الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية التمويل الخارجي للجمعيات المغربية تطفو على السطح من جديد

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 11 / 29
المجتمع المدني


كشف مؤخرا الأمين العام للحكومة محمد الضحاك عن الدعم الخارجي للجمعيات المغربية، وذي بلغ 24 مليار و400 مليون سنتيم سنة 2012، وساد الغموض عندما لم يقدم توضيحات دقيقة حول أسباب ارتفاع الدعم وكيفية تنفيذه، علما أن ارتفاع هذا الدعم مرتبط أساسا باتفاقية الصداقة وحسن الجوار التي وقعها الاتحاد الأوروبي والمغرب.
أقرّ محمد الضحاك بارتفاع التمويل الخارجي للجمعيات بشكل مستمر من 7 مليار و400 مليون سنتيم سنة 2006 استفادت منها 88 جمعية و7 مليار سنتيم سنة 2007 استفادت منها 85 جمعية، لتقفز الى 14 مليار سنتيم و600 مليون سنتيم سنة 2010، وبلغت رقما قياسيا سنة 2012 حيث سجلت 24 مليار و400 مليون سنتيم.
ويعود ارتفاع التمويل الخارجي إلى سببين، الأول وهو تطور العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بعد التوقيع على اتفاقية الصداقة وحسن الجوار، حيث أصبح من حق الجمعيات والمؤسسات الجامعية المغربية رفقة شركاء أوروبيين تقديم طلب إلى الاتحاد الأوروبي والحصول على التمويل في المغرب مباشرة بعدما كان الشريك الأوروبي هو المتحكم في التمويلات في الماضي.
أما السبب الثاني، فيعود إلى ارتفاع عدد المغاربة المتجنسين أوروبيا والذين يتولون مباشرة مشاريع تنموية في مناطقهم في المغرب وخاصة في القرى، ويلعب المهاجرون المغاربة دورا هاما في تنمية بعض المناطق وإنقاذها من التهميش.
وتعود أغلب التمويلات الخارجية لمشاريع تنموية وأخرى لمشاريع فنية مثل المهرجانات الغنائية التي تشرف عليها جمعيات مقربة من السلطة بل بعضها من المقربين جدا لمراكز صناعة القرار بامغرب، ويصل الأمر أحيانا الى تمويل جهات خارجية لمشاريع سياسية ترضى عنها الدولة المغربية مثل مشروع “دابا 2007″-;- الخاص بالانتخابات التشريعية لسنة 2007، علما أن تمويل ما هو سياسي يرفضه القانون المغربي. في الوقت ذاته، تعتبر الجمعيات التي يرأسها أندري أزولاي مستشار الملك من الجمعيات الأكثر استفادة من التمويل الخارجي بسبب علاقاته واللوبي الذي شكله وسط الاتحاد الأوروبي. وتسفيد الجمعيات الحقوقية في المغرب من الدعم الخارجي، علما أن بعضها يقدم حساباته بشكل واضح للسلطة والجهات المانحة.
في الوقت ذاته، وقعت الدولة المغربية مع الولايات المتحدة تمويلا لمشاريع تنموية للمجتمع المغربي مع الولايات المتحدة رغم شروط واشنطن المتعلقة استثناء الصحراء المغربية.
ولم يسبق للدولة المغربية أن اعترضت على التمويل الخارجي للجمعيات بحكم أنها وقعت على اتفاقيات مع أطراف خارجية تنص على هذا التمويل مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن التمويل الخارجي طفى إلى السطح بعد أزمة الدولة مع الحقل الحقوقي.
ويوجد اختلاف في تقديم بيانات للدولة المغربية، ولخصها الضحاك في عدم معرفة البعض بالقانون وعدم الاكتراث من طرف جمعيات بينما تفضل جمعيات أخرى الصمت. ويبقى الإشكال الكبير في هذا الصدد هو أن الجهات المانحة هي التي تطالب بتبرير الدعم والبيانات وأساسا الاتحاد الأوروبي، وقد جرى اعتقال مغاربة في أوروبا بسبب التصرف غير اللائق في الدعم الموجه إلى المغرب.
ولم تطور الدولة المغربية مع الاتحاد الأوروبي آليات مراقبة مشتركة، علما أن الدولة المغربية بدورها تقدم البيانات الخاصة بالدعم الذي تتوصل به إلى الاتحاد الأوروبي دون أن تتدخل وزارة المالية أو الأمانة العامة في معرفة مصير هذه الأموال.
طفت إشكالية التمويل الخارجي للجمعيات على السطح من جديد، في وقت أصبحت الدولة المغربية تمارس حظرا تقنيا على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من خلال المنع لأنشطتها في أماكن عمومية وكذلك التماطل في منح الترخيص لفروعها عبر الوطن.
ومنذ شهور، يوجد توتر بين الدولة والجمعيات الحقوقية وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وكانت البداية مع وزير الداخلية محمد حصاد الذي شن خلال منتصف يوليو الماضي أعنف هجوم على الحقوقيين وصل إلى التلميح بما اعتبره خدمة أجندات أجنبية، مستدلا بأموال الدعم التي يتلقوها من الخارج . وانتقل الوزير من توجيه الاتهامات إلى المنع المتواصل لأنشطة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في ربوع البلاد كما شمل المنع جمعيات أخرى مثل العصبة المغربية لحقوق الإنسان. وتعددت عمليات المنع المتكررة. وتجتهد الدولة في تفسير المنع قانونيا، وإن كان هذا المنع يحدث انقساما وسط الدولة نفسها والحزب المتزعم للائتلاف الحكومي. واعتبر وزير العدل مصطفى الرميد في تصريحات سابقة أن المنع غير قانوني وغير مبرر وأن الجهات التي تتخذ القرار هي خارجة عن الشرعية. في المقابل، يتولى مسؤولون مغاربة ومنهم وزير الاتصال مصطفى الخلفي بتبرير المنع بطريقة غير ملتوية عند حديثه عن ارتفاع الترخيص للتظاهرات في مختلف مناطق البلاد.
ويبقى المثير هو أن الدولة لا تمتلك خطابا واحدا في تبرير المنع، فإذا كان وزير الداخلية محمد حصاد يشهر ورقة الأجندة الخارجية وسط البرلمان في مخاطبة الرأي العام المغربي، يبتعد إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن هذه اللغة في محاضراته في الخارج. ومن ضمن الأمثلة، تفادى في لقاء حقوقي في باريس بمقر العالم العربي يوم 12 أكتوبر اللجوء إلى تبريرات الدولة العميقة، واستعمل ضمن الحجج أن المغرب يشهد آلاف التظاهرات واللقاءات سنويا بدون أن تتعرض للمنع.
و يرى الكثيرون أن اتهامات وزير الداخلية للجمعية المغربية حقوق الإنسان هو بمثابة حظر قانوني غير مباشر. في حين يهدد محمد الضحاك بحل الجمعيات التي لا تكشف تمويلاتها الأجنبية. وقد تصل العقوبة إلى حد الحل أو الحرمان من صفة المنفعة العامة التي تعطيها الحق في الاستفادة من دعم الدولة.

ومن المعلوم أن 962 جمعية مغربية توصلت بـ 125 مليار سنتيم من التمويلات الخارجية منذ 2006، وأن العشرة أشهر من سنة 2014 سجلت حصول منظمات المجتمع المدني على ما يفوق 15 مليار سنتيم بينما تم رصد 22 مليار سنتيم خلال 2013. و أوضح الضحاك أن الأمر يتعلق بحوالي 565 تصريحا من 128 جمعية بشأن استفادتها من مساعدات أجنبية، بلغ مجموعها أزيد من 158 مليون درهم.

يبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن هناك حاجة لدى المانحين والعموم وشركاء الجمعيات بشكل عام، إلى شفافية أكبر في استعمال الأموال الممنوحة لها. والواقع أن مسألة ترشيد التدبير المالي للجمعيات ليست مطلبا للدولة فقط، وإنما أضحت مطلبا كذلك لبعض الجمعيات التي بقدر ما تطالب بالحق في التمويل العمومي، واعتماد مسطرة واضحة ومنسجمة في مجال تمويل الجمعيات، وإعفاء جميع الجمعيات ذات الأهداف غير الربحية من الرسوم، بقدر ما تدعو الجمعيات إلى الالتزام باحترام معايير المحاسبة، الشفافية والديمقراطية الداخلية، والتزامها بعدم ممارسة أي نشاط تجاري، وعدم السماح بالجمع بين مناصب المسؤولية والمناصب المؤدى عنها داخل الجمعيات، وتقديم تقارير مالية سنوية إلى الجهات الممولة وإلى هيئاتها التقريرية مدعمة بوثائق.

عموما ظل ملف التمويل الأجنبي للجمعيات المحلية مليء بالجدل والشد والجذب‏، وكل طرف له مبرراته القوية‏. فالمؤيدون يرونه ضروريا والمعارضون يعتبرونه سلاحا لتسييس هذه الجمعيات وتسخيرها لخدمة أجندات معينة، أحين من حيث لا تدري. البعض طالب بوضع قواعد تنظمه وميثاق شرف أخلاقي يحدد مبادئه‏، والبعض طالب بتعديل القانون أو نشر الوعي بأهميته مع العدالة في توزيعه. علما
أن ضعف الثقافة الحقوقية لدى المجتمع ساهم في إثارة الجدل حول تمويل المنظمات الحقوقية من خلال المنح الأجنبية والنظر للملف الحقوقي علي أنه ملف سياسي، ولقد حدثت عدة متغيرات بعد انتهاء الحرب الباردة إذ أصبح التدخل في شؤون الدول إحدى أدوات النظام الدولي تحت غطاء الحفاظ علي حقوق المواطنين، وهذا ما يجعل البعض يتخوف من حصول المنظمات علي تمويل أجنبي‏.‏ ولذلك يجب أن يرتبط التمويل الدولي بالضمير وحسن الإدارة والإعلان عنه بقدر من الشفافية والوضوح، كما يجب أن تمتلك الجمعيات الأدوات المحاسبية التي تمكنها من القيام بهذا الدور والثقافة المحاسبية هي السبيل لعدم التشكيك في هذا النمط من التمويل‏.‏
وواقع الحال أن الجمعيات، إذا لم تحصل علي تمويل، سوف تغلق أبوابها ولذلك يجب رعاية هذا النمط من الجمعيات لتتقوى وتستمر في تحقيق أهدافها‏.‏
ويجب أيضا عدم اختزال قضية التمويل الأجنبي علي أنه أداة سياسية أو وسيلة لثراء أصحاب الجمعيات، فذلك، غالبا ما يكون، تبسيطا وتسطيحا للمشكلة، والأهم هو أن ينظم القانون هذا الأمر ويحدد الآليات والأدوات المحاسبية لضمان الشفافية، وهذا لا يرفضه أحد، ولكن يجب ألا تستخدم هذه الأدوات بتعسف ضد بعض الجمعيات‏.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب