الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة: منازل مدّمرة وحياة مدّمرة

فضيلة يوسف

2014 / 12 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


الأنقاض. هذا هو الثابت الوحيد لأسرة العواجا طوال فترة تعرفي عليهم.
تم هدم منزلهم من قبل الجيش الإسرائيلي قبل أربعة أشهر، - ولم تكن المرة الأولى التي يتم فيها تدمير منزل كمال، وفاء، وأطفالهم. وجدت العائلة نفسها محاصرة في حلقة مفرغة من الدمار والتعمير على مدى السنوات الست الماضية، فمنزلهم إما أن يكون مجموعة متشابكة من الخرسانة المحطمة وحديد التسليح الملتوي أو على وشك البناء.
التقيت للمرة الأولى مع عائلة العواجا في آب 2009، في خيمة كانوا يعيشون فيها. صورت لهم فيلماً ،عندما وصفوا لي ما حدث لهم في وقت سابق خلال الغزو العسكري الذي دعته إسرائيل عملية الرصاص المصبوب، وقالت إنه رداً على اطلاق الصواريخ من قطاع غزة، لم يكن لدي أي نية لصناعة فيلم عندما ذهبت إلى غزة، ولكن بعد سماع قصة العائلة، كان علي أن أفعل ، عدت مرة أخرى في عام 2012 ، وحافظت على الاتصال بهم في السنوات التالية، فتحت محنة عائلة العواجا نافذة على ما يواجه المجتمع الفلسطيني في غزة بأكمله ، على ما يشبه التعايش مع حرب لا تنتهي وخوف دائم. قصة عائلة العواجا تُلقي الضوء على ما يعانيه الفلسطينيون في غزة لسنوات لا نهائية.
ما جعلني أتمسك أكثر بعمل الفيلم ، طلب أطفال عائلة العواجا أن يكون لمنزلهم بابين عند إعادة بناءه عام 2012: فقد أصروا على منزل واثنين من الأبواب.
ماذا رأت عائلة العواجا
في مقابلات منفصلة في عام 2009، قالت وفاء وكمال العواجا لي نفس القصة، وانخرطوا في البكاء كلما تذكروا الأحداث المؤلمة التي وقعت في وقت سابق من ثمانية أشهر – تلك الليلة عندما خسرا أكثر بكثير من المنزل . في اليوم التالي، سارت وفاء المنكوبة معي غلى مكان الحادث تتذكر تلك الليلة، وتُشير إلى كل حادثة وقعت.
بدأت الحملة البرية "عملية الرصاص المصبوب "في 4 كانون ثاني، وكانت عائلة العواجا في المنزل. استيقظت الابنة الكبرى ، أمسيات البالغة من العمر 12 عاماً، حوالي الساعة 02:00 صباحاً . وقالت" أمي"، "الجنود عند الباب." قفزت من السرير للنظر. "لا يوجد جنود عند الباب حبيبتي "، وطمأنت ابنتها. عندما أصرّت أمسيات، نظرت وفاء مرة أخرى، وهذه المرة رأت الجنود والدبابات. وأوقدت الشموع في النافذة حتى تعرف القوات الاسرائيلية أن الأسرة في الداخل.
فجأة، بدأ السقف بالانهيار. هربت وفاء، كمال، وأطفالهما الستة ودمرت جرافة عسكرية إسرائيلية منزلهم .توالت الدبابات وتجمعت الأسرة تحت شجرة زيتون بالقرب من المنزل. عند الفجر تفحصت العائلة أنقاض منزلها.
وعندما كانت العائلة تحاول استيعاب خسارتها، سمعت وفاء صراخ إبراهيم البالغ من العمر تسعة أعوام. أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليه ، واستمر إطلاق النار .ركض كمال نحو الطفل المصاب وتمكنت وفاء بعد إصابتها أيضاً من الاحتماء خلف جدار من الطوب مع خمسة من أطفالها. ومن هناك، شاهدت كمال، المصاب أيضاً في منتصف الطريق، ولا يزال إبراهيم بين ذراعيه.
شاهدت وفاء الجنود الإسرائيليين يقتربون من زوجها وابنها سيراً على الأقدام، قالت لي هي وكمال - أطلق أحد الجنود النار على إبراهيم من مسافة قريبة دون سابق إنذار ، مما أدى إلى استشهاده. وربما افترض الجنود أن كمال قد مات بالفعل. وعلى الرغم من الجروح تمكنت وفاء وكمال والعائلة من العودة إلى منزلهم المدمر، حيث اختبأت العائلة تحت سقف منهار لمدة أربعة أيام بلا طعام أو مياه نظيفة، حتى مرت عائلة مع عربة يجرها حمار واقتادتهم وجثة إبراهيم إلى المستشفى في مدينة غزة.
لم يحقق الجيش الإسرائيلي أبداً في الحادث على حد علمي. وفي الواقع، لم يتم التحقيق سوى في حفنة من جرائم الحرب المحتملة خلال عملية الرصاص المصبوب من قبل إسرائيل. تركت اسرائيل عائلة العواجا مع ابنها الشهيد ، والاب والأم مصابين بالجروح الجسدية المؤلمة التي تلتئم في نهاية المطاف، لكن النفسية لن تلتئم أبداً، ومنزل تحوّل إلى كومة من الأنقاض.
الحياة تستمر
عندما التقيت بهم بعد ثمانية أشهر، كانت عائلة العواجا تناضل من أجل إعادة بناء حياتها. قال لي كمال " و الأصعب هو كيفية تقديم الأمن والأمان لأطفالي"، وأضاف "تصرفاتهم ليست هي نفسها كما كانت من قبل."
أشارت وفاء إلى ضياء الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات، وقالت :أُصيب هذا الصبي بصدمة منذ الحرب"، واضافت "انه ينام مع رغيف من الخبز في ذراعيه. إذا حاولت أن تأخذه منه، يستيقظ، يعانقه ، ويقول: إنه لي.
تابع كمال :"ما لا يمكنك إزالته أو تغييره هو الخوف في عيون الأطفال"، وأضاف "اذا رأى ضياء جرافة، يعتقد انها قادمة لتدمير المنزل، وإذا رأى جندياً، سواء كان جندياً إسرائيلياً أو عربياً، يعتقد أن الجندي يريد قتله. وأنا أحاول الاحتفاظ بهم بعيداً عن العنف، ولكن ما تعرض له يجبره على التعبير عن خوفه بالعنف. يمكنك أن تشعر العنف في قبلاته لك. انه يقبلك ثم يدفعك بعيداً. وقد يوّجه لكمة أو صفعة لك. أنا ضد العنف والحرب بأي شكل من الأشكال. وأنا أؤيد الطرق السلمية. هذه هي الطريقة التي أعيش وأربي أطفالي فيها. وبطبيعة الحال، أنا أحاول أن أبقي أطفالي بعيدين عن العنف، وأحاول مساعدتهم على نسيان ما حدث لهم، ولكن لا أستطيع محوه من ذاكرتهم. نقشت ذكريات الخوف في دمائهم ".
فكرت في كلمات كمال وأنا أصوّر ضياء وشقيقته هالة البالغة من العمر خمس سنوات وهم يركضون على أنقاض منزلهم المدمر - ملعبهم الوحيد – يدحرجون أغلفة الرصاص والشظايا أسفل السقف المنهار بحزن وفرح.
ما أثرّ علي بعمق للقيام بالعمل إصرار كمال ووفاء لخلق مستقبل للأطفال الباقين على قيد الحياة. قال كمال : "نعم، دمروا بيتي، ودمروا حياتي، ولكن لم يدمروا ما بداخلي" وأضاف :"إنهم لن يقتلوا كمال. ولن يقتلوا عائلتي. إننا نعيش، بعد كل شيء، ورغم كل شيء سنواصل العيش. انها ليست الحياة التي أردناها، ولكن أنا أحاول أن أوفر لأطفالي كل ما أستطيع. "
هشاشة الأمل
عدت إلى غزة في عام 2012، وإلى الخيمة التي لا تزال عائلة الخواجا تعيش فيها. وكانت آثار الصدمة من خبراتهم في عام 2009 - إلى جانب الحرمان اليومي وانعدام الأمن والحرية التي تميز غزة تحت الحصار - واضحة. قال كمال: "اعتقدت ان تلك الأيام كانت الأكثر صعوبة في حياتي"، وأضاف ،" ولكن اكتشفت بعد ذلك أن الأيام التي تلت كانت أكثر صعوبة".
قال لي كمال : لم تغيرني الحرب بشكل جوهري في عام 2009 ،وأضاف :الآن ببساطة ، فقدت نفسي، وكمال قبل الحرب لا وجود له اليوم ". وتحدّث عن صراخ أولاده، والاستيقاظ بشكل منتظم من الكوابيس. "إن الحرب لا تزال تطاردهم في أحلامهم."
كان الأكثر إيلاماً لكمال عدم قدرته على مساعدة أطفاله على الشفاء. ونمى الشعور باليأس و العجز عنده إلى النقطة التي أصبح فيها مشلولاً ويُعاني من الاكتئاب الشديد. قال:"حاولت وما زلت أُحاول إخراج عائلتي من الوضع الذي نحن فيه - الوضع الاجتماعي، والوضع التعليمي للأطفال، والوضع النفسي لي ولعائلتي". وأضاف : ولكن وضعهم يسوء.
جاءت زيارتي في عام 2012 ، خلال لحظة نادرة من الأمل. بعد ما يقرب من أربع سنوات، تُعيد عائلة العواجا بناء منزلها أخيراً. أحضرت الشاحنات أكياس الاسمنت. ويجري دفع عربات اليد مليئة بالحصى على ألواح خشبية للأسفل. كنت قد صورت ضياء وهالة يلعبون على أنقاض منزلهم المدمر عام 2009.و في عام 2012، صورتهم يتسلقون ويقفزون على أساسات منزلهم الجديد.
قال كمال :"أنا أبني منزلي". "فمن حقي في الحياة وحق أطفالي أن يكون لنا منزل ". "أنا أسميه منزل الأحلام ، لأنني أحلم أن أطفالي سوف يعودون إلى وضعهم الطبيعي قبل الحرب. وستكون هذه هي الخطوة الأولى لإيجاد مأوى لي ولأولادي، بعيدا عن الشمس والحرارة والخيام والتشرد. أملي وسعادتي الكبيرين عندما أرى أولادي يبتسمون ومرتاحون ... عندما ينامون دون كوابيس ". وأضاف كمال:" لا أستطيع النوم بسبب خوفي عليهم ".
ويمثل المنزل الجديد لوفاء، الأمل في مستقبلهم، وأثار بنائه أيضاً ذكريات الماضي لتلك الليلة عندما دمرت الجرافة منزلهم. كما قالت لي، "جاءت الجرافات والشاحنات لجلب مواد البناء في الليل، وفي تلك اللحظة، تذكرت الحرب مرة أخرى. عندما رأيت أضواء الجرافات والشاحنات تقترب ، سقط قلبي بين قدمي. كنت خائفة حقاً ".
وأعاد التخطيط للمنزل الجديد لوفاء وكمال ذكريات مؤثرة عن هشاشة الأمل في غزة. يطلب الأطفال من والديهم أن يكون في المنزل اثنين من الأبواب الخارجية"، قالت لي وفاء :" باب [عادي] والباب الآخر لنهرب منه عندما يأتي الاسرائيليون لهدم المنزل. ونحن نحاول أن نطمئنهم ونقول لهم إن شيئاً مثل هذا لن يحدث، ولكن لا، يصرون على اثنين من الأبواب. "اثنين من الأبواب، واحد هنا وواحد هناك ، حتى نتمكن من الهرب يا أبي".
الحرب على غزة عام 2014
بعد زيارتي لغزة عام 2012 ، كنت اتصل دورياً بعائلة الخواجا. وقال لي كمال إن البناء يسير بشكل متقطع وغير منتظم ، بسبب نقص المواد في غزة وافتقاره للموارد المالية. وأخيراً، ومع ذلك، وفي منتصف عام 2013 تم الانتهاء من التشطيبات الداخلية وكخطوة نهائية، تم تركيب الزجاج للنوافذ في شباط 2014.
وبعد خمسة أشهر، وفي شهر تموز، بدأ الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة. اتصلت بعائلة العواجا على الفور. قالت لي وفاء:" الأطفال خائفون ولكن الوضع ما يرام".
وكان الجيش الإسرائيلي قد حذر حيّهم لإخلاء ه واستأجرت عائلة العواجا الآن شقة صغيرة في مدينة غزة. استطاع كمال خلال وقف إطلاق النار الإنساني، العودة الى منزلهم ، تم هدم منزل عائلة العواجا مع الحيّ بأكمله.
قال لي كمال عندما تحدثت إليه في نهاية شهر أيلول أن أموال الإيجار نفذت. وأن البحث عن مأوى في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ليس خياراً قابلاً للتطبيق، لأن هناك بالفعل الكثير من العائلات معبأة في كل غرفة. مرة أخرى عادت عائلة العواجا إلى خيمة بجوار أنقاض منزلهم المدمر مرتين.
وضع العائلة أكثر كآبة بكثير مما كان عليه في عام 2009. ثم تمكنوا من الاستفادة من مصدر للكهرباء، وكان هناك مراحيض عامة لجميع الأسر التي تعيش في الخيم في المنطقة. قال كمال هذه المرة المنطقة بالقرب من منزلهم مهجورة تماماً: لا يوجد خزان للمياه، ولا كهرباء، والمراحيض عامة، لا يوجد موقد للطهي أو أنبوبة غاز. ممتلكاتنا الوحيدة القليلة قطع من الملابس تمكّنا من أخذها معنا عندما هربنا. كانوا ينامون على الأرض، وأضاف: لا فرشات ولا وبطانيات لدرء البرد، الخيمة فقط. يمشي الأطفال عدة كيلومترات لملء أباريق الماء من آبار القرويين الذين يعيشون بالقرب منهم ويسمحون لهم بجلب الماء بضع ساعات في اليوم.
قال لي وفاء أنها تطبخ على موقد خارجي باستخدام الخشب من بقايا منزلها. عاد الأطفال إلى البيت من المدرسة كل يوم في الأسبوع الأول، ينظرون لأنقاض المنزل ويبكون ، تحدثت على الهاتف مع أمسيات (17 عام) لفترة وجيزة ،كان صوتها الدافئ خافتاً خالياً من العواطف.
والأسوأ من ذلك، لا يزال كمال مديناً ب 3700 دولار من تكاليف بناء منزلهم السابق. على الرغم من أن المنزل لم يعد موجوداً لكن الدين باق، قالت وفاء "إننا نغرق".
الغرق في غزة
ليست عائلة العواجا هي الوحيدة التي تغرق في غزة. الرعب الحقيقي يكمن في تكرار الصدمة على نطاق واسع . كان إبراهيم العواجا البالغ من العمر تسع سنوات واحداً من 872 طفلاً في غزة تم قتلهم في الحروب المتكررة 2009 و 2012، و 2014 ، وفقاً لإحصاءات جمعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وبتسيلم، وهو مركزإسرائيلي لحقوق الإنسان. (وكان هناك أيضاً طفل إسرائيلي واحد قُتل بنيران الهاون في تلك الفترة).
يعكس صوت أمسيات الخافت تقييم صندوق الأمم المتحدة للطفولة أن ما يقرب من نصف الأطفال في غزة في حاجة ماسة إلى المساعدة النفسية. ورغبة كمال بعدم الانتقال إلى المأوى الجماعي أمر مفهوم، بالنظر إلى أن 53869 نازح لا يزالون مكتظين في 18 مدرسة للاونروا. كما أفادت لجنة مشتركة أممية . منزل عائلة العواجا هو واحد من 18080 منزلاً في غزة تم هدمها بالكامل أو تضررت بشدة في حرب 2014. يعاني 5800 منزل أيضاً من أضرار كبيرة، وأكثر من 38000 منزل من بعض الأضرار.
وتقدر اللجنة الأممية أن الأمر سيستغرق 20 عاماً لإعادة البناء في قطاع غزة - على افتراض أن لا يواجه عملية عسكرية مدمرة أخرى. كما حدث في السنوات الست الماضية، ومع ذلك، ما لم يكن هناك تقدم سياسي ذي معنى (أي إنهاء الحصار والاحتلال الإسرائيلي المستمر)،فإن المزيد من الأعمال العدائية لا مفر منها. لا يكفي الناس في غزة أن يكونوا قادرين على إعادة بناء منازلهم مرة أخرى. إنهم بحاجة الى فرصة لإعادة بناء حياتهم بكرامة.
قال كمال :"أنا لا أطلب من أي شخص عملاً خيرياً لبناء منزلي. هذه ليست المساعدة التي نريدها. نحن في حاجة إلى نوع من المساعدة، ترفع قيمتنا كبشر. ولكن كيف؟ هذا هو السؤال ".
ويبدو أنه لا يوجد جهود جدية في الأفق لمعالجة سؤال كمال، وجوهره الإصرار على الاعتراف بقيمة متساوية للإنسان الفلسطيني. ما دام هذا السؤال دون إجابة ويستمر حرمان الفلسطينيين من الحقوق الأساسية ، فإن التأثير المدمر للحروب المتكررة يستمر لكل عائلة في غزة والتهديد المرعب من حرب قادمة يلوح في الأفق دائماً. ولذلك فمن حق أطفال عائلة العواجا الإصرار على أن يكون لمنزلهم في المستقبل اثنين من الأبواب.
مترجم
Jen Marlowe








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ