل مع القضايا الإنسانية حيث مايصلح للعائلة أو العشيرة الحاكمة يختلف عن مايصلح لعامة الشعب. ففي نفس الوقت الذي أعتبر فيه رئيس الجهورية أن مثل هذا التصرف قد أساء له شخصيا لأن شخصاً قريبا منه أطلق الرصاص في ملهى وأن شرطة النجدة قد عرفت بذلك ، كانت هنالك آلاف القضايا والممارسات الإجرامية التي مورست من قبل أفراد ينتمون لعوائل الرئيس ونائبه واقاربهم وحمايتهم، ولكن لم يتم إيقاف أو معاقبة المتسببين فيها أو مرتكبيها ولازالت السجلات الرسمية تشير إلى أنها مسجلة ضد مجهول أو أنها قد شطبت ولم يعد لها أثر.
إكتشاف خيوط هذه الجريمة عبر لجنة تحقيق في شركة كان بمثابة تبييض لصفحة أحدهم وتوجيه الاتهام لآخر. كان يكفي أن يحمل الفرد لقب الإنتماء لمدينة الرئيس ونائبه ليعتبر ذلك جواز مرور إلى منطقة الأمان. ومايقال عن تلك الفترة الزمنية ، يقال عن الفترة التي تلت السقوط حيث مورست نفس الجرائم بحق الشعب من قبل العائلة أو العشيرة وكأنهم بتبوئهم منصات الحكم يتم تمليكهم العراق ومصير شعبه.
-;--;--;-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟