الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وسائل الحماية في قانون منع التحرّش الجنسيّ

حنان مرجية

2014 / 11 / 29
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



مقالة تنشر لمناسبة يوم مناهضة العنف ضد المرأة 25/11:
وسائل الحماية في قانون منع التحرّش الجنسيّ


•رفع الوعي لوجود قانون لمنع التحرّش الجنسيّ والأدوات القانونية التي يوفرها وطرق المواجهة التي يقترحها هو من واجب الدولة كونها المسؤولة عن تحقيق حقوق النساء عمومًا – والنساء الفلسطينيّات، خصوصًا – في كسب الرزق والحياة بكرامة، لأن قلة الوعي للقانون وطرق المواجهة تمكن الكثير من المعتدين من التنصّل من العقاب



*وتأثيرها على دائرة البطالة بين النّساء الفلسطينيّات في إسرائيل*



تعرّفتُ لأوّل مرّة على ظاهرة التحرّش الجنسيّ في أماكن العمل في المجتمع العربيّ حين كان عمري 23 عامًا وكنت أعمل يومها في إحدى المدارس العربيّة في الشّمال. روتْ لي إحدى المعلّمات اللاتي عملن في المدرسة أنّه يجري في المؤسّسة التعليميّة تحرّش جنسيّ متواصل يرتكبه مدير المدرسة ضدّ الكثير من العاملات، وأنّ التحرّش بلغ ذروته في محاولة اغتصاب إحدى المعلّمات، إلا أنّه لم يتمّ تقديم أيّ شكوى ضدّ المدير. أصغيتُ إلى حديثها بذهول، فحتى ذلك الحين اعتقدتُ أنّه يجب تقديم شكوى ضدّ كلّ شخص يرتكب اعتداء جنسيًّا، لكنّني تعرّفتُ في اليوم نفسه على الحقيقة المرّة وفهمت أنّ الأمور ليست بالسّهولة التي ظننتُها – فمشاعر الخوف، اليأس والعجز التي تنتاب المرأة التي تعاني من التحرّش الجنسيّ بمقدورها أن تشلّها وتمنعها من القيام بخطوات ضدّ المعتدي.
هناك حالات، كتلك التي حدثت في المدرسة الواقعة في شمال البلاد، جرتْ ولا تزال تجري، للأسف الشديد، اليوم، أيضًا، في المجتمع العربيّ في البلاد. في هذا المقال، سأعرض الواقع الإشكاليّ الذي لا تزال تُحرم فيه، تحت غطاء قانون منع التحرّش الجنسيّ الذي تمّ سَنُّه لهدف منع التحرّش الجنسيّ دفاعًا عن كرامة، حريّة وخصوصيّة كل شخص ولدفع المساواة بين الجنسين قدمًا، النساء الفلسطينيات في إسرائيل من الحماية الكافية التي تمكّنهنّ من الوقوف في وجه التحرّشات الجنسيّة، منعها أو تقديم الشكاوى والمطالبة، بالتالي، بمحاكمة المتحرّش. أودّ في هذا المقال استعراض عدد من العوامل المؤدّية إلى ذلك.
الخوف من الانتقام والتعرّض لها في مكان العمل، الخوف من تقليص ساعات عملها، الخجل والعار من كشف الاعتداء في القرية، الخوف من التحوّل إلى ضحيّة لاتهامات محيطها بخصوص دورها في الحادث، ومؤامرة الصمت القائمة في القرية حول سلوكيّات المدير – هي قسم صغير من الأسباب التي جعلت العاملات في تلك المدرسة التي تحدثت عنها، يخترن عدم تقديم شكاوى على ممارسات المدير المهينة وغير القانونية، ولكنّ الخوف الأساسي لديهنّ كان من فصلهنّ وعدم تمكّنهنّ من العثور على عمل آخر، خصوصًا في مجال التعليم، الذي عليه طلبٌ كبيرٌ من قبل النساء الفلسطينيّات – فالعمل في مجال التعليم يتمّ، غالبًا، في مكان سكن العاملة وفي إطار ساعات عمل ملائمة للأمّهات،و نتيجة لذلك، فإنّ نحو %42,5 من النساء الفلسطينيّات العاملات خارج البيت، يعملن في مجال التعليم، مقارنة بـ %20,5 لدى النساء اليهوديات، بينما تدلّ معطيات وزارة التعليم لعام 2013 على أنّ ثمّة فجوةً أخرى بين التعليم العربيّ والتعليم اليهوديّ، تتجسّد في عدد ساعات التعليم للطالب – الطالب اليهوديّ يتمتع، في المعدّل، بساعات تعليم أكثر بـ %2,9 من الطالب العربي سنويًّا. هذا التمييز الصارخ بين المجتمع العربي واليهودي في مجال التربية والتعليم - خاصة بالنسبة لقلّة ساعات التعليم – يزيد من البطالة ويجعل خوف المرأة الفلسطينيّة العاملة في إطار التعليم من أن تجد نفسها في دائرة البطالة خوفًا مبرّرًا ومشروعًا.
كذلك، يميّز قانون منع التحرّش الجنسيّ بين أماكن عمل صغيرة، فيها حتى 25 عاملا، وبين أماكن عمل تضمّ 25 عاملا وأكثر، ويلقي على المشغّلين فيها واجبات مختلفة تخصّ التعريف بالمعلومات ونشرها حول ركائز القانون وطرق تقديم الشّكاوى. معظم الأقلية الفلسطينية في إسرائيل تعيش في مناطق ريفية وفي الاطراف، بحيث إن أغلب المصالح التجارية فيها تعد مصالح صغيرة بقوى عاملة محدودة، والفصل في القانون بين أماكن العمل وفقًا لحجمها يمسّ بقسوة بقطاع النساء الفلسطينيات اللاتي يُقِمْنَ بأغلبيّتهنّ في الأطراف، ويعملن في مصالح خاصّة وصغيرة. من المهمّ التنويه إلى أنّه توجد في أماكن العمل الصّغيرة صعوبة، أيضًا، في مراقبة درجة تطبيق أوامر القانون بخصوص تسليم الدستور وتعريف العمّال به. إنّ عدم فرض واجب النشر على جميع أماكن العمل دون تمييز من ناحية حجمها، يترك النساء الفلسطينيات في وضع من قلة الوعي للأدوات القانونيّة التي بمتناول أيديهنّ أمام الشخص المتحرّش بهنّ جنسيًّا في مكان العمل. برأيي، يجب أن يتمّ توسيع واجب ملاءمة الدستور ونشره وأن يلزَم به جميع المشغِّلين من أجل حلّ مشكلة قلة الوعي لدى النساء، عمومًا، والنّساء الفلسطينيّات، خصوصًا، لوجود قانون منع التحرّش الجنسيّ ومنع استغلال المشغِّل (الذي يمكن أن يكون نفسه هو المتحرّش) لعدم معرفة العاملات للقانون على نحو كافٍ.
يعرض استطلاع أجري عام 2007 معطيات بموجبها 53% من النساء غير اليهوديات في إسرائيل لم يعرفن القانون، مقابل 32% من النساء اليهوديات. إن رفع الوعي لوجود قانون لمنع التحرّش الجنسيّ والأدوات القانونية التي يوفرها وطرق المواجهة التي يقترحها هو من واجب الدولة كونها المسؤولة عن تحقيق حقوق النساء عمومًا – والنساء الفلسطينيّات، خصوصًا – في كسب الرزق والحياة بكرامة، لأن قلة الوعي للقانون وطرق المواجهة تمكن الكثير من المعتدين من التنصّل من العقاب. هناك عدد من الطرق التي يمكن للدولة أن تتبعها من أجل القيام بواجبها هذا: أوّلًا، اعتماد إجراءات فعّالة لرفع الوعي للقانون وطرق العمل التي يشملها، بواسطة الهيئات المختلفة المسؤولة عن تطبيق القانون وذلك من خلال عقد أيّام دراسية وورشات للعاملين في القطاع العامّ، ولأصحاب المصالح في القطاع الخاصّ. ثانيًا، إلزام أصحاب المصالح الخاصّة بعقد ورشات وأيام دراسية في أماكن العمل حول التحرّش الجنسيّ، منعه ومواجهته، وبموازاة ذلك، فرض رقابة على المشغلين لضمان قيامهم بواجبهم فعلًا. ويكون هذا كلّه من خلال التشديد على المجتمع العربيّ، حيث نسبة النساء غير الواعيات لوجود القانون فيه هي عالية نسبيًّا. إنّ نشاط الدولة في رفع الوعي لوجود القانون من خلال اتّخاذ تلك الخطوات سيؤدّي إلى وضع يكون فيه عدد أكبر من النساء على معرفة بالقانون، على أمل أن يدفعهن هذا لإتخاذ الاجراءات اللازمة ضدّ المتحرشين جنسيا في مكان العمل أكثر من ذي قبل.
عائقٌ إضافيّ من شأنه اعتراض طريق النساء الفلسطينيّات ومنعهنّ من تقديم شكاوى ضد المتحرّش الجنسيّ هو الخوف ممّا سيحدث بعد انتهاء الإجراء القضائيّ، حيث إن المرأة في المجتمع العربيّ تعمل على مقربة من مكان سكناها، ومعظم زملائها يسكنون كذلك في القرية نفسها أو بجوارها، ويشكلون جزءًا من حياتها اليوميّة ومن حياة عائلتها، ومن ضمنهم المتحرّش أيضًا، وهذه حقيقة قد تقوّي مشاعر الخوف وعدم الثقة لدى المرأة الفلسطينية. في مثل هذه الحالة، تظلّ الضحية معرّضة لتهديد المتحرّش بها بالانتقام منها أو من عائلتها، جسديًّا أو نفسيًّا، وفي غياب منظومة قانونية خاصة تؤمِّن لها ولعائلتها الحماية من انتقام المتحرش، تدرك أنّها ستظلّ ضعيفة ومعرّضة للمساس بها حتى بعد انتهاء الإجراء القضائي، ما قد يمنعها من تقديم شكوى. لذلك، ثمّة في اعتقادي حاجة لتعديل القانون بحيث يضمّ، ضمن أمور أخرى، منظومات حماية للمعتدى عليها بعد انتهاء الإجراء القضائيّ أيضًا، مثلا: إلزام المشغِّل بفصل العامل الذي ثبت في إجراء قضائيّ أنّه تحرّش جنسيًّا في مكان العمل، أو فرض أوتوماتيكيّ لأمر منع تحرّش تهديديّ في ختام الإجراء القضائي – وبتوافر شروط معيّنة في القانون، من دون الاضطرار الى التوجّه ثانيةً إلى المحكمة.

إنّ حقّ النساء الفلسطينيّات في العمل وكسب الرزق بكرامة هو حقّ أساس يجب على الدولة أن تعمل على تحقيقه، وهو حقّ يتعرّض للانتهاك حين يؤدّي الخوف من ردّ فعل البيئة المحيطة أو المساس باسم وشرف العائلة، إلى جعل النساء يخترن – وليس بمحض ارادتهن الحرة - عدم مواجهة المتحرّش، مغادرة مكان عملهنّ والانضمام إلى دائرة البطالة، ونتيجة لذلك، تدهور وضعهن الاقتصادي. 50% من النساء الفلسطينيات اللاتي توجّهن إلى مركز المساعدة في السنوات الأخيرة بسبب تحرّش جنسيّ، تعرّضن لذلك في مكان العمل، و50% من هؤلاء المتوجهات اخترنَ مواجهة التحرّش بواسطة ترك مكان العمل وخسارة مصدر معيشتهن – وهذا مقابل نسب أقلّ من النساء اليهوديات اللاتي يضطررن إلى ترك مكان العمل بسبب تعرّضهنّ لتحرّش جنسيّ – ومن هنا، تقع على الدولة مسؤوليّة توفير أماكن عمل بديلة للنساء اللاتي يتركن مكان عملهنّ مكرهات، كي يتمكنّ من نيل حقوقهنّ الاقتصاديّة والاجتماعيّة الأساسيّة في العمل والعيش بكرامة.
يجدر التشديد على أنّ النساء الفلسطينيات يُعانين من نسبة بطالة عالية، لكونهنّ جزءًا من الأقليّة الفلسطينية التي تعاني هي أيضًا من نسبة بطالة عالية، وهذا بفعل عوامل كثيرة، من ضمنها قلّة المواصلات العامّة وعدم توفر أماكن العمل. تدلّ الأبحاث على أنّ نسبة غير العاملات بين النّساء الفلسطينيات عام 2011 بلغت 79,5% مقابل 47% لدى النساء اليهوديّات . إنّ غياب بيئة محمية من التحرّشات الجنسيّة يؤدّي إلى تفاقم المشكلة، ولذلك يقع على عاتق الدولة واجب خلق أماكن عمل جديدة في المجتمع العربيّ من أجل سَدّ النقص الكبير في أماكن العمل، وبالنتيجة ستتوفر أماكن عمل أيضا للنساء الفلسطينيات ليكون بمقدورهنّ العمل في بيئة عمل محميّة من التحرّشات الجنسيّة، وبالتالي حماية حقوقهنّ في كسب الرزق والعيش بكرامة.
للتلخيص، إنّ قانون منع التحرّش الجنسيّ وعلى الرّغم من أهمّيّته الكبيرة لا يمكنه أن يوفّر بيئة عمل محميّة للنساء الفلسطينيّات من دون تدخّل الدولة، لأنّه يقع على عاتقها واجب مراقبة تطبيق أوامر القانون وتوفير أماكن عمل في المجتمع العربيّ حتى تتمكنُ النساء من ممارسة حقوقهنّ في العيش بكرامة وكسب الرزق. كذلك، هناك متّسع لفحص نجاعة منظومات الحماية القائمة في القانون وفقًا للنقاط التي بحثها المقال، وذلك كي تتمتّع النساء ببيئة عمل محميّة، وكي تتفادى السّقوط في دائرة البطالة بسبب ذنب اقترفه شخص آخر.
(الكاتبة محامية، مختصة في موضوع حقوق النساء في العمل، وناشطة اجتماعية -نسوية من أجل حقوق الإنسان)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري


.. إعلاميات مداهمة ستيرك وميديا خبر هي لطمس وإسكات صوت الحقيقة




.. دراسة بريطانية: الرجال أكثر صدقا مع النساء الجميلات


.. بسبب فرض الحجاب وقيود على الملابس.. طلاب إيرانيون يضربون عن




.. سعاد مصطفى :-المرأة السودانية هي من تدفع ثمن الحرب-