الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية الهوية في الرواية الهولندية ``Bad Boy``

نجاة تميم

2014 / 12 / 25
الادب والفن


"وُلد أمير سليم ثلاث مرات". بهذه الجملة الاستهلالية، تبدأ الرواية الموسومة "الفتى الشقي"، التي صدرت يوم 28 تشرين الاول 2013 عن دار النشر أربيدسبريس في 353 صفحة من القطع المتوسط، للكاتب الهولندي، من أصل مغربي، عبد القادر بنعلي.
"كانت ولادة أمير الأولى كصبي رابع من فاطمة ومحمد سليم. والولادة الثانية كمقاتل على حلبة الملاكمة. أما المرة الثالثة فكانت في بداية صيف عام 2012، عندما كُلف القيام بمهمة مرشد سياحي في المغرب." ص11
بعد أن يقدم لنا السارد العليم نبذة عن عائلة أمير سليم، تبدأ القصة من بدايتها. يطلب المدرب فرنانديس من الشخصية الرئيسة أمير أن يسافر للبحث عن ابنته، جينا، المفقودة مع مجموعة سياح هولنديين في المغرب. ويسرد لنا قصة أمير وسبب ذهابه أو بالأحرى هروبه إلى المغرب. ويكون الزمن السردي أسبوعا، بدءًا من مغادرة أمير أمستردام إلى عودة السياح إلى هولندا. وخلال هذا الأسبوع بالمغرب، الذي يمتد على مدى ستة وثلاثين فصلا مرقما، نتعرف على أمير الذي بدأ الملاكمة (الكيكبوكس) وهو في الرابعة عشرة من عمره في أحد أندية الملاكمة المنتشرة في حيه الشعبي بشرق أمستردام. اشتهر أمير بذكائه وخفته وسرعة حركاته. فكتبت له نجاحات وهو مازال صغير السن. وأصبح ملاكما مرموقا، غنيا ومثلا يحتذى به في وسط الشباب من أصول المهاجرين. لم تتحمل قوى خفية، "اللامرئيون"، صعوده الكاسح. فأصبحوا يتربصون أقل زلة منه. ففي أحد الأيام خلال حفل راقص مع صديقته "شانيل"، اعترض طريقها أحد الأغنياء، الذ ي كان مديرها سابقا، فكان أن أدبه أمير بشكل عنيف. انتشر الخبر بالإعلام ونصحه مدربه "فرنانديس" بالسفر إلى المغرب إلى أن تهدأ الأمور وفي نفس الوقت كلفه بالبحث هناك عن ابنته "جينا" التي افتقد أخبارها.
هكذا كانت ولادة أمير الثالثة كمرشد سياحي بالمغرب، الوطن الأم لوالديه، الذي ليس له ذكريات به. فيقول له أخوه الأكبر بأن موطنك الأم هو البلد الذي ما زالت ذكرياته عالقة بذهنك.
عندما وصل أمير إلى قرية "ستيشنزي" قرب مدينة الراشيدية، ليحل محل المرشد السياحي المختفي، احس بالوحدة؛ شعور غريب لم يحس به من قبل، بالأحرى قد شعر به على الحلبة لكن بشكل مختلف. آنذاك كان آلاف المتفرجين يلتقطون كل حركاته.
لقد سبق أن أحس أمير سليم بالوحدة والخوف أيضا؛ عندما كان طفلا أخذته أمه يوما لزيارة ولي صالح في منطقة نائية. وتركته في غرفة هذه البناية البيضاء وقبل أن تقفل الباب وراءها أوصته بالالتزام بثلاث شروط لكي يصبح رجلا؛ أن لا يبكي إذا خاف، وأن لا يناديها إذا لم يسمع صوتها، وأن يبقى جالسا ولو أراد الالتحاق بها.
على أبواب قرية "ستيشنزي"، لبس أمير الجلباب الذي اعطاه إياه سائق التاكسي لكي لا يلفت أنظار السكان المحليين. وتوصل إلى نتيجة أن الناس، هنا، بدل من أن يخشونه كما اعتاد على ذلك، أصبحوا يتعاطفون معه. إنه يخفي للمرة الثانية هويته، بعدما غيَر اسمه من أمير إلى ياسين. "أمير. وداعا، ياسين أهلا وسهلا."ص 74 ويرجع الفضل إلى تسميته "أمير" إلى العم الذي خلص القبائل البربرية بشمال المغرب من الاستعمار الإسباني. وتاريخ المغرب المعاصر لا ينسى المناضل عبد الكريم الخطابي الذي ما زالت تلقبه قبائل الأمازيغ بالأمير.
"اسم. أحيانا، الاسم هو فقط اسم. وأحيانا يعني الاسم شيئا آخر. لعنة. تأكيد. نداء. عقدة في سلسلة الزمن. سجن."ص 82
يعد والد أمير أولاده ضيوفا في هولندا. لكن أمير لا يوافقه الأمر." كانوا مواطنين، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. ولو أن ذلك ليس صحيحا. يجب أن يُغزى العالم. كنتَ مواطنا على ورق ومقاتلا في الواقع."ص149 وهذا ما أكده يوما صديق الطفولة "مو" (محمد) الذي لم ينس فضل أمير في انقاذه من الأولاد في ساحة المدرسة. طلب "مو"، الذي أصبح محاميا ناجحا، من أمير في اتصال تلفوني أن يكلفه للدفاع عنه. يحس "مو" بمرارة الانتقام وضرورة كسب القضية ويصرخ: " يجب أن نقاتل من أجل حريتنا." ص158
قضية! قتال من أجل الحرية! تصور موقف أمير، الذي يملك الآن بيتا ضخما في حي الأغنياء؛ جنوب أمستردام، بعد أن أوقفته الشرطة في شرق أمستردام، وهو في طريقه لزيارة والديه. ويضطر لفتح سيارته البورش الفخمة ويخضع للتفتيش عن المخدرات. "وذلك تحت أعين أطفال حيه الشعبي الذين يصفرون احتجاجا على معاملة الشرطة لبطلهم ولكي يؤكدوا له أيضا الإحساس بأن الغنى والنجاح لن يوفرا له الحماية وأنه سيبقى شخصا فاشلا."ص56
"ربما [وليس غريبا] أن يكون أمير مسكونا من أحد، يفرض وجوده بين الفينة والأخرى. كان أيضا جنيا... هذا الجني عنيف جدا وكله مشاعر جياشة. يريد كل شيء أو لا شيء...لا يرضى بسهولة. يريد كل شيء لكي يستطيع أن يخسره فيما بعد بكل طيبة."
إننا نجد أنفسنا أمام شخصيتين متناقضتين، ربما وجهين لعملة واحدة؛ أمير الملاكم الذي صنعه عالم خاص وياسين المرشد السياحي الذي يهرع لمساعدة السياح ويتحمل متاعبهم. والدليل على ذلك أن جينا و"علي" سائق التاكسي لاحظا بأن أمير إنسان ظريف ولم يصدقا بأنه ملاكم.
المرأة وبلورة الهوية
فبعد محاولة الأم فاطمة أن تجعل من طفلها أمير رجلا، صممت أن تسجله أيضا في نادي الملاكمة (كيكبوكس). لم يكن الأب محمد سليم راضيا على ذلك لأن هذه الرياضة تجلب المشاكل مع العالم السفلي. لكن فاطمة كان لها ما أرادت. كانت سند أولادها.
كان عمر أمير سبعة وعشرين عاما عندما تعرف لأول مرة على شانيل، التي كانت أمه تستقبلها بحفاوة وتهتم بضيافتها. أما إسمها الحقيقي فهو ماريولين، فتاة ذو شعر داكن اللون وقوام رشيق. كانت عارضة أزياء. فتحت بعدها مكتبا لتزويد شركات الاعلانات وعالم الازياء بعارضات جدد تلتقي بهن أحيانا في الأسواق . لكن وقع خبر وفاة إحدى عارضاتها بمرض القَمَة anorexia كان صاعقة بالنسبة لها. دمر حياتها العملية والشخصية، لأن عالم الأزياء حملها المسؤولية .. وهُمشت بذلك داخل عالم الأزياء. لم تتحمل شانيل الصدمة فأصيبت بالإحباط والكآبة. أما أمير فلم يستطع أن ينقدها وهي التي كانت تسنده وتدعمه. كان يحبها ومعجب بها؛ "لأنها كانت تعرف كيف تسمي الأشياء بمسمياتها التي لم يستطع هو أن يجد لها اسما. كما كانت تعبر عن أشياء بكلمات لم يكن يعرف أن هذه الأشياء لها أسماء."ص 143 لكنها لم تصمد. استيقظ أمير يوما ولم يجد لها أثرا في البيت. خرج يبحث عنها فوجدها غارقة في أحد قنوات متنزه قريب. كانت صدمة!!! تزوجته رغم عنصرية ابيها التي كانت أمها تسميه "كاره الأجانب".
إن أمير يحب أمه جدا فهي تمثل له الحضارة، هكذا يصفها لصديقته شانيل. ص144 كما أنه يعتقد أحيانا أن أمه تصغر بدل من أن تكبر في السن. أما أخواته الثلاث فهن ناجحات في حياتهن الخاصة والمهنية. يعملن محاميات في مكاتبهن الخاصة. وإخوانه الثلاثة أيضا مستقرون في حياتهم.
أما جينا التي قررت البقاء في المغرب للهروب من السلبية والضغط النفسي في هولندا، كانت تعتب على أبيها فرنانديس، السورينامي الأصل الذي عانى كثيرا من ممارسة العنصرية ضده حتى من قبل والد زوجته الذي رفض زواجه من ابنته. فيبدو أن فرنانديس ينتقم من المجتمع الهولندي ويعكس معاناته على زوجته بضربه لها شهرا كاملا. لذلك لم تغفر جينا لأبيها بعكس أمها التي كانت تقول لها أنه لم يكن في وعيه. لكن فرناديس، مدرب أمير، لم يسلم من القوى الخفية، لقد اغتالوه كما سبق أن اغتالوا الملاكم الناجح أنور طاهر.
التناص: مجرد تلميح
ليس من الصدفة أن يذكر بنعلي، في روايته "Bad Boy"، فقط عناوين ثلاثة كتب، بدون أن يدخل في التفاصيل. ويا ترى ما هو وقع هذه العناوين ومكانتها في هيكلة بنية النص السردي؟ لقد ترك بنعلى حرية تأويل وتفسير ذلك للقارئ.
كان أمير طفلا هادئا لكنه لا يتكلم. فكان أول ما نطق به هو ترديده أثناء درس القراءة عنوان كتاب (صدر عام 1969 وترجم إلى لغات عديدة)،"Rupsje nooit genoeg -"The Very Hungry Caterpillar للكاتب الانجليزي إريك كارل. يتحدث هذا الكتاب عن دودة لا تتوقف عن الأكل إلى أن أصبحت فراشة. كان أمير يردد باللغة الهولندية؛ لغته الأم التي بدأ يتحدث بها: " أنا الدودة التي لا تشبع". آنذاك فرحت أمه فاطمة وطلبت من ابنها الأكبر كتابة رسالة شكر، لكن لمن؟
أما الكتاب الثاني فهو السيرة الذاتية لمحمد شكري الذي كانت "جينا" ابنة فرنانديس تقرؤه أثناء إقامتها بالمغرب؛ "الخبز الحافي"، الوجه الآخر للمغرب السياحي. فلماذا تقرأ جينا هذا الكتاب بالذات؟ السيرة الذاتية لمحمد شكري، الكاتب الملعون الذي مُنعت كتبه في عديد من الدول العربية لاستعماله لغة مستفزة وكسره حواجز التابوهات وتصويره لأوضاع قاسية ومؤلمة صادمة. ربما لهذا السبب أو لغيره فضلت جينا البقاء بالمغرب.
لكن قصة الكتاب الثالث للكاتب البرازيلي باولو كاولو بعنوان" الزهير" Zahir (2004) أو الظاهر ربما ترسم لنا صورة ما نراه حقا أو ما نتصوره وعلينا التعمق شيئا ما لكي نرى باطن الأشياء وربما تأملا فلسفيا بسيطا يساعدنا على حل ألغاز عقد هذه الحياة. ويهتم هذا الكتاب بالبحث عن الذات وهويتها وبالحوار النفسي للشخص نفسه ومع نفسه. فبعد أن فقد البطل زوجته، مراسلة حرب، ذهب إلى أبعد البلدان للبحث عن المواساة فلم يجدها إلا في دواخله، آنذاك وجد الحب أيضا. أما أمير، فبعد اكتشافه جثة شانيل، ترك رسالة داخل كتاب باولو، هدية شانيل له، طالبا الاتصال بأهل شانيل وموضحا مكان وجود الجثة. هذا ما حكاه أمير لجينا التي وجد بها شيئا يشده إليها فقرر البقاء بجانبها.
لم يكن أمير انسانا سيئا، حسب جينا، فتراه انسانا ظريفا وليس مقاتلا. وتقول له: "إذا أنظر إليك فإنني لا أرى انسانا مقاتلا وإنما ثقافة مبهمة، غير واضحة، تخلق طقوسا وأحداثا، هذا الانسان نفسه لا يفهمها. أنا أرى رجلا أريد أن أتعرف عليه." ويجيبها أمير: "إقرئيني كما تريدين." ص252
إن عبد القادر بنعلي، كاتب وروائي ومعد برامج ومتابع لما يجري حوله، يتلمس نبض مجتمعه وعلى إثر ذلك يقيس هذا النبض ويتفاعل معه. وقد كانت قصة الملاكم بدر هاري ( أو الهواري) و سلوكياته، وكيف تهاوى هذا البطل من القمة التي تربع عليها بجهد وتعب ولكمات إلى الهاوية بدون رحمة، هي منبع الهام بنعلي في كتابة هذه الرواية الخيالية وليست سيرة حياة بدر على حد قوله. أما عنوان هذه الرواية " Bad Boy" فهو أحد الألقاب باللغة الانجليزية التي أطلقت على بدر هاري مثل Golden Boy وغيرها.
أثيرت ضجة إعلامية حول هذا الملاكم الهولندي-المغربي بسبب التهمة التي وجهت له لاستعماله العنف ومحاولة قتل رجل أعمال هولندي إثر ظهور بدر مع صديقته "أستر" في حفل راقص ضخم. ومن يومها تلاحقه الصحافة. لكنه عاد إلى الأضواء بعد قضائه ثمانية أشهر في السجن، وشارك في مبارزة عالمية، أثبت خلالها فوزه بجدارة وذكاء. هذا الفتى الذي ُولد وترعرع في حي شعبي في شرق أمستردام، بدأ من لا شيء فأصبح من أشهر الهولنديين، يخشاه الكثيرون وأصبحت حالته الجديدة تهدد جهات خفية. ومازال ملاحقا من قبل القضاء وسيقدم للمحكمة في بداية عام 2014. أما بنعلي فيؤكد، في أحد المقابلات الصحفية، أن هذه الرواية سترى النور، قريبا، على شاشات السينما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما