الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث الفكري الإسلامي القديم بين تنقيح وتصحيح أم تجديد! ؟

هشام حمدي

2014 / 12 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الخوض في هذه الإشكالية الشائكة وفي أيامنا هذه خصوصا ونحن نمر بمرحلة دقيقة اختلطت فيها جميع الملفات الفكرية، الحضارية، السياسية، الاقتصادية، الأمنية، العسكرية، هو واحد من أهم المهام الصعبة ولن تكون بالمستحيلة التي وجب ويجب إعطاؤها الأهمية هي تنقيح وتصحيح بل وتجديد التراث الفكري الإسلامي القديم خصوصا في ظل تَغَول وتوغل منطق التكفير بالتفكير الذي أتى على الأخضر واليابس في دول العالم العربي الإسلامي وبعض دول شرق آسيا، في ظل غلق باب الاجتهاد والجمود على النقل وتحنيط العقل في الجسد.
لقد دارت وتدور حول هذه القضية-الإشكالية خلافات بالغة المدى والآراء فيها متعددة وأحوال القوم فيه متفاوتة، فهناك فريق أول يرفض هذا العنوان (التراث الفكري الإسلامي القديم بين تنقيح وتصحيح أم تجديد) لأنه ينظر نظرة تقديس للنص فلا يعير أي شيء شيئا من النقد على وجه الإطلاق، وفريق ثاني يدعو إلى وجوب إحلال العنوان المذكور سالفا في هذه الأوقات بالذات محل التنفيذ والتطبيق وينظر إليه على أنه ضرب من الماضي لا يتأتى أن نعول عليه على وجه الإطلاق، وفريق ثالث يتوقف في الخوض فيه.
لنكن شهداء للحق، ولنصادق الأنبياء لا الأغبياء، فالزمن ضيق والباب أضيق، فلنهجر الآن وطن الغفلة إلى وطن اليقظة ومن وطن عالم الأشباح إلى عالم الأرواح في أقصر الرحلات من النقل إلى العقل كما تقول مريم نور، فأولى الخطوات تبدأ بتنقيح وتصحيح التراث الفكري الإسلامي القديم بكسر القيود والأغلال التي شوهت ليس فقط تفكيرنا وأفسدت قراءتنا للحياة والكون والمصير بل فرضت قراءة تأويلية لأمور عديدة وأشياء كثيرة من منظور إيديولوجي ومنهجي واحد، من أجل التحرر من قشرة القداسة المحيطة بالنص وتعريته وتطبيق المنهج العقلي عليه، لأن التراث الفكري الديني دون علم أعمى والعلم دون هذا التراث القديم أعرج، خصوصا المتن النصي الموجود في أمهات كتب التراث التاريخي القديم الثابت والذي لم يتغير منذ 12 قرنا، تلكم الكتب التراثية التي أنجبت لنا من باطنها وبطنها حركات تكفيرية تعتمد القتل و جز الرؤوس منهجا ومنهاجا ويتخذون من قتل العدو عدل وقتلُ العدو لهم ظلم وبأن رأيهم ودينهم صواب ورأيُ مخالفيهم ودينهم خطأ أليس هذا بمنطق كل ذكي– وكل غبي، وكأن البيت الشعري للمعري }والذي كان يحكى لنا عن عدم تفاؤله أما العبد المتواضع لله فيقول بأن من عمل وشغل وانشغل طول عمره بنقد الخداع والزيف الديني لا يمكن أن يكون متشائما بل هو أكبر العرب المسلمين تفاؤلا { لازال صالحا في زمننا هذا والذي يقول فيه: اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دَيِّنٌ لا عقل له، لينتهي بنا إلى واقع راهن معتم وقاتم ومظلم وظالم. إن الجمود والتقديس والعبادة والعكوف والانحناء على النص والاقتصار على فهم السلف للدين ونصوصه أدى إلى قولبة التراث الفكري الإسلامي وحبسه في صندوق السياق التاريخي، ولهؤلاء الذين غلقت آفاقهم الفكرية وأولئك الذين ما تزال بصيرتهم وأبصارهم عليها غشاوة القدسية للنصوص والشخوص أقول كما قال محمود نجيب: أنتم عبدة أصنام و لا فرق بين عبدة الأصنام وعبدة النص، لدرجة جعل بعض من جهابذة الفكر الإسلامي يتصاغرون أمام النص كأقزام يرتعشون خوفا وهلعا مثل فأر رأى شبح قط، هكذا فعل ولازال يفعل بجهابذتنا المتكبرين المغرورين زئير النص.
ثم تليها الخطوات الثانية وهي الأهم، القيام بالتجديد. التجديد} الذي ذكر في رواية عن أبي داود في سننه عن سليمان بن داود المهري قال: " أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "{ المراد به إخراج التراث القديم في ثوب جديد مقبول ومحمود، وهذا يعني عدم إلغاء الثوابت الإسلامية، لأن كل زيادة في الإسلام تعد حراما، ويجب أن توكل مهمة تجديد وإصلاح وتصحيح وتنقيح التراث الفكري الإسلامي القديم لأهل العلم والمعرفة من مؤسسات ومعاهد وجامعات ومراكز أبحاث، لأننا أصبحنا نعاين أن الفردية في التفكير أجهزت على الحيوية والليونة التي كانت من أهم ميزات ديننا الإسلامي الحنيف. إن المقصود بالتجديد هو إعادة فهم النص بمنظور الألفية الثالثة أي نزع الغطاء الذي يحجب الرؤية ويعطل ويشل ويخدر الحركة الفكرية التحررية والتنويرية من مذاهب دينية تشبع نشوتها، بالرجوع لبضاعة مخزونة في متحف الماضي، بأفكار تبريرية و تزويرية. وعدم جعل أيضا النص التاريخي القديم مقدسا يبنى عليه وإعادة الحيوية والنشاط لحركة الاجتهاد وفق الضوابط الشرعية وإعادة استكشاف مقاصد الشريعة لما يخدم إنسانية الإنسان وليس ذبحه وسبيه وبيعه.
نحتاج إلى تجديد لأن نصوص الشريعة محدودة والحوادث والوقائع ممدودة، بعكس الأفكار الشائعة فإن التراث الفكري الإسلامي القديم لم يبق جامدا طيلة هذه القرون، بل تعضد بتحولات عميقة سواء كان ذلك على مستوى النظم العقائدية أو على مستوى الممارسة التاريخية والجغرافية والسياسية والثقافية، كذلك كانت التغيرات عميقة فيما يخص الفكر والمجتمع الإسلامي بالرغم من تأخرها الحضاري الواضح، نحتاج إلى تجديد لأن الفهم الجديد الدموي الأحمر ألصق ظلما وبهتانا بهذا الدين، ولأننا نفكر في المستقبل والمستقبل يبنيه الحاضر والماضي، والماضي تاريخ والتاريخ هو بالضرورة سجلنا بسلوكنا نحن، وإذا لم يكن هذا السلوك في الماضي محلا للدراسة والتجديد والفهم المتنور والفحص المتحرر، فإننا سنصبح ليس فقط مهددين بعدم الاتجاه إلى مستقبل أفضل من ماضينا بل إلى الأخطر بالمساهمة في نسخة كربونية أخرى لهذا الماضي.
إننا لا نعيش في فضاء مغلق ولا خارج إطار زمن العولمة بل نحن منغمسون تماما في الحداثة بإنجازاتها الإيجابية وآثارها السلبية معا، لكن ونتيجة لهذا الانغماس الآلي والغير الخاضع للتفكير في الحداثة التي غزت العالم العربي الإسلامي كما غزت غيره من سكان هذا المعمور، أفرغ غياب البناء الفكري والتأسيس الأخلاقي هذه الحداثة من قيمتها الإنسانية وقلصها إلى مكتسب تقني على حساب الحريات الأخلاقية والمدنية والسياسية، وهكذا فقد تحولت ولا تزال إلى تحديث أدوات اضطهاد الإنسان، في حين أن أصل شرعيتها كان تحريره. .
أخيرا وليس آخرا، يجب إعادة النظر في التفرقة بين المقدس وغير المقدس (ما هو غير مقدس ليس تهميشا أو دنسا بالضرورة). أو ادعاء اختلاف وخلاف بينهما. فلا شيء مقدس في كتب التراث القديم غير القرآن والسنة المتواترة الموافقة للقرآن وقيمه، ليبقى الحل العاجل هو تجديد وإصلاح وتنقيح وتصحيح التراث القديم بطريقة علمية حضارية حتى نحافظ على أجيالنا التي بدأت تشد الرحال إلى الشرك والإلحاد فرارا من انغلاق فكري وتكفير أعمى.
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف