الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تقلصت فضاءات الأمل بانقضاء المعسكر الاشتراكى؟

خديجة صفوت

2014 / 12 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


هل تقلصت فضاءات الأمل بانقضاء المعسكر الاشتراكى؟
 ام انذرت النهاية الكاذبة للتاريخ و الايديولوجية بيوم القيامة؟


نمهيد: بداية نهاية 500 عام من هيمنة الغرب الاقتصادية وخلافه:
كانت الصين عندما صدرت الطبقة الاولى من كتابي عن الصين الشعبية-بعنوان افراح آسيا- دولة اشتراكية أو على الاقل تبنى الاساس المادى للاشتراكية دون التباس. و كانت الطبعة الاولى اول انتاج لى و قد اقترح على استاذى و صديقى احسان عباس رحمه الله دار الحياة ببيروت لصاحبها يحي الخليل ناشرا. و اذكر كيف أن  يحي الخليل-و كان ينشر لكاتبات كبيرات شهيرات تملأ مؤلفاتهن ارفف واجهة غرفة الاستقبال بدار الحياة وقتها-قال لى و هو يتابع نظراتى و انا اتابع عناوين تلك الكتب مأخذوذة كقروى فى المدينة لاول مرة-"نعم يا ابنتى ننشر مثل تلك الكتب حتى نتمكن من نشر ما يكتب أمثالك". و لم انسى تلك الملاحظة من يومها و كأنها كانت قدر بات معلقا فى رقبتى يدل علي اينما سرت. و قد بقيت الكتب التى لا ترغب دور النشر فى اصدارها والدراسات و المقالات التى بقى يحرج بعض اصحاب المحلات و الصحف نشرها شتان. و ما يبرح بعض الناشرين يداخله ريبة من سجل نضال بعضنا الطويل من اجل حياة افضل. و يبقى معظمنا خارج حظيرة القبول فالنشر-و الزيوع-الا من رحم و قد حال موج طوفان القنانة و الخديعة بين من يقبض على دينه كالقابض على الجمر و المتاجرين بالمبادئ.
المهم كان أفراح آسيا يصدر مع هبوب رياح انقسام المعسكر الاشتراكى. و لم ينفك العالم الذى نعرفه أن راح يتغيير حتى كاد يصعب علينا احيانا التعرف عليه. و قد انتابت بعضنا الخشية من أن نتغير بدورنا فلا نتعرف علينا و لا تعرف غيرنا علينا. و كانت الصين يوم انقسام المعسكر الاشتراكى فى مطلع الستينات غير معترف بها فلم تحظ بعضوية الامم المتحدة بل كانت فورموزا وتعدادها 20 مليون نسمة تحتل ذلك المقعد خصما على الصين و يبلغ تعداد سكانها سدس سكان البشرية. فقد كان الحيف و الوقاحة قد راحا يطلان بوجيههما منذ الحرب العالمية الثانية و تباعا و لم يكونا قد اسفرا عنهما وقتها بعد بصورة كاشفة. ذلك أن الحيف و الوقاحة ما انفكا ان راحا يغدوان من طبع الاشياء حتى باتا تطبع الاشياء و غيرهما مغرب لا مألوف و كأن ما دون طبع الاشياء غير المألوفة ذاك استثناء على قاعدة الاكاذيب وانصاف الحقائق.
كارثية الهرج المنهجى و تغيير الوان المعاطف:
نشرت الطبعة الثانية من افراح اسيا و الصين تقاوم الاختراق الرأسمالي ما بعد الصناعى و يتحول بعض الدول الصناعية مثل بريطانيا الى حوش خلفى لامريكا و قد فقدت الاساس المادى للانتاج الصناعى السلعى لحساب اقتصاد الخدمات و السياحة و الحرب تمثلا لحلول تحقق شرط يوم القيامة ما بعد التنويرية او ما بعد الليبرالية فلا يهم. المهم الهاء العالم عما يوشك ان يحيق به فيما يلهى المثقفون و المفكرون بعظمة كلب يركضون خلفها و قد ابتلوا فكريا و تنظيميا بالمرج المنهجى المنوالى-على غرار "وابليهم ربى بالمرج". و كان تنوير القرنين الثامن والتاسع عشر قد اشرعا و لم يلبثا ان كرسا سفر تكوين ثنائيات لا متناهية بين العلم و العقيدة و العلمانى والليبرالى و صولا الى من هو معى فهو حليفى و "من ليس معى فهو عدوى" مما ضيق الخناق مجددا على كل بديل.
و لم يلبث تراجع فضاء التنظيم الاشتراكى و اليسار عموما ان افرز مناخ الفوضى الفكرية و النظرية مجددا فى كل مكان. ذلك ان داء الانقسام و الانقسام فى الانقسام و الانقلابات الداخلية و الانقلابات المضادة راحت ينتشر بين الاحزاب الشيوعية و الاشتراكية و قد اصاب معسكر اليسار بكامله بفيروس فقدان المناعة ضد الحوار والتسامح. و لم ينفك أشد المتلتزمين بالمبادئ ان بات اكثر استهدافا لبطش المنقسمين المعلنين و المندسين و الانتهازيين من استهدافهم لتعقب وزارة الداخلية و النظم العسكرية. فقد اصبح الملتزمون بالمبادئ و قد وجدوا انفسهم أشد خوفا من المنقمسين و الانتهازيين  منهم من السلطات الباطشة. و قد انخرط الانتهازيون و العملاء فى تغيير الوان المعاطف كما فى كل مرة مما نشر الانقسام و التشرزم فاستقر فى مسام العمل السياسى العام. و قد كرس الارتزاق والعمالة املاقا فكريا و نظريا اطلق عليه ما بعد الحداثة و التطبيع و ما بعد الليبرالية الخ.
 فقد كان الانتهاز حريا بان يغدو فكرا و نظرية فاحتل فكر و نظر الانتهاز مكان كل فكر او نظر سواه اذ كان الاول حريا بان يخصم على الثانى. و ما يبرح فكر و تنظيم الانتهاز و العمالة التى تشارف الخيانة ينالان من الصامدين القابضين على دينهم كالقابض على الجمر كلما تفاقم عمق خندق الانتهاز و افتضح تطويح الانتهازيين الى خندق اليمين الاصولى المتطرف بتنويعاته العقائدية الايديولوجية و المسماة علمانية. ذلك ان شخصنة العداء فاشانة سمعة الخصوم و النيل من تاريخهم النضالى-و قد استعصوا على الاغراءات و مرور الزمن و انقضاء العمر-كلما استعصوا على الاغراءات و الزمن و نفاذ العمر باتت أيسر اشكال النيل من الخصوم فالقضاء عليهم. و قد ماتت الحقيقة او كادت. و كان نشر التخرصات و قد بقى على مر التاريخ كعقوبة الجلد التى لا استئناف معها أيسر دائما و أقرب لمتناول أيدى المفلسين فكريا و نظريا و قد اوصل الافلاس الفكرى و النظرى وكان حريا بان يوصل المفلسين أصلا الى الانتهاز.\
 فقد ارتفعت اسيجة خندقى الباطل فيما يشارف جدار العزل العنصرى و قد راح مناخ ما بعد حداثة متكاذبة يخلق شرط زمان اليأس غير القابل للوصف و الخوف اليومى تسريعا ليوم القيامة. ذلك أنه رغم تبدى ستينات القرن العشرين  و كأنها بشائر انفتاح  فضاءات العالم على كوى من فرح و جمال يشفى و قد تبدت الستينات لمعظمنا و كأنها شباب العالم وشبابنا-و ما يبرح معظمنا يرنو اليها بوصفها الزمن الجميل-الا ان ذلك البشر والانفتاح لم يكونا اكثر من تمثلات تدفق الغدير قبل ان يغيض.
فعندما زرت الصين عضوا فى وفد نسائى سودانى ممثلة للهيئة السودانية للسلم و الصداقة-و كانت حركة السلام ما تبرح وقتئذ محظورة بموجب قانون النشاط الهدام-كانت الصداقة الصينية السوفيتية على اقوى ما تكون.
و قد عبر أفراح اسيا بوصفه انطباعات عن و سجل افراح كانت تبشر بالحلول الا ان الكتاب صدر معاصرا لانقسام المعسكر الاشتراكى و قد بدأ العد التنازلى لانهيار المنظومة الاشتراكية فسقوط حائط برلين و قد صفيت  كافة الثورات و حركات التحرير المسلح وصولا الى تفكيك الثورة الفلسطينية تباعا و اجتياح العراق الخ. ذلك ان العوملة-الكوننة كنت قد راحت تقضى تباعا على كل بديل باكرا و منذ ان ارتهن الاتحاد السوفيتى بسباق التسلح و بصناعة الفضاء و شراء تكنولوجيا مكهنة و قد تساوقت تلك المشاريع البائرة و سقوط محاصيل روسيا وصولا الى بيع الذهب الروسى فى المزاد العلنى. و قد جوع الشعب الروسى او كاد فيما راح نعيم الاستهلاكية الغربية يترآى لمخيلة الروس أضغاث احلام فى الوقت الذى راحت حرب الافغان تنهك الجيش الروسى العظيم و تكاد تقضى على مناعة روسيا امام هجمة اقتصاد السوق-الرأسمالية ما بعد الصناعية-العولمة ناهيك عن الاختراق الثقافى والتنظيمى و تهريب الروبل خارجا فى شحنات بحجم بضعة قاطرات.
و كان السودان بالمقابل قد منى بدوره باكرا بسفر تكوين مسلسل الأنظمة العسكرية مع انقلاب 1958 على أول حكومة ديمقراطية بعد "الاستقلال". فقد راحت الستينات تؤذن-فى الواقع الذى لم يقيض لنا امعان النظر فيه بصورة كافية-بتداعيات ما استقر فى مسام العالم وقد راح يتمثل فى تفاقم  تسريع حلول شرط القيامة. و لم  يكن يوم القيامة  ما بعد الرأسمالى سوى ترجيع صداء او تنويع على نظائر سابقة. فقد راح مروجو مناخ الابوكاليبس و الكارثة يروجون للفوضى الفكرية والتنظيمية و يكرسون مناخهما. و قد جعلت كمياء الابوكاليبس و الكارثة بحيث يحلان محل تجليات الحركات الشعبية التى قوضت عروش الامبراطوريات السابقة على الرأسمالية من النمساوية و العثمانية منتصف القرن التاسع عشر كما احلت تلك الفوضى مكان الفكر والتنظيم العمالى استباقا لتفجر الحركات العمالية فى اوربا الغربية والمشروع القومى فى كل مكان. و قد احبط ذلك الاستباق فيما احبط المشروع القومى بكامله جراء تداعيات الاطاحة بالامبراطوريات البرجوازية الصناعية صاحية المشروع القومى بداية القرن العشرين و الحرب العالمية الاولى وصولا الى تنويعات لاحقة تمثلت فى ستينات القرن العشرين غب الحرب العالمية الثانية زوقت  Euphemized فيما يسمى ما بعد الحداثة وتنويعاتها مما يلاحظه الناس فى كل مكان.  و قياسا فقد تواكبت الاطاحة بالاشتراكية لحساب الرأسمالية ما بعد الصناعية و الاطاحة بالبرجوازية الصناعية عبورا بالثورات المخملية و سقوط حائط برلين الخ الى الثورات البرتقالية و الحريرية و البنفسجية-اشارة الى الحبر الازرق على اصابع الناخبين العراقيين-وصولا الى مشروع الشرق الاوسط الكبير فى غياب اى بدل نظرى او تنظيمى او ثقافى.
كيف ذهب الزمن الجميل؟
عندما اقترح الاستاذ نورى الجراح اعادة نشر أفراح اسيا و كنت قد كتبته عقب زيارة للصين الشعبية تذكرت الزمن الجميل الذى سمح باطلاق مثل ذلك العنوان على كتاب يتوق للفرح ويعشم فى الزمن الجميل. فلم اكن يومها فى مقتبل الحياة و انما كان العالم يبدو و كأنه فى  فى مقتبل الشباب ايضا. فقد كانت الستينات شبابنا و شباب العالم و كان المعسكر الاشتراكى ما يبرح وقتها ملهما و عاصما للعولم الثالثة و  الرابعة و العصر حجرية من أحذية المرينز. و كنا آمنا بقدرة الانسان على نغيير العالم الى الافضل و لم يدر يخلدنا اننا سنبح و بنا خشية من أن نتغير نحن و بات كل ما نرجوه هو الا نتشوه. و قد فقدنا اهلا و ذوى قربى و اصدقاء ورفاق درب و بقينا كاشجار مقطعة الجذور و بتنا اسماء على قوائم حرس السلطان السوداء و اعوانه فى كل مكان. و لعلنا بقينا كمثل شواهد قبور على زمن فات و قد بات أرازل بنى تميم اعلاما و نجوما و مشاهير يرفعون عقيرتهم بالكلام الذى لا طائل تحته لانه لا مكان لغير الكلام الذى لا طائل تحته. و كان انقسام المعسكر الاشتراكى بمثابة واحدة من علامات طريق انعتاق مخاتل لم يلبث ان راح يصوغ انقسامات داخلية فى الاحزاب الشيوعية مهدت بدورها لمناخ الانتهاز اليسارى و التطويح اليميني باسم لائحة الحزب و حماية الحزب و أمن الحزب. و قد خرجت من مكاتب أمن الحزب معظم الانقسامات الحزبية لحساب وزارة الداخلية و الاستخبارات المركزية الامريكية و الكى جى بى جميعا. و كانت مكاتب امن الحزب بمثابة الكى جى بى و الاستختبارات المركزية الامريكية الحزبية الداخلية على أعضاء الحزب اكثر منها على خصومه مثلها مثل وزارة الداخلية التى تتجسس على المواطنين لحساب السلطة  القائمة أكثر مما تحمى الوطن من اعداءه الخارجيين و من الاستخبارات الامريكية المركزية. و كان الاتحاد السوفيتى قد منى بالعزلة بعدا عن واقع العالم الثالث و بجريرة اعتماده على العملاء فجهل اوضاع حلفاءه بخاصة فى المجتمعات النامية عموما الا بقدر ما يصله من تقارير الرفاق-و معظمها مبالغ و لكم أن تسألونى فقد ورثت الحياة الحزبية أسوأ ما فى تقاليد الخدمة المدنية-و ما يدور فى مؤتمرات الاحزاب الشيوعية العالمية و ما ترسله جمعيات الصداقة. فلم يتعين المعسكر الاشتراكى عموما على ادراك طبيعة الحركة الاشتراكية و الاحزاب الشيوعية و اليسار جميعا فى الاوطان العربية و العالم الثالث بصورة كافية مما ترك الاتحاد السوفيتى خاصة فى بيداء عزلة فكرية و تنظيمية فبات حريا بان يستهدف من بعد للاختراق و قد وقف وحيدا فى ميدان التآمر و الخديعة
من افراح اسيا الى عادية  اليأس و الخوف: الاقتصاد السياسى لسفر تكوين الانتهاز و الخديعة:
كان انقسام المعسكر الاشتراكى و بداية الثورة الثقافية مقدمة تعين الصين على استبصار التحولات الحالة فى العالم. فقد راحت الصين تتهيئ نفسها لحلول تنويع مجدد على الشروط الذاتية و الموضوعية لقوانين المراكمة ما بعد الصناعية الشرسة. و كانت الاخيرة تؤذن بحلول غيضها هى النهائى مرة واحدة و الى الابد. الا ان عشية حلول تلك التنويعة كانت حرية بان تعين بسبب ذلك على ارتهان ما عداها من المشاريع  الاقتصادية سواء الاشتراكية او المخططة مركزيا فكل شئ عداها. الا أن تشاو بينج ادرك باكرا ان خلق مناخ مغر للمستثمرين من شأنه سحب الرساميل من كل مكان مهاجرا الى الصين. و قد ادرك رأس لمال بدوره ان الصين تملك 16 الف مدينة تعداد كل منها ما لا يقل على مليار و نصف نسمة وان الصين حرية بان تغدو اكبر اكبر منتج و اكبر مستهلك للسلع. و تؤدى  قدرة الصينيين المحتملة-فى العشرين عاما القادمة على الاكثر-على استهلاك اكبر قدر من المواد الخام والمواد الاستراتيجية و السلع المصنعة الى رفع اسعار السلع مما من شأنه أن يقضى على نعيم الرأسمالية الاستهلاكية التى تتمأسس عليها معظم "الديمقراطيات" الغربية. و فيما تدرك الصين معظم الاحتمالات الواردة مع تعاظم قدرتها على احتكار كل من صناعة السلع و استهلاكها الخ فقد اهلها ذلك الادراك لسبر غور و كنه روح عصر الهجمة الرأسمالية ما بعد الصناعية مرات:
مرة لان قسمات ما بات يسمى بالعولمة كان قد حل بالصين باكرا مع نشوء ظاهرة اقتصاد القطعة و اسواق العمل الرخيص 
و مرة لان جماعات من الاقليات الصينية كانت قد رحلت الى الغرب باكرا فراكمت رساميل "صينية" بمعنى خاصة و ليست متعددة الجنسييات-يعتد بها
و مرة لان صلة تلك الاقليات لم تنقطع بالصين قياسا على غياب أو ضعف وجود أقليات روسية مناظرة الا ما خلا الاسرالروسية الكبرى من اصحاب رساميل النفط القيصرية التى راكمت رساميل هائلة منذ عهد ياكاترينا العظيمة. و قد هاجرت تلك الاسر النفطية  برساميلها من روسيا عشية الثورة البلشفية فارست شرط تضور الاشتراكية للرساميل. ذلك ان تلك الاسر لم تتصل بصلة رحم تذكر او تنسى بالروس. و لم تنفك تلك الاسر ان تعينت على حصار الثورة البلشفية و المشروع الاشتراكى تباعا بالرساميل عابرة الحدود القومية و بالديون الخارجية و بغواية شراء تكنولوجيا مكهنة من الولايات المتحدة و بسباق التسلح الخ مما استهدف المشروع الاستراكى للاختراق باكرا و قبل البيروسترويكا و سقوط حائط برلين.
قيضت الاقليات و الرساميل التى تعين الصينيون فى الخارج على مراكمتها فى الغرب و فى كل مكان للصين بالمقابل القدرة على الصمود امام الهجمة المعولمة للرأسمالية ما بعد الصناعية.
كان العالم قد منى بالهياج العاطفى و النظرى و قد تساوق وما يشارف أمواج تسونامى من الفوضى الفكرية و التنظيمية مع انقسام المعسكر الاشتراكى السوفيتى على الخصوص مع هبوب رياح هجمة العولمة مرة واحدة و ما يحلو للبعض تصور انه الى  أبد الآبدين.
و كانت تداعيات مشابهة قد يسرت هجرة رساميل يهود المانيا ابان الحرب العالمية الثانية أو الاحرى قيضت شرط اشتعال الحرب العالمية الثانية.
و قياس فقد كانت تنويعات باكرة قد يسرت بدورها هروب رساميل ريع اوايجار النفط الروسى القيصرى على عهد ياكاترينا العظيمة-الى الغرب و الى امريكا صعود الاخيرة الى زعامة العالم على نحو غير مسبوق. فكأن رساميل يهود المانيا الهاربة ابان الحرب العالمية الثانية قيضت لامريكا بداية صعودها الى قيادة العالم فيما قيضت رساميل الصينيين فى الخارج للصين الصمود في وجه امريكا تمهيدا لصعود الصين بدورها الى امتلاك اكبر اقتصاد فى العالم وغريما محتملا لامريكا تباعا.
هل ينذر صعود الصين بأفول الغرب؟
قد لا يعنى صعود قوة اقتصادية القضاء على غيرها بالضرورة الا ان صعود سلطة كبرى قد يقضى على قوى غيرها بالنتيجة. و تتنافس الصين مع الغرب على النفط  تجتاح السوق بالسلع من الملابس الى الاليكترونيات. و لا تدعى الصين انها تملك انموذجا قابلا للتصدير و لا ترغم احدا على نموذجها فيما تتوسع رأسيا فى افريقيا و اسيا على الاقل. و تعصم الصين دول افريقية من زيمبابوى الى السودان-مما قد يفسر كيف ان امريكا و فرنسا تتحسسان طريقهما فى فرض عقوبات اقتصادية على السودان من شأنها اغلاق ابواب الاستثمار فى وجه الاخيرتين فيما تتوسع الاستثمارات الصينية شمالا و غربا. و قد ساعدت الصين دولا امريكية لاتينية على النمو الحقيقى مما بلغ معه نمو اقصاد الاخيرة  5% فى 2004. و الى ذلك فالصين  موجودة فى اسيا من منغوليا الى بحر قزوين بكل من التعدد الثقافى و التزاوج و بالهجرات القديمة منذ طريق الحرير عبورا بالتنقيف عن النفط و غيره من المعادن ناهيك عن التجارة البينية خارج شروط منظمة التجارة العالمية و سابقة عليها.
و لا تفرض نموذجها على غيرها  في نفس الوقت الذى لا تشترط الصين بذلك النموذج مقابلا للاستثمار قياسا على ما يشترطه الغرب. فالصين توفر نموذجا بديلا لنمو اقتصادى حقيقى المردود من شأنه ان يثير انزعاج الغرب. و تتوسع الصين افقيا حيث يثابر المستثمرون و اصحاب المال الصينيين على التمرن على أاصول "اللعب" على المستوى العالمى. و قياسا فقد اشترى كونسورتيوم الفلاحين الصينيين مزارع و صناعة زيت الزيتون فى بروفانس. و بالقابل لا تفرض الصين نموذجا ثقافيا قياسا على الامركة. فمن أهم ما يعوق تقدم الصين عالميا على المستوى الثقافى قياسا على امريكا هو  اللغة الصينية. الا ان العمال الصينيين-المفقرين-المحكومين السابقين-اللذين يعملون فى افريقيا و امريكا اللاتنينة يتزوجون نساء "محليات" و تنتشر ظاهرة الاطفال السمر و السود "المصفرين" ذوى العيون المشروطة فى الاحياء الفقيرة من العواصم الكبرى و العواصم الاقليمية كما فى غرب السودان مثلا.
فاذا لم تملك الصين اعادة انتاج العالم على شاكلتها ثقافيا فلربما اعادت تشكيله على على "خلقتها". و لعل ذلك قد يحل مشكلة كل اللغة نسبيا على الاقل بين اعداد متوزعة حيث تستثمر الصين و تنقب عن المعادن النفيسة و النفط الخ فى جميع انحاء العالم. و كانت الصين قد تحيرت ثقافيا منذ سقوط اسرة تشينج لانها لم تدرى وما تبرح غير قادرة على امتلاك ناصية ماهيتها ثقافيا تماما بعد. و الى ذلك فثمة مشكلة سياسية فى الصين حيث يحكم الحزب الشيوعى الصينى الذى قد يفقد مصداقيته الفكرية تباعا بخاصة منذ 1989 و كان يحكم بقوة الطبيعة و السماء. الا ان فكرة ان سلطة الحزب الواحد ليست مركبة و غير قابلة للتصالح مع الديمقراطية بالقدر الذى يصورة الغرب الذى لم يحسم اشكالية الديمقراطية الغربية تماما. فليس ثمة من يملك القول او التكهن ما اذا كانت الديمقراطية الغربية قد تصالحت يوما مع ادعاءاتها بعد كما انها لا تبدو و كأنها بسبيل التصالح مع تلك التناقضات التى ما تنفك تطل برأسها كل صباح من خلف ضباب المدلسات المفهوماتية و السياسية اليومية للادارة الامريكية و السلطة البريطانية على الخصوص. و يقول البعض ان ليس ثمة ما يمنع الشرق من انتاج نموذجه للحكومة الصالحة او ما يسمى بالديمقراطية على نحو يخصه و يدل عليه. فقياسا كانت الهند مثلا دولة الحزب الواحد هو حزب المؤتمر الا انها طورت نفسها نحو ديمقراطية معتبرة تخصها هى فباتت اكبر ديمقراطية فى العالم.
 
كيف عصم الفكر التنبؤى الصين؟ 
ازعم ان الصين صمدت رغم انها كانت قد منيت منذ انتصار ثورة كيم ايل سونج فى 1949 بما شارف حصار ثلاثى تمثل فى اكثر من جهة:
1-فقد كان الاتحاد السوفيتى ينظر الى التجربة الصينية بعين الريبة مرة و يجرم اقرارها بامكانية الثورة و التغير رغم ما سمى نمط الانتاج الاسيوى او الشرقى.
2-فقد ثابرت الرأسمالية على محاولة تمهيد الطريق لاختراق الصين بمفاقمة عزله عن الاتحاد السوفيتى فالاستقراس به مرة. 
3-كانت الرأسمالية تتعامل مع مرة بوصفها ورقة للضغط على الاتحاد السوفينى و مرة سانحة لتجريب مغبة عزل الصين على الدول المحيطة بالصين فى جنوب شرقى اسيا مرة ثانية.
4- راحت الرأسمالية تتعين على اشعال ما قد يبدو و كأنه أول ثورة مضادة اخذت لاول مرة طابع الحرب العالمية الممحللة بين الرأسمالية و الاشتراكية يما سمى بالحرب الباردة تكاذبا. و لم تكن الرأسمالية تصدر عما هو ابعد من طبيعتها المتحورة فى كل مرة دون ان تنشأ صاعدة على نفسها فى أى مرة بالقدر الذى تدعيه. فقد تحورت الرأسمالية من الثورة العالمية المضادة الى الثورة المضادة و قد محللت مكانيا Localised.  و رغم ان تلك الثورات المضادة بقيت فى الواقع عالمية بغاياتها و اسلحتها و منطلقاتها الاستراتيجية الا انها بقيت تحلل بوصفها حروب اهلية او بور عنف محلى. بمعنى انه فيما كانت الثورات المضادة-ضد المنظومة الاشتراكية و الاقتصاد المخطط مركزيا جميعا ابان الحرب الباردة-عالمية شاملة جامعة بهذا الوصف فقد بقى مفهوم الثورة المضادة عالميا الا ان تطبيقاتها محللت مثلما محللت الحروب العالمية فزوقت و كأنها محض  "حروب أهلية" او "مناطق صراع".    
و من ثم ازعم ان الصين كانت حرية بأن تتنبه على قدرة الرأسمالية على التحور Mutation مع الفصول دون ان تتطور بل ما انفك ان كرست اعادة انتاج شرط النكوص الى اشباه مشوهة على نفسها. و أجادل أن الصين راحت  تتهيأ باكرا لملاقات هجمة النكوص و التشوه تلك فى منتصف الطريق وقد ايقنت الصين ان لا داع لان تتنازل هى كثيرا عن ثوابتها. بل العكس فقد كانت الرأسمالية ما بعد الصناعية تنكص الى شبيه مشوه لما اسميه ب "نمط اللا انتاج الشمال امريكى" وهو تنويعة تتخلف عن  نمط الانتاج الاسيوى أو الشرقى بصورة مزمنة لا برء منها. فان وصم النمط الاسيوى او الشرقى بالعجز عن التقدم و النشوء الصاعد فقد ادينت  تنويعاته المتخلفة بصورة مزمنة بالنكوص نحو العصر الحجرى و ما قبله. سوى اننى أزعم أن نمط الانتاج الاسيوى او الشرقى و بخاصة التنويعى الناكصة تلك ليس سوى اختراع غربى-ماركسيولوجى. فرغم ان الاتحاد السوفيتى و الصين-مثلهما مثل اليابان و الهند و معظم مجتمعات جنوب شرقى اسيا-تمأسستا على ما يسمى بنمط الانتاج الاسيوى او الشرفى الجامد العاجر عن بناء الاساس المادى للتطور و النشوء صاعدا من وهدة علاقات الانتاج الاسيوية الشرقية الا أن الهند و اليابان و الصين-خيبتا امل نبؤات الاقتصاديين الرأسماليين الابوكاليتية الكارثية.
ذلك ان الصين كانت-عكس روسيا-تملك رساميل خارج الصين كما كانت خبرة تعايش الصين مع روسيا وقد اتسمت بالوعورة حتى ابان ازهى عهود الصداقة الصينية السوفيتية-حرية بان تلهم الصين بعضا مما راحت تصدر عنه من خبرة بكل من تحديات سباق التسلح و صناعة الفضاء و اختراق السوق العالمى. و حيث تبدو الصين و كأنها نجحت فى التحديق فى كل من تاريخها و فى فضاءات التجرية الاشتراكية فقد عجز الاتحاد السوفيتى على التصالح مع المرحلة استالينة. و على صعيد آخر ثابرة الاتحاد السوفيتى على استنساخ تنويعات عليه فى المجتمعات الاخرى بما فى ذلك الصين. فقد بقي الاتحاد السوفيتى يتهم الصين بصورة مبطنة و علنا بتعطيل مسيرة الثورة الاشتراكية.
فقد ملكت الصين انجاح ثورة من تلك الثورات و الانتفاضات التى تعمر تاريخ النمط الاسيوى او الشرقى دون ان تجتاح شيئا فى طريقها لانها كانت غالبا ما لا تطمح فى اكثر من اعادة النظام الى ما كان عليه. و قد تعينت الصين من ثم على تحليل واقعها مواجهة. و كانت مسلمة النمط المذكور تستفز الاتحاد السوفيتى و تثير تطيره و لو فكريا و اكاديميا ان لم يكن تنظيما. فان كان نمط  الانتاج الاسيوى او الشرقى يتمأسس على علاقات الخراج الفلاحية فسواء كان الفلاحون احرار او عبيدا فان علاقات الانتاج تتمأسس على ما يسمى بالعبودية العامة. و من ثم فان نمط الانتاج المذكور لم يملك حتى ان ينشأ صاعدا الى الاقطاع. و قد استفزت الثورة الصينية السوفيت و قد راحوا يصدرون عن الماركسية اللينينية التى تتمأسس فوق التصنيع و الصراع الطبقى و سيادة البروليتاريا. ذلك ان الثورة الصينية ثورة فلاحين تتمحور حول الانتاج الزراعى و لا تتحدث كثيرا عن الصراع الطبقى رغم ايمانها المعلن بالاممية الاشتراكية.   
عندما باتت الصين شرح على متون فرموزا:
بقيت الرأسمالية ما بعد الصناعية تسعى لاحباط كل تأثير للثورة الصينية فى القارة الصينية منذ بداية خمسينات القرن العشرين بما سيمسى حروب الهند الصينية. و قد وظفت الرأسمالية تشطير الثورة الصينية الشعبية  1929-1949 بالهائها باكرا عن بناء الاساس المادى للاشتراكية باشعال ثورة مضادة تنطلق من جزيرة فورموزا بقيادة تشيتنج كاى شيك Chiang Kai sheck صنيعة امريكا. و قد جند الاخير باكرا للقيام بذلك الدور مثلما حدث مع نظائر منذ حرب الافيون الى انتفاضة ميدان تيانمان صيف 1989. فقد خطط لثورة تشانج كاى شيك لتغدو بديلا لثورة الصين الشعبية و تغدو جزيرة فورموزا-على مرمى حجر من القارة الصينية-بديلا للقارة الصينية فتحل الاولى مكان الاخيرة تواقحا مكان الصين بين الامم فخصما علي الاخيرة.
و لم تكن الصين وحدها المقصودة بالاصابة بفيروس الثورة المضادة. فقد كانت الثورات العالمية الممحللة قد باتت تباعا بديلا للثورات العالمية المضادة. ذلك انه ان انتشرت ظاهرة الثورات العالمية المضادة نهاية الحرب العالمية الاولى و الاحرى منذ منتصف القرن التاسع عشر ضد العروش و الممالك الاوربية السابقة على الرأسمالية الا ان تلك الثورات العالمية المضادة لم تنفك ان تحورت Mutated الى فباتت ثورات عالمية ممحللة مضادة. فقد كان الغرب قد اقسم بعد الحرب العالمية الاولى ثم الثانية على الا يشعل حروبا عالمية فيما بين الدول الغربية ومن ثم احل الغرب حروبا عالمية ممحللة   Localised World wars-مثل حرب الولايات المتحدة مع الصين فى دارفور بشأن النفط والصلب والنحاس و اليورانيوم الخ-وقد باتت الاخيرة أكبر مستهلك للنفط و الصلب فى العالم-مكان ما كان حريا بان يغدو حربا عالمية.
و قد راحت الرأسمالية تتعين على فبركة ثورات محلية مضادة او حركات مشبوهة تحت شعار المعارضة استباقا للحركات الشعبية صاحبة الوجيعة العميقة و السخط الموضوعى على الانظمة القائمة فى الهوامش الرأسمالية الاسيوية و الافريقية و العربية والاسلامية و غيرها. و قد تمثلت الثورة الصينية المضادة-انقسام تشيان كاى شيك- بوصفها من بواكير تنويعات الثورات المحلية المضادة او الحركات المشبوهة. و لعل انقسام تشانج كاى شيك واحد من اسفار تكوين تلك الثورات المحلية المضادة او المعارضات المشبوهة المفبركة. فقد كانت مجعولة لاستباق حلول شرط تجليات الثورة الصينية الشعبية العظيمة تمهيدا لما كان آت من التداعيات بدءا بانقسام المعسكر الاشتراكى الخ.
و قد قيض لى زيارة تايوان فى 1995 على شرف احدى اجتماعات و قمم نسوية تعينت على مناهضة الصين و طرحت نفسها بديلا لها. و كان المناخ الذى ناقشنا الفقر و الافقار فيه بأحد فنادق الخمس نجوم عبارة عن فانتزايا لا محتشمة لتمثلات الثراء الاقلياتى –من الاقلية-المعولم الفاحش و تقابله مع الافقار غير الموصوف تحت الوية اقتصاد السوق وتحرير الاقتصاد بالعولمة الخ. و كانت تايوان و لعلها ما تبرح تمثل احدى النمور الاسيوية و يتمأسس اقتصادها فوق اقتصاد المفك Screw Driver Economy   و علاقات الانتاج بالقطعة و غيرها من علاقات العمل العبودى البدائى و السيبرى معا. وقد طرح ازدهار اقتصاد تايوان المتكاذب فثراء اقليات منها بالمقابل شواهد على "مكتسبات" تايوان وانجازاتها الرأسمالية و قد ادعى أن تايوان تجاوزت بتلك "المكتسبات" عقبة نمط الانتاج الاسيوى او الشرقى الكأداء امام التطور و التقدم و النشوء الصاعد. و قد جعلت تايوان-مثلما جعلت برلين الغربية للتقابل و برلين الغربية-كيما تتقابل بالعداء للاشتراكية مع عوز الصينين و تضورهم و وصم الصينيين بالبيدقة فى دست الحزب الشيوعى الصينى. على ان اقتصاد السوق لم يزد سوى ان تعين على تعديل التايوانيين جينينا و تجييشهم و قد باتوا كمثل الجيش الفخارى يمشون صفوفا أو يتحدثون الانجليزية بلكنة او لهجة امريكية كالروبوت المبرج و يقبلون بلا تفكير على نفس الموضة و الوانها وكأنهم تنويع على شاكلة خيار و جزر و أكواز ذرة السوبرماركيت المعدلة جينيا. و بالمقابل و لم تفارق مفقرى تايوان روحهم الاسيوية الشرقية الرانية الى الماضى اذ ما يبرح ملايين من مفقريهم يحج الى ضريح تشيانج كأى شيك يتضرع اليه وكيلا عن الاسلاف و الالهة.
فمن أين جاءت تايوان الملفقة تلك؟
بقيت الجزيرة الواقعة على شاطى الصين الام الجنوبى الشرقى تسمى فورموزا منذ ان احتلها البرتغاليون فى 1590 حتى غدت مقر الكومينتانج Kuomintng وهى الحركة التى انقسمت عن الثورة الصينية بقيادة الانفصالى تشانج كاى شيك عشية انتصارها النهائى فى 1949. و قد راحت تلك الحركة تسمى نفسها بالحركة الوطنية تمييزا لها عن الحركة الاشتراكية الصينية الاممية. و لم تنفك فروموزا أن استدعت اسم تايوان و اطلقت على نفسها اسم الجمهورية الصينية. و قد اعترف المجتمع الدولى بفورموزا لتحتل مكان الصين الشعبية و خصما عليها بين الامم المتحدة حتى 1971. و كانت تايوان حرية بان تحظى بهذا الوصف باقتسام ثلثى المعونة العسكرية و المدنية مع اسرائيل و مصر دون غيرهن. و كانت امريكا قد عقدت باكرا اتقاقية تمد تايوان باسلحة حديثة و بصواريخ للدفاع عن نفسها دون ان يقول أى منهما مضد من تماما. فلتايوان وضعية "شاذة" قانونيا فأبعدها عن أى نموذج اخر فى اى مكان. و يغازل الحزب الديمقراطى منذ ان تصور انه سيفوز فى الانتخابات الماضية-رغم انه لم يفعل- فكرة الاستقلال. فالفرق بين ديموقراطية الامر الواقع De Facto و ديمقراطية شرعية قانونية De Jure ما ينفك يعبر عنه نفسه عندما تسير مظاهرات تطالب باستقلال تايوان عن الصين. ذلك انه ان ادعت تايوان الاستقلال فقدت حق تقرير المصير. 
و يقول الرئيس التايوانى تشيان ان تايوان ديمقراطية و بهذا الوصف لا تمنع الناس من التعبير عن انفسهم. فسياسة تايوان كانت دائما السلم و الديمقراطية. و يقوم رئيس الحزب التايوانى المعارض الصين باول زيارة لزعيم تايوانى الى الصين منذ 60 عاما. وتقدم الصين  فى اطار ما يسمى بديبلوماسية لعبة كرة  الطاولة-البنح بونج-زوجين من الباندا لتايوان مما يصعب رفضه بالطبع[1]. و يقول كريس باتان Chris Patten -أن تايوان تجد نفسها اكثر استقزازا مما تريد أن تكون" بالمناداة بالاستقلال عن الصين. وكان كريس باتان المحافظ الذى سقط فى انتخابات  ر حاكم عام بريطانيى للمستعمرة هوج كونج بعد انقضاء الاتفافية الصينية البريطانية وكريس باتان اخر حاكم عام لشبه جزيرة او أرخبيل هونج كونح و كانت الاخيرة محمية تابعة لبريطانية منذ 1989-العام الذى سقطت فيه الثورة المهدية لحساب ما سمى بالحكم الثنائى-التركية الثانية-و قد أعيدت هونج كونج الى الصين بعد 99 عاما فى 1997. و لم ينفك تمثال صن يات صن صانع اول جمهورية صينية مكان تمثال جورج السادس و كان قد بقى فى اكبر ميدان فى هونج كونج يطل على خليج جوهرة الامبراطورية لنصف قرن قبل ان ينقل الى زاوية فى الحدثفة النباتية بجوار قفص القرود.
المهم تدرك فورموزا انها تستدعى بالمطالبة بالاستقلال مغبة استفزاز الصين و توريط حلفائها بالنتيجة فى وضع حرج. فما بين استعراض العضلات بين امريكا و الصين تعتبر الاولى أن جنوب شرقى اسيا حوشها الخلفى فى حين يبقى جنوب شرقى اسيا امتداد جيوسياسى و اقتصادى تاريخى و ايديولوجى بوصفه امتداد اثنى على نحو طبيعى للصين. و تقول جونداليسا رايس ان امريكا هى التى حررت جنوب الباسيفيكى و ليس اوربا و لا الصين و أن علي الصين الضغط على كوريا الجنوبية بالاقلاع عن برنامجها النووى فيما يتوجب على الصين الكف عن النزوع لأن تغدو قوة عسكرية حديثة فى العالم. و تثابر امريكا على توعد أوربا ان سولت لها نفسها مساعدة الصين على تحديث قواتها فيما تنذر أمريكا الصين بانها سوف تقوم ب"تحديث" قوات الدول المحيطة بالصين مثل تايوان و كوريا الجنوبية و ربما اليابان.
اعادة كتابة تاريخ الصين "المحدثة":
فيما تقف الصين معتدة بتاريخها صامدة امام فيروس "التحديث" تعيد تايوان كتابة تاريخها كما تفعل روسيا ذلك أيضا. و يعبر مشروع اعادة كتابة تاريخ روسيا بخاصة بعد وصول جورباتشيف الى السلطة-و قد وجدت روسيا صعوبة فى كتابة المرحلة الستالينية-عن حلول لحظة اليقظة المنوالية التى تنتاب روسيا فتنهض مجددا كما عنقاء من الرماد فى كل مرة. و بالمقابل تنهض العنقاء الصينية فتهم بالانقضاض على الاباليس الرأسمالية فالصين ليست الجابون او حتى تايوان. ذلك ان الصين تملك التصنيع "المرسمل" دون التخلى عن ثوابت الاشتراكية. و تستقطب الصين الرساميل الصناعية السلعية خصما على الدول الصناعية الغربية سابقا دون ان تفرط كثيرا فى خصائصها الاستثنائية لمحظ كون الصين تملك رساميل ما بعد صناعية بتماس الصينيين المهاجرين الى العالم الجديد على الاقل. و قياسا فان تمثل النمور الاسيوية بوصفها مغناطيش الرساميل الراكضة وراء اقل تكلفة الا ان الصين تفاقم هروب الرساميل المعولمة بانواعها بعيدا عن اقتصاد الدول الغربية الرأسمالية ما بعد الصناعية نفسها و  تهدد الصناعات الغربية على نحو غير مسبوق.
فقد باتت شركة شانغهاى الاوتوماتيف Shanghai Automative مثلا حبل النجاة الوحيد لشركة ام جى روفر M.G.Rover  أول صناعة سيارات بريطانية و احدى أهم أيقونات الصناعة البريطانية الكبيرة. و قد بقى مصير مجموعة ام جى روفر معلق بصفقة سانغهاى اوتوماتيف. و قد شارفت روفر الخراب من قبل حيث بيعت فى 2000 مقابل محض 10 استرلينى بتواطؤ ستيفين بايرز وزير التجارة و الصناعة الاسبق. و تجرى المفاوضات مع الصين بشأن مصير مجموعة روفر منذ صيف 2004 حتى السبت 20.11.2004 وصولا الى نهاية الاسبوع الاول من ابريل نيسان 2005 و تباعا. و قد تغدو روفر ان تجحت المفاوضات مملوكة بنسبة 74% لشركة شانغهاى أوتوماتيف فللقطاع العام الصينى فيما حصل الاخير على حق الاختراع الخاص بصناعة روفر بمحض مليار استرلينى. و بالمقابل تفلس روفر و يشرد ما يفوق 6 الاف عامل زيادة على 8 الاف من القوى التى تمد الشركة بمكونات الصناعة فوق اعداد الذين يعتمدون على اؤلئك العمال فى الاقليم الاوسط بانجلترا. وفى سعيها لدرء خطر السخط العام فى منطفة حساسة من انجلترا تقدم حكومة حزب العمال الجديد 150 مليون استرلينى ترغيبا لاوتوماتيف فى روفر. و يضمن وزير مالية حزب العمال الجديد مكافآت ما بعد الخدمة لعمال روفر البالغ عددهم اكثر من 6 الاف و عشرات الملايين من العمالة المساندة فى منطقة لونجبريدج Longbridge بالقرب من بيرمينجهام وسط بريطانيا ممن يقدر مجموعهم اكثر من 20 الف نسمة.
فقد وعد تونير بلير رئيس وزراء بريطانيا و وزير ماليته جوردو براون عمال روفر ب 40 مليون استرلينى دعما-او-و رشوة ان اردت فى وقت يخوض فيه حزب العمال حملة انتخابية حرجة فى 5 مايو-ايار 2005. الا ان شانغهاى اوتوماتيف-أو الحزب الشيوعى الصنيى-لم ينفك ان صمم عصر الجمعة 15 ابريل 2005 على رغبته عن مواصلة المفاوضات بشأن صفقة روفر و أسقط فى يد حزب العمال الجديد. فكأن الصين تتحكم فى نتيجة انتخابات رابع أكبر اقتصاد فى العالم. 
و يعبر حاصل جمع التجليات "الرأسمالية الصينية" المذكورة اعلاه عن قسمات فريدة تميز الصين. فقد مهدت تلك القسمات الاستثنائية "هبوط"-بمعنى هبوط الطائرة و ليس بمعنى النكوص ان اردت(تاء مكسورة)-اقتصاد الصين بصورة مريحة و بسلام فوق أديم الرسملة الملغمة. و كانت الصين قد عاصرت بخاصة اعصار حلول شرط تحقق احدى نهايات الرأسمالية-و قد تظهرت الاخيرة فيما يسمى العولمة. وكانت الاخيرة قد تعينت على اصطناع "طبقة" وسيطة "نغله" كعهد تلك الشريحة المسماة طبقة و قد اوكلت الرأسمالية كعادتها لتلك "الطبقة" من النخب او سمهم ما شئت(بكسر التاء) مهمة ادارة عمليات استلاب الفائض المادى و غير المادى. فقد كانت تلك العمليات من شأنها تجفيف منابع أى بديل للرأسمالية فكريا وتنظيما و قد تمأسس ذلك التجفيف على افقار الاغلبيات المنتجة للفائض على مر التاريخ المسكوت عنه. الا ان الرأسمالية الصينية لم تنفك ان وجدت نفسها  تتحور الى تنويعة ذات خصوصية اسيوية اكثر منها غربية و قد اصيبت الرأسمالية الغربية بفيروس النكوص البائن بالقصورة عن استهلاك وسائل انتاج الرأسمالية لنفسها-انتاج-توزيع-استهلاك-انتاج عائد الى نفسه مرة اخرى. و يتظهر ذلك الفيروس فيما يتظهر مثلا فى انخفاض معدلات استخدام الامريكان لتقعنية المعلومات كون الاخيرة سيدة وسائل الانتاج ما بعد الرأسمالي. و بالمقابل لا تتضاعف معدلات استخدام الاسيويين كالصينيين و الكوريين مثلا للتقنية لا و حسب. بل تنتج المجتمعات الاسيوية بالتجارب و التجريب المجتمعى الجماعى مع وسائل الانتاج-المعلوماتى مثلا-عالية التقنية- ثقافة و ارث واسعين يشارفان حكمة تقنية شعبية ان صح التعبير Technological folk wisdom  . ذلك ان استخدام التقنية ينشتر فى الصين و كوريا الجنوبية و الهند كمحصلة لسيادة الثقافة الجمعية على الثقافة الفردية و كمحصلة للحس الجماعى و التشارك الجمعى للتجربة بين اعداد اوسع فأوسع من الناس على عكس امريكا و بريطانيا. ذلك ان الروح الفردية و عزلة الفرد-بخاصة داخل ما اسميه باقتصاد الكوخ اليكترونى وقد يتزايد انتشاره جراء المشاكل الماثلة و المحتملة لاستهلاك الطاقة. و تنتشر الروح الفردية بهذا الوصف بين الافراد الغربيين و بخاصة الانجلوامريكان و الانجلوساكسون فتقضى مثل هذه الظواهر على شرط مراكمة ارث شعبى من التجريب الجمعى للتقنية. و قياسا فان استثنائية قسمات الصين الرأسمالية الاشتراكية الثقافية الحضارية مثلا بقيت و ما تبرح تصدر عن و تصب فى حقائق بعينها بحيث قد تحييد بعض تجلياتها من تداعليات الرسملة الشرسة: و أزعم أنه:
1-فيما يبلغ تعداد الطبقة الصينية المسماة وسيطة أو متوسطة 200 مليون وقد راحت الاخيرة تستجيب لاغراءات السوق و تتشبه بالغرب بدرجات الا ان تلك "الطبقة" لم تزد على جماعة "ما بعد حداثية" و-أو "ما بعد ليبرالية" فلم تكن مؤهلة لقيادة فانجاح ثورة مضادة على النظام الاشتراكى الصينى لحساب المشروع الرأسمالي ما بعد الصناعي او مشروع القرن الامريكى الجديد.  فرغم ما تمثل فى ميدان تيانمان قبل عدة أشهر سقوط حائط برلين و اندلاع الثورات المخملية فيما سمى بالجمهوريات الجديدة فلم تزد تلك الحركة مع مساندة الغرب النشطة و المعلنة سوى أن تمخضت كنظائرها السابقة و اللاحقة مثل حركة هونج كونج و غيرها عن جماعات الحقت نفسها بالغرب فهاجرت لاجئة سياسية الى منافى لم تبقى لها سقفا فكريا يذك ان ينسى و لا أرضا او قاعدة شعبية.  
2- و بالمقابل بقيت الصين تملك الجمع بين التاريخ و الحداثة. و تجمع الصين الى ذلك بين الاشتراكية و التمثلات المظهرية للرأسمالية
3- الا ان بضعة الاف او حتى ملايين صينى قد يأكل الطعام الامريكى السريع فى المدن الصناعية الصينية ما بين ساعات العمل.
4-و بالمقابل فان ما يشارف مليار صينى يأكل دود القز المشوى طوال اليوم على قارعة الطرق فى كل مكان.
5-و رغم ان شانغهاى اكبر مدينة فى الصين و قد راحت تجيش بمظاهر الفرح بالانتاج و الاستهلاك الرأسمالى الا ان موجات من الصينيين و السواح الاجانب ما ينفكون يقفون فى كل مرة مشدوهين لمرآى  الجيش الامبراطورى الفخارى The Imperial Terricotta Army
6-و يحج مئات الاف الصينين فى المناسبات و المواسم-ما يبرحون-الى اقدم و أكبر متحف للخزف فى العالم و الى المدينة. فروح الصين-وقد تحصنت باستمرارية حضارية منقطعة النظير تقف دون الاختراق مثلما وقف حائط الصين العظيم باكرا أمام الغزاة و مثلما تأهب 800 الاف محارب فخارى للموت مع الامبراطور هوان تشى دفاعا عن السماء حتى لا تنطفئ شمس الامبراطورية المشرقة. ذلك ان الصين امنتعت دون ما عدها على الاجتياح الثقافى او الحضارى فعلى الاختراق قياسا على الحضارات المائية المشابهة من شبه الجزيرة الهندية و بابل و وادى النيل.
7-رغم الرسملة المشوهة و المشوهة و قد بقيت جزئية بعد اكثر من خمسين عاما حيث كانت قد بدأت غب الحرب العالمية الثانية كما ذكرنا فى مكان اخر-و ربما بسبب تلك التنويعة من الرسملة-فان استمرارية الحضارة و الثقافة الصينية بقيت قمينة بامتصاص التشوهات الرأسمالية و اعادة تمثلها فى كل مرة. و قياسا ما ينفك ملايين الصينيين يتأهبون للدفاع عن اسلوب حياتهم ان لم يكن عن الاشتراكية و قد شهدوا ما حاق بالروس و غيرهم من شعوب الجمهوريات الاشتراكية الاوربية الشرقية من هناء رأسمالية اقليات مافيوية ونعيم ديمقراطية محض الاقتراع كل 4 او 5 سنوات.      
الاقتصاد السياسى للفرح و الغم و الخديعة:
رغم ان الصين و اليابان تقومان بما كانت صناعة فورد للسيارات تقوم به من اعادة تصدير الفائض من الرساميل-عائدة مجددا-الى امريكا بوصف ان الصين واليابان تؤلفان المستهلك الاخير للرساميل الامريكية و السلع الرأسمالية الامريكية فى شكل اسهم و سندات رأسمالية. الا أن صناعة السيارات الصينية باتت تهدد جنرال موتورز General Motors أكبر و اقدم صناعة للسيارات الامريكية. و يؤذن ذلك بالاطاحة بديترويت اهم المدن صناعة السيارات و معقل الحركة العمالية و مهد ميثلولوجيا الديمقراطية الامريكية غب الحرب الاهلية. والى ذلك تؤثر صناعة النسيح الصينية على نظيرتها الامريكية اقتصاديا و سياسيا مما أفلست معه 17 شركة نسيج امريكية  فى الاربعة اشهر الاولى من عام 2005. و قد تم جراء ذلك الاستغناء عما يقدر باكثر من 19 الف عامل فى صناعة النسيج  بالولايات الجنوبية و بخاصة فى تكساس معقل قاعدة جورج ووكر بوش. و يضطر تنافس صناعة النسيج الامريكية مع نظيرتها الصينية الى تركيز الاولى على تشغيل العمالة عير الماهرة و المقيدة جراء الهجرة غير القانونية و  شبح الافقار الموصوف الخ و معظم الاخيرة من الهيسبان و المكسيك. و يدعو توفر تلك العمالة الى الاستغناء عن العمالة الماهرة-بتواطؤ اصحاب العمل و المخدمين-تغريبا للعمل الامريكى و يضر بشعبية بوش الابن بين الهسبان والمكسيك و السود.
و لعل نشوء الصين منافسا محتملا لا محالة للولايات المتحدة من شأنه نشر شرط الاحباط بين فئات عريضة من الامريكان فاحلال شرط اندلاع الانتفاضات و الثورات الشعبية ألآتية. على انه اذ تنتج الصين بالمقابل نصف المحاصيل الغذائية فى العالم و تصدر عمالة ماهرة و رخيصة معا فان الصين مهددة بدورها بتداعيات مثيرة. ذلك ان تصدير العمل الماهر من العوالم الثالثة و منها الصين الى العالم الاول يعادل بدوره تصدير المحاصيل الغذائية من العوالم الثالثة و الرابعة. ذلك ان استيراد العالم الاول للعمالة من العالم الثالث كالهند و الصين و غيرها بمثابة امتصاص دم التنمية البشرية مثلما يعنى استيراد العالم الاول للمواد الغذائية من تلك العوالم استيراد المياه من الاخيرة فالتعجيل بحروب الماء القادمة ناهيك عن استرخاص العمل الزراعى و غير الزراعى جميعا. 
و ترتهن الصين و اليابان و الهند و ربما البرازيل بدرجات المقياس للاقتصاد الامريكى من ناحية مما أاعرفه بالاكراه الاقتصادى بمعنى اجبار الاخيرات بدرجات المقياس على التبادل مع الولايات المتحدة مرة. و مرة اخرى يخضع اقتصاد تلك المجتمعات لعمليات ابتزاز بيئى ان صح التعبير-ان ثابرت الصين و الهند مثلا على النمو بالمعدلات الماثلة. و  تروع الولايات المتحدة الصين و الهند مثلا بتهمة تلويث العالم-و هى تزويق مخاتل لمغبة منافسة الاخيرات للولايات المتحدة فى استخدام الطاقة و بخاصة النفط و الماء و غيرهما من السلح الاستراتيجية. و يوقف التنافس المذكور فوق رأسه بغاية قلب الموائد على منافسى الغرب-الولايات المتحدة-فاتهام كل من عدى الغرب الصناعى الغنى-الولايات المتحدة على الخصوص باقلاق المجال البيئى و خلق الاحتباس الحرارى الخ.
و تحاول امريكا ضرب الصين و باكستان جميعا بالهند فيما تخايل لها امكانات السوق الصينى حيث يقدر تعداد الطبقة الوسيطة أو المتوسطة وحدها ب 40 الى 120 مليون نسمة قابلة للزيادة تباعا مع النشوء المتسارع  لتلك الفئة. و تتغاضى أمريكا عن علاقات العمل العبودى و عن التجارب النووية التى تجريها الهند منذ 1998 . و قد تحل مشكلة كشمير خصما على باكستان. و قد تستمثر الرساميل عابرة الحدود و بخاصة الامريكية فى الهند و تستبدل الاستثمارات الصينية فى الولايات المتحدة  بالاستثمارات الهندية.
و بالمقابل لعله من المفيد تذكر أن الصين و اليابان بات عليهما التعين على شراء ديون امريكا بمغبة الارتهان بالاقتصاد الامريكى. فان أى حدث سوى اصابة الاقتصاد العالمى بكارثة اقتصادية مالية كبرى لن لا يعتق الاقتصاد الصينى او اليابانى. فما لم يصب الاقتصاد العالمى بكارثة اقتصادية كبرى فسيبقى اقتصاد الصين و غيرها مرتهنان بحجم ديون الولايات المتحدة غير المسبوق. ذلك انه ان لم تشتر الصين و اليابان ديون امريكا اصيب اقتصاد امريكا بالكساد مما يخلق شرط ارتفاع العطالة فى كل من الصين و اليابان. و حيث غالبا ما تعجز الاخيرتان عن احتمال مغبة كساد الاقتصاد الامريكى فان الاخير-و قد تمأسس على الديون الخارجية-ما ينفك يتعين على تدوير  to Recycle مشاكله الى ما لا نهاية خصما على المرتهنين بذلك الاقتصاد. و يعبر الاخير عن نفسه فيما يشارف المحنة الاقتصادية و المالية فالمحنة الفكرية و  التنظيمية. فارتهان الصين و الهند و قد تمل فى تبادل اعتماد مكره Complusive Interdependence بات مؤشرا لحجم التنافس على السلع الاستراتيجية.
على أنه فيما يرتهن اقتصاد اغنى الدول الغربية بالديون الخارجية فتصاب بعجز الموازنة بتنويعاتها الا ان اقتصاد الصين لا يبقى و حسب اكبر اقتصاد فى العالم و انما يتمتع بفائض فى الموازنة الخ مرة. ومرة ثانية  تفوق معدلات نمو الصين و الهند معدلات نمو نظائرهما الصناعية الغنية الغربية فيما يتناقص حجم التبادل البينى بين الاول و الاخيرات: و فيما يلى ملخص للقسمات العامة لصورة اعلاه باختصاره:
1-يخلق التنافس على الطافة و المورارد المادية و غير المادية-البشرية-المتاحة حالة شبه مزمنة كوظيفة لترجيح كفة الثروات المادية و غير المادية باتجاه الدول الغنية و بخاصة الولايات المتحدة. و تيسر تلك الحالة اختلاق اسباب الحروب الامريكية الدائرة حول السلع الاستراتيجية كالنفط و الماء الى تحميل كل من عدى الولايات المتحدة مغبة تناقص تلك السلع الى مسئولية تلويث البيئة. و تدخل الصين و الهند و البرازيل الغرب فى محنة جراء المسائل العالقة بالتلوث البيئى ليس وحسب بوصفها مثيرة للجدل و انما و الاكثر لانها جائت لتبقى و لا سبيل الى اقصائها عن مكونات القضايا اليومية للناس العاديين و للدول. و مع ذلك ما ينفك الغرب-الولايات المتحدة على الخصوص-تحتج على اعتبارها هى مسئولة عن الاحتباس الحرارى. و فيما يروق لمعظم  الدول الغربية الصناعية الغنية-و بخاصة الولايات المتحدة-من وقت لآخر الجأر بان الصين و الهند باتتا مسئولتان عن نسب عالية من التلوث البيئى و التغييرات الحالة فى الطقس فى كافة انحاء العالم-تشير امريكا الى صيف 2004 كونه قرينة على مسئولية الناس جميعا الا امريكا عن الاحتباس الحرارى. \
ذلك ان  الولايات المتحدة  تتعين على أعلى نسبة من التلوث البئيى فى العالم فيما تسارع بالمقابل الى انتهاز فرصة اتهام من عداها بتناقص الموارد. و تلوث امريكا العالم بنسبة 25% و تلوث اوربا العالم بنسبة 13% مقارنة مع الصين التى تتسبب فى تلويث العالم بنسبة 12%. و تعتمد الصين على الفحم الحجرى. و لديها 130 الف منحم فحم لتوليد الكهرباء للاضاءة و لادارة المصانع. ومع ذلك يستهلك الصينى مثله مثل الفرد فى العالم الثالث محض 82 وات مقابل 8 الاف وات للفرد فى العالم الاول.
و ترفض امريكا التوقيع على بروتوكلات حقوق الانسان و على اتفاقية تفخيض الانبعاث الحرارى و التوث و ارتفاع نسبة ال سى 2 فى الجو. و لا يوقع جورج ووكر بوش على اتفاقية كيوتو بشأن الاحتباس الحرارى وحسب بل لا يرى جورج ووكر بوش ما يدعو حتى الى لفت نظر أصحاب المشاريع الزراعية الامريكية الكبرى Agribusiness الى ما يترتب على تقطيع الاشجار فى كل مكان بما فى ذلك الولايات المتحدة نفسها ناهيك عن التفكير فى معاقبتهم. و فيما لا تعترف الولايات المتحدة بان التغييرات التى يلاحظها الناس فى كل مكان هى من فعل الانسان فى درجات المقياس الا انها و مع ذلك ما تنفك تنتهز كل فرصة لاعتقال نمو الصين و الهند و البرازيل بمطالبة الاخيرات و غيرها من الدول المسماة نامية بالتوقف عن استخدام الطاقة و قطع الاشجار فالتصنيع و غيره من المناشط الاقتصادية.
2-عجز الموازنة الامريكية التى توشك ان تغدو مزمنة بوصفها لم تعد عرضا و انما تبدو و كأنها باتت مكون للاقتصاد الامريكي ما بعد الرأسمالي مثله مثل غيره من الرساميل الدائرة فى فلك الاول. ذلك انه حيث تنتشر ظاهرة عجز الموازنة بتنويعاتها التجارية و عجز الميزانية العامة بين كافة الدول فى المقياس المدرج فقد باتت الدولة و حكامها من بوش الى بوتين الى اسانجو اوبانجو رهناء للرساميل الدائنة. و يلاحظ المدافعون عن والمنظرين لاقتصاد الارتهان بالدائنين ان ذلك الارتهان يدفع الانظمة الى التحالف مع الدائين مكرهين مزعنين او راغببن مما يفاقم مراكمة ديون فائقة.
3-و  بالمقابل لا تراكم الصين ديونا تذكر مقارنة مع حجم اقتصادها و قياسا على ديون الولايات المتحدة. و لا تشكل ميزانيتا الصين التجارية والعامة عجزا تجاريا أو عجزا فى الموازنة العامة بل العكس. و من المفيد تذكر أن الصين تملك كما المحنا اعلاه فائض موازنة دولارى حرى بارتهان الرأسمالية ما بعد الصناعية الامريكية او مشروع القرن الامريكى الجديد و روافده وفروعه من دمقرطة الشرق الاوسط الكبير الى نشر السلام فى جنوب شرقى اسيا.
3 -تؤلف معدلات النمو و مؤشرات التبادل والتجارة البينية ما يبدو و كأن نمو الصين يخصم على النظيره الامريكية و ربما على حجم التبادل بينها على الاقل. و تنمو الصين بمعدل 8% الى 10% على مر العشر سنوات الماضية على التوالى مقارنة مع الغرب و الولايات المتحدة حيث يسجل معدل نمو الاخيرة ما لا يزيد عن 2.5% الى 3% .
4- و قياسا فبعد تسلم بوش الابن-مثلا-اقتصادا تمتع بفائض موازنة تجارية و فائض موازنة عامة الا ان بوش الابن سرعان ما راكم خلال فترة ادارته الاولى وحدها 300 مليار دولار عجزا فى الموازنة التجارية و حجمها او ما يزيد عليها عجزا فى الميزانية العامة.
5-و يشير الميزان التجارى الصينى حسب التقرير السنوى لعام 2004 لمجلة "الاقتصادى" The Econimist –الاسبوعية4 الى ان صادرات الصين لعام 2003-4 بلغت 226.1 بليون دولار يمثل 20,4 % منها صادرات للولايات المتحدة. و بالمقابل بلغت مستوردات الصين ما قيمته 243.6 بليون منها 17.6%  من اليابان فى حين استوردت الصين من  الولايات المتحدة محض 10.8%[2].
و بالمقابل ينشط ما بعد الحداثيين كلما ارتفعت الموازنة الصينية التجارية خصما على الشريك الامريكي فى احراج السلطة الصينية القائمة او ارهابها بكرباج التعددية الحزبية و حقوق الانسان انتقائيا كمثل ما حدث فى نهاية الثمانينات فى الصين. فقد غدت احداث ميدان السلام السماوى– تيانمان–فى بكين السياط التى تلهب بها الولايات المتحدة ظهر الصين كلما ارتفعت الموازنة التجارية لصالح الصين و انخفضت وارداتها من امريكا خصما على خلق العمالة فى الولايات المتحدة. و لا يرف لامريكا حفنا عندما يروح مئات الاوزبيك او غيرهم ضحايا حكومة اسلام كريموف و لا تعرف حتى اعدادهم. المهم فكلما انخفضت معدلات "نمو" الاقتصاد الامريكى ارجعت مسئولية ذلك الانخفاض الى اشكالية الاصلاح الاقتصادى الصينى. فانخفاض معدلات نمو الاقتصاد الصينى وظيفة ضعف ادراك الصينين بحقوقهم المطلبية فمطالبتهم بها. و طالما بقى العمل الصينى رخيص أو مسترخص و يخضع لعلاقات عمل تشارف العبودية فان سعر تكلفة الانتاج السلعى و  الخدمى الصينيى حرى بان ينافس سعر تكلفة نظيره الامريكى. و يدفع ذلك الى هروب الرساميل الى الصين و تدفق السلع الصينية الى الغرب-الولايات المتحدة.
و قياس يستدعى تلكؤ عملية "الاصلاح الاقتصادى" فى الصين او غيرها و ترتفع أصوات الليبراليين الجدد محتجة على انتهاكات الصين لحقوق الانسان و تثابر تلك الاصوات على رفع عقيرتها باتهام الصين ف "فضح لا انسانية الصين" بالنسبة لعلاقات العمل مرة و بغياب الديمقراطية فى الصين مقارنة مع هونج كونج مرة. سوى ان شيئا يذكر او ينسى لا يفعل أو يترك ازاء ارتفاع نسب اجهاض الاجنة من الاناث الصينيات حتى باتت تلك الظاهرة تهدد المجتمع الصيني بخطر عجز فى الموازنة بين الجنسين. فثمة 14 ذكر مقابل كل انثى تولد فى الصين حيث سيزيد عدد الذكور الصينين ب 25 مليون على عدد الاناث فى 2020 مما دفع السلطات منع استخدام المجس الصوتى فى معرفة جنس الجنين قبل الولادة Sonar Scanning.
و قياسا تعيد العولمة-الامركة الى ذلك انتاج العبودية بادواة الانتاج و علاقات الانتاج السيبرية  Cyber-technology- relations of   production   فتنشأ ظاهرة ما اسميه "الرق" السيبري Cyber slavery. فقد تمأسست صناعة السيارات فى كل من بريطانيا و الولايات المتحدة منذ 1906 فوق علاقات عمل يشارف الرق المنقول بل احيانا الرق المقيد مع دخول اسلوب و علاقات العمل العبودى بوسائل انتاج عالية التقنية. و كان تشارلى شابلين قد سجل تلك العلاقات باكرا فى فيلم الازمنة الحديثة منذ اربعينات القرن العشرين. و ما تنفك الرأسمالية تستورد العمالة المقيدة Bonded Labour-على نحو يشارف العبودية- سوى ان الاخيرة و قد بات الطلب على تنويعاتها من الخريجين  و بدرجات علمية و بالالوان الطبيعية-يتجاوز حجم استغلال ذلك العمل. و مع ذلك تأت الرأسمالية ما بعد الصناعية على الخصوص فتتحدث عن عبودية نمط الانتاج الاسيوى او الشرقى فى الصين و الهند و جنوب شرقى اسيا و امريكا الجنوبية و شمال افريقيا و جمهورية جنوب افريقيا الخ. و يتمأسس نمط انتاج وعلاقات العلم العبودي السيبري Cyber Slavety-based mode of production أو نمط انتاج الرق السيبرى على وسائل انتاج عالية التقنية وصولا الى تقنية الفضاء ليس و حسب عابر القارات و انما عابر الاكوان. وتوظف علاقات الانتاج السيبرية فى انتاج و اعادة انتاج الامركة-الكوننة-المكدنة منذ نهاية التسعينات بعلاقات عمل تستقطب العمل الرخيص فى افغانستان و فى ماليزيا و غيرها من الدول المغضوب عليها او غير المستلطفة من قبل راس المال عابر الحدود القومية بالابتزاز الديبلوماسى الايديولوجى و التنظيمى و القانونى وصولا الى التهديد بالحرب بتحريض فئات سكانية فئوية و نوعية و ايديوليوجية على الخصوص. وهكذا تتصل الاحابيل و التذرع و الانتقائية فى الجأر بالباطل و بقولة حق يراد بها باطل الخ و كلها من شيم عالم كئيب.
 
براديجما التخاتل:
تدرك الولايات المتحدة و بريطانيا على الخصوص كل من مغبة وحتمية منافسة الصين فتنفقان الوقت و الجهد فى تأمل الصين و تحليل الاقتصاد الصينى و المجتمع و التاريخ الصينى و صناعة السيارات و غيرها الصينية و اليابانية. و يثير مقاسمة الصين للدول الرأسمالية الغنية سوق النفط و الغاز والمعادن حدا باتت سيرة الصين معه تكاد تصب مع الماء كلما فتحت الصنبور. و لعل اكثر ما يثير رعب الولايات المتحدة على الخصوص أنها حيث بقيت اكبر مستودع للرساميل الهاربة منذ الحرب العالمية الثانية الا أنها تدرك أن تلك الرساميل حرية بان تترحل متبدونة مثلما فعلت منذ القرن التاسع عشر من أوربا الشرقية الى اوربا الغربية-فرنسا و المانيا وبريطانيا و الخلافة العثمانية الى العالم الجديد. و قد ترحلت تلك الرساميل المبدونة من بعد من الولايات المتحدة و بريطانيا و غيرها الى النمور الاسيوية و الفهود اللاتنينية. و ما تنفك تلك الرساميل تهاجر مبدونة مرة اخرى الى اسيا الوسطى و الى الصين تعيننا و هكذا.\
و من المفيد ملاحظة انه و ان كانت بدونة و هروب رأس المال ما بعد الصناعى من كل مكان الى كل مكان-مما لم يزوق تكاذبا فى العولمة-الكوننة-حتى الربع الاخير من القرن العشرين-الا أن تبادل اعتماد الاقتصاد الامريكى والصينى كان قد بدآ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مع بداية هروب الرساميل الى الصين تباعا. و كانت الصناعة الصينية قد بدأت تغزو الاسواق العالمية باكرا و قبل البوح باسم العولمة-الكوننة. سوى ان ما يبدو انه يأخذ الغرب-الولايات المتحدة على حين غرة هو معدلات نمو الاقتصاد الصينى غير المتوقعة الا ان ذلك ليس وحده مدعاة لضغينة الغرب. ذلك ان نمو الصين على النحو المذكور يدحض فيعرى فيما يعرى البراديجمات المتخاتلة بشأن انماط الانتاج غير الغربية. فقد كان كل من الماركسيولوجيين و الليبراليين قد تواطأ على وصم الصين و تنويعاتها العالم ثالثية بالاصابة بتخشب الاطراف و ربما بفيروس شلل الاطفال الراجع الى نمط الانتاج الاسيوى. على ان تجليات الاقتصاد الصينى ما انفكت ان كشفت عن ان الصين رغم كل شئ أو بسببه تبقى حضارة عمرها أكثر من 2000 عام على الاقل. و حيث تملك تلك الحضارة و تعتز بها فان الصين تملك فى المحصلة النهائية القابلية على التأقلم على اختراق الرأسمالية ما بعد الصناعية دون ان تهتز ثوباتها بالقدر الذى يودى بهويتها وخصوصياتها التاريخية و الثقافية.
ذلك ان الصين تملك كل من حضارتها و القدرة على الاستمرار و الازدهار مجددا فالاستعصاء على اباحية و ابتزال الرأسمالية لحرقة قلب الاخيرة. فقد تعصم الصين قدرتها على الاستعصاء على تخاتل النظر الغربى-سواء ليبرالى او ماركسيولوجى. فقد كان الفكر الليبرالى قد ارسل النمط الاسيوى او الشرقى الى بيداء اللا نشوء الاجتماعى الاقتصادى فختم على اصحابه بالقعود الى الابد عند حواف التقدم و الازدهار فى اكثر احوال النظر الغربى تفضلا على اصحاب النمط الآسيوى-الشرقى- تفريقا له على نمط الانتاج الاقطاعى الشمال غرب اوربى. و بالمقابل عمش الماركسيولوجيون على نمط الانتاج الاسيوي او الشرقى-فاخفوا كل اثر للمسلمة فى الادب الماركسى حتى ما بين ثلاثينات القرن العشرين او ما بعدها. و اشير ايجازا فيما يلى الى بعض اسباب التكتم عليه[3].
المهم لم يعصم نمط الانتاج الاسيوى الصين و انما نفت التجرية الصينية و تنفى التجربة الهندية و البرازيلية عن ذلك النمط وصمة انه مدان بلون جلده و عيونة سلفا. ذلك انه حيث وصم نمط الانتاج الاسيوى أو الشرقى بالجمود و بالتحديق فى الماضى و الاطراق فيما بين قدميه مستعصيا على "التقدم" و التطور فالنشوء الا ان تلك العصمة قد تمأسست فوق و قد بقيت تصدر عن ما يسمى بالنمط الاسيوى أو الشرقى. و لا تنفى الصين-و الهند و اليابان و البرازيل و غيرها كل لاسباب تخصها-شرط تلك الوصمة وحسب و انما تهدد الصين-على الاقل-نمط اللا انتاج الامريكى ما بعد الرأسمالى اقتصادية و فكريا.
 و ليس غريبا الا يقيض للثورة الثقافية الصينية تحليل يذكر او ينسى من قبل الرفاق الا بقدر ما راح الماركسيولوجيون يصمون الصينيين غب انقسام المعسكر الاشتراكى بالمراجعة. و كأن مراجعة أى شئ تجديف بحق الشئ. و قد ترتب-كفرانا بالصبر على النضال-أن أعتنقت الاحزاب الاوربية اليوروماركسية Euromarxism منذ ستينات القرن العشرين. و لم تنفك الاحزاب الاشتراكية و اليسار عموما أن تطيرا من كل ما يتصل بماضيهم النضالى مع سقوط حائط برلين فلم ينفكا ان تيتما فكريا وتنظيميا. و بالمقابل فقد كشفت التجربة الصينية فيما كشفت ان الرأسمالية ما بعد الصناعية ليست سوى نمط انتاج اسيوى شرقى يتمأسس فوق علاقات العمل العبودى سواء سيبرى بالالوان الطبيعية أو باثمال بالية.
الصين و الدول العربية
ربما كان من الطريف و الغريب معا ان يتصل قدر الصين و السودان منذ القرن التاسع عشر. فقد حل غرودون-و كان يسمى غردون الصينى Chinese Gordon-بالسودان غب حرب الافيون فى الصين عبورا ببليجيكا مرتزقا كعهده. و قد اختلقت ميثولوجيا غردون الخرطوم Gordon of Khartoum  طويلة عريضة على مر نهاية القرن التاسع عشر الى الربع الاول من القرن العشرين حتى صدق ناسجوها انفسهم. و ما تبرح افلام تنتج و كتب تكتب في غردون الخرطوم  قد التقى محمد احمد المهدى فمفصل امتيازه البطولى مثلما زور البتاجون قصة العريفة المسكينة جيسيكا لانج فجعلها بطلة على الطريقة الهوليوودية و مثلما زور حقائق موت باتريك تيملمان نجم كرة القدم الامريكى فجعل من حقائق موته حدثا بطوليا فى حين أنه راح ضحية نيران صديقة.
و امعانا فى تدليس التاريخ كعادة التاريخ الرسمى الغربى فقد قد سميت أول و أهم جامعة سودانية بأسم غردون.
المهم يبقى لوجود الصين ماثلا كدولة كبرى و صديقة للعرب و المسلمين أهمية ملحوظة. فما يبرح وجود بعض الدول الاشتراكية مثل الصين و دول اشتراكية سابقا كروسيا على الساحة الديبلوماسية العالمية يوفر حتى بعد الحرب الباردة نوعا من العصمة للدول المستضعفة امام الهجمة الامريكية و لو نسبيا و فى المقياس المدرج. فرغم الابتزاز و الوعيد الامريكى لكل من يعصى الولايات المتحدة تنزع روسيا الفيدرالية الى الانفتاح على الدول العربية و الاسلامية فيزور بوتين اول رئيس روسى البلاد العربية لاول مرة منذ 40 عاما. و تقف الصين مساندة لتلك الدول و قد عزلت  تلك الدول فراحت تواجه بعضها عاجزة عن مواجهة الولايات المتحدة.
و قد عارضت الصين اجتياح العراق و وقفت و تقف موقفا موضوعيا من القضية الفلسطينية و تعارض الصين الهجمة الامريكية الفرنسية المحتملة على سوريا و على السودان. و تدفع الصين بمبدأ التفاوض وصولا الى حل سلمى بلا عنف لقضية دارفور. و بالمثل فى مواجهة ما يسمى  بالخطر النووى الايرانى و الكورى. و كانت الصين قد وقفت امام استصدار قرار ثان يسمح لما سمى ب"الحلفاء بخاطرهم" Willing Allies باجتياح العراق رغم انها صادقت على قرار مجلس الامن رقم 1441 و قد تعين الاخير على خديعة المصادقين على القرار وقد تخاتلت كلماته باللغة الانجليزية-الانجلبزية شديدة اللؤم و التكاذب. فقد كان موقف الصين و معها سوريا و بضعة دول صغرى من قرار ثانى لتسويغ الحرب قانونيا قد دفع المناهضين للامم المتحدة و مبدأ شرعية الحرب و تبرير الخروج على القانون الدولى الذى تعبر عنه الامم المتحدة  بادعاء "أن الاعتماد على صوت الصين وسوريا لاكساب قرارات مجلس الامن شرعية امر يدعو للسخرة و يتسم بالسخف". الا ان ما يثير  الاخيرين حقا هو ان  الصين تبقى من أهم اطراف العلاقات التجارية البينية مع بعض الدول العربية. فالصين مثلها مثل  فرنسا و اسبانيا شريك اقتصادى و تجارى و من حيث الاعمال و الاستثمارات فى الجزائر و السودان مثلا. وتعصم السودان مصالح الصين فى السودان نسييا حيث تنقب الصين عن النفط و غيره مما يثير حفيظة الولايات المتحدة و فرنسا و يدفعهما للتروى و لو نسبيا فى التحامق تحقيقا لمصالحهما.
وختاما:
 رغم انه ليس ثمة سبيل للقول او التكهن بما قد يؤول اليه اقتصاد الصين بل و اقتصاد الولايات المتحدة بالاحرى الا انه كلما كاد الاحباط يهبط على روحى و يداهمنى اليأس-مع هجمة الرأسمالية المالية ما بعد الصناعية-الكوننة-أو العولمة البربرية-مشروع دمقرطة الشرق الاوسط الكبير-من ان أجمل السنين التى لم يعشها العالم بعد محض وهم حلو و قد عشنا به زمنا رغدا الا ان المنى تحدونى-و قد قاومت كوبا 59 عاما و ما تبرح تقاوم على عتبة اقوى اقتصاد عالمى و اشرس ماكينة عسكرية و ان الصين شامخة بسبل اوتغدو أكبر اقتصاد فى العالم- من ان حظ جيلنا لم يسلبنا كل شئ كما يقول طاغور البديع. و لعل دعوة جدتى بان "يكذب ربك الشينة"-أى "بعد الشر و بعيد" بالمصرية -أجدر بالاستدعاء كل صباح فى زمان عدم الامان و الفوضى الفكرية و التنظيمية. فمن الذى يملك الوقوف فى وجه الحياة  من ان تغدو يوما عيدا من العمل و الفرح؟ 
 


[1]   تعد تايوان مسكنا خاصا يكتمل فى 2006 لزوج الباندا الصينى حتى لا يمسهما سوء لان أخطر ما يمكن ان يحدث ليس رفض الباندا بل أن تموت الباندا فى عهدة التايوانيين.   
 
[2]  انظر(ى)The Economist: World in Figures:2004 Edition:PP:126-127.
[3]  و قد تعينت على تأمل نمط الانتاج الاسيوى او الشرقى فى دراسة تعد للنشر بالانجليزية بعنوان تنويعات الاستبداد الشرقى و  الغربى. 
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024