الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ عادل اللطيفي، الجبهة الشعبية و الموقع و المشروع.... و رسالة مفتوحة الى الباجي قايد السبسي و راشد الغنوشي و حمة الهمامي.

بيرم ناجي

2014 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


نشر الأستاذ و الصديق الافتراضي عادل اللطيفي على صفحته في فايسبوك المقال التالي الذي أعادت نشره " حقائق أون لاين" و المعنون "أي موقع للجبهة الشعبية ومن أجل أي مشروع؟" (1)
و المقال حسب رأيي مهم جدا من ناحية كونه سلبي ، من حيث تناوله التاريخي و السياسي لموقع و مشروع الجبهة الشعبية لاعتبارات عديدة و مهمة جدا في اللحظة الراهنة.
هذا نص المقال ( ترقيم فقراته من عندي لتسهيل العرض و النقد) و تليه ملاحظاتي المختصرة جدا:

- نص المقال كما ورد في حقائق أون لاين:
أي موقع للجبهة الشعبية ومن أجل أي مشروع؟
"1- انتهت الانتخابات وأعطت النتائج التي نعرفها والواضح أن التوجه العام للناخبين كان نحو إيجاد بديل لنموذج الترويكا النهضوية وذلك بالبحث عن قوة سياسية بديلة تجسد مشروعا آخر وقادرة على قلب ميزان القوى.
2- غير أن هذا التوجه الذي وجد في عبارة "التصويت المفيد أو الناجع" شعارا له، دفعت ثمنه أحزاب أخرى كانت ستمثل سندا لحزب نداء تونس المتحصل على المرتبة الأولى والقوى السياسية التي عملت معه لمواجهة حكومة الترويكا.
3- هكذا بدت الخريطة السياسية التونسية مربكة بعد الانتخابات ومفتوحة نظريا على عديد الاحتمالات. لكن إذا نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر سياسية عميقة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة وأهمية الرهانات التاريخية اليوم فإننا نجد أنفسنا مجبرين على العمل من أجل حكومة تجمع الأطراف الديمقراطية التي عملت مع بعضها في جبهة الإنقاذ وذلك تمشيا مع التوجه العام للناخبين الذين عبروا عنه بوضوح في تصويتهم.
4- في هذه الحالة أرى أن موقع الجبهة الشعبية هو داخل تحالف نيابي وخاصة حكومي يجمع نداء تونس وحزب آفاق ومكونات أخرى من القوى التي تؤمن بالدولة الحديثة مع ما يتطلبه ذلك من موقف واضح في الدور الثاني للرئاسية وذلك للأسباب التالية:
- 5- لا بد من التذكير بأننا في مرحلة انتقال ديمقراطي وذلك على قاعدة دفع الدولة الوطنية نحوالديمقراطية وهي مهمة مشتركة للقوى الليبرالية واليسارية بمختلف توجهاتها. تحقيق هذا الهدف هو الذي يسمح لليسار بالدفع لاحقا نحو المشروع الاجتماعي في إطار الدولةالوطنية الديمقراطية الاجتماعية.
- 6- ما زلنا اليوم في مرحلة انتقالية ذات خصوصية باعتبار هشاشة المشروع الوطني ذاته والمهدد من طرف الإسلام السياسي بمختلف تشكيلاته الجهادية منها أو الدعوية أو الانتخابية. إنه وضع صراع ما قبل وطني لا يستقيم فيه التقابل موضوعيا بين الليبراليين واليساريين كما يدعي البعض.
- 7- معركة الدستور لم تنته بعد لأن النص صامت اليوم وبناء المعنى القانوني يتوقف على جملة القوانين والمؤسسات التي ستنبثق عنه وكذلك على طبيعة الممارسة المجسدة له. لذلك ستكون هذه الفترة النيابية تواصلا لنفس الصراع الذي ساد أثناء صياغة الدستور. وهذا يعني ضرورة الاستنجاد بأي صوت غير محافظ من أجل تكوين تحالف نيابي ديمقراطي وتقدمي.
- 8- فشل الإسلام السياسي في تسيير الدولة والشأن العام يجب أن تعقبه مرحلة ناجحة من حكم الديمقراطيين لبيان الفرق في الأداء بين النموذجين ويتم الحسم التاريخي مع نماذج ما قبل الدولة.
- 9- وجود الجبهة الشعبية في تحالف حكومي على أساس برنامج ديمقراطي اجتماعي سيزيدها مصداقية لدى الناخب ويزيد من حظوظها كقوة مقترح وإدارة للشأن العام في الانتخابات المحلية القادمة. قد تكتفي الجبهة بتحالف نيابي، ولكن قد لا يخدم ذلك الجبهة باعتبارها بديلا سياسيا للحكم وتسيير الشأن العام.
- 10- القول بأن حزب النداء امتداد للتجمع تعلة واهية غايتها ضرب تكون حلف ديمقراطي اجتماعي قوي وتهدف أيضا إلى فرض بديل حكومة الوحدة الوطنية بما يعنيه ذلك من عودة النهضة للحكم من باب المشاركة. إن التجمع كنظام استبداد انتهى لأن الثورة خلقت شروطا جديدة للتطورالمجتمعي وفرضت على كل المكونات البديل الديمقراطي..
- 11- التسريع في التحقيقات في ملف الاغتيالات وعلى رأسها ملف شكري بالعيد ومحمد البراهمي والإرهاب يتطلب حضورا فاعلا للجبهة في السلطة.
- 12- لا يوجد خلاف جوهري في طبيعة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي بين الجبهة والأحزاب الديمقراطية بما فيها نداء تونس باعتبار ان وضع ما بعد الثورة وفشل الترويكا خلف اقتصادا على باب الانهيار وميزانية مختلة. واهم من يعتقد أنه من السهل حل هذه العوائق في إطار خياره الحزبي. يتطلب الوضع قبل كل شيء إعادة عجلة الاقتصاد عن طريق الاستثمار وإعادة موازنات الدولة كي تتمكن من لعب دورها كمحرك اقتصادي وتحسن التغطية الاجتماعية ولا أرى اختلافا في هذا المجال.
- 13- التنمية في الجهات تتطلب أولا وقبل كل شيء تحسين البنية التحتية لإخراجها من عزلتها ثم تحسين الخدمات وهي الشروط الضرورية لانطلاق تنمية مستدامة ولا أرى اختلافا في هذا الجانب. علينا أن نكون صريحين تجاه الشعب لنقول أن مجهود التنمية صعب في ظل الوضع الحالي وهو يتطلب شروطا موضوعية ومدة من الزمن كي يلمس المواطن ثماره.
- 14- مسألة الديون والتداين بدورها غير معقدة. فالمشكل ليس في الدين لأن كل دول العالم تلتجئ إلى القروض. المشكل في شروطه وفي قدرة الاقتصاد على مواجهة أعبائه. وفي هذا السياق لا يوجد خلاف حول مطلب إعادة جدولة الديون التونسية. قد أذهب أبعد فلا أستبعد إلغاء جزء هام منها في حال تكون حكومة ديمقراطية مستقرة.
- 15- إن منوال تنمية يعتمد على شراكة وتكامل بين القطاع العمومي والقطاع الخاص والقطاع التضامني لا يعد محل خلاف بين الأطراف الديمقراطية بكل مشاربها. لذلك لا بد من الاتفاق على إجراءات ملموسة للمدة النيابية المقبلة تشمل الخدمات والتشغيل والمقدرة الشرائية والبيئة تؤكد للمواطن بداية الإصلاح الحقيقي.
- 16- على المستوى السياسي، يعني رفض التحالف الحكومي والنيابي ترك الفرصة لحكومة وطنية ضعيفة تكون فيها النهضة شريكا وتستفيد منها في الانتخابات المحلية المقبلة. وقد يؤدي الأمر إلى إعادة الانتخابات..
17- من هذا المنطلق يمكن القول بأن الموقف الأسلم للجبهة وللمرحلة ولتونس من الدور الثاني للرئاسية هوالدعوة للتصويت ضد المرزوقي لأنه يمثل امتدادا لمشروع قديم ثم لأن حملته أصبحت تمثل تهديدا للسلم الاجتماعي وللوحدة الوطنية. إن مسؤولي الجبهة الشعبية أمام مرحلة تاريخية تتطلب منهم التصرف بعقلانية وبشجاعة ترقى إلى مستوى التحديات.
18- فالمدة النيابية المقبلة هي امتداد للتأسيس الذي بدأ متعثرا لولا وقفة الأحزاب الديمقراطية والمجتمع المدني ولا بد لنا من إكمال المشوار عبر تعزيز التوجه الديمقراطي العام بإصلاحات تمس التنمية والتشغيل لا أرى أنها ستكون محل خلاف كبيرخاصة والاقتصاد الوطني في وضع كارثي.
19- في نفس الوقت على حزب نداء تونس أن يكون واضحا في التوجه نحو هذا التحالف ويسد الطريق على بعض الأصوات داخله التي ترى إمكانية لتشارك مع النهضة. لأن مثل هذا التشارك سيكون بداية استعادة لتراجيديا حزب التكتل."
انتهى النص.

2- ملاحظات موجزة:
1-
من بين 19 فقرة احتواها المقال هنالك فقرة وحيدة موجهة الى نداء تونس هي الفقرة الأخيرة في حين كان علىك يا استاذ على الأقل من باب المساواة أن تعدل بين كلامك الموجه الى الجبهة و كلامك الموجه الى نداء تونس. و هذا في حد ذاته يثير تساؤلات في وجهة الضغط التي أرى انك تصوبها باتجاه الجبهة عوض العكس. صحيح انه يمكن تبرير ذلك بأن المقال موجه أصلا الى الجبهة و لكنني أعتقد لذلك تحديدا ان سهم الضغط يجب أن يكون باتجاه النداء و ليس الجبهة. و هذا مع الاسف ما درج عليه يساريون و ديمقراطيون عديدون عن وعي أو دونه... ولكن قد لا يكون هذا مهما... ولنمر.
2-
هنالك تناقض بين الفقرة الأولى و الثالثة عند توصيف المشهد السياسي الذي أعقب الانتخابات : اذ في الفقرة الأولى تقول ان
" ...الواضح أن التوجه العام للناخبين كان نحو إيجاد بديل لنموذج الترويكا النهضوية"
بينما في الثالثة تتدارك و تكتب
" هكذا بدت الخريطة السياسية التونسية مربكة بعد الانتخابات ومفتوحة نظريا على عديد الاحتمالات..."
لا بد من الحذر من عبارات " الواضح ان..." التي توصف الواقع التي تقابلها" مفتوحة نظريا..." التي توصف المستقبل. و مع انه يمكن المزج بين العبارتين فانني ارى ان الطريقة التي يقدم بها الأستاذ عادل المسألة لا تعني سوى الضغط على الجبهة الشعبية للالتحاق بينما لا تضغط على نداء تونس بما فيه الكفاية... للتنازل.
3-
الفقرة الثانية من المقال تبحث عن " سند لنداء تونس" و تتأسف لما آل اليه الوضع الذي: " دفعت ثمنه أحزاب أخرى كانت ستمثل سندا لحزب نداء..."
و لكنك يا صديقي تتناسى ان نداء تونس هو من تنكر لتلك الأحزاب بخروجه من "الاتحاد من أجل تونس" و هو ما يعكس مدى ديمقراطيته و مصداقيته في التحالفات. رغم أخطاء تلك الأحزاب طبعا.
4-
الفقرة الرابعة تطلب من الجبهة الشعبية الدخول ليس فقط في تحالف نيابي بل و خاصة تحالف حكومي ...و هي الفكرة السياسية التي تريد التركيز عليها و ما يتبعها من مساندة انتخابية في الدور الثاني من الرئاسية. و لكنك لم تربط تلك المساندة بأية شروط تماما و اعتبرتها بديهية بسبب قراءتك التاريخية التي سنراها بعد قليل.
5-
الفقرة الخامسة تقول " لا بد من التذكير بأننا في مرحلة انتقال ديمقراطي وذلك على قاعدة دفع الدولة الوطنية نحو الديمقراطية وهي مهمة مشتركة للقوى الليبرالية واليسارية بمختلف توجهاتها. تحقيق هذا الهدف هو الذي يسمح لليسار بالدفع لاحقا نحو المشروع الاجتماعي في إطار الدولة الوطنية الديمقراطية الاجتماعية."
ما ينساه الأستاذ هنا ان الانتقال الديمقراطي حصل بعد ثورة ديمقراطية داخل و ضد الدولة الوطنية و ضد الليبيرالية "بمختلف توجهاتها" و الدولة الوطنية حكمت 60 سنة لم تحقق فيها "الانتقال الديمقراطي" الا بعد ثورة شعبية. لكن الأستاذ عادل يقول لنا انه علينا الانتظار مجددا قبل تحقيق "المشروع الاجتماعي" و " الدفع لاحقا" فقط باتجاهه في "اطار الدولة الوطنية الديمقراطية الاجتماعية" بما يعني ان كل مطالبة اليوم بتحقيق المطالب الاجتماعية قد تعتبر تطرفا يساريا و قفزا على التاريخ " الوطني".
6-
أكثر من ذلك تقول يا أستاذ في الفقرة السادسة اننا
" ما زلنا اليوم في مرحلة انتقالية ذات خصوصية باعتبار هشاشة المشروع الوطني ذاته والمهدد من طرف الإسلام السياسي بمختلف تشكيلاته الجهادية منها أو الدعوية أو الانتخابية. إنه وضع صراع ما قبل وطني لا يستقيم فيه التقابل موضوعيا بين الليبراليين واليساريين كما يدعي البعض."
نحن نتفق حول "هشاشة المشروع الوطني" و لكننا نرى ان سبب ذلك هو من قاد المشروع أولا – "الليبيرالية التونسية"- و كذلك "الاسلام السياسي" الذي يهدد فعليا و لكن بدرجات متفاوتة و ليس كما تقول بتعميم مفرط " الإسلام السياسي بمختلف تشكيلاته الجهادية منها أو الدعوية أو الانتخابية." لأن الاسلام السياسي اسلامات سياسية و ليس من الوجيه سياسيا و تكتيكيا أبدا خلط تنظيم القاعدة مثلا بكل اشكال "الاسلام الدعوي" و بالنهضة ...حتى لو كانت بينهم قواسم مشتركة.
كما ان قولك ان الوضع هو" وضع صراع ما قبل وطني لا يستقيم فيه التقابل موضوعيا بين الليبراليين واليساريين كما يدعي البعض." هو قول خاطئ تماما معرفيا وسياسيا.
معرفيا نحن لسنا في وضع "صراع ما قبل وطني" لأن الاسلاميين ليسوا قبائل بدائية ما قبل وطنية ، و ليس من المعقول تاريخيا العودة الى استعمال ثنائيات تحليلية تشي كوننا نعيش في مجتمع فيه صراع كأنه بين القبيلة و الدولة .هذا من ناحية، و لأن التقابل بين اليساريين و الليبيراليين حاصل منذ 1919-1920 في تونس بين خيارين للتطور الوطني" الليبيرالي" أو الاجتماعي. هذا تاريخيا و سياسيا . لذلك أعتقد ان اقل ما يمكن أن يقال عن هكذا تحليل انه ...يحتوي مبالغة غريبة.
7-
تقول الفقرة السابعة ان "معركة الدستور لم تنته بعد لأن النص صامت اليوم وبناء المعنى القانوني يتوقف على جملة القوانين والمؤسسات التي ستنبثق عنه وكذلك على طبيعة الممارسة المجسدة له. لذلك ستكون هذه الفترة النيابية تواصلا لنفس الصراع الذي ساد أثناء صياغة الدستور. وهذا يعني ضرورة الاستنجاد بأي صوت غير محافظ من أجل تكوين تحالف نيابي ديمقراطي وتقدمي."
و عبارة " الاستنجاد بأي صوت غير محافظ من أجل تكوين تحالف نيابي ديمقراطي وتقدمي." تجعلني أفهم انك تكتب لنداء تونس أو بالقرب منه ...و ليس للجبهة. و قد أكون على خطأ في هذا التأويل الذي لا يهدف الى شخصنة المسألة بل الى الوعي بالنفسية و العقلية التي نكتب انطلاقا منها لا غير... و أعتذر مسبقا ان كنت فهمتك خطأ.
كما ان عبارة " تحالف ديمقراطي تقدمي " تبدو لي مبالغة في اطلاقها على نداء تونس في عمومه رغم ان معنى التقدم نسبي حسب المرحلة التي نحن فيها.
8-
الفقرة الثامنة تقول ب " فشل الإسلام السياسي في تسيير الدولة والشأن العام يجب أن تعقبه مرحلة ناجحة من حكم الديمقراطيين لبيان الفرق في الأداء بين النموذجين ويتم الحسم التاريخي مع نماذج ما قبل الدولة." بها تناقض صارخ: انت تتحدث من ناحية عن " فشل الاسلام السياسي في ادارة الدولة و الشأن العام" ثم تنتقل الى ضرورة " الحسم التاريخي مع نماذج ما قبل الدولة."
في القسم الأول تعترف ان الاسلام السياسي يشتغل – ويفشل- في تسيير الدولة ثم تتراجع و تقول انه يمثل – ما قبل الدولة- تماما... و هذا بالنسبة الي مرده رغبة في وصف الاسلام السياسي بأقذع الأوصاف قد تكون نيتها ديمقراطية و تقدمية لكنها مبنية على ارتباك منهجي تام يفشل حتى في التمسك بنفس المقولات و في فقرة واحدة ذات بضعة أسطر.
و ما هو أخطر من كل هذا هو عبارة " الحسم التاريخي مع نماذج ما قبل الدولة" التي قد تعكس رغبة نفسية في حسم تاريخي عنيف بواسطة الدولة المحتكرة للعنف... و قد أكون مخطأ هنا أيضا في التأويل و لكن ما يهمني هو ضرورة التفريق بين
: أ- الحسم التاريخي الديمقراطي ضد الاستبداد داخل الدولة الوطنية و:
ب- الحسم التاريخي الوطني الذي يحق للدولة اختياره اذا وضعت في صراع مع " نماذج ما قبل الدولة"...
الأمران مختلفان و أنت أدرى مني بالتاريخ و ما يتطلبه في الحالتين.

9-
الفقرة التاسعة تقول فيها ان "وجود الجبهة الشعبية في تحالف حكومي على أساس برنامج ديمقراطي اجتماعي سيزيدها مصداقية لدى الناخب ويزيد من حظوظها كقوة مقترح وإدارة للشأن العام في الانتخابات المحلية القادمة. قد تكتفي الجبهة بتحالف نيابي، ولكن قد لا يخدم ذلك الجبهة باعتبارها بديلا سياسيا للحكم وتسيير الشأن العام."
و هي مناقضة لما سبق لأنها تقول بوجود حكومي و نيابي " على أساس برنامج ديمقراطي اجتماعي" بينما كنت نبهتنا ان المرحلة الحالية تقتضي تأجيل "الاجتماعي" الى فترة لا حقة كما قلت ذلك في الفقرة 8 و أكدت فقط على الوطني و الديقراطي . و لا بأس من تذكيرك بها " لا بد من التذكير بأننا في مرحلة انتقال ديمقراطي وذلك على قاعدة دفع الدولة الوطنية نحوالديمقراطية وهي مهمة مشتركة للقوى الليبرالية واليسارية بمختلف توجهاتها. تحقيق هذا الهدف هو الذي يسمح لليسار بالدفع لاحقا نحو المشروع الاجتماعي في إطار الدولةالوطنية الديمقراطية الاجتماعية."
10-
الفقرة العاشرة غريبة في داخلها و علاقتها بفقرات أخرى .
أنت تقول فيها " القول بأن حزب النداء امتداد للتجمع تعلة واهية غايتها ضرب تكون حلف ديمقراطي اجتماعي قوي وتهدف أيضا إلى فرض بديل حكومة الوحدة الوطنية بما يعنيه ذلك من عودة النهضة للحكم من باب المشاركة. إن التجمع كنظام استبداد انتهى لأن الثورة خلقت شروطا جديدة للتطورالمجتمعي وفرضت على كل المكونات البديل الديمقراطي."
من ناحية أنت تبالغ في التعبير اذ هنالك فرق بين القول ان النداء هو نفسه التجمع و القول انه امتداد له... و الفكرة الثانية ليست " تعلة واهية" تماما ... و لا تحتاج الى شرح طويل.
من ناحية ثانية تكرر عبارة " حلف ديمقراطي اجتماعي قوي " و أنت ترى في النداء تارة ليبيراليا و طورا اجتماعيا و تطالب بتأجيل الاجتماعي تارة و تتحدث عن حلف ديمقراطي اجتماعي " حالي طورا.
من ناحية ثالثة تناقض نفسك عندما تقارن بين النهضة و النداء.
فقد قلت أعلاه ان"معركة الدستور لم تنته بعد لأن النص صامت اليوم وبناء المعنى القانوني يتوقف على جملة القوانين والمؤسسات التي ستنبثق عنه وكذلك على طبيعة الممارسة المجسدة له. لذلك ستكون هذه الفترة النيابية تواصلا لنفس الصراع الذي ساد أثناء صياغة الدستور. وهذا يعني ضرورة الاستنجاد بأي صوت غير محافظ من أجل تكوين تحالف نيابي ديمقراطي وتقدمي." ...و هذا يعني ان ما حققته الثورة ليس مضمونا بعد.
و لكن عندما يتعلق الأمر بنداء تونس تقول "... إن التجمع كنظام استبداد انتهى لأن الثورة خلقت شروطا جديدة للتطورالمجتمعي وفرضت على كل المكونات البديل الديمقراطي." و لكن تستثني من " كل مكونات " " الاسلام السياسي" عمدا.
يا أستاذ ، مادامت " الثورة خلقت شروطا جديدة للتطورالمجتمعي وفرضت على كل المكونات – لاحظ معي... كل المكونات- البديل الديمقراطي." فهذا يعني ان النداء و النهضة كلاهما ديمقراطي رغما عنه بواسطة الثورة.
أم ان الثورة أجبرت النداء على التحول الى الديمقراطية و لم تفعل ذلك بالنهضة.
رأيي انها لم تحقق تحويلهما معا الى الديمقراطية بما يكفي رغم الاختلافات طبعا في الشكل والدرجة . و لكن لا بد للمحلل من عدم السقوط في تناقضات صارخة و التعامل بمساطر و مكاييل علمية موحدة و الا فان التحليل لن يكون علميا... حتى لو كانت له نتائج سياسية مرغوبة فرضا.
11-
الفقرة 11 القائلة " التسريع في التحقيقات في ملف الاغتيالات وعلى رأسها ملف شكري بالعيد ومحمد البراهمي والإرهاب يتطلب حضورا فاعلا للجبهة في السلطة" قد تكون سيئة جدا ...رغم انني استعملت شخصيا فكرة مشابهة لها من باب السجال لاحراج النداء سابقا .
ان مشاركة الجبهة الشعبية في الحكومة ليست ضمانا لمعرفة من اغتال شكري و البراهمي. بل بالعكس هو تصور قد يتهمك فيه البعض بانه يدل على ان لا ثقة لا في الأمن و لا في القضاء للقيام بالمهمة الا اذا كان الجبهويون في الحكم.
كما انك تعرف جيدا انه لو كانت الجبهة في الحكم و ظهرت نتائج تحقيق فسيمكن اتهامها بأنها صنعت المجرم و لم تكتشفه. كما ان هذا المقترح قد يفهم على انه انعدام ثقة في نداء تونس على كشف الحقيقة الا اذا حكمت الجبهة معه و أنت هنا تسيء الى الجبهة و النداء معا دون شعور من خلال تحفيزك للجبهة على دخول السلطة. و هنا يؤثر الموقف السياسي ليس فقط على العمل الأمني و القضائي بل كذلك على التحليل التاريخي و السياسي.
12-
الفقرة 12 تقول "لا يوجد خلاف جوهري في طبيعة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي بين الجبهة والأحزاب الديمقراطية بما فيها نداء تونس باعتبار ان وضع ما بعد الثورة وفشل الترويكا خلف اقتصادا على باب الانهيار وميزانية مختلة. واهم من يعتقد أنه من السهل حل هذه العوائق في إطار خياره الحزبي. يتطلب الوضع قبل كل شيء إعادة عجلة الاقتصاد عن طريق الاستثمار وإعادة موازنات الدولة كي تتمكن من لعب دورها كمحرك اقتصادي وتحسن التغطية الاجتماعية ولا أرى اختلافا في هذا المجال."
أنت هنا تكرر المساواة بين الجبهة و النداء اقتصاديا و اجتماعيا من ناحية ( وهو ما كنت ترفضه منذ قليل) و لكنك تلمح ان الجبهة هي الطرف الذي يريد حل المشكل الاقتصادي و الاجتماعي " في إطار خياره الحزبي" و لا ترى مشكلا تماما في كيفية حل الأزمة و لا ترى اختلافا. و لكن الغريب ان نداء تونس نفسه يعترف بوجود اختلافات برنامجية، هذا من ناحية. ثم لماذا تستسهل اطلاق فكرة انعدام الاختلافات في طريقة حل مسائل " الاستثمار و الموازنات و التغطية الاجتماعية " ؟
ألا تنفصل الليبيرالية عن الاجتماعية هنا...حتى في أحلك الأزمات الاقتصادية كما تدل على ذلك الحلول المختلفة التي تتخذها الدول عند الأزمات؟
13-
أمر على الفقرات 13-14-15 المتعلقة بالتنمية الجهوية و الديون و منوال التنمية لأن الملاحظة السابقة تنطبق على هذه العناصر. و لكن لي ملاحظة : لماذا عند الحديث عن الاقتصاد في النقاط المذكورة تتجنب استعمال مصطلحي الليبيرالية و الاجتماعية المختلفتين و تعمم الكلام حول "الأحزاب الديمقراطية"؟
لماذا نستعمل المصطلح السياسي للحديث عن الحلول الاقتصادية؟
لم هذه "الاستراتيجية اللغوية" التي تغطي و لا تنير و لا تواجه المسائل بمقولاتها و مصطلحاتها المناسبة؟
16-
في النقطة 16 قلت " على المستوى السياسي، يعني رفض التحالف الحكومي والنيابي ترك الفرصة لحكومة وطنية ضعيفة تكون فيها النهضة شريكا وتستفيد منها في الانتخابات المحلية المقبلة. وقد يؤدي الأمر إلى إعادة الانتخابات."
سؤالي هو:أولا لماذ تعتبر انه لو شاركت النهضة نداء تونس في "حكومة وطنية" ستكون هذه الأخيرة " ضعيفة"؟
بالعكس ، ستكون قوية جدا.
ولكن المشكلة ليست في القوة و الضعف بل في المشروع الحكومي. ولعله مجرد سوء استعمال عبارة لا غير؟
و لكن لماذ تقول ان تكون "حكومة وحدة وطنية" قد يؤدي الى " إعادة الانتخابات" ؟
اسمح لي فانني لا أرى أية وجاهة من هذا. اذ لو تكونت هذه الجكومة فمعناه انها ستكون مستقرة جدا رئاسيا و نيابيا على الأقل لأنها ستجمع أكبر حزبين في البلاد باغلبية ساحقة تماما في البرلمان...أما ان كنت تقصد انها ستكون حكومة سيئة و قد ينتفض عليها الشعب مثلا ، فهذا أمر آخر.
و لكن هل من الممكن طرح "حكومة الوحدة الوطنية"؟
نعم و لكن بشروط عسيرة سأطرحها في الخاتمة.
17-
في الفقرتين 17 و 18 تقول "من هذا المنطلق يمكن القول بأن الموقف الأسلم للجبهة وللمرحلة ولتونس من الدور الثاني للرئاسية هوالدعوة للتصويت ضد المرزوقي لأنه يمثل امتدادا لمشروع قديم ثم لأن حملته أصبحت تمثل تهديدا للسلم الاجتماعي وللوحدة الوطنية. إن مسؤولي الجبهة الشعبية أمام مرحلة تاريخية تتطلب منهم التصرف بعقلانية وبشجاعة ترقى إلى مستوى التحديات." ثم "فالمدة النيابية المقبلة هي امتداد للتأسيس الذي بدأ متعثرا لولا وقفة الأحزاب الديمقراطية والمجتمع المدني ولا بد لنا من إكمال المشوار عبر تعزيز التوجه الديمقراطي العام بإصلاحات تمس التنمية والتشغيل لا أرى أنها ستكون محل خلاف كبيرخاصة والاقتصاد الوطني في وضع كارثي."
أكتفي هنا بالقول ان كل المنطلقات التي اعتمدتها للوصول الى هذا الموقف قابلة للنقاش كما سبق. و قد يكون استنتاجك وجيها رغم عدم سلامة المنطلق... " في وضع كارثي" . و لكن هذا موضوع آخر لأن هدفي من المقال ليس نقاش تفاصيل التكتيك الآن بل الرؤية الفكرية و السياسية التي توجهه.
18-
قلت لك أعلاه انك لم تضغط على نداء تونس الا في الفقرة 19 حين قلت:" في نفس الوقت على حزب نداء تونس أن يكون واضحا في التوجه نحو هذا التحالف ويسد الطريق على بعض الأصوات داخله التي ترى إمكانية لتشارك مع النهضة. لأن مثل هذا التشارك سيكون بداية استعادة لتراجيديا حزب التكتل."
و لكنني – وهنا أواصل نقد مصطلحاتك و صورك اللغوية التي تستعملها - اسألك:
ما العلاقة بين احتمال "حكومة الوحدة الوطنية" بين النداء و النهضة و بين " استعادة تراجيديا حزب التكتل"؟
أترى معي : المرة الوحيدة التي تحذر فيها النداء تتم بمقارنة غير ممكنة تماما لأن أي ندائي و أي تونسي يعرف أن علاقة نداء تونس بالنهضة ليست و لن تكون كعلاقة التكتل الديمقراطي بالنهضة. لا الوزن هو نفسه و لا الموقع و لا مؤشر آخر. انك اذن تحذر من احتمال غير قائم و غير قابل للاقناع تماما لأن النداء هو الأغلبي . و حتى النهضة لو تحالفت مع النداء لن تعرف مصير حزب التكتل...أنت تقارن بين "كيلوغرامين من الحجر ( النداء و النهضة) و رطل من القطن... عير المتكتل المسمى ( التكتل)".



قبل الخاتمة:

يا صديقي عادل،
أعتذر منك ان أسأت فهمك هنا أو هنالك.
و لكنني أعتقد ان مقالك في العموم مرتبك جدا .
- فخ المقارنة بين ما تسميه "ماقبل الدولة" و الدولة خطير جدا... فاحذره.
الدولة في تونس موجودة منذ ما يقارب الثلاثة آلاف سنة و الاسلام بنى الدولة على انقاض القبيلة... فلا تاريخ تونس يسعفك و لا التاريخ السياسي للاسلام و لا حتى تارخ الاسلام السياسي الحديث و المعاصر: الوهابية نفسها أعادت بناء الدولة في السعودية بتوحيد القبائل....فاحذر المبالغات.
- تعميمك حول الاسلام السياسي الجهادي و الدعوي و الانتخابي خطير جدا... لو قرأك فلسطيني أو لبناني سيجن جنونه ... هنالك حيث اليسار و القوميون و الليبيراليون المدافعون عن "مشروع الدولة " غير الموجود بسبب الاستعمار يقاتلون مع حزب الله و حركة أمل و حماس و الجهاد الاسلامي ... من أجل المرور من... " ماقبل الدولة " ...الى الدولة.
- أنت تنسى التبعية تماما في تحليلك يا صديقي . و كأننا لسنا في تونس...
- تعاريفك السياسية غير واضحة بالمرة : يكفي اننا نقرأ عندك ان نداء تونس و طني و ليبيرالي واجتماعي و ديقراطي وتقدمي في نفس الوقت.
و قبل العودة في الخاتمة الى "الحكومة الوطنية" و رسالتي الى الأساتذة الباجي قايد السبسي و راشد الغنوشي و حمة الهمامي. و حتى لا تفهم من مقالي انه دفاع عقائدي عن الجبهة الشعبية أدعوك أن تراجع بعض مقالاتي السابقة عنها و ستجد انني أنقدها هي ايضا.
و ها انني سافعل الآن ايضا في علاقة بمقالك :
- لا أعرف كيف سيتعامل مع مقالك جبهويون – خاصة اليساريون - لديهم أكثر من اربعين سنة يتحدثون عن الكومبرادور و/أو البورجوازية التابعة اللاوطنية و اللاديمقراطية و اللاشعبية اللااجتماعية و لم يراجعوا شيئا من هذا في أي اتجاه؟
هل ستقنعهم بأنه تحالف مع الكومبرادور/ البورجوازية التابعة ضد الاقطاع؟
أم بأنه ظهرت عندنا فجأة بورجوازية وطنية ديمقراطية كانوا يرفضون ذكر اسمها أصلا و يتهمون كل من يذكرها بأنه ستاليني ( بالنسبة للتروتسكيين و المجالسيين) – و أو ماوي صيني ( بالنسبة لأنصار أنور خوجة ) متخلف؟
و هل وصلت طبقة اجتماعية جديدة الى السلطة حتى نتحالف معها و هل هو تحالف طبقي جديد و ممن يتكون؟
- و أنا في الواقع قد أتفهمك أنت بسبب وفاء منك لمنهجك في البحث التاريخي – وهذا حقك- و لا أتفهمهم هم الذين كانوا دائما يرفضون امكانية تحقيق الحرية السياسية في بلد " شبه مستعمر شبه اقطاعي" أو من قبل " البورجوازية الفاشية" أو قبل " المرحلة الانتقالية" للثورة الدائمة،الخ.
- ليتهم ينفتحون على مقولات تاريخية أخرى لأنهم لم يستعملوا أبدا التفريق بين النزعات الوطنية المحافظة و الوطنية الاصلاحية و الوطنية الثورية...باستثناء البعض القليل الذي استعمل المصطلحين الثانيين و رفض الأول لأنه حسب رأيهم لا يكون المحافظ ( الاسلامي مثلا) الا رجعيا خائنا.
- وليتهم يدركون ان الحرية السياسية لا ترتبط ميكانيكيا بالاقتصاد كما يفهم ذلك " الاقتصادويون".
- و ليتهم يعيدون النظر في علاقة السلطة- الدولة – الثورة عن وعي و لا يكررون ان ثورتنا سلمية ديمقراطية فقط من باب "تكتيكي" بل يعيدون النظر في مكانة النضال الجماهيري السلمي .
- و ليتهم يعيدون النظر في المسألة الديمقراطية... دون وقوف عند الديمقراطية التمثيلية.
- و ليت و ليت...
أرجوألا يفهم البعض منهم نية سيئة هنا... ويقولون انها اما مزايدة نظرية أو ثورجية مع انني أرى نفسي أقرب الى ما يسمونه اصلاحية و انتهازية :
أنا لا أزايد على أحد بل أعتبر نفسي من المقصرين كثيرا خاصة في النضال العملي الميداني و لا أدعي انني أمتلك الحقيقة النظرية التي هي... " مسألة احداثيات" كما يقال.
ان هدفي هو المشاركة قدر الامكان في الوعي بالممارسة التي نحن بصددها و ضرورة تجديد اليسار... و ان من بين اسباب حذري من التحالفات حاليا هو – اضافة الى السبب الأساسي الذي هو عدم "نضج" النداء ديمقراطيا ولكن دون مانع التقاطع المؤقت الحذر والنقدي معه - عدم نضج اليسار فكريا و تنظيميا مما يجعلني أخاف عليه من الانشقاقات و/أو من تكون "ارستقراطية يسارية" تستغل الأزمة و تبرر بالبراغماتية التحالفات التي قد تضر بالشعب و باليسار في نفس الوقت.
انني هنا لا أتحدث عن أشخاص بعينهم بل عن ظاهرة اجتماعية يمكنها التشكل وسط أي طيف سياسي في لحظة تاريخية معينة.
أرجو ألا ينالني من رفاقي و أصدقائي و اخوتي في الجبهة أكثر مما "نلت أنت مني" يا صديقي.
شكرا لك على مقالك الذي أثار في كل هذه التساؤلات.
و أرجو المعذرة ان سبب لك مقال سابق لي عن "نداء تونس" ... " مرض السكري" كما علقت أنت عليه... هل تذكر؟
لم أتوقع ذلك التعليق من باحث جامعي يدرس في السوربون و محلل اعلامي في فرانس 24 و في الاعلام التونسي.
أرجو ألا يسبب لك هذا الذي بين يديك الا الرغبة في الحوار في صالح بلدنا و شعبنا عسانا ندفع بنخبه في اتجاه ديقراطي و تقدمي ما أمكن: كل نخبه دون استثناء من الاسلاميين و الليبيراليين و القوميين و اليساريين.
مع كل الاحترام و التقدير لك و للجميع.

خاتمة :

رسالة مفتوحة الي الباجي قايد السبسي و راشد الغنوشي و حمة الهمامي حول "حكومة الوحدة الوطنية".

لم لا العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية؟
طبعا المنتصرون في الانتخابات الحالية سيعتبرون هذا خيانة للانتصار و ميوعة في "الحسم التاريخي".
و المنهزمون فيها سيعتبرون ذلك فرصة للانقاذ و "مخرجا مشرفا" تكتيكيا.
و الانتهازيون سيرون ذلك فرصة للتسلق.
و رافعو لواء 18 أكتوبر و "جبهة الانقاذ سيرون ذلك عودة الى الوراء.
و لكن،
لم لا المزج بين تجربتي تحالف 18 أكتوبر و جبهة الانقاذ مع خلق تجاوز نوعي ايجابي يحقق الحسم التاريخي الديمقراطي و يتجاوز المناورة السياسية من خلال "حكومة وحدة وطنية"؟
لم لا تتشكل حكومة وحدة وطنية من نداء تونس و النهضة و الجبهة الشعبية و تجد فعلا مخارج مشرفة للمنهزمين في الانتخابات من الأحزاب الكبرى التاريخية؟
و لكن على أية قاعدة؟
ان تجربتنا الوطنية هشة و ان البلاد و صلت الى أزمة اقتصادية و أمنية مستفحلة و ان النسبة الكبيرة من المقاطعة الانتخابية من ناحية و الانحدار الخطير في الحملة الانتخابية يدل على خطر سياسي حقيقي ايضا.
ان الانتقال الديمقراطي مهدد ايضا و ان منطق " الحسم التاريخي" مع هذا الطرف أو ذلك خطيير جدا على البلاد و قد يجعلها تنتقل من الثورة و الانقاذ الى الانسحاق التاريخي خاصة لو تدخلت قوى دولية تريد اشعال النار لحسابات اقليمية ودولية.
ان مطلب حكومة الوحدة الوطنية ليس أمرا سيئا في المطلق و لا ينتقص من جدارة المنتصرين و لكنه "يكرم عزيز قوم ذل" من ناحية و يعطي أملا جديدا لتونس لو تحقق من منطلق الاتفاق على الانقاذ التاريخي لتونس و ليس من منطلق " المساومة السياسية".
و الاتفاق التاريخي ليس الاتفاق السياسيي المؤقت بل الاتفاق – الحسم التاريخي نحو الخيار الوطني و الديمقراطي و الاجتماعي في نفس الوقت.
ان شرط هذا الاتفاق التاريخي يمكن تلخيصه في ثلاثة نقاط:
- أ- نداء تونس يعلن القطع نهائيا مع التسلط البورقيبي و النوفمبري مع تثمين كل مكاسب
- الدولة الوطنية و مع الحق في تبني خلفية وطنية تونسية.
ب- النهضة تعلن القطع نهائيا مع مطلب الدولة الاسلامية و تتبنى شعار الدولة الديمقراطية المدنية و تتحول الى حزب ديمقراطي من حقه أن تكون له خلفية اسلامية.
ج- الجبهة الشعبية تعلن القطع النهائي مع دكتاتورية البروليتاريا و الدكتاتوريات القومية و البعثية و تتبنى نهائيا الديمقراطية و من حق أحزابها الاستناد الى خلفيات يسارية و قومية ديمقراطية.
اننا في حاجة الى "معجزة تونسية" الآن. و ان ذه المعجزة ممكنة سبقنا الى تحقيقها غيرنا و لن نكون أهلا لنصبح نموذجا في العالمين العربي و الاسلامي الا اذا اجترحناها و لو كان ذلك بتنازلات مؤلمة من الجميع – و لن تكون الا بتلك التنازلات الفئوية و الحزبية لصالح الوطن و الشعب.
هنالك مثال عظيم على هذا يمكن السير على منواله و هو مثال جنوب افريقيا – نيلسون مانديلا.
بعدما وصل نيلسون مانديلا الى الحكم عبر الانتخابات الرئاسية الأولى في تاريخ جنوب افريقيا المعاصرة و بنسبة عالية جدا قام بما يلي:
-عين فريديريك دوكليرك- الرئيس السابق- في منصب نائب له.
- عين بيتر بوطا زعيم المتطرفين البيض وزيرا في حكومته.
- عين بوبوليزي زعيم المتطرفين السود من الزولو انكاطا وزيرا معه.
- عين القس ديسموند توتو رئيسا للجنة المكاشفة و المصالحة الوطنية التي ظلت لأكثر من ثلاثة سنوات تبث اذاعيا و تلفزيا كل عذابات جنوب افريقيا من أجل التصالح و التجاوز التارخي نحو الديمقراطية.
و نجح نيلسون مانديلا في ذلك و وافق اليمين و الوسط و اليار من السود و البيض على المسار الانتقالي و حققوا معجزة جنوب افريقيا الديمقراطية الحالية.
هل مررنا نحن في تونس بنظام أبشع من نظام الميز العنصري في جنوب افريقيا؟
لا طبعا.
لم لا نفعل ما فعلوه اذن؟
هل نداء تونس أكثر ارتباطا بالماضي من العنصريين البض؟
هل الجبهة الشعبية أكثر ارتباطا بالماضي من اليسار الجنوب افريقي؟
هل الاسلاميون التونسيون أكثر محافظة من الزولو انكاطا؟
لم لا نشكل حكومة وحدة وطنية يوجد فيها الجميع و نحسم أمرنا نهائيا باتجاه ا لديمقراطية و نكسب اليها الاسلام السياسي و الليبيراليين و القوميين و اليساريين في نفس الوقت؟
لم لا نفعل ذلك و نكون لجنة محاسبة و مكاشفة و مصالحة كلجنة ديسموند توتو تحقق في كل المظالم و الاغتيالات و تضع الجميع أمام العدالة و الشعب دون انتقام و دون ضياع حقوق؟
ألن يؤديي تكوين حكومة وحدة وطنية الى اعادة الشعب التونسي الى دائرة العمل و الابداع و الحلم لأنه سيطمئن على استقرار بلده و مستقبل أبنائه في ظل نظام ديمقراطي عصري يحق الاختلاف و التنافس داخله الآن و لا حقا دون تزول الى المربعات البدائية في حسم الاختلافات .
هل تتجرأ النخبة التونسية على تحقيق معجزة تونسية مشتركة و تكف عن منطق " الحسم التاريخي" المتطرف القديم الذي لا يزال يراود الكثيرين يسارا و يمينا من خلال التهديد برفع المشانق و السحل في الشوارع و الاعادة الى السجون و المنافي و التلويح بمطالبة الجيش بالتدخل ؟
ألا نتفق جميعا على الاعتزاز بثورة الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية و على توصيف الوضع الحالي بأنه شديد التأزم و انه قد يصبح كارثيا بمجرد وقوع خطأ بسيط بسبب ما وصلنا اليه من شحن سياسي – انتخابي؟
ألسنا جميعا نعي خطورة الوضع الاقليمي الدولي على النموذج التونسي و نثمن في نفس الوقت تعاطف أحرار الوطن العربي و العالم مع ما فعلناه؟
ألا يتطلب الوضع و لا يستحق الشعب وأجيال المناضلين و الشهداء من الحركة الوطنية الى الحركة الاسلامية و اليسارية و القومية و الديمقراطية الى شهداء و جرحى الثورة الى الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي أن نهديهم معجزة تونسية؟
ألم تراودنا كلنا الفرحة عندا سمعنا ببداية نجاح المفاوضات من أجل حكومة وحدة وطنية بين الفلسطسنيين؟
ألا يراودنا الفرح كل ما حقق اللبنانيون صلحا يؤدي الى تكوين مؤسسا دولتهم التي تطحنها الصراعات الطائفية؟
ألسنا جميعا من المعجبين بفكرة الاتحاد الأوروبي الذي وحد بين دول وشعوب جرت بينها حروب اقليمية و عالمية و بينها عداوات تاريخية؟
هل ما يفرق بين التونسيين أكثر مما كان يفرق الجنوب افريقيين أو الأوروبيين؟
هل نقوم بالتنازلات المؤلمة للذات السياسية من أجل وطننا و شعبنا في اطار مشروع ديمقراطي عصري حقيقي؟
هل ترتقي النخبة السياسية التونسية الى مستوى آلام و تضحيات و آمال شعبها؟
هل مازال من الممكن زرع و تربية الحلم في تونس؟
أم ان النخبة ستعتبرذلك غباء ساذجا و خيانة لمنطقي " التدافع لاجتماعي" و " الصراع الطبقي و /أو الاجتماعي" و " الحسم التاريخي"؟
هنالك ظروف استثنائية اليوم بسبب الأزمة .
و لكن هنالك فرصة استثنائية اليوم بسبب الثورة التي قام بها شعب من نوع خاص في بلد اسمه تونس.
و هنالك زعيمان و طنيان التحقا بفرحات حشاد و صالح بن يوسف و بقية الشهداء.
فهل ترتقي النخبة السياسية الحالية و تصبح نخبة تاريخية استثنائية؟
قال اسحاق نيوطن ذات يوم:
" لم أستطع النظر بعيدا الا لأنني وقفت فوق أكتاف عمالقة "
هل نرتقي ونربط الرؤية بالرؤيا لصالح وطننا و شعبنا؟
أم نصطف في الأسفل وننظر حد أنوفنا بأنفة زائفة؟
وهل تكون نخبنا أعند من القدر؟
...

" اذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر".

02/12/2014.




http://www.hakaekonline.com/?p=678891-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان