الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من اليأس إلى دولة الثورة

عبدالحليم حفينة

2014 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ربما تكون من بين هؤلاء الذين أصابهم اليأس، فتشعر أن الأمل أصبح هباء منثورًا، وأن البلاد أصبحت كتلة من يأس تتحرك بين أيدي عابثين ماجنين لا يقدرون معنى الأوطان، ولا يعبأون كثيرًا بأحلام وطموحات ملايين الفقراء الذين تسحقهم قسوة الحياة، ربما تكون محقًا في كثير من تلك الأمور، وقد أشاركك مشاعرك تلك أيضًا، بل وأزيدك عليها غضبًا على على غضب على أنظمتنا وحكامنا جميعًا، ولكن ما جدوى اليأس إلا مزيدًا من تحكم المستبدين وطغيانهم؟!

فهل تتخيل أن من يستبد بك سيحزن ويحرم النوم ويرق قلبه لحالك؟! ربما تتوهم أنه قد يفيق من تلقاء نفسه، ويتخلى عن مصالحه وإمتيازاته ليعلن لك أن تاب وأناب عن الفتك بك وبأحلامك؛ ليعطيك كافة حقوقك، فقط لأنه أتته رؤيا تنذره بعاقبة أمره؟! أو قد تتصور أن يخرج ملايين العوام الذين يتلاعب الإعلام بعقولهم، ويأكل الجوع أمعائهم؛ ليطالبوا في ثورة عارمة بنظام ديمقراطي يكفل كل الحقوق والحريات، لتنعم أنت بحرية التدوين على شبكة الإنترنت دون أن تتعرض لتوقيف أجهزة الأمن!

إذا كنت من بين هؤلاء الذين يتوهمون كل تلك الأحلام، فأبشر يا صديقي، فأنت من بين الذين آمنوا بأن سقوط حسني مبارك يعني إسقاط النظام، ومازالوا لم يعوا الدرس جيدًا، فقد نسعى جميعًا للتغيير، ولكننا لا نعرف أن التغيير يشبه مجهود نقل جبل من مكان لآخر! بعضنا يظن أن التغيير هو بالأساس آلية هدم، فيُصدم عندما يرى نتيجة التغيير التي يربو إليها مجرد حطام!! لا أعرف الحقيقة بأي منطق قد صُدم!!

كان لفهم البعض الضيق لقضية التغيير، ووقت وآلية تحقيقها، الأسباب الأساسية في موجة اليأس والإحباط التي تغمر أجيال شابة بأكملها، فتشعر أن الشباب قد أصابه بؤس الشيخوخة ووهنها!

التغيير هو أصعب القضايا التي تتعلق بحياة الأمم والشعوب، وبتقدمها وتأخرها، فهو العملية التي تنتقل خلالها الأمم من طور متخلف إلى آخر أكثر تقدمية وحداثة، وتتعلق قضية التغيير بالأساس بقدرة الطبقة الوسطى على تقبل تلك العملية وفهمها، فالطبقة الوسطى هي المحرك الأساسي لتلك العملية، فمتى كانت تلك الطبقة متعلمة ومثقفة، كانت عملية التغيير سلسة ويسيرة، ومتى كان وعيها محدودًا، وأفقها ضيق، كان التغيير صعب المنال، لذلك نجد أن أنظمة الحكم التي تجثم على أنفاسنا منذ يوليو 52 تسعى إلى تسطيح وعي الطبقة الوسطى، عن طريق تقديم خدمة تعليم رديئة، وإعلام موجه ومسف بشكل فج، يهبط بذوق الناس ويحط من وعيهم. حتى الفنون والسينما والرياضة باتوا معاول هدم أكثر منها أدوات بناء مواطن صالح للحياة الآدمية!

كان ذلك كله محاولة لاستمرار تحكُّم مجموعة من المنتفعين في مقدرات هذا الوطن، وإدارتها لصالحها وفقط، ولكن أحيانا ما يتوارى السم في العسل، فكان للانفتاح والعولمة آثرهما السيئة على الزمرة الحاكمة، فبقدر ما انتفعت بهما، ولجت الأجيال الشابة إلى عالم الإنترنت حيث المعلومات المتدفقة بسهولة وسرعة فائقة، فقرأوا عن الثورات، والحقوق والحريات، وعرفوا عن قرب نضال جيفارا ومارتن لوثر كينج، تناقلوا فيديوهات التعذيب، غضبوا، وتمردوا وثاروا، امتلأت الشوارع بالغاضبين، صيحاتهم تحطم جدران من السكون والخنوع لسنين طويلة، اتفقوا على رفض نظام، ولم يعرفوا أبدًا ما البديل عنه، ضحى النظام برأسه، ثم أمّنه لاحقا، فنعم بحياة هادئة على سواحل شرم الشيخ تداعبه ذكريات الحكم والاستبداد بخلق الله!

لا ألوم أحدًا على قلة خبرته، لكن ألوم من يتشبث بالبقاء نفسيًا وزمنيًا في يوم 11 فبراير وكأنه لم يتعلم شيئ طوال الأعوام الماضية، كل ما أعرفه ونسعى إليه الآن أننا لابد أن نقدم بديل حقيقي عن نظام أثبت قدرته على التواجد طالما لم يوجد بديل، فهكذا قوانين الطبيعة لا تعرف الفراغ!

لكن البديل وحده لا يكفي، فربما يوجد البديل القوي، لكن لا يوجد من يختاره ويؤيده، ولذلك لابد أن نسعى لتوعية وتثقيف الطبقة الوسطى، نستطيع أن نفعل ذلك عن طريق تكاتف المجتمع المدني (أحزاب وجمعيات أهلية وتنموية) في تصميم برامج توعية ليس من الصعب العمل على نشرها وتفعيلها في زمن نتناقل فيه المعلومات في جزء أقل من الثانية، ببساطة الحل في أيدينا، فكما اتفقنا على رفضنا لما لا نريده، نستطيع أن نتفق الآن على ما نريده، وسيتحقق التغيير فقط إن بدأنا الآن السعي الجاد نحوه، وبدلاً من أن نعيش على هتافات الثورة، سنعيش في دولة الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد