الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغاية المستحيلة..

سامي فريدي

2014 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سامي فريدي
الغاية المستحيلة..
عمانوئيل – 3
ما تزال الأرض زاخرة بالأعاجيب والألغاز والمفلقات العصية على التفسير والتبرير.. وما تزال العظمة والمهابة والسحر والجمال تبهر المرء وتعجزه عن النطق..
لقد نجح الانسان في تغيير الكثير من وجوه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والانظمة السياسية والدينية حتى الآن.. ولكن كلّ ما أنجزته العلوم والحضارات لا يشكل قطرة في فك طلاسم الكون والطبيعة.. وكلّ تكنولوجيا العالم غير قادرة على التحكم في اعصار أو ردّ فعل فيضان.
بعبارة واحدة.. ما زال الانسان طفلا في مدرسة الطبيعة.. وما زلنا شبه أميين في قراءة أسفارها المشفرة بغير حروف..
حاولت النظرية الذرية الاجابة عن أسئلة الكتلة والحركة في الطبيعة، وما يزال البحث جاريا لما دون النواة والالكترون، لكن السياق العام للنتائج المستخلصة لا يأتي بجديد.. ولا يجيب عن سرّ الجاذبية المتحكمة بالكون، ولا يفك لغز برمودا والثقوب السوداء الكونية.. بل هي لا تقدم تفسيرا لأمراض الحصبة والربو والسرطان.
ترتبط الحياة الأرضية بالزمن. وهذا ينقسم إلى فصول مختلفة حسب نسب الحرارة والمطر. ويستند التقويم البشري إلى حركة القمر ومدارات الشمس، ومنه حساب الليل والنهار.. وكلّ أسباب هذه كائنة خارج الأرض. ولقد ربط الانسان القديم بين تلك المتغيرات الأرضية والظواهر العلوية. حيث تشكل العوامل الخارجية – غير المادية- سبب تباين الجماد عن الأجسام الحية، وكانت أمور الولادة والموت والحظ والسعادة -وما زالت- تشغل العقل البشري بدون طائل.
ان تاريخ الانسان على الأرض هو تاريخ الصراع، ليس بين قدرة الانسان وقوى الطبيعة، وانما بكلمة أدق، بين إرادة الانسان وإرادة الطبيعة. انه قصة التحدي العجيب والعنيد. ان محاولة الانسان في اختراق ظواهر الطبيعة وفكّ طلاسم الغيوبات، هي جزء من محاولة (استعادة) دوره الخلاق الرائد في القيادة والسيادة والتحكم.
فالمعرفة، والقدرة التقنية، والرؤية المسبقة، كلها عناصر تؤطر حلم الانسان وطموحه لحيازة التفكير الشمولي الكامل. التفكير الشمولي الكامل يعني تحقيق درجة الانسان الكامل. الانسان الكامل – في حال تحققه- انما هو يوازي مرتبة (إله). لكن هذا مجرد استنتاج سطحي ضعيف، اعتمد معايير العلم والتكنولوجيا التي لا تتجاوز نطاق الفيزياء والبيولوجيا المادية. ماذا عن الصلاح والضمير والكمال الأخلاقي، وماذا عن الخلود والخلق وإعادة التكوين.
الواقع.. ان صراع جلجامش لم يكن من أجل الصلاح والكمال الأخلاقي، وانما اقتصر على الخلود والخشية من الموت. وما يزال دأب البشر حتى اليوم يتعلق بالخشية من الموت وعذاب القبر وأهوال الجحيم. أما الكمال الأخلاقي ومفهوم الصلاح، الذي هو سمة جوهرية في (الألوهة) الأزلية فخارج تفكير الانسان، بل خارج مستطاعه.
الانسان الكامل- الانسان الفاضل- الانسان الحكيم؛ الكمال والفضيلة والحكمة كما تواردتها الفلسفات القديمة، محاولات يتيمة في أسفار الحلم والتمني.
في باب الحكمة والفضيلة يذكر التاريخ امثلة من طراز جوتاما بوذا الذي اعتزل الحياة ونبذ الحاجة وهجر المجتمع إلى حالة متصلة من الزهد والتأمل والتوق والتسامي الذي رفعه الى مرتبة الخلود التي عجز عنها جلجامش. ويخبرنا التاريخ أيضا عن ايوب البارّ وسليمان الحكيم وسجل من مدارس الزهد والتصوف والحكمة باتجاهات ومستويات عدة. أكثرها تركّز حول الذات والانسحاب من الحياة العامة والترفع عن حاجات الجسد والغريزة على أمل الخروج من الواقع وسحق الألم والتحليق في مرتبة الروح.
وهذا يعني أننا أمام مدرستين..
- مدرسة تعتمد التقدم العلمي ووسائله المادية طريقا لبلوغ السيادة الكاملة.
- مدرسة تعتمد المبادئ الخلقية والتدريبات الروحية لبلوغ الكمال الأسمى.
ولكن كلا منهما يؤمن بأن القوة (العلّة) العظمى هي علوية سامية خارج فضاء الأرض والمادة.
هل ثمة بديل ثالث أو احتمال جديد.. أم أن نهاية الانسان قد حانت، وأقدامه تراوح في نفس المكان ودوامته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوركينا فاسو تطرد دبلوماسيين فرنسيين في خطوات لتصفية الوجود


.. الرئيس الإيراني: عملية الوعد الصادق كانت خطوة ضرورية وتعتبر




.. لماذا غرقت دبي في الفيضانات؟


.. مقتل اليوتوبر العراقية الكردية غيروز أزاد في إربيل رميا بالر




.. بركان إندونيسيا: حمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان