الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطيعي أو مقطوعي..!

سامي فريدي

2014 / 12 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سامي فريدي
قطيعي أو مقطوعي..!
(عمانوئيل 6)
بكلّ أرضٍ وطأتها أممُ.. ترعى بعبدٍ كأنّها غنمُ

مليارات من البشر مرّوا من ذاكرة هذه الأرض.. ومليارات يمرّون هاته اللحظة.. كم فردا منهم وجد نفسه غريبا محتاراً أمام أسئلة الوجود والحياة والمجتمع!.. أولئك هم الفلاسفة والمفكرون والمتفردون المنفردون، الذين عاشوا داخل أنفسهم أكثر مما لأنفسهم، وعملوا داخل أذهانهم أكثر مما في مجتمعاتهم.
عندما أبلغ الطبيب الايرلندي الفيلسوف النمساوي [Wittenstein] (1889- 1951م) أنه سيموت خلال أيام، كان آخر ما فعله هذا الأخير، أنه أخذ ورقة وكتب عليها جملة واحدة لأصدقائه: [لقد عشت أحسن حياة!]. هل كانت تلك سخرية من نوع ما، ام انتقاما من الحياة نفسها. ذلك الذي قال لنفسه: [أريد تغيير كلّ شيء في حياتي!]. أجاد كثيرا من الأشياء ومارس أكثر من عمل، ولكنه لم يستمر في أيّ منها. وكان يوصي طلبته في كلية الثالثوث في جامعة كامبردج أن يجدوا لأنفسهم أي عمل حرفي يعتاشون منه غير تدريس الفلسفة. هو نفسه الذي لم يكن بحاجة لعمل ليعيش. لكنه تنازل عن كلّ نصيبه من الأرث لشقيقتيه وشقيقه الوحيد، ليتغرب في الجزر البريطانية حتى الموت.
يقول المؤرخون أن أحفاد العائلة ما زالوا حتى اليوم.. يعتاشون على ذلك الارث الذي رفض الفيلسوف حصته منه. كثيرون سيصفونه بالجنون. الابن الأكبر في العائلة وريث والده الرأسمالي الكبير في امبراطورية الهابسبورغ، يتنازل عن ثروته ويعيش مثل متسول أو صعلوك خارج بلده. لكن لودفيج كان يحقق حياته بحسب رغبته ورؤيته. رفض أن يعيش حياة جاهزة مرسومة يرثها من سلفه، ليكرر طراز معيشتهم وأخطاءهم. بذلك أيضا كان ذلك الشاب الغريب خارجا على كل نمط، وعصيّا على القولبة. في الجامعة، كان طلبته يقلّدون طريقته في التفكير والسلوك وطرازه في الثياب والحركة والتمرد، بينما هو يتمرد حتى على نفسه، لكي لا يكرر نفسه أكثر مما يليق.
قليلون جدا من الأفراد، يختطون طرقهم الخاصة، ويستقلون بتفكيرهم وأذواقهم وثيابهم وقراراتهم، منفردين ومتحدين محيطهم الاجتماعي، ومتقبلين خسائرهم الحياتية والاجتماعية، المادية والمعنوية. فيما الملايين والمليارات من البشر يذوبون في مياه المجتمع ولا يجرؤون على السباحة ضد التيار. يفرحون بإرث آبائهم وأجدادهم، بطريق الحق أو القرصنة والتزوير؛ يتزوجون نساء ثريات أو أجنبيات (صفقات انتهازية) لاكتساب مزايا مادية واجتماعية، فيعتاشون ويكررون أنماطا مكررة، بكلّ سقطاتها وقباحاتها وجرائمها؛ وفي مقابل ضغطة سريعة على –زرّ- الضمير وتجميد المشاعر وبضعة دروس سريعة في الرّياء الصناعي.
الذوبان في القطيع.. أو العبودية للمحيط الاجتماعي هو قرار الانتحار الشخصي في حفلة جماعية على طريقة المراسيم والحفلات الدينية التي تقدم فيها العوائل ابكار مواليدهم على مذبح التقاليد. من لا يشارك في تلك الطقوس يوصف بالشاذ والغريب وأية وصمة ينتقم بها المجتمع من المتمردين على قوانينه المبتذلة.
فكرة القطيع التي قامت عليها ورسختها الأديان والدول والأحزاب ليست ابتكارا عبقريا، انها بكل بساطة تقليد حيواني بدائي تكشف عنه مراقبة السمك في الماء أو الحشرات والطيور في طيرانها، والحيوانات البرية وهي تهرب في اتجاه ما، هربا جماعيا.
كثيرون يذهبون في الطريق الواسع.. وكثيرون يتدافعون فيه..
ولكن قليلين يدخلون الملكوت.. قليلين جدا!..
وهؤلاء ليسوا من القطيع بالتأكيد.
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة