الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا المساواة ضرورية ؟

مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)

2014 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الإهتمام بعدالة توزيع الدخل ليس نتاجاً لميول جمالية ترى القبح "الحقيقي" في الاستقطاب الشديد بين الثراء الفاحش والفقر المدقع ، ولا هو نتاج لمجرد قناعات عملية بأنها ضرورة للاستقرار الإجتماعي واستدامة التقدم ، ولا هو بالتأكيد نتاج لحقد طبقي أو سخط اجتماعي !!

إن أهمية العدالة إنما تنبع من كونها إحدى العناصر الضرورية المكونة في الواقع لمفهوم "المساواة" ، تلك المساواة التي تبتذلها الليبرالية وتنظر لها كحق أو كقيمة ضمن حقوق أو قيم أخرى ، كما يؤكد ذلك الشعار الكلاسيكي للثورة الفرنسية وماتلاها من تقليد ثوري ، "الحرية والمساواة" ، والذي يردف العطف فيه القيمتين الأساسيتين لحقبة التنوير الإنساني ببعضهما ، كما لو كان ممكناً من الأساس وجودهما كقيمتين منفصلتين !!

ومن آسف أن يُستلب الوعي الثوري للتقدميين بكافة مشاربهم بهذا الفصل القيمي البرجوازي الذي يُجزئ العالم على عادة البرجوازية في تجزئة القضايا ، فأصبحوا يضيفون تلك القيم بعضها إلى بعض كمقادير المطبخ ، كما ينظرون لها نظرة كمية لا كيفية ؛ وبحيث كان طبيعياً أن يتشعب التقدميون فرقاً إصلاحية بحتة تسعى لعدالة أكثر وحرية أوسع دون أفق مفتوح أو وعي بالترابط الضروري بينهما ، وفرقاً طفولية الثورية تظن الحرية شكلاً واحداً والمساواة كتلة مُطلقة !!

وإحدى علامات هذا الإستلاب هو سيادة مفاهيم من نوع "العدالة الاجتماعية" و"الديموقراطية التمثيلية" كمفاهيم برجوازية حاكمة للخطاب التقدمي الثوري ، دون وعي كبير بكونها مفاهيم مُتسقة مع التصور البرجوازي للفصل القيمي بين الحرية والمساواة ، والأهم الفصل بين الإطار النظري والتطبيق الواقعي لهما .

إن ما يجب أن يعيه التقدميون هو أن المساواة ليست قيمة ضمن منظومة قيم أو حقاً ضمن مجموعة حقوق ، بل إن المساواة هى القيمة الأم الحاكمة لبقية القيم والحق الأساس الضامن لغيره من حقوق ، فلا توجد حرية حيث تكون الحريات نفسها غير متساوية ؛ إذ يحظى حائز الحرية الأكثر بعلاقة سيادة تجاه حائز الحرية الأقل ، وهى علاقات سيادة لا تظهر تجلياتها إلا حيث تحدث الإحتكاكات البشرية وتعمل العلاقات الاجتماعية الضرورية ، وما علاقة السيد بالعبد والطاغية بالرعية في تحليلها الأخير سوى علاقة تفاوت في الحرية !! فضلاً عن تضمنها سرقة بالطبع !!

وهكذا فلا معنى مُطلقاً لشعار "الحرية والمساواة" الذي تجاوزه الزمن كشعار كان يمثل خطوة فائقة التقدم في مواجهة التراتبية الإقطاعية ، ولا غرابة كون الواقع قد تجاوزه كشئ يبدون مُتحققاً ، كون الجميع أحرار نظرياً ومتساوون على الورق ، ما دام يفصل بين قيمتي التنوير ، وما دام يعاملهما كقيمتين من ذات المستوى !!

فالشعار الذي يجب أن يرفعه التقدميون اليوم في مواجهة الرأسمالية هو "المساواة في الحرية" ، فالحرية هى الهدف الرئيسي ، وما المساواة سوى ضمانتها ، كما أن الحرية هى كمّ موجود دائماً ، المشكلة الحقيقية أن توزيعه غير متساو !!

--------------------------------------------

نُشر لأول مرة ضمن كراس "منظومة الإفقار الرأسمالي" - سلسلة كراسات الاشتراكية العلمية - العدد الثالث - إصدارات حملة يسار مُوحد - دار روافد للنشر والتوزيع - القاهرة - 2014 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح