الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فردوس أم جحيم..

سامي فريدي

2014 / 12 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(عمانوئيل 4)

كافح الانسان عبر التاريخ وما يزال يكافح.. والتقدم الحضاري ومنجزاته الكونية بلغت شأوا لا يستهان به.. لكن ذلك لم يقرب الناس من الفردوس.. وانما العكس. فالتجربة الأميركية المعاصرة تؤكد أنه كلما ازداد التطور التكنولوجي والالكتروني، ازدادت البشرية ولوغا في الوحشية والهمجية والتخلف.
وبدلا من تيسير شروط العودة للفردوس (المفقود) [lost paradise] على أثر الصحوة الأوربية الحديثة [Renaissnce] والخروج من نفق الفترة المظلمة، ادلهمت صورة الحياة على الأرض وعادت شريعة الغاب والعنف، وأصبحت أشباح الجحيم تحتكر بطولة أفلام هوليود وبرامج الكارتون ويوميات الأخبار.
لقد كان المبرر الاخلاقي الأول للدراسة والعلوم هو تحسين أنماط الحياة وأنظمة العلاقات الانسانية.. واليوم لا توجد دولتان على وفاق، ولا شعبان جاران في تفاهم.. والحروب والصراعات والدسائس والأطماع والتحالفات الشريرة الهدامة محور العلوم السياسية والاقتصادية وفن الاعلام والاتصالات.. ان صورة العالم الدولية مرعبة وقانطة.. ادخل بوش ينيور الأمريكي مصطلح (محور الشرّ) في السياسة الدولية الحديثة، إطارا لتدمير البلدان والقوى غير الخاضعة للتوجهات الأميركية. واستحيى من التوراة مقولة: [من ليس معنا فهو ضدّنا]!. وهكذا دقّ اسفينا في شعارات [السلام العالمي والأمن الدولي والحريات والدمقراطية] التي تجتهد الجمعيات والمنظمات الأميركية الاتجاه والهوى ترويجه اعلاميا في كل العالم، رغم موته [السلام والحرية] المحقق على ارض الواقع. ففي ظل الامبراطورية التي كانت وراء تأسيس عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة ونشر لوائح السلم الدولي وحقوق الانسان والكثير مما يدعى منظمات المجتمع المدني والتنمية الدمقراطة ودعم الحريات في العالم، استعادت الذاكرة البشرية تقاليد قطع أعناق البشر على الشاشة الفضية، ومظاهر الخطف والسبي وبيع الفتيات والنساء لأغراض البغاء والقنانة، وبلغت معدلات العنف والحروب والأزمات الدولية والمحلية ارقاما قياسية جديرة بالقرن الحادي والعشرين. وعلى الصعيد الشخصي اضطردت مناسيب الانتحار ومعاناة الوحدة والاكتئاب إلى حدود خطيرة، بدء بالمجتمعات الأميركية والبريطانية، مقابل انتشار ظاهرة استخدام العنف الفردي والقتل المباشر لأسباب عنصرية أو دينية أو نفسية. وبينما تعاني الولايات المتحدة من تبعات مقتل الشبيبة السود بأسلحة الشرطة البيض، استقبلت المملكة المتحدة بروح رياضية مشاهد ذبح مواطنين في شوارع لندن، بينهم جندي انجليزي.
لقد شكل ظهور آدم سمث نقطة افتراق السياسة والعلوم عن الأخلاق، ولم تنجح الطروحات والنظريات الاجتماعية والاشتراكية في إعادة الاعتبار للمبادئ الخلقية السامية في المجتمع الانساني. وذلك لسبب واحد.. ان المجتمع العالمي اليوم أكثر عبودية واستلابا في ذاته من أية مرحلة بدائية وهمجية سابقة في فجر التاريخ.
فقد جاءت حركة العلوم والنهضة الفكرية الحديثة مرافقة لظهور حركة القرصنة والاستعمار التي تطورت إلى الأوهام الامبراطورية الغربية. وفي سعيها لتأمين مصادر قوتها وأسباب تطورها ، جعلت من مؤسسات الدولة والمؤسسات العلمية والاجتماعية أسيرة نفوذها. وتمثل الولايات المتحدة النموذج الأول والمثال الحيّ في هذا المجال. كلّ شيء هو في خدمة (المشروع والمنظور الأميركي للمستقبل) عبر سياسة الهيمنة الكاملة. ويشكل مفهوم الأمن القومي الأميركي أكثر تلك الأغطية ذرائعية، وأكثرها ضبابية وغموضا واتساعا.
ومنذ وقت مبكر في منتصف القرن الماضي، نجحت السياسة الأميركية في اجتذاب العلماء والمفكرين والدبلوماسيين اليهود وغير اليهود من بلدان العالم، ولم تتورع عن خطف واعتقال العلماء الألمان والروس والعراقيين وتسخيرهم لخدمتها او تضييعهم ومحو أثرهم حتى اليوم.
ثمة احباط عام وشامل انتهى اليه مشروع الحداثة (الأوربية) للقرن العشرين المنصرم.. ويجد الكثير من العلماء والأدباء والمثقفين وبقية الشبيبة العلمانية المثقفة أنفسهم في نفق مسدود، ليس وراءه غير الصمت والتقاعد أو اعتزال الحياة أو الانجراف في الموجة الأميركية والميديا الجديدة.
المشروع الأميركي ليس بديلا للاشتراكية الماركسية او الرؤية التروتسكية ولا القومية الاجتماعية أو الاشتراكية المسيحية أو الدمقراطية الشعبية..انما هي تفكيك وتدمير لكل البنى والرؤى والهياكل والكيانات ودفعها إلى حالة من فوضى وهمجية محلية، بما يدمر أية نية لاستعادة الذات أو بلورة نفسها في مضمون جديد، وهكذا تستبد الرؤية الأميركية باعتبارها الاحتمال الأكثر رسوخا وتماسكا وفدرة على الهيمنة ثقافا وعسكريا.
هذه المرحلة الشائكة التي تدفع بها الولايات المتحدة المجتمع العالمي ومؤسساته الاجتماعية والسياسية والدينية اليها، يشبه ما حدث بين القرنين الثامن والثاني قبل الميلاد من صراع الهويات الثقافية والقومية، والذي انتهى بدمار الامبراطوريات والهويات الحضارية الاشورية والبابلية والمصرية والاغريقية، وجعل من مجلد أسفار التناخ اليهودية المرجعية الدينية والثقافية والتاريخية والسياسية للشرق الوسط والعالم القديم، حيث شهدت تلك الفترة جمعه وترويجه وترجمته للغات الارامية والاغريقية العالمية يومذاك. ومنذ ظهور ترجمته الاغريقية وحتى اليوم ما يزال المصدر الأكثر سيادة وتأثيرا في الثقافة والسياسة واللاوعي البشري.
ةعلى خطى الامبراطوريات الرومانية والأوربية اللاحقة، تشكل سطور [The Bible] منطلق المشروع الأميركي والسياسات الدولية واملاءتها المحلية. بينما يبدو العالم مصعوقا أو فاقدا للنطق والارادة.. وقليل من يستذكر صورة الأرض اليوم..
هيروشيما ونكازاكي- فيتنام الشمالية- ألمانيا - تشيلي- الأرجنتين- كوبا- المكسيك- روسيا- أفغانستان- العراق- ليبيا- أوكرانيا- سوريا- كوريا الشمالية....... !!
أميركا ظهرت للوجود تحت غلالة العالم الجديد الذي اجتذب المتطلعين للفردوس.. فردوس الذهب والدولار وأوهام الثروة التي أسست قواعد الجحيم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على