الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القناعة صدأ النفوس!..
سامي فريدي
2014 / 12 / 27الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(عمانوئيل 5)
"اذا وجدت يومك مثل أمسك، فاعلم ان ثمة خلل في حياتك!".
يعتقد البعض أن التربية/ الثقافة الأميركية تشجع التمرد وتحث على التفكير المختلف. وهذا غير صحيح واقعيا. فالولايات المتحدة تتفوق على كل دول العالم في أعداد وانواع السجون والبوليس والجيش. وهو ما ينطبق على التفاصيل المملة لقوانين عقوباتها وما تمنحه من صلاحيات مفرطة لرجل البوليس.
السبب هو بكل بساطة، هو قناعة المشرع الأميركي أن السجن أفضل مدرسة تربوية للانسان. وأنه بدلا من تعليم الأطفال مبادئ التربية والأخلاق والعلوم في بيئة العائلة والمدرسة، فالأفضل دفعه للسجن تحت أي ذريعة – سكر / عنف- مثلا، وهناك يبدأ في تعلم حدود الطاعة والرضوخ.
الثقافة الأميركية، التي هي اليوم ثقافة عالمية، يتباهى ويتسابق كثيرون فيها – في الشرق والغرب- لا تختلف في أصولها وأغراضها عن الثقافة الشرقية البالية – كنا نعتبرها بالية ومتخلفة حتى ما قبل الربع الأخير من القرن العشرين!-. ذلك ببساطة لأنها ثقافة توراتية محافظة (!!)، لكنها مثل النباتات الصناعية البلاستيكية، تفتقد الجذور الاجتماعية والهواء والضوء الطبيعيين. هذا الطبيعي المفتقد يجري تعويضه بالسجن. هناك تموت كلّ الأسئلة وينتحر المنطق ويغيب الحق والقانون، لتتلألأ رغبة الشرطي وسطوته.
المجتمع الأميركي ليس له أب. الأب الذي يربّي ويؤدب ويوجه. السجن – هو البديل- الذي يربي ويؤدب ويوجه. وأفضل التربية ما يكون بالعصا. والعصا ممنوعة التداول في القوانين الغربية المدنية. ولكنها في السجون تستغل غياب القانون أو جهل الشرطي أو العسكري المريض نفسيا أو عقليا، كما يحدث في جرائم القتل الجماعية في الجيش الأميركي غالبا. فالتربية الأميركية (العلمانية) تقوم على أمثال سليمان التوراتية [لا تمتنع عن تأديب الولد، إن عاقبته بالعصا لا يموت. اضربه بالعصا، فتنقذ نفسه من الهاوية/ 23: 13، 14]، كما تقوم سياستها الخارجية على سفر يشوع بن نون.
في المجتمع الشرقي العريق الذي اجتاز مراحل قاسية من المعاناة والحروب والحاجة للاستقرار، انتهى إلى دروس تربوية واخلاقية حول قيم العائلة والأبوّة والبنوة ومركزية الأب في العائلة والثقافة الاجتماعية المنظمة للمجتمع. الأساس في تقاليد التربية الشرقية هي الطاعة والقناعة. [الطاعة ضد الفوضى، والقناعة ضد الطمع والعنف].
الثقافة الغربية/ الأميركية التي تستقي جذورها من التوراة، ليست ضد الطاعة والقناعة [حكمة الشرق القديم] ولكنها ضدّ السلطة المركزية للأب في الشرق [Patriarchism]، وضد الهوية الشرقية للحضارة[Orientalism]. لذلك عمدت الحداثة الغربية والغزو الثقافي الأميركي لتدمير البنى الاجتماعية الهيكلية لمجتمعات الشرق، وإعادة بنائها وفق طراز غربي مصطنع، يحتفظ بمرجعية الغرب المركزية للحضارة والثقافة والسيادة والمستقبل.
لذلك لم ينته الاحتلال الغربي وبرامج الحداثة إلى تطوير الحياة في الشرق ورفع مستويات الرؤية والتفكير والتقدم، وانما نجحت بامتياز في تدمير الانسان الفرد وانجاز الخراب الاجتماعي وتشويه المرتكزات الهيكلية للعائلة والجماعة والمجتمع [وصولا لمفهوم الشعب والأمة والهوية الوطنية].
وتوجد في القليل وثيقتان كاملتان جاهزتان في الأرشيف العالمي للدراسة والتحليل والمناقشة، أولهما: موقف مجلس الأمن الدولي من العراق – دولة وشعبا- في الفترة [1990- 2003م]، والثانية: السياسة الأميركية الرسمية وغير الرسمية وممارساتها في عراق الاحتلال للفترة [2003- 2013م]. وتعتبر هاتان الوثيقتان من أفضل التجارب والبرامج النموذجية الناجحة في التاريخ البشري [التدمير وإعادة الهيكلة الاصطناعية]. ولا يعني هذا انعدام مثيلاتها، ولكنها ليست بنفس الدقة والوضوح. فثمة تجارب مبطنة وطويلة للسياسة الأميركية في مصر ، تايلند، المانيا الغربية ، ولكن ليس بالوضوح والنجاح والسهولة.
هذا القطع السياسي [الدولة، الاحتلال الغربي] شكّل نوعا من الهروب من الراهن، أو قفزة في المستقبل.
فالفرد الذي كانت له اهلية عقلية واجتماعية لتقرير مساره الشخصي، المنفرد أو الجماعي ضمن التيار السائد، يعاني الان من تدمير البيئة الاجتماعية والحاضنة الثقافية، وبالتالي.. تعوزه الأهلية الفكرية، والامكانات الاجتماعية والمدنية اللازمة في البلاد، وربما في المنطقة والعالم، الخاضعة جميعا لنفس المشروع والرؤية – الأميركية- منذ انفرادها بقياد العالم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الإدارة الأميركية تبحث إنشاء قوات متعددة الجنسيات لحفظ السلا
.. شاهد| دوي اشتباكات عنيفة في محيط مستشفى الشفاء بغزة
.. بينهم 5 من حزب الله.. عشرات القتلى والجرحى بقصف إسرائيلي على
.. بعد سقوط صواريخ من جنوب لبنان.. اندلاع حريق في غابة بالجليل
.. أميركا ترصد مكافأة 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن -القطة ا